مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 5

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: سبزواري، سیدعبدالاعلي، 1288؟ - 1372.

عنوان العقد: عروة الوثقي . شرح

عنوان واسم المؤلف: مهذب الاحکام في بیان حلال والحرام المجلد 5/ تالیف عبد الاعلي الموسوي السبزواري .

تفاصيل المنشور: قم : دار التفسیر ، -1388

مواصفات المظهر: 30 ج.

ISBN : دوره 978-964-535-155-5 : ؛ ج.1 978-964-535-156-2 : ؛ ج.2 978-964-535-157-9 : ؛ ج. 3 978-964-535-158-6 : ؛ ج.4 978-964-535-159-3 : ؛ ج. 5 : 978-964-535-160-9 ؛ ج. 6 978-964-535-161-6 : ؛ ج.7 978-964-535-162-3 : ؛ ج.8: 978-964-535-163-0 ؛ ج.9، چاپ اول: 978-964-535-164-7 ؛ ج.10 978-964-535-165-4 : ؛ ج.11: 978-964-535-169-2 ؛ : ج.12، چاپ اول: 978-964-535-170-8 ؛ ج. 13 978-964-535-171-5 : ؛ ج.15،چاپ اول: 978-964-535-173-9 ؛ ج.14: 978-964-535-172-2 ؛ ج.16 978-964-535-174-6 : ؛ ج.17 978-964-535-175-3 : ؛ ج.18 978-964-535-176-0 : ؛ ج.19 978-964-535-177-7 : ؛ ج.21 978-964-535-179-1 : ؛ ج.20 978-964-535-178-4 : ؛ ج.22 978-964-535-180-7 : ؛ ج.23 978-964-535-181-4 : ؛ ج.24 978-964-535-182-1 : ؛ ج.25 978-964-535-183-8 : ؛ ج.26 978-964-535-184-5 : ؛ ج.27 978-964-535-185-2 : ؛ ج.28 978-964-535-186-9 : ؛ ج.29 978-964-535-187-6 : ؛ ج.30 978-964-535-188-3 :

حالة الاستماع: فاپا

ملاحظة : عربی.

ملاحظة : ج. 2 - 16 تا 30 (چاپ اول: 1430ق. = 2009م. = 1388).

ملاحظة : هذا الكتاب هو وصف ل ''عروه الوثقي ''، محمد کاظم یزدي هو .

ملاحظة : فهرس.

محتويات: ج.4. الطهاره.- ج.7، 8. الصلاه.- ج.10. الصومر.- ج.11. الزکاه الخمس.- ج.14. الحج.- ج.16. المکاسب.- ج.17. البیع.- ج.18. البیع الی الودیعة.- ج.19. الاجارة المضاربة.- ج.20. الشرکة الی الکفالة.- ج.21. الدین الی الغصب.- ج.22. الوقف الی الکفارة.- ج.23. الصیدوالذباحة الی اللقطة.- ج.24، 25. النکاح.- ج.26. الطلاق.- ج.27. القضاء.- ج.28. الحدودالقصاص.- ج.29. الدیاتج.30. الارث.

ملاحظة : یزدي، سیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي -- النقد والتعليق

ملاحظة : فقه جعفري -- قرن 14

الحلال والحرام

المعرف المضاف: یزدي، سیدمحمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي. شرح

ترتيب الكونجرس: BP183/5/ی4ع402152 1388

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1 5 6 8 0 2 8

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

المقدمه

______________________________

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين و الصّلاة و السّلام على خير خلقه محمد و آله الطيبين الطاهرين.

و بعد، فإنّ الصلاة من أقدم العبادات في الشرائع الإلهية و أعظمها في جميع الأديان السماوية نزلت حين هبوط آدم (عليه السلام)، و ستبقى إلى انقراض العالم، بها وصل أبونا آدم إلى مقام الأصفياء، و الأنبياء و الأولياء إلى المقامات الخاصة، و هي أصل الإسلام و أساسه و قد حث سبحانه و تعالى بالمحافظة عليها بأساليب مختلفة منها قوله تعالى حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ (1) و قد ذكرنا في التفسير في ضمن الآية الشريفة (2) أنّها من أعظم شؤون العبودية بل هي إسراء النفوس إلى الملكوت الأعلى و أنه بها تستقيم النفوس و تستعد للتطهير عن الرذائل. «لأنّ في الصلاة الإقرار بالربوبية و هو صلاح عام، لأنّ فيه خلع الأنداد، و القيام بين يدي الجبار» (3). و هي أوثق رابطة بين اللّه تعالى و بين عباده. و ما ذا يقال في فضلها بعد قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «حجة أفضل من الدنيا و ما فيها، و صلاة فريضة أفضل من ألف حجة» (4).

و قوله (عليه السلام) أيضا: «إذا قام المصلّي إلى الصلاة نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى الأرض و حفت به الملائكة، و ناداه ملك لو يعلم

ص: 5


1- سورة البقرة الآية: 238.
2- راجع المجلد الرابع من تفسير مواهب الرحمن صفحة: 93 ط النجف الأشرف.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 9.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 8.

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب الصلاة

اشارة

كتاب الصلاة

مقدمة- في فضل الصلاة اليوميّة و أنّها أفضل الأعمال الدينيّة

مقدمة- في فضل الصلاة اليوميّة و أنّها أفضل الأعمال الدينيّة (1).

______________________________

هذا المصلّي ما في الصلاة ما انفتل» (1).

و قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح أبان: «إنّ اللّه جلّ جلاله قال:

«ما يقرب إليّ عبد من عبادي بشي ء أحبّ إليّ مما افترضت عليه، و إنّه ليتقرب إليّ بالنافلة حتّى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، و بصره الذي يبصر به، و لسانه الذي ينطق به، و يده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته و إن سألني أعطيته» (2).

إلى غير ذلك من الأخبار المأثورة.

(1) مقتضى إطلاق جملة من النصوص أنّ الصلاة مطلقا أفضل الأعمال الدينية حتّى النوافل كما في صحيح أبان. و قال في الجواهر:

«و لا يختص هذا الفضل بخصوص الفرائض الخمس من الصلوات، و إن اختصت بعض الأخبار بها، بل قد يقال بانصراف ما كان موضوعه لفظ الصلاة، لأنّها هي المعهودة المستعملة التي لم يسأل العبد بعد أدائها عن غيرها، إلّا أنّ التأمّل فيما ورد عنهم (عليهم السلام)، بل هو صريح البعض يقضي بعدم الفرق بين الفرض و النفل في هذا الفضل».

و الأفضلية لها مراتب كثيرة زمانا و مكانا و حالا، و قد ورد أنّ أفضل

ص: 6


1- الوسائل باب: 8 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 3.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 6.

اعلم: أنّ الصلاة أحبّ الأعمال إلى اللّه تعالى. و هي آخر وصايا الأنبياء (عليهم السلام)، و هي عمود الدين: «إذا قبلت قبل ما سواها و إن ردّت ردّ ما سواها».

و هي أوّل ما ينظر فيه من عمل ابن آدم، فإن صحّت نظر في عمله و إن لم تصح لم ينظر في بقيّة عمله، و مثلها كمثل النّهر الجاري فكما أنّ من اغتسل فيه في كلّ يوم خمس مرّات لم يبق في بدنه شي ء من الدّرن كذلك كلّما صلّى صلاة كفّر ما بينهما من الذنوب.

و ليس ما بين المسلم و بين أن يكفر إلّا أن يترك الصلاة، و إذا كان يوم القيامة يدعى بالعبد فأوّل شي ء يسأل عنه الصلاة فإذا جاء بها تامة و إلّا زخّ في النار.

و في الصحيح قال مولانا الصادق (عليه السلام): «ما أعلم شيئا

______________________________

الأعمال الصلاة في أول وقتها (1).

ثمَّ إنّه قد تقدّم في قول الصادق (عليه السلام) أفضلية الصلاة من الحج مع أنّه مشتمل على الصلاة أيضا فيلزم أفضلية الشي ء على نفسه.

و يمكن الجواب عنه إما بحمل الصلاة على الفرائض اليومية و صلاة الحج غيرها. أو الاختلاف باختلاف الأحوال و الأشخاص، فقد روي أنّه (صلّى اللّه عليه و آله) سئل: «أيّ الأعمال أحبّ إلى اللّه تعالى؟ قال: «الصلاة لوقتها، قلت: ثمَّ أيّ شي ء؟ قال: برّ الوالدين، قلت: ثمَّ أيّ شي ء؟ قال: الجهاد في سبيل اللّه» (2).

ص: 7


1- الوسائل باب: 1 و 3 من أبواب المواقيت.
2- الوسائل باب: 1 من المواقيت حديث: 17.

بعد المعرفة (2) أفضل من هذه الصلاة، أ لا ترى إلى العبد الصالح عيسى بن مريم (عليه السلام) قال وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا.

و روى الشيخ في حديث عن الصادق (عليه السلام) قال:

«و صلاة فريضة تعدل عند اللّه ألف حجّة و ألف عمرة مبرورات متقبّلات».

و قد استفاضت الروايات في الحث على المحافظة عليها في أوائل الأوقات، و أنّ من استخفّ بها كان في حكم التارك لها، قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «ليس منّي من استخفّ بصلاته».

و قال (صلّى اللّه عليه و آله): «لا ينال شفاعتي من استخفّ بصلاته» (3).

______________________________

(2) المراد بها معرفة اللّه جلّ جلاله، و يدور قبول الصلاة مدار مراتب المعرفة التي تتفاوت بحسب مراتب الناس.

(3) الاستخفاف و الإضاعة إما أن يكون بالنسبة إلى أصل التشريع و أخرى بالنسبة إلى الإتيان بأن يؤدّي إلى الترك رأسا و لا ريب في شمول الأدلة لهما، بل قد يوجبان الكفر، و إما أن يكون تسامحا و تساهلا منه و إن كان بانيا على الإتيان بها أداء و إلا قضاء، و الظاهر شمولها لهذه الصورة أيضا، إلا أن يدعى الانصراف إلى الأولين، و يشهد للشمول إطلاق قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «لا ينال شفاعتي من أخّر الصلاة بعد وقتها» (1).

و قول الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قال: هو الترك لها و التواني عنها»(2).

ص: 8


1- الوسائل باب: 1 من أبواب المواقيت حديث: 21.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب المواقيت حديث: 25.

و قال (صلّى اللّه عليه و آله): «لا تضيّعوا صلاتكم، فإنّ من ضيّع صلاته حشر مع قارون و هامان، و كان حقّا على اللّه أن يدخله النار مع المنافقين».

و ورد «بينا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) جالس في المسجد إذ دخل رجل، فقام فصلّى، فلم يتم ركوعه و لا سجوده، فقال (صلّى اللّه عليه و آله): «نقر كنقر الغراب، لئن مات هذا و هكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني» و عن أبي بصير قال: «دخلت على أم حميدة أعزّيها بأبي عبد اللّه (عليه السلام)، فبكت و بكيت لبكائها، ثمَّ قالت: يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد اللّه عند الموت لرأيت عجبا، فتح عينيه ثمَّ قال: اجمعوا كلّ من بيني و بينه قرابة، قالت: فما تركنا أحدا إلّا جمعناه، فنظر إليهم، ثمَّ قال: إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّا بالصلاة» (4).

______________________________

(4) لأنّ الشفاعة متقوّمة بإذن من اللّه تعالى: للشافع و إذن منه في مقدار الشفاعة و في من يشفع له و ما يشفع فيه كما ذكرنا في التفسير.

تنبيهات- الأول: مقتضى الأصل عدم ثبوت الحقيقة الشرعية و لا المتشرعة في ألفاظ العبادات صلاة كانت أو غيرها فضلا عن المعاملات على ما فصّلناه في الأصول (1).

و الصلاة في اللغة بمعنى الالتفات و التوجه إلى إظهار الشأن و بهذا المعنى استعمل في الكتاب و السنة، لأنّ العمل المعهود التفات و إظهار لعظمة اللّه تعالى، فيصح استعمالها في صلاة اللّه تعالى و صلاة الملائكة و صلاة الناس، إذ الكلّ إظهار لشأن اللّه تعالى و عظمته، فيكون من استعمال اللفظ الموضوع

ص: 9


1- راجع ج: 1 تهذيب الأصول صفحة: 26 ط: 3 بيروت.

و بالجملة ما ورد من النصوص في فضلها أكثر من أن يحصى.

و للّه درّ صاحب الدرة حيث قال:

تنهى عن المنكر و الفحشاء أقصر فهذا منتهى الثناء.

______________________________

للكليّ في الفرد و لا ريب في صحته، و يكون المستعمل فيه الذات المهملة من كلّ جهة القابلة الانطباق على كلّ ما يمكن أن تكون صلاة شرعا بأقسامها الكثيرة و مراتبها المختلفة، كما أنّه يكون المراد بالصحيح فيها الصحيح الاقتضائي الذي يجتمع مع الأعم أيضا، فيصير النزاع المعروف في الصحيح و الأعم من النزاع اللفظي، مع أنّه لا ثمرة عملية في ذلك النزاع كما أثبتناه في الأصول (1).

الثاني: الإجزاء و سقوط الأمر ظاهرا أعمّ من القبول، فيمكن تحقق الأوّل دون الأخير، و يمكن أن يقال: إنّ للقبول مراتب كثيرة يكون بعض مراتبه مساوقا لمطلق الإجزاء، و لكن وجود هذه المرتبة من القبول بالنسبة إلى سائر المراتب كالعدم.

الثالث: للصلاة أطوار من الوجود منها: وجودها الاعتباري القائم بالمصلّي الذي اجتمعت فيه جملة من المقولات من الوضع و الكيف و الفعل و غيرها، و منها: الوجود الجسماني الخارجي الذي يراه المصلّي في عالم البرزخ و الحشر، و تدل عليه روايات مستفيضة (2)، و لا محذور في تعدد أطوار وجود الشي ء بحسب تعدد العوالم، كما أثبتناه في التفسير (3).

ص: 10


1- تهذيب الأصول ج: 1 صفحة: 33 ط: 3- بيروت.
2- راجع الوافي ج: 5 صفحة: 259 باب تمثل القرآن و شفاعته و فيه تمثل الصلاة في عالم القيامة أيضا.
3- راجع البحث الروائي و البحث العلمي في ضمن الآية: 129 من سورة البقرة ج: 2 من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.

.....

______________________________

الرابع: قد ورد تشريع أصل الصلاة بجعل إلهيّ في المعراج للنبي الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله) كما في صحيح ابن أذينة (1). و هو طويل فرّقه صاحب الوسائل في أبواب مختلفة.

الخامس: تعرض الصلاة الأحكام الخمسة التكليفية كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى بيانها.

ص: 11


1- الوافي ج: 5 باب: 5 من أبواب فضل الصلاة (باب بدو الصلاة و عللها) و قد ذكر الصحيح فيه من غير تقطيع.

فصل في أعداد الفرائض و نوافلها

اشارة

(فصل في أعداد الفرائض و نوافلها) الصلوات الواجبة ست (1): اليوميّة- و منها الجمعة- و الآيات، (فصل في أعداد الفرائض و نوافلها)

______________________________

(1) و عن بعض سبعة بزيادة العيدين، و عن آخر تسعة بعد جعل الكسوف و الزلزلة قسمين في مقابل الآيات، و لا ريب في أنّ هذا النزاع لفظي ليس فيه ثمرة عملية و لا علمية، و يمكن جعل الأقسام أقل من ستة بجعل الجمعة داخلة في اليومية لأنّها ظهر أبدلت ركعتاها الأخيرتان بالخطبتين كما يأتي في النص أو أكثر من تسعة بجعل كل واحد من العيدين قسما مستقلا- مثلا- و يأتي تفصيل ذلك كله في محله.

و أما قول أبي جعفر (عليه السلام): «الوتر في كتاب علي واجب»(1)، فالمراد به تأكد الاستحباب لا الوجوب الاصطلاحي، للإجماع و النصوص على عدم الوجوب ففي صحيح الحلبي قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «إنّما كتب اللّه الخمس و ليست الوتر مكتوبة، إن شئت صلّيتها و تركها قبيح» (2).

و لم يتعرض هنا للعيدين مع أنّه ذكرهما بالتفصيل بعد أحكام الخلل، إما لأجل التسامح في التعداد، لعدم بنائه على التدقيق، أو لأجل تعميم عيد الجمعة. أو اليومية لهما.

ص: 12


1- الوسائل باب: 25 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 4.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 1.

و الطواف الواجب، و الملتزم بنذر أو عهد أو يمين أو إجارة، و صلاة الوالدين على الولد الأكبر، و صلاة الأموات.

أمّا اليوميّة:

أمّا اليوميّة: فخمس فرائض، الظهر أربع ركعات، و العصر كذلك، و المغرب ثلاث ركعات، و العشاء أربع ركعات، و الصبح ركعتان (2).

و تسقط في السفر من الرباعيات ركعتان (3)، كما أنّ صلاة الجمعة أيضا ركعتان (4).

و أمّا النوافل:

اشارة

و أمّا النوافل: فكثيرة، آكدها الرواتب اليوميّة (5) و هي- في غير

______________________________

(2) كلّ ذلك بضرورة الدين، و المتواترة من نصوص المعصومين، ففي صحيح الأعمش، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: «و صلاة الفريضة: الظهر أربع ركعات، و العصر أربع ركعات، و المغرب ثلاث ركعات، و العشاء الآخرة أربع ركعات، و الفجر ركعتان، فجملة الصلاة المفروضة سبع عشرة ركعة» (1).

و نحوه صحيح ابن شاذان عن الرضا (عليه السلام) (2) و ستأتي بقية النصوص إن شاء اللّه تعالى.

(3) نصوصا متواترة، و إجماعا من الإمامية، بل ضرورة من مذهبهم.

(4) لنصوص متواترة من الطرفين، بل بضرورة الدين.

(5) أما كثرة النوافل فلا ريب فيها كما لا يخفى على من راجع كتب الأخبار كالوسائل و غيره أبواب الصلوات المندوبة. و أما أنّ آكدها النوافل اليومية فيدل عليه مضافا إلى إرسال ذلك إرسال المسلّمات أمور:

منها: تشريع القضاء لها، و لا ريب في كشفه عن أهميتها.

ص: 13


1- الوسائل باب: 13 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 25.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 23.

.....

______________________________

و منها: أنّها متممة للفرائض.

و منها: كونها من علامات المؤمن.

و منها: التعبير بالمعصية بتركها في صحيح زرارة (1).

و منها: صحيح أبان عن أبي جعفر (عليه السلام)- المتقدم-: «إنّ اللّه جلّ جلاله قال: ما يقرب إليّ عبد من عبادي بشي ء أحبّ إليّ مما افترضت عليه، و إنّه ليتقرب إليّ بالنافلة حتّى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به- الحديث-» (2).

و منها: خبر ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام) عن أفضل ما جرت به السنة من الصلاة، قال (عليه السلام): «تمام الخمسين» (3)، لصحة انطباق تمام الخمسين على كلّ واحد من النوافل، و خبر ابن حبيب قال: «سألت الرضا (عليه السلام) عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى اللّه تعالى من الصلاة قال (عليه السلام): ستة و أربعون ركعة فرائضه و نوافله»(4).

و غير ذلك مما ورد في فضيلة كلّ واحد من النوافل، كنافلة الليل و نافلة الفجر و نافلة المغرب و نافلة الزوال.

فروع- (الأول): لا ريب في اختلاف النوافل اليومية بعضها مع بعض في الفضيلة، فعن ابن بابويه إنّ الأفضل نافلة الفجر، لأنّها تشهدها ملائكة الليل و النهار، كما في الحديث(5)، و إنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) كان أشدّ مواظبة بهما من سائر النوافل، ثمَّ ركعة الوتر، ثمَّ نافلة الزوال، ثمَّ نافلة المغرب، ثمَّ تمام صلاة الليل، ثمَّ تمام صلاة النّهار. و لم نقف على دليل له في هذا الترتيب. و قيل: بأنّه الوتر، لكثرة ما ورد في الترغيب إليها، و قيل: بأنّه نافلة

ص: 14


1- الوسائل باب: 14 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 1.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 6
3- الوسائل باب: 13 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 5.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 5.
5- راجع الوسائل باب: 13 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 19 و 14.

.....

______________________________

الزوال، لأنّها صلاة الأوابين، كما في الحديث (1).

و يمكن الجمع بأنّ الأفضلية جهتية، فنافلة الفجر أفضل من الوتر من جهة و الوتر أفضل منها من جهة و هكذا. و على هذا يمكن أن تكون صلاة جعفر أفضل من النوافل اليومية من جهة التسبيح و إن كانت هي أفضل منها من جهات أخرى.

(الثاني) مقتضى الأصل و الإطلاق عدم كون النوافل اليومية ارتباطية، فيصح الاقتصار على بعضها دون بعض، كأن يأتي بنوافل الليل دون النهار أو بالعكس، أو بنوافل الظهرين مثلا دون العشاءين، بل يجوز التبعيض في نافلة كلّ صلاة بالإتيان ببعضها دون الجمع، لما هو المعلوم من المذهب، بل الدّين: أنّ ذات الصلاة و القرآن و الدعاء و الصدقة خير محض، و تنطبق الخيرية المحضة على ذات الحصة السارية مطلقا في كلّ ما هو صلاة، و لو لا ظهور إجماعهم على عدم شرعية الرّكعة الواحدة في غير الوتر لقلنا بصحة الاكتفاء بها و الحد الخاص في صلاة الليل أو نافلة الزوال- مثلا- ليس مقوّما لذات النافلة الخاصة كتقوّم أربع ركعات- مثلا- لصلاة الظهر، و إنّما هو تحديد لمرتبة من الكمال، لا لأجل الذات و ذلك كلّه لبنائهم على أنّ الحدود و القيود الواردة في المندوبات من باب تعدد المطلوب لا من مقوّم الذات إلا ما خرج بالدليل الخاص، و مقتضى أصالة البراءة و عدم الارتباطية بعد ثبوت مطلوبية أصل الذات هو ذلك أيضا خصوصا بعد مثل قولهم (عليهم السلام):

«الصلاة خير موضوع فمن شاء استقل، و من شاء استكثر» (2).

و يأتي في المسائل الآتية ما يشهد للمقام، فلا وجه لما أطال به القول الفقيه الهمداني (قدّس سرّه)، و إن مال في آخر كلامه إلى ما استظهرناه.

(الثالث): المشهور أنّ نافلة الظهرين و العشاءين و الصبح نافلة الفريضة

ص: 15


1- مستدرك الوسائل باب: 14 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 6.
2- مستدرك الوسائل باب: 10 من أبواب وجوب الصلاة حديث: 9.

يوم الجمعة- أربع و ثلاثون ركعة (6): ثمان ركعات قبل الظهر، و ثمان ركعات قبل العصر، و أربع ركعات بعد المغرب، و ركعتان بعد

______________________________

و من متمماتها، و تدل عليه جملة من النصوص أيضا(1)، و يظهر من بعضها أنّها نافلة الوقت (2)، و يمكن الجمع بينهما بأنّها نافلة للوقت، من حيث الإضافة إلى الفريضة و تشريعها فيه، فيرجع بالتالي إلى الفريضة، مع أنّه لا ثمرة عملية في هذا النزاع بعد كفاية مطلق قصد القربة في النافلة، و كفاية الإضافة إلى الفريضة على كلا القولين، و كفاية الإضافة إلى الوقت من حيث إضافته إلى الفريضة.

(الرابع): يكره التكلّم بين أربع ركعات من نافلة المغرب، فعن أبي الفوارس: «نهاني أبو عبد اللّه (عليه السلام) أن أتكلّم بين الأربع ركعات التي بعد المغرب» (3).

(الخامس): يستحب أن لا يتكلّم بين صلاة المغرب و بين نافلتها لخبر الخفاف عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «من صلّى المغرب ثمَّ عقب و لم يتكلّم حتّى يصلّي ركعتين كتبتا له في عليين» (4).

(6) للإجماع و نصوص مستفيضة:

منها: صحيحة ابن يسار عن الصادق (عليه السلام): «الفريضة و النافلة إحدى و خمسون ركعة، منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعدان بركعة و هو قائم، الفريضة منها سبع عشرة و النافلة أربع و ثلاثون ركعة» (5). و هذه الصحيحة من محكمات أخبار الباب و لا بد من إرجاع غيرها إليها و أحسن وجوه الجمع أنّ الحصر في أربع و ثلاثين ركعة حصر إضافي بالنسبة إلى الكثرة لا أن يكون حصرا حقيقيا و قد أثبتنا في الأصول أنّ القيود في المندوبات مطلقا من باب

ص: 16


1- راجع الوسائل باب: 13 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها.
2- راجع الوسائل باب: 13 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 10 و 20.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب التعقيب حديث: 1.
4- الوسائل باب: 30 من أبواب التعقيب حديث: 2.
5- الوسائل باب: 13 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 3.

.....

______________________________

تعدد المطلوب لا من باب وحدة المطلوب.

و منها: «كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يصلّي من التطوع مثلي الفريضة» (1).

و مجموع الأخبار الواصلة إلينا أقسام أربعة:

الأول: ما تقدم من الأخبار.

الثاني: أنّها ثلاث و ثلاثون بإسقاط الوتيرة، لموثق حنان قال: «سأل عمرو بن حريث أبا عبد اللّه (عليه السلام) و أنا جالس فقال له: جعلت فداك أخبرني عن صلاة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، فقال: كان النبيّ يصلّي ثمان ركعات: الزوال و أربعا الأولى، و ثمانيا بعدها، و أربعا العصر، و ثلاثا المغرب، و أربعا بعد المغرب، و العشاء الآخرة أربعا، و ثمان صلاة الليل و ثلاثا الوتر، و ركعتي الفجر، و صلاة الغداة ركعتين، قلت: جعلت فداك و إن كنت أقوى على أكثر من هذا يعذّبني اللّه على كثرة الصلاة؟ فقال: لا، و لكن يعذّب على ترك السنّة» (2).

الثالث: أنّها تسع و عشرون بإسقاط أربع ركعات من نافلة العصر، مضافا إلى الوتيرة، كخبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن التطوع بالليل و النهار، فقال: الذي يستحب أن لا يقصر عنه ثمان ركعات عند زوال الشمس، و بعد الظهر ركعتان، و قبل العصر ركعتان و بعد المغرب ركعتان، و قبل العتمة ركعتان، و في السحر ثمان ركعات، ثمَّ يوتر، و الوتر ثلاث ركعات مفصولة، ثمَّ ركعتان قبل صلاة الفجر و أحبّ صلاة الليل إليهم آخر الليل» (3).

الرابع: أنّها سبع و عشرون بإسقاط ركعتين من نافلة المغرب، مضافا إلى ما مرّ، كصحيح زرارة قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إنّي رجل تاجر

ص: 17


1- الوسائل باب: 13 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 4.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 6.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 2.

.....

______________________________

أختلف و أتجر فكيف لي بالزوال و المحافظة على صلاة الزوال؟ و كم نصلّي؟

قال: تصلّي ثماني ركعات إذا زالت الشمس، و ركعتين بعد الظهر، و ركعتين قبل العصر، فهذه اثنتا عشرة ركعة، و تصلّي بعد المغرب ركعتين، و بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر و منها ركعتا الفجر، و ذلك سبع و عشرون ركعة سوى الفريضة- الحديث-» (1).

و الكلّ محمول إما على اختلاف مراتب الفضل، أو على مراتب الجعل، أو على جهات أخرى، لعدم مقاومتها لمعارضة القسم الأول من الأخبار المستفيضة المعلّلة بعلل شتّى، فتارة: بأنّها ضعف الفريضة، و أنّه جعل مكان كلّ ركعة من الفريضة ركعتان من النافلة. و أخرى: بأنّ ساعات النهار اثنتا عشرة ساعة و ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة و من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة و من غروب الشمس إلى غروب الشفق غسق فلكلّ ساعة ركعتان و للغسق ركعة (2)، و صحيح ابن أبي نصر من محكمات الأخبار سندا و قولا و عملا، فقد روي عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «قلت له: إنّ أصحابنا يختلفون في صلاة التطوّع، بعضهم يصلّي أربعا و أربعين، و بعضهم يصلّي خمسين، فأخبرني بالذي تعمل به أنت كيف هو؟ حتّى أعمل بمثله، فقال: أصلّي واحدة و خمسين ركعة، ثمَّ قال: أمسك و عقد بيده، الزوال ثمانية، و أربعا بعد الظهر، و أربعا قبل العصر و ركعتين بعد المغرب، و ركعتين قبل العشاء الآخرة، و ركعتين بعد العشاء من قعود تعدّان بركعة من قيام، و ثمان صلاة الليل، و الوتر ثلاثا و ركعتي الفجر، و الفرائض سبع عشرة، فذلك إحدى و خمسون»(3).

فالسند معتبر، و الدلالة ظاهرة، بل ناصة من جهات و مطابقة لفتوى الإمامية و عملهم، فلا بد من حمل الأخبار المعارضة على مراتب الفضيلة، كما هو المتعيّن في الجمع العرفي في نظائر المقام.

ثمَّ إنّه تقدم في الخبر: «أنّ ساعات النهار اثنتي عشرة ساعة»، و مثله عن

ص: 18


1- الوسائل باب: 14 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 1.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 10.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 7.

العشاء من جلوس تعدّان بركعة (7)، و يجوز فيهما القيام، بل هو

______________________________

أبي الحسن الماضي (عليه السلام) في خبر أبي هاشم الخادم (1) لكن مع ذكر «خمسين ركعة» بدل الخمسين و واحدة، مع أنّ التفصيل العددي فيه يوافق الإحدى و الخمسين. و المراد بالساعة الستون دقيقة المعروفة، كما هو الظاهر.

و المراد بقوله (عليه السلام): «و من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة» الساعة بنحو التقريب و الإجمال، و إلّا فهو أكثر منها قطعا كما أنّ المراد بها الزمان المتصف بالفضل و الفضيلة لا الساعة الاصطلاحية و الا يصير اليوم و الليلة أكثر من أربع و عشرين ساعة، و خلاصة قوله (عليه السلام): إنّ لما بين الطلوعين- حيث إنّه ساعة الفضيلة- جعل أربع ركعات و لساعة الغسق جعل ثلاث ركعات، ركعتان لذات الزمان و ركعة لفضل الغسق، فيكون المجموع إحدى و خمسين. و مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام): «جعل لكلّ ساعة ركعتين» جواز إتيانهما في أيّ ساعة شاء المكلّف و أراد. خرج منها الفرائض اليومية لورود التحديد الخاص لوقتها، و بقية النوافل تحت الإطلاق بعد حمل ما ورد في تحديد وقتها على الفضل و الفضيلة.

(7) لنصوص متواترة، بل هو من ضروريات المذهب إن لم يكن من الدّين، و قد تقدّم في صحيح البزنطي: «و ركعتين بعد العشاء من قعود تعدّان بركعة من قيام».

و قوله (عليه السلام) في صحيح الفضيل: «ركعتان بعد العتمة جالسا يعدان بركعة» (2).

و الظاهر عدهما بركعة و إن أتى بهما قائما أيضا، و إلا لزيدت النوافل على إحدى و خمسين و لا يقول به أحد، و إن ذكر قوله (عليه السلام) يعدّان بركعة في مورد الجلوس.

ص: 19


1- لاحظ الوسائل باب: 13 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 20.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 3.

الأفضل (8)، و إن كان الجلوس أحوط (9)، و تسمّى بالوتيرة (10)،

______________________________

(8) لخبر سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «و ركعتان» بعد العشاء الآخرة، يقرأ فيهما مائة آية قائما أو قاعدا، و القيام أفضل و لا تعدهما من الخمسين» (1).

و حينئذ فيكون الفرق بينهما و بين سائر النوافل- حيث يجوز الجلوس و القيام فيها أيضا مع كون الثاني أفضل- من وجهين:

الأول: أنّ القيام في سائر النوافل مشروع أولا، و الجلوس مجعول ثانوي. تسهيلي بخلاف الوتيرة حيث إنّ الجلوس فيها مشروع أولي و إنّما جعل القيام لدرك الفضيلة.

الثاني: أنّه إذا أتى بسائر النوافل جالسا حسبت كلّ ركعتين بركعة على ما يأتي تفصيله في فصل (جميع الصلوات المندوبة يجوز إتيانها جالسا)، و في [مسألة 4] من هذا الفصل. و يستحب أن يأتي بأربع ركعات بينهما تسليمتين، كما يأتي في [مسألة 1] من فصل جميع الصلوات المندوبة، بخلاف المقام، إذ لا فرق فيه بين جلوسها و قيامها، و لا يستحب التكرار جالسا، لظهور إجماعهم عليه و لأنّ التكرار إنّما هو لتحصيل الركعتين و لا وجه له في المقام لأنّها بحسب أصل تشريعها ركعة واحدة.

(9) جمودا على عدهما بركعة واحدة، و ما ورد من أنّ ركعتين من جلوس تعدان بركعة من قيام.

(10) و هي تصغير الوتر لأجل أنّهما تعدان بركعة و هي وتر، و لعل التصغير لأجل الجلوس فيها، و هي ليست بحسب الجعل الأولي من الخمسين كما في خبر سليمان بن خالد المتقدم، و لا ثمرة عملية بل و لا علمية في ذلك

ص: 20


1- الوسائل باب: 13 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 16.

و ركعتان قبل صلاة الفجر، و إحدى عشر ركعة صلاة الليل و هي ثمان ركعات، و الشفع ركعتان، و الوتر ركعة واحدة.

و أمّا في يوم الجمعة: فيزاد على الست عشرة أربع ركعات (11).

______________________________

للاتفاق على جواز الإتيان بها بعنوان النوافل المعهودة، ثمَّ إنّه يستحب قراءة مائة آية فيهما، كما ورد في خبر سليمان بن خالد الآنف الذكر.

(11) على المشهور المنصوص، قال الرضا (عليه السلام) في صحيح ابن شاذان «إنّما زيد في صلاة السنّة يوم الجمعة أربع ركعات تعظيما لذلك اليوم، و تفرقة بينه و بين سائر الأيام» (1).

و نحوه غيره.

و عن الصدوقين (قدّس سرّهما) أنّه كسائر الأيام، لصحيح الأعرج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن صلاة النافلة يوم الجمعة؟ فقال:

ست عشرة ركعة قبل العصر، ثمَّ قال: و كان عليّ (عليه السلام) يقول: ما زاد فهو خير و قال: إن شاء رجل أن يجعل منها ست ركعات في صدر النهار، و ست ركعات في نصف النهار، و يصلّي الظهر، و يصلّي معها أربعة ثمَّ يصلّي العصر»(2).

و نحوه غيره.

و فيه: أنّها لا تنافي المشهور. و نسب إلى الإسكافي (قدّس سرّه) أنّها تزيد ستة ركعات، لصحيح سعد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال:

«سألته عن الصلاة يوم الجمعة كم ركعة هي قبل الزوال؟ قال: ست ركعات بكرة و ست بعد ذلك اثنتا عشرة ركعة، و ست ركعات بعد ذلك ثماني عشرة ركعة، و ركعتان بعد الزوال فهذه عشرون ركعة، و ركعتان بعد العصر فهذه اثنتان و عشرون ركعة» (3).

ص: 21


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 7.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 5.

فعدد الفرائض سبع عشرة ركعة، و عدد النوافل ضعفها بعد عدّ الوتيرة بركعة، و عدد مجموع الفرائض و النوافل إحدى و خمسون. هذا و يسقط في السفر نوافل الظهرين (12) و الوتيرة على الأقوى (13).

______________________________

و لا بأس به تسامحا و رجاء و حمل صحيح ابن شاذان على بعض مراتب الفضل، و يأتي في [مسألة 3] من فصل أوقات الرواتب ما ينفع المقام.

(12) إجماعا، و نصوصا متواترة.

منها: صحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «قال: سألته عن الصلاة تطوعا في السفر، قال: لا تصلّ قبل الركعتين و لا بعدهما شيئا نهارا» (1).

و منها: قوله (عليه السلام) في صحيح أبي بصير: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلّا المغرب، فإنّ بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في سفر و لا حضر، و ليس عليك قضاء صلاة النهار، و صلّى صلاة الليل و اقضه» (2).

و خرج من ذلك نافلة الفجر إجماعا، مع أنّ ظاهر صحيح ابن مسلم اختصاص السقوط بالنوافل النهارية، و نافلة الفجر يمكن عدها من الليلية لصحة دسها في صلاة الليل، كما يأتي في [مسألة 6] من فصل أوقات الرواتب.

و أما نوافل الجمعة فمقتضى إطلاق دليلها عدم السقوط بعد انصراف ما دلّ على السقوط بنوافل الفرائض.

(13) نسب ذلك إلى المشهور، بل ادعي عليه الإجماع، لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلّا المغرب ثلاث»(3).

ص: 22


1- الوسائل باب: 21 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 1.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 7.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 3.

.....

______________________________

و مثله ما تقدم في صحيح أبي بصير، و عنه (عليه السلام) أيضا في خبر الحناط: «لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة» (1).

فيدل على أنّ القصر في الفريضة كاشف عن سقوط النافلة.

و عن جمع من الفقهاء منهم الشهيد (قدّس سرّه) عدم السقوط لو لا الإجماع عليه لقول الرضا (عليه السلام) في خبر الفضل: «إنّما صارت العتمة مقصورة و ليست تترك ركعتاها، لأنّ الركعتين ليستا من الخمسين، و إنّما هي زيادة في الخمسين تطوّعا ليتم بهما بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع» (2).

و يشهد له ما تقدم من صحيح ابن مسلم المقيد بقوله (عليه السلام):

«نهارا»، و الرضوي على ما في المستدرك مضافا إلى قاعدة التسامح.

و ما يقال: من عدم جريانها للشك في أصل التشريع مدفوع: بأنّ جعل القاعدة إنّما هو في مورد الشك في التشريع، و أخبار من بلغ مثبتة فيما فيه رجاء الثواب، و ليس مما يصلح للسقوط إلّا دعوى الإجماع، و ما تقدم من مثل صحيح ابن سنان، و الأول اجتهادي، مضافا إلى كثرة المخالف. و الأخير ظاهر في النوافل المجعولة بالأصل لا ما زيد لأجل التتميم، فالأوجه عدم السقوط و الأحوط قصد الرجاء، بل يصح الإتيان بقصد الأمر أيضا لقولهم (عليهم السلام): «الصلاة خير موضوع فمن شاء استقلّ و من شاء استكثر» (3).

فروع- (الأول): يستحب قضاء النوافل التي تسقط في السفر، لقول الصادق (عليه السلام) في موثق حنان: «كان أبي يقضي في السفر نوافل النهار بالليل و لا يتم صلاة فريضة» (4).

ص: 23


1- الوسائل باب: 21 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 4.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 3.
3- مستدرك الوسائل باب: 10 من أبواب وجوب الصلاة.
4- الوسائل باب: 22 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 4.

.....

______________________________

نعم، لا يتأكد ذلك، لخبر سيف التمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال له بعض أصحابنا: «إنّا كنا نقضي صلاة النهار إذا نزلنا بين المغرب و العشاء الآخرة، فقال: لا، اللّه أعلم بعباده حين رخص لهم، إنّما فرض اللّه على المسافر ركعتين لا قبلهما و لا بعدهما شي ء إلّا صلاة الليل على بعيرك حيث توجّه بك» (1).

المحمول على نفي تأكد الاستحباب جمعا. و يمكن الحمل على مراتب الطاقة و عدمه، لخبر ابن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): «أقضي صلاة النهار بالليل في السفر؟ فقال: نعم، فقال له إسماعيل بن جابر: أقضي صلاة النهار بالليل في السفر؟ فقال: لا، فقال: إنّك قلت: نعم، فقال: إنّ ذلك يطيق و أنت لا تطيق» (2).

(الثاني): مقتضى عموم الأخبار سقوط نافلة الظهرين في أماكن التخيير و لو اختار التمام في الفريضة، لأنّ التبعية منها في هذه الجهة تحتاج إلى قرينة و هي مفقودة، و ما يمكن أن يستفاد منه التبعية بالنسبة إلى الفريضة في التمام و القصر إنّما هو التبعية في أصل التشريع الأولي لا الحالات العارضة و لو أريد الإتيان بها يأتي رجاء.

(الثالث): لو نذر نافلة الظهرين مطلقا يمكن القول بعدم السقوط لانصراف دليل السقوط عنه، و لو نذرها في خصوص السفر يكون حكمه حكم ما يأتي في نذر النافلة في الأوقات المكروهة.

(الرابع): هل يكون سقوط نافلة الظهرين في السفر عزيمة أو رخصة؟

مقتضى المرتكزات هو الثاني، إلا أن يدل دليل على الأول و هو مفقود، و طريق الاحتياط واضح.

(الخامس): لا تسقط نافلة الظهرين عن كلّ مسافر هو بحكم الحاضر،

ص: 24


1- الوسائل باب: 22 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 1.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 1.
مسألة 1: يجب الإتيان بالنوافل ركعتين ركعتين

(مسألة 1): يجب الإتيان بالنوافل ركعتين ركعتين (14) إلّا

______________________________

لظهور الإطلاق و الاتفاق.

(السادس): اتفق النص و الفتوى على أنّ صلاة الضحى بدعة، و هي عند غيرنا من الصلوات المندوبة، و الأصل فيها ما رواه ابن وهب قال: «لما كان يوم فتح مكة ضربت على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) خيمة سوداء من شعر بالأبطح، ثمَّ أفاض عليه الماء من جفنة يرى فيها أثر العجين، ثمَّ تحرّى القبلة ضحى فركع ثماني ركعات لم يركعها رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) قبل ذلك و لا بعد» (1).

فجعل هذا الفعل المجمل منشأ لتشريع صلاة مستقلة اصطلح عليها بصلاة الضحى. و كيف تكون مشروعة مع تصريح رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «و لا تصلّ الضحى، فإنّ الصلاة ضحى بدعة و كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار» (2).

و لو كانت مندوبة فأهل البيت أولى بإحياء سنة جدهم و اتباع طريقته، كيف و قد قال أبو جعفر (عليه السلام): «ما صلّى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) الضحى قط»(3).

فلعلّها كانت صلاة الشكر لما وفقه اللّه تعالى من الفتح المبين و الاستيلاء على المشركين، و لذا لم يفعلها (صلّى اللّه عليه و آله) قبل و لا بعد. نعم، لا بأس بإتيانها لا بعنوان التوظيف الشرعي، بل من باب أنّ الصلاة خير موضوع.

(14) لإجماع الإمامية و للسيرة المستمرة فتوى و عملا خلفا عن سلف، بل المستنكر عند المتشرعة إتيان ما نقص منها- إلا في الوتر- أو الزيادة عليها،

ص: 25


1- الوسائل باب: 37 من أبواب المواقيت حديث: 2.
2- مستدرك الوسائل باب: 27 من أبواب وجوب الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 2.

.....

______________________________

و عن أبي جعفر (عليه السلام): «و افصل بين كلّ ركعتين من نوافلك بالتسليم» (1).

و مثله ما رواه عليّ بن جعفر عن أخيه (عليهما السلام) قال: «سألته عن الرجل يصلّي النافلة أ يصلح له أن يصلّي أربع ركعات لا يسلم بينهن؟ قال (عليه السلام) لا، إلّا أن يسلّم بين كلّ ركعتين» (2).

و مع أنّ الشك في مشروعية الزيادة عليهما أو النقيصة عنهما يكفي في عدم المشروعية بعد عدم تكفل الإطلاقات و العمومات لبيان مثل ذلك، لأنّ الصلاة توقيفية من هذه الجهة قطعا.

و توهم أنّ هذه الأخبار إنّما تثبت السلام بعد ركعتين و لا تنفي عدم جوازه في الركعة الواحدة. مردود: بأنّ المنساق منها بيان الكمية الخاصة بحيث لا يزاد عليها و لا ينقص منها إلا بدليل، و قد خرج الوتر كذلك و بقي الباقي تحت الإطلاق و الأصل.

و بالجملة: إنّ المناقشة في ذلك من مثل المناقشة في الضروريات الفقهية إن لم تكن مذهبية. و أما صلاة الأعرابي و هي و إن كانت مذكورة في كتب الدعوات بالكيفية الخاصة- و هي ركعتان بتسليمة ثمَّ أربع ركعات بتسليم ثمَّ أربع ركعات بتسليم آخر- فتكون كالصبح و الظهرين، و السند و إن كان قاصرا.

لكن في الجواهر: «لا أجد من أنكرها على البت».

أقول: في كفايته للاعتماد عليه مع عدم إشارة عن الأئمة (عليهم السلام) إلى هذا الحكم المخالف للإطلاقات و العمومات إشكال و لا يصح التمسك في إثبات الصحة بأحاديث من بلغ (3) فإنّها في مقام توسعة الثواب لا في مقام تنزيل فاقد الأجزاء و الشرائط منزلة الواجد. و بعبارة أخرى: إنّ الأحاديث ليست حاكمة على أدلة اعتبار الأجزاء و الشرائط غاية الأمر أن تكون حاكمة على ما

ص: 26


1- الوسائل باب: 15 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 3.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 2.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب مقدمة العبادات.

الوتر فإنّها ركعة (15).

و يستحب في جميعها القنوت (16)، حتّى الشفع على الأقوى في الركعة الثانية (17)،

______________________________

يعتبر في السند من إحراز الوثوق.

(15) نصّا و إجماعا، قال الصادق (عليه السلام) في صحيح أبي بصير:

«الوتر ثلاث ركعات ثنتين مفصولة و واحدة» (1)، و في صحيح سليمان ابن خالد عنه (عليه السلام): «الوتر ثلاث ركعات تفصل بينهنّ» (2)إلى غير ذلك من الأخبار.

و أما خبر الهمداني عن العبد الصالح عن الوتر، فقال (عليه السلام):

صله» (3)، و خبر يعقوب بن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن التسليم في ركعتي الوتر، فقال (عليه السلام): إن شئت سلمت و إن شئت لم تسلّم» (4)، فأسقطهما عن الاعتبار إجمال الأول، و موافقة الثاني للتقية مضافا إلى وهنها بالإعراض.

(16) للإجماع فتوى و عملا، و نصوص كثيرة، منها قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم: «القنوت في كلّ ركعتين في التطوع و الفريضة» (5).

و يأتي في فصل القنوت ما يتعلق بالمقام أيضا.

(17) لإطلاق الأدلة، و خصوص خبر رجاء الذي صحب الرضا (عليه

ص: 27


1- الوسائل باب: 15 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 10.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 9.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 8.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 16.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب القنوت حديث: 2.

.....

______________________________

السلام) في طريق خراسان قال: «فيصلّي ركعتي الشفع- إلى أن قال- و يقنت في الثانية قبل الركوع» (1).

و أما صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «القنوت في المغرب في الركعة الثانية، و في الغداة و العشاء مثل ذلك، و في الوتر في الركعة الثالثة» (2).

فمحمول على الأهمية و الأفضلية جمعا بينه و بين الإطلاقات غير القابلة للتقييد، مضافا إلى ظهور عدم الخلاف إلّا من شيخنا البهائي (قدّس سرّه) فذهب إلى اختصاص القنوت بالثالثة فقط للصحيح المتقدم، و لا وجه لما نسب إليه.

ثمَّ إنّ الأقوال في قنوت الوتر بمعناها الأعم الشامل للشفع بين الإفراط و التفريط، فمنها: ما عن البهائي (قدّس سرّه) و قد مرّ دفعه.

و منها: ما نسب إلى جمع: من أنّ في مفردة الوتر قنوتان، أحدها قبل الركوع، و الآخر بعده، و الثالث في الشفع قبل الركوع، فيصير ثلاثة قنوتات، لما ورد من أنّ أبا الحسن (عليه السلام): «كان إذا رفع رأسه في آخر ركعة من الوتر، قال: هذا مقام من حسناته نعمة منك- الحديث-» (3).

و فيه: إنّ هذا من مجرد الدعاء، فإن أريد بالقنوت مجرد الدعاء فلا إشكال فيه، و إن أريد به القنوت بالكيفية المعهودة فالأدلة تنفيه. نعم، في صحيح البخاري: «أنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) كان يقنت بعد الركوع شهرا يدعو فيه على بعض أعدائه» (4).

و لا بأس بالعمل به بناء على المسامحة.

ص: 28


1- الوسائل باب: 13 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 24.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب القنوت حديث: 2.
3- الوافي ج: 5 صفحة 114.
4- صحيح البخاري ج: 2 صفحة 32 باب القنوت.

و كذا يستحب في مفردة الوتر (18).

مسألة 2: الأقوى استحباب الغفيلة

(مسألة 2): الأقوى استحباب الغفيلة (19)، و هي ركعتان بين المغرب و العشاء- و لكنّها ليست من الرواتب (20)- يقرأ فيها في

______________________________

(18) نصّا و إجماعا، قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «القنوت في الوتر الاستغفار، و في الفريضة الدعاء» (1).

و قد وردت لقنوت الوتر آداب خاصة، فراجع كتب الدعوات، و أبواب قنوت الوسائل، و نشير إليها بنحو الإجمال في مستقبل المقال إن شاء اللّه تعالى.

(19) لجملة من الأخبار.

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر هشام بن سالم: «من صلّى بين العشاءين ركعتين- و ذكر (عليه السلام) على ما في المتن- و قال (عليه السلام): و سأل اللّه جلّ جلاله حاجته أعطاه اللّه تعالى ما سأل» (2).

و منها: النبوي (صلّى اللّه عليه و آله): «تنفلوا في ساعة الغفلة و لو بركعتين خفيفتين، فإنّهما تورثان دار الكرامة» (3).

و نحوهما غيرهما. و المنساق من قوله (عليه السلام): «بين العشاءين» هو التحديد بوقت فضلهما لا الإجزاء فلو أخرهما عن وقتهما إلى نصف الليل، فالأحوط قصد الرجاء.

(20) لأنّ الوجوه المتصورة في صلاة الغفيلة و الوصية ثلاثة:

أولها: ورودها لمجرد بيان كيفية خاصة لنافلة المغرب فقط، فلا يصح إتيان نافلة أخرى بين العشائين بهذه الكيفية، و هذا خلاف الظاهر من الأدلة،

ص: 29


1- الوسائل باب: 8 من أبواب القنوت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث: 1.

.....

______________________________

مع أنّه لم يعهد من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) الذين كانوا مواظبين على نافلة المغرب إتيانها بهذه الكيفية.

ثانيها: كونهما مع نافلة المغرب مختلفين في الجملة، و لكن مقتضى إطلاق دليلهما صحة إتيانهما بكيفيتهما، كما في أكرم عالما و أكرم هاشميا حيث إنّ مقتضى إطلاق الدليلين إجزاء إكرام العالم الهاشمي.

ثالثها: أنّهما متباينان بحيث لا يصح اجتماعهما أصلا، و ظاهر الإطلاق و سعة فضل اللّه تعالى خصوصا في المندوبات المبنية على التسامح هو الثاني لا سيّما بناء على حرمة التطوع في وقت الفريضة، فظاهر الإطلاقين صحة التصادق إلا مع وجود أظهر على الخلاف و هو مفقود خصوصا بعد ما ورد في صلاة جعفر من قوله (عليه السلام): «و إن شئت حسبتها من نوافل الليل و إن شئت حسبتها من نوافل النّهار و تحسب لك من نوافلك و تحسب لك من صلاة جعفر»(1).

و في رواية أخرى: «و إن شئت جعلتها من قضاء صلاة» (2).

و ليس المقام من التداخل لأنّه إنّما يكون فيما إذا أحرز ورود دليلين مختلفين في أصل التشريع ثمَّ تداخلا في السبب أو المسبب أو هما معا كما في الأحداث و الأغسال و في المقام لم يحرز أنّ الدّليلين مختلفان في أصل التشريع بل ورد أحدهما لبيان بعض كيفيات الآخر، و يحتمل أن يكون المقام من قبيل صلاة التحية في المسجد التي تحصل بكل صلاة. فيصح أن يأتي بنافلة المغرب بالكيفيتين، و لكن الأولى أن يأتي بعنوان الرجاء المطلق.

و أما ما عن بعض من إنكار صلاة الغفيلة و الوصية، لحرمة التطوّع في وقت الفريضة و لتوقيفية العبادة، و لعدم ثبوت أنّ المعصوم (عليه السلام) فعلهما غير صحيح و يرد الأولان بوجود الدليل، كما مر، و عدم ثبوت الأخير أعم من عدم التشريع، فكم من عمل مندوب ورد الأمر به منهم (عليهم السلام)، و لم

ص: 30


1- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة جعفر حديث: 5 ج: 5.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة جعفر حديث: 1 ج: 5.

الركعة الأولى بعد الحمد وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ، و في الثانية بعد الحمد وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلّا هُوَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلّا يَعْلَمُها وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ.

و يستحب أيضا بين المغرب و العشاء صلاة الوصية (21)، و هي أيضا ركعتان يقرأ في أولاهما- بعد الحمد- ثلاث عشرة مرة سورة:

(إذا زلزلت الأرض) و في الثانية- بعد الحمد- سورة التوحيد خمس عشرة مرة.

مسألة 3: الظاهر أنّ الصلاة الوسطى التي تتأكد المحافظة عليها هي الظهر

(مسألة 3): الظاهر أنّ الصلاة الوسطى التي تتأكد المحافظة عليها هي الظهر (22)، فلو نذر أن يأتي بالصلاة الوسطى في المسجد،

______________________________

يثبت أنّهم فعلوه، و يأتي بعض ما يتعلق بصلاة الغفيلة و الوصية في (فصل الصلوات المندوبة).

(21) كما رواها الشيخ في المصباح عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أنّه قال:

«أوصيكم بركعتين بين العشاءين يقرأ في الأولى- إلى أن قال- فإن فعل ذلك في كلّ شهر كان من المؤمنين، فإن فعل ذلك في كلّ سنة كان من المحسنين، فإن فعل ذلك في كلّ جمعة مرّة كان من المخلصين، فإن فعل ذلك كلّ ليلة زاحمني في الجنة و لم يحص ثوابه إلّا اللّه تعالى» (1)

(22) على المشهور، و عن الخلاف إجماع الطائفة عليه، و لصحيح زرارة

ص: 31


1- الوسائل باب: 17 من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث: 1.

أو في أول وقتها- مثلا- أتى بالظهر.

مسألة 4: النوافل المرتبة و غيرها يجوز إتيانها جالسا

(مسألة 4): النوافل المرتبة و غيرها يجوز إتيانها جالسا (23)

______________________________

عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى «و هي صلاة الظهر» (1).

و نحوه غيره. و نسب إلى السيد (قدّس سرّه) إنّها العصر لبعض النصوص منها ما روي عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام)، قال (عليه السلام):

«و أوصاني أن أحفظها من بين الصلوات» (2).

و لا بد من طرح هذه النصوص أو حملها. و قد نقل فيها أقوال أخر ذكرناها في التفسير، فراجع.

(23) أما إتيان النوافل جالسا فلنصوص كثيرة منها خبر ابن اليسع عن أبي الحسن (عليه السلام) «عن الرجل يصلّي النافلة قاعدا و ليست به علة في سفر أو حضر. فقال (عليه السلام): لا بأس به» (3).

و خبر محمد بن مسلم: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يكسل أو يضعف فيصلّي التطوّع جالسا. قال (عليه السلام): يضعّف كلّ ركعتين بركعة»(4).

و خبر أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام): «إنّا نتحدث نقول من صلّى و هو جالس من غير علة كانت صلاته ركعتين بركعة و سجدتين بسجدة، فقال (عليه السلام): ليس هو هكذا هي تامة لكم» (5).

أقول: يمكن أن يكون عدّ الركعتين بركعة لغير العلماء العاملين

ص: 32


1- الوسائل باب: 5 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 7.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب القيام حديث: 2.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب القيام حديث: 3.
5- الوسائل باب: 5 من أبواب القيام حديث: 1.

و لو في حال الاختيار. و الأولى حينئذ عدّ كلّ ركعتين بركعة فيأتي بنافلة الظهر مثلا ست عشرة ركعة، و هكذا في نافلة العصر. و على هذا يأتي بالوتر مرّتين، كلّ مرّة ركعة.

______________________________

المشتغلين بالأهم، كاستفادة الأحكام الإلهيّة و نشرها و ضبطها و حفظها فإنّ ذلك أفضل من الصلوات المندوبة بالنسبة إليهم.

ثمَّ إنّ إتيان الصلوات المندوبة إما أن يكون مع القيام أو مع الجلوس أو الركعة الأولى قياما و الأخيرة جلوسا أو بالعكس، أو يجلس و يقرأ ثمَّ يقوم و يركع عن قيام، و هو إما في الركعتين أو في الأولى فقط أو الثانية كذلك، و الكلّ جائز لفحوى ما ورد في جواز إتيانها في حال المشي (1) و الركوب اختيارا (2)، و فحوى جواز الجلوس في تمامها. و المتيقن من عدّ ركعتين بركعة الصورة الثانية فقط، و في غيرها لا دليل عليه، و يأتي في فصل جميع الصلوات المندوبة جملة من الفروع المتعلقة بالمقام.

و أما وجه أولوية عدّ كلّ ركعتين بركعة فلما يأتي في [مسألة 2] من (فصل جميع الصلوات المندوبة يجوز إتيانها جالسا اختيارا).

ص: 33


1- راجع الوسائل باب: 16 من أبواب القبلة.
2- راجع الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة.

فصل في الوقت

فصل في أوقات اليومية و نوافلها

اشارة

(فصل في أوقات اليومية و نوافلها)

______________________________

لا بد من تقديم أمور:

الأول: إنّ الأوقات و علاماتها، كالزوال و المغرب و الفجر و نحو ذلك من الأمور التكوينية المختلفة بحسب الأماكن غير المختصة بشريعة، و كانت معروفة و مشهورة عند من يهتم بأوقاته قديما و حديثا، فليس للشارع تعبد خاص لا بالنسبة إلى الأوقات و لا بالنسبة إلى العلامات، و إنّما تعبّد بأفعال خاصة في أوقات مخصوصة، فريضة كانت أو نافلة.

الثاني: لا ينعدم النور و الظلمة حول الأرض منذ خلقت الشمس و الأرض، سواء قيل بحركتهما معا أو الأولى فقط أو الأخيرة كذلك، لأنّ ذلك من لوازم الجسمين المستديرين إذا كان أحدهما منيرا و الآخر مستنيرا مع وجود حركة ما في الجملة في البين، كما أنّ الظاهر عدم انعدام الحمرة و الشفق عن حول الأرض في مشرقها و مغربها أبدا، لأنّهما عبارتان عن اختلاط ضوء الشمس بالظلمة، في الجملة، فكلّ ظلمة دائرة حول الأرض تكون مسبوقة و ملحوقة بهما، لحصول اختلاط الضوء في طرفي الظلمة.

ثمَّ إنّ الحمرة في أخبار المواقيت تطلق تارة: على الحمرة المشرقية، فيكون حدوثها قبل طلوع الشمس آخر وقت فضيلة صلاة الصبح، و زوالها بعد الغروب أول دخول وقت المغرب، و تطلق أخرى: على الحمرة المغربية الحادثة بعد زوال الحمرة المشرقية عند غروب الشمس، و يعبّر عنها بالشفق أيضا، فيكون زوالها آخر وقت فضيلة المغرب و أول وقت فضيلة العشاء، كما أنّ الغسق في تلك الأخبار يطلق تارة على انتصاف الليل، كقوله (عليه السلام): «غسق الليل انتصافه» (1).

ص: 34


1- الوسائل باب: 10 من أبواب المواقيت حديث: 10.

.....

______________________________

و أخرى على ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق» كقوله (عليه السلام): «و من غروب الشمس إلى غروب الشفق غسق» (1).

و أما الزوال في الأخبار فيلحظ بالنسبة إلى نصف النهار من طلوع الشمس إلى غروبها، لا من طلوع الفجر، لأنّه يعرف بالشاخص و ظلّه، و لا يحدث الظلّ إلّا بالشمس، و الأخبار ظاهرة، بل صريحة في ذلك.

الثالث: الوقت الاختصاصي على قسمين:

الأول: الاختصاصي الذاتي بحيث يكون أول الزوال بالنسبة إلى صلاة العصر- مثلا- كما قبل الزوال بالنسبة إليها، و يكون مقدار أربع ركعات إلى المغرب بالنسبة إلى صلاة الظهر كما بعد المغرب بالنسبة إليها، و كذا بالنسبة إلى العشاءين.

الثاني: الاختصاصي الفعلي، يعني أنّ ذات الوقت مشترك بينهما، و لكن فعلية التكليف بالسابقة تمنع عن إتيان اللاحقة، فلو فرض عدم فعلية السابقة لنسيان أو جهة أخرى تصح اللاحقة لو أتي بها في أول وقت السابقة، و المنساق من الأدلة، كما يأتي، هو الأخير، لظهور قوله (عليه السلام): «إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر و العصر» (2)، و لو شك في ذلك فالمتيقن هو الثاني أيضا، فيرجع في ثبوت الاختصاصية الذاتية إلى الأصل.

الرابع: وقت الفضيلة و الإجزاء يدور مدار الأفق الذي يكون المكلّف فيه.

و يختلف ذلك حسب اختلاف الآفاق، فلو كان في محلّ و كان الوقت فيه وقت الفضيلة و ذهب إلى محلّ يكون الوقت الإجزاء أو بالعكس، فالمدار على المحلّ الذي يصلّي فيه، و كذا الكلام فيما قبل الوقت و بعده.

ص: 35


1- الوسائل باب: 13 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث، 10.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب المواقيت حديث: 1.

وقت الظهرين ما بين الزوال (1)

______________________________

الخامس: لا ريب في اختلاف زمان فعل الفريضة بحسب حال المصلّي من السرعة و البطء في صلاته و إتيان المندوبات فيها- قلة و كثرة- و إتيان النافلة و التسبيحة قبل صلاة الظهر و قبل العصر اختلافا كثيرا حسب اختلاف أنواع المصلّين بحيث يكون التحديد الحقيقي من هذه الجهة متعذرا جدا، فالتحديد إما بحسب ذات الصلاة أو بحسب إتيانها مع نافلتها و كلّ منهما إما مع السرعة أو مع عدمها و هذا اختلاف عرفي عادي لنوع المصلّين.

السادس: إذا لوحظ مجموع الأخبار الواردة في تحديد الأوقات فهي على قسمين الأول المحكمات من الأخبار. الثاني غيرها و القسم الثاني بمنزلة الشرح و البيان للقسم الأول.

السابع: يظهر من بعض الأخبار أنّ في نفس بيان الاختلاف موضوعية خاصة عند الإمام (عليه السلام) كخبر أبي خديجة عن الصادق (عليه السلام) قال: «سأله إنسان و أنا حاضر فقال: ربما دخلت المسجد و بعض أصحابنا يصلّون العصر و بعضهم يصلّي الظهر فقال: أنا أمرتهم بهذا لو صلّوا على وقت واحد عرفوا فأخذوا برقابهم» (1).

(1) للكتاب المبين، و نصوص متواترة، و بضرورة الدّين، قال تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ (2).

و الدلوك هو الزوال، و قال أبو جعفر (عليه السلام) في الصحيح: «إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر و العصر» (3).

و في صحيح عبيد بن زرارة قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن وقت الظهر و العصر، فقال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر

ص: 36


1- الوسائل باب: 7 من أبواب المواقيت حديث: 3.
2- سورة الإسراء: 78.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب المواقيت حديث: 1.

و المغرب (2)، و يختص الظهر

______________________________

جميعا، إلّا أنّ هذه قبل هذه، ثمَّ أنت في وقت منهما جميعا حتّى تغيب الشمس»(1).

و في خبر ابن سيابة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين» (2).

و مثله أخبار أخر.

و أما ما دلّ على أنّ وقت الظهر بعد الزوال بقدم، كصحيح ابن عبد الخالق قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن وقت الظهر، فقال: بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلّا في يوم الجمعة أو في السفر، فإن وقتها حين تزول» (3).

و ما دل على أنّه بعد الزوال بقدمين و وقت العصر بعد ذلك قدمان، كصحيح الفضلاء عنهما (عليهما السلام) أنّهما قالا: «وقت الظهر بعد الزوال قدمان، و وقت العصر بعد ذلك قدمان» (4).

و ما دلّ على أنّ وقت الظهر ذراع من زوال الشمس و وقت العصر ذراعان من وقت الظهر، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن وقت الظهر، فقال: ذراع من زوال الشمس، و وقت العصر ذراعان من وقت الظهر، فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس (5).

فلا بد من حمل كلّ ذلك على مراتب الفضل من حيث ترتب الصلاتين على نافلتهما، و طول النافلة و قصرها، لعدم احتمال المعارضة بين مثل هذه الأخبار و ما ثبت بضرورة الدّين خلفا عن سلف.

(2) يدل عليه- مضافا إلى الكتاب- كما تقدّم- و الضرورة الدينية في

ص: 37


1- الوسائل باب: 4 من أبواب المواقيت حديث: 5.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب المواقيت حديث: 8.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 11.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 1.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 12.

.....

______________________________

الجملة،- نصوص مستفيضة:

منها: ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «لا تفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس» (1).

و في خبره الآخر عنه (عليه السلام) أيضا: «صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس»(2).

و في خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «فإنّك في وقت منهما حتّى تغيب الشمس» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار.

و أما المرسل: «أول الوقت رضوان اللّه، و آخره عفو اللّه، و العفو لا يكون إلّا عن ذنب» (4).

و ما ورد في أنّ من تعمد تأخير العصر حتّى تصفرّ الشمس و تغيب، فليس له في الجنة أهل و لا مال، كما في صحيح الحلبي (5)، و قوله (عليه السلام) في خبر ربعي: «من أخطأ وقت الصلاة، فقد هلك، و إنّما الرخصة للناسي و المريض و المدنف و المسافر و النائم في تأخيرها» (6).

و قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان: «لكلّ صلاة وقتان و أول الوقتين أفضلهما، و لا ينبغي تأخير ذلك عمدا، و لكنّه وقت من شغل أو نسي أو سهى أو نام، و ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين إلّا من عذر أو علة» (7).

ص: 38


1- الوسائل باب: 10 من أبواب المواقيت حديث: 9.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب المواقيت حديث: 4.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب المواقيت حديث: 12.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب المواقيت حديث: 16.
5- الوسائل باب: 9 من أبواب المواقيت حديث: 10.
6- الوسائل باب: 7 من أبواب المواقيت حديث: 7.
7- الوسائل باب: 3 من أبواب المواقيت حديث: 11.

بأوله مقدار أدائها (3)

______________________________

إلى غير ذلك مما سيق هذا المساق فالجميع في مقام الترغيب و التحريض على المبادرة إلى الإتيان في أول وقت الفضيلة و ليس في مقام التوقيت و التحديد الحقيقي بقرينة غيرها، مضافا إلى وهنها بالإعراض، و المعارضة بغيرها، مع قصور السند أو الدلالة في بعضها. فلا وجه للاستناد إليها في التوقيت الحقيقي كما عن بعض القدماء (قدّس سرّهم).

(3) نصّا و إجماعا من المسلمين، بل الضرورة المذهبية في الجملة. ففي خبر داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر و بقي وقت العصر حتّى تغيب الشمس» (1).

و إنّما الكلام في أنّ هذا الاختصاص ذاتي أو فعليّ لأجل الترتيب بين الصلاتين، فلو فرض سقوط الترتيب للنسيان و نحوه تصح اللاحقة في وقت السابقة بناء على الأخير دون الأول. ألحق هو الأخير، لجملة من الأخبار:

منها: صحيح عبيد قال (عليه السلام): «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر جميعا إلّا أنّ هذه قبل هذه ثمَّ أنت في وقت منهما جميعا حتّى تغيب الشمس» (2).

و هو من محكمات الأخبار غير القابلة للتقييد، فيكون المراد بمثل خبر ابن فرقد صلاحية الوقت ذاتا لكلّ من الفريضتين لو لا وجوب تقديم السابقة على اللاحقة، و بملاحظة هذه الجهة يكون مقدار أداء فريضة الظهر مختصا بها، و هذا نظير ما ورد في النافلة: «إلّا أنّ بين يديها سبحة، و ذلك إليك إن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت» (3).

ص: 39


1- الوسائل باب: 4 من أبواب المواقيت حديث: 7.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب المواقيت حديث: 5.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب المواقيت حديث: 1.

.....

______________________________

فيكون وقت فضيلة الفريضة أول الوقت إلا أنّ ملاحظة النافلة أوجبت تأخير وقت فضيلة الفريضة بقدر أداء النافلة.

و ما يتوهّم من أنّه لا وجه حينئذ لقوله (عليه السلام): «فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر، لفرض دخول وقتهما من أول الزوال و أنه مشترك بينهما ذاتا، فيكون هذا التعبير باطلا.

مدفوع: بأنّه لا ريب في اختصاص الوقت الفعلي بمقدار أربع ركعات من أول الزوال بالظهر، فوقت العصر بلحاظ فعلية خطاب الظهر لم يدخل بعد، فالتعبير إنّما هو بلحاظ هذه الجهة لا بلحاظ ذات الوقت من حيث هو كما يصح أن يعبّر بخروج وقت الظهر إذا بقي من الوقت قدر أربع ركعات إلى المغرب أي بلحاظ الفعلية لا الذات خصوصا بعد أن كان أول الوقت مسبوقا بعدم الوقت لهما و آخر الوقت ملحوقا به كذلك، إذ يصح حينئذ الاهتمام ببيان فعلية الظهر في الأول و وقت فعلية العصر في الأخير، و إذا ألقينا سنخ هذا التعبير على العرف فأيّ شي ء ينساق منه عندهم يكون المقام مثله أيضا، فإذا قيل: إذا طلعت الشمس دخل الوقتان، أي وقت درس الفقه و الأصول- مثلا- إلّا أنّ هذا- أي الفقه- قبل هذا- أي الأصول- ثمَّ وردت جملة أخرى إذا طلعت الشمس دخل وقت درس الفقه، فإذا تمَّ درسه دخل وقت درس الأصول، فمتعارف الناس لا يتبادر إلى أذهانهم من الجملة الثانية إلا الاختصاص الفعلي دون الذاتي، و لا بد من حمل مثل خبر ابن فرقد على ذلك و إلا لزم طرح جملة من الأخبار الكثيرة المعتبرة سندا و دلالة، غير القابلة للطرح و التقييد، بل يمكن أن يعدّ هذا الخبر من أدلة اعتبار الترتيب أيضا بنظر العرف.

و تظهر ثمرة الاختصاص الذاتي و الفعلي فيما إذا صلّى الأخيرة في الوقت المختص بالأولى سهوا أو نسيانا فتصح بناء على الثاني دون الأول، و كذا لو صلّى الأولى في الوقت المختص بالأخيرة و يأتي التفصيل في [مسألة 3].

ثمَّ إنّه لا يختص أول الوقت بالسابقة و آخره باللاحقة بخصوص مقدار أربع ركعات فقط، بل يدور مدار التكليف سفرا و حضرا، و من حيث وجدان

ص: 40

بحسب حاله، و يختص العصر بآخره كذلك (4). و ما بين المغرب

______________________________

الشرائط و فقدانها و سرعة القراءة و بطئها و غير ذلك من موجبات الاختلاف، فيختلف الوقت بهذه الأمور اختلافا كثيرا، و كذا قراءة السور الطوال و ما يتبع الصلاة من قضاء الأجزاء المنسية و صلاة الاحتياط بل و سجدتي السهو، و بالجملة المدار على فعل الصلاة بعرضها العريض و ما فيها من الأجزاء الواجبة و المندوبة حسب اختيار المكلّف و ما لها من التوابع المفروضة كلّ ذلك جمودا على الإطلاقات الشاملة لجميع ذلك و ملازمة ذلك كلّه لصلاة المصلّين غالبا.

كما لا يختص أول الوقت بالأولى بمجرد نية أربع ركعات، بل بفعلية التكليف بها، فلو كان مسافرا و قصد الإقامة و دخل في الصلاة أول الوقت بقصد أربع ركعات و عدل عن قصده قبل الدخول في الركعة الثالثة يصح له الإتمام قصرا ثمَّ الإتيان بالأخيرة و إن وقعت قبل انقضاء أربع ركعات من أول الوقت من حيث النيّة.

(4) للنص و الإجماع، و قد تقدم قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن فرقد، و في صحيح الحلبي قال: «سألته عن رجل نسي الأولى و العصر جميعا ثمَّ ذكر ذلك عند غروب الشمس، فقال: إن كان في وقت لا يخاف فوت إحديهما فليصلّ الظهر ثمَّ يصلّ العصر، و إن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر و لا يؤخّرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعا، و لكن يصلّي العصر فيما قد بقي من وقتها، ثمَّ ليصلّ الأولى بعد ذلك على أثرها» (1).

و يمكن أن يقال أيضا: إنّ التكليف بالصلاتين معا تكليف بغير المقدور، و التخيير متوقف على فقد الترجيح، و تعيّن الظهر خلاف الإجماع فيتعيّن العصر، و كذا الكلام بالنسبة إلى الظهر في أول الوقت و هذا أيضا في مرتبة فعلية الخطاب لا في أصل ذات الوقت، كما هو واضح.

ص: 41


1- الوسائل باب: 4 من أبواب المواقيت حديث: 18.

و نصف الليل وقت للمغرب (5)

______________________________

(5) أما دخول وقت المغرب بالغروب فهو من ضروريات الدّين في الجملة، و تدل عليه نصوص متواترة:

منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «إذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة»(1). و المراد بغيبوبة الشمس المغرب الشرعي، كما يظهر من نصوص أخرى تأتي الإشارة إليها.

و أما انتهاء الوقت بانتصاف الليل، فهو المشهور، و يدل عليه جملة من النصوص مثل رواية ابن فرقد. «إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، و إذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب و بقي وقت العشاء إلى انتصاف الليل»(2).

و في رواية عبيد بن زرارة: «إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلّا أنّ هذه قبل هذه» (3).

و أما استفادة أنّ انتصاف الليل منتهى الوقت بحيث تكون الصلاة بعده من القضاء الاصطلاحي، أو أنّه آخر بعض مراتب الإجزاء لا أصله، فهذا الحديث و ما ورد في تفسير الآية الكريمة قاصر عن إثباته لكثرة استعمال مثل هذه التعبيرات في السنة في بيان مراتب الفضل خصوصا بملاحظة ما يأتي في صحيح ابن سنان و غيره.

و أما أنّ الوقت مشترك للصلاتين من أول المغرب إلى الانتصاف، فلقول

ص: 42


1- الوسائل باب: 17 من أبواب المواقيت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب المواقيت حديث: 4.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 24.

.....

______________________________

أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ:

«و منها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلّا أنّ هذه قبل هذه» (1).

فيحمل خبر فرقد على الاختصاص الفعلي، كما تقدم في الظهرين.

و ما دل على أنّ آخر وقت المغرب سقوط الشفق، كقول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة و الفضيل الآتي محمول على الوقت الفضلي.

ثمَّ إنّه نسب إلى جمع من القدماء أنّ آخرها غيبوبة الشفق المغربي بالنسبة إلى المختار، لجملة من الأخبار.

منها: قول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح: «إنّ لكلّ صلاة وقتين غير المغرب فإنّ وقتها واحد و وقتها وجوبها، و وقت فوتها سقوط الشفق» (2)، و في خبر آخر «إنّ لها وقتين آخر وقتها سقوط الشفق» (3).

و في خبر ابن مهران قال: «كتبت إلى الرضا (عليه السلام)- إلى أن قال:- فكتب كذلك الوقت غير أنّ وقت المغرب ضيّق، و آخر وقتها ذهاب الحمرة و مصيرها إلى البياض في أفق المغرب» (4).

و نحوها غيرها. و لا وجه له، للزوم حملها على الوقت الفضلي بقرينة غيرها الصحيحة سندا، الناصة دلالة على أنّه إلى النصف. كما لا وجه لقول من ذهب- من القدماء- إلى أنّه للمضطر إلى ربع الليل، لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح عمر بن يزيد: «وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل» (5).

و في خبر آخر عنه (عليه السلام)- أيضا-: «أكون مع هؤلاء و انصرف من عندهم عند المغرب فأمر بالمساجد فأقيمت الصلاة، فإن أنا نزلت أصلّي معهم

ص: 43


1- الوسائل باب: 10 من أبواب المواقيت حديث: 4.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب المواقيت حديث: 2.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب المواقيت حديث: 3.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب المواقيت حديث: 4.
5- الوسائل باب: 19 من أبواب المواقيت حديث: 5.

.....

______________________________

لم أستمكن من الأذان و الإقامة و افتتاح الصلاة، فقال (عليه السلام): ائت منزلك و انزع ثيابك و إن أردت أن تتوضأ فتوضأ و صلّ فإنّك في وقت إلى ربع الليل» (1).

و في خبر أبي بصير قال: «قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): أنت في وقت من المغرب في السفر إلى خمسة أميال من بعد غروب الشمس»(2).

و في خبر إسماعيل بن جابر: «ستة أميال» (3).

و يحملان على ما يقرب من ربع الليل و لا بد من حملها على توسعة الوقت الفضلي بالنسبة إلى المسافر و نحوه تسهيلا و امتنانا بقرينة سائر الأخبار، أو على أنّه أرفق به، كما يدل عليه خبر عمر بن يزيد قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن وقت المغرب. فقال (عليه السلام): إذا كان أرفق بك و أمكن لك في صلاتك، و كنت في حوائجك، فلك أن تؤخّرها إلى ربع الليل، فقال لي هذا و هو شاهد في بلده» (4).

و يشمل هذا الحديث السفر و غيره من الحوائج المتعارفة، و كذا خبره الآخر عنه (عليه السلام)- أيضا:- «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) أكون في جانب المصر فتحضر المغرب و أنا أريد المنزل فإن أخّرت الصلاة حتّى أصلّي في المنزل كان أمكن لي، و أدركني المساء أ فأصلّي في بعض المساجد؟ فقال (عليه السلام): صلّ في منزلك» (5).

و كذا في خبر داود الصرمي: «كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) يوما فجلس يحدث حتّى غابت الشمس ثمَّ دعا بشمع و هو جالس يتحدث فلما خرجت من البيت نظرت و قد غاب الشفق قبل أن يصلّي المغرب ثمَّ دعا بالماء فتوضأ و صلّى»(6).

ص: 44


1- الوسائل باب: 19 من أبواب المواقيت حديث: 11.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب المواقيت حديث: 6.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب المواقيت حديث: 7.
4- الوسائل باب: 19 من أبواب المواقيت حديث: 18.
5- الوسائل باب: 19 من أبواب المواقيت حديث: 14.
6- الوسائل باب: 19 من أبواب المواقيت حديث: 10.

و العشاء (6).

______________________________

و يمكن أن يكون تأخيره (عليه السلام) لأجل اشتغاله بالأهم من بيان الأحكام و نحوه، و كذا خبر إسماعيل بن همام قال: «رأيت الرضا (عليه السلام)- و كنا عنده- لم يصلّ المغرب حتّى ظهرت النجوم ثمَّ قام فصلّى بنا على باب دار ابن أبي محمود» (1).

و ما ذكرنا من الاحتمال ظاهر فيه، لأنّه كان مورد ابتلاء الناس، و إذا كان التأخير لأجل أنّه ينتظره أحد للإفطار راجحا كما يأتي يكون لبيان الأحكام و نحوه أرجح. فظهر من جميع ذلك إنّه لا محيص إلّا عما نسب إلى المشهور.

(6) على المشهور فيها أيضا، فيدخل الوقت الذاتي الاشتراكي بمجرد الغروب الشرعي و قبل ذهاب الشفق، لما تقدم من الأخبار و هي كثيرة:

منها: موثق زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «صلّى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) بالناس المغرب و العشاء الآخرة قبل الشفق من غير علة في جماعة، و إنّما فعل ذلك ليتسع الوقت على أمته» (2).

و في خبره الآخر قال: «سألت أبا جعفر و أبا عبد اللّه (عليهما السلام) عن الرجل يصلّي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق. فقالا (عليهما السلام): لا بأس به» (3).

و في خبر إسحاق بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يجمع بين المغرب و العشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق من غير علة؟. قال (عليه السلام): لا بأس» (4).

و في خبر عبيد اللّه الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا بأس أن

ص: 45


1- الوسائل باب: 19 من أبواب المواقيت حديث: 9.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب المواقيت حديث: 2.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب المواقيت حديث: 5.
4- الوسائل باب: 22 من أبواب المواقيت حديث: 8.

.....

______________________________

تؤخّر المغرب في السفر حتّى يغيب الشفق، و لا بأس بأن تعجل العتمة في السفر قبل أن يغيب الشفق» (1).

إلى غير ذلك من الأخبار. نعم، الوقت الاختصاصي الفعلي الترتيبي يدخل بعد فعل المغرب. و نسب إلى جمع من القدماء منهم الشيخين (قدّس سرّهما) أنّ وقت العشاء غيبوبة الشفق، لجملة من الأخبار:

منها: صحيح عمران الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) متى تجب العتمة؟ قال (عليه السلام): إذا غاب الشفق، و الشفق الحمرة» (2).

و في خبر بكر بن محمد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «ثمَّ سألته عن وقت العشاء، فقال (عليه السلام): إذا غاب الشفق» (3).

و ظهورها في الوقت الفضلي بقرينة سائر الأخبار مما لا ينكر لا سيّما بملاحظة قوله (عليه السلام) في موثق زرارة المتقدم.

و أما آخر وقت صلاة العشاء فمن قائل بأنّه ثلث الليل مطلقا، لخبر ابن عمار: «وقت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل» (4).

و في خبر زرارة: «آخر وقت العشاء ثلث الليل»(5). و من قائل بأنّه للمختار خاصة و للمضطر إلى النصف، لقول الصادق (عليه السلام) في خبر الحلبي: «العتمة إلى ثلث الليل أو إلى النصف و ذلك التضييع» (6).

و من قائل بأنّه الثلث للمختار و عدم التحديد للمضطر، جمعا بين الأخبار. و من قائل أنّ الربع للمختار خاصة لما ورد أنّه «إلى ربع الليل» (7).

و من قائل أنّ الربع للمختار و النصف للمضطر.

ص: 46


1- الوسائل باب: 22 من أبواب المواقيت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب المواقيت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب المواقيت حديث: 3.
4- الوسائل باب: 21 من أبواب المواقيت حديث: 4.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب المواقيت حديث: 3.
6- الوسائل باب: 17 من أبواب المواقيت حديث: 9.
7- الوسائل باب: 21 من أبواب المواقيت حديث: 3.

و يختص المغرب بأوله بمقدار أدائه و العشاء بآخره كذلك (7) هذا للمختار. و أمّا المضطر- لنوم أو نسيان أو حيض أو نحو ذلك من أحوال الاضطرار- فيمتد وقتهما إلى طلوع الفجر (8). و يختص العشاء

______________________________

و الكل باطل لأنّ ذلك كلّه نظر إلى الأدلّة في خبر واحد منها من غير التفات إلى مجموع ما ورد عنهم (عليهم السلام)، و قد تقدّم ما يدل على امتداد العشاء إلى النصف، بل إلى طلوع الفجر مع الإثم في التأخير، كما يأتي.

(7) لما تقدّم من قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن فرقد، مضافا إلى ما يأتي في صحيح ابن سنان.

(8) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح ابن سنان، «إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما، و إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمَّ المغرب، ثمَّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس»(1).

و نحوه صحيح أبي بصير (2)، و عنه (عليه السلام) في خبر ابن حنظلة:

«إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب و العشاء» (3).

و احتمال أن يكون ذكر النوم و النسيان و الحيض من باب المثال فيشمل جميع الأعذار قريب جدّا خصوصا بملاحظة قوله (عليه السلام)- أيضا- في خبر عبيد: «لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة، لا تفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس، و لا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر، و لا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس» (4).

ص: 47


1- الوسائل باب: 62 من أبواب المواقيت حديث: 4.
2- الوسائل باب: 62 من أبواب المواقيت حديث: 3.
3- الوسائل باب: 49 من أبواب الحيض حديث: 12.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب المواقيت حديث: 9.

..........

______________________________

فيمكن أن يقال: إنّ ذكر النوم و النسيان و الحيض من باب أنّ الغالب في المصلّين أنّهم لا يؤخرون صلاة العشاءين إلى الفجر إلّا مع العذر، و إلّا فوقتهما يمتد إلى الفجر و لو اختيارا، لكون هذا الخبر نصّا فيه حيث علق ذلك على الإرادة و الاختيار. نعم، يأثم مع الاختيار، لمرسل الفقيه: «من نام عن العشاء الآخرة إلى نصف الليل إنّه يقضي و يصبح صائما عقوبة، و إنّما وجب ذلك عليه لنومه عنها إلى نصف الليل» (1).

و قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر ابن مسكان: «من نام قبل أن يصلّي العتمة فلم يستيقظ حتّى يمضي نصف الليل فليقض صلاته و ليستغفر اللّه» (2).

فيحمل القضاء فيهما على مطلق الإتيان بقرينة خبر عبيد، و ما تقدّم من أنّ وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل. فظاهره الوقت الذي لا إثم في التأخير إليه، فلا تنافي بينها و بين خبر ابن مسكان و مرسل الفقيه الدالين على الإثم مع التأخير.

و يمكن الخدشة في ذلك بإعراض المشهور عما دل على امتداد الوقت للنائم و الناسي و الحائض إلى الفجر، فكيف بمطلق العذر فضلا عن صورة الاختيار، مضافا إلى قصور سند خبر عبيد.

و فيه: أما الإعراض فهو اجتهادي حصل من اجتهاداتهم لا أنّه وصل إليهم ما لم يصل إلينا في هذا الأمر العام البلوى للأمة، مع أنّ في أصل تحقق الشهرة منع، إذ المسألة ذات أقوال كثيرة. و امتداد وقت الظهرين إلى المغرب شاهد لامتداد وقت العشاءين إلى طلوع الفجر كذلك مع بناء النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) على امتداد الوقت و اتساعه لأمته كما يظهر من الأخبار، مع أنّ الإثم إن أخرها عمدا إلى طلوع الفجر مسلّم بين الكلّ و عدمه مع العذر كذلك، و قصد الأدائية و القضائية لا دليل على اعتبارهما من عقل أو نقل، بل مقتضى الأصل

ص: 48


1- الوسائل باب: 29 من أبواب آداب الحمام الحديث: 3.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب آداب الحمام الحديث: 6.

من آخره بمقدار أدائها دون المغرب من أوله أي: ما بعد نصف الليل (9). و الأقوى أنّ العامد في التأخير إلى نصف الليل أيضا كذلك- أي: يمتد وقته إلى الفجر- و إن كان آثما بالتأخير، لكن الأحوط (10) أن لا ينوي الأداء و القضاء، بل الأولى ذلك في المضطر أيضا (11).

______________________________

العدم، فأيّ ثمرة في هذا النزاع الذي أطيل فيه الكلام، مع أنّه ليس للفقيه فضلا عن الإمام (عليه السلام) إرسال القول بتأخير الصلاة إلى آخر وقت الإجزاء لأنّ ذلك داعية إلى التضييع خصوصا في صلاة العشائين اللتين يكون الوقت فيهما معرّضا للنوم و نحوه من موجبات التضييع، و لعل هذا أحد أسرار اختلاف الأخبار و الأقوال، مع أنّ في بعض الأخبار ما يستفاد منه أنّ التحديد إلى نصف الليل ليس توقيتا حقيقيا، كقوله (عليه السلام): «و أنت في رخصة إلى نصف الليل و هو غسق الليل، فإذا مضى الغسق نادى ملكان من رقد عن صلاة المكتوبة، فلا رقدت عيناه» (1).

و ظهوره في الإثم في الجملة و عدم التوقيت الحقيقي مما لا ينكر:

و أما قصور خبر عبيد بن زرارة سندا فهو أول الدعوى، إذ ليس فيه ما يصح للغمز إلا عليّ بن يعقوب الهاشمي، و يظهر اعتباره من رواية جمع من الثقات عنه و روايته عن جمع من الثقات. و من التأمل في مجموع الأخبار يمكن أن يستفاد أنّ التحديد إلى نصف الليل حكم تكليفيّ لا أن يكون شرطيا غيريا، و يشهد لما قلناه إطلاق صلاة الليل عليهما، و من حيث إنّ الناس كانوا ينامون في أول الليل ورد التحديد به حتّى لا تفوتهم الصلاة.

(9) لفرض أنّه ليس أول وقت المغرب، بل من الوقت المشترك.

(10) ظهر وجه الاحتياط مما تقدم.

(11) جمودا على خصوص ما ورد في النص من النوم و الحيض و النسيان

ص: 49


1- الوسائل باب: 21 من أبواب المواقيت حديث: 2.

و ما بين طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس وقت الصبح (12).

______________________________

و عدم جعله من باب المثال لكلّ عذر.

(12) نصّا و إجماعا، بل ضرورة، ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «إذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة»(1).

و في خبره الآخر عنه (عليه السلام) أيضا: «وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس» (2).

و في صحيح محمد بن مسلم قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) رجل صلّى الفجر حين طلع الفجر، فقال: لا بأس» (3).

و في صحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا تفوت صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس»(4).

إلى غير ذلك من الأخبار.

و نسب إلى الشيخ (قدّس سرّه) امتداده إلى أن يسفر الصبح للمختار، و أما المضطر فهو إلى طلوع الشمس لجملة من الأخبار كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «وقت الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء، و لا ينبغي تأخير ذلك عمدا و لكنّه وقت لمن شغل أو نسي أو نام» (5).

و صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لكل صلاة وقتان، و أول الوقتين أفضلهما، و وقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء، و لا ينبغي تأخير ذلك عمدا، و لكنّه وقت من شغل أو نسي أو سهى أو نام- الحديث-» (6).

لكن الروايات محمولة على وقت الفضيلة لا الإجزاء جمعا بينها و بين غيرها.

ص: 50


1- الوسائل باب: 26 من أبواب المواقيت و آدابها حديث: 2.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب المواقيت و آدابها حديث: 6.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب المواقيت و آدابها حديث: 4.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب المواقيت حديث: 8.
5- الوسائل باب: 26 من أبواب المواقيت حديث: 1.
6- الوسائل باب: 26 من أبواب المواقيت حديث: 5.

و وقت الجمعة من الزوال إلى أن يصير الظل مثل الشاخص (13)، فإن

______________________________

ثمَّ إنّ المراد بطلوع الفجر الصادق منه دون الكاذب، و الأول هو البياض المنتشر في الأفق و الثاني هو المستطيل عمودا، كما يأتي في المسألة الثانية.

(13) أما دخول وقت صلاة الجمعة بالزوال، فهو من الضروريات بين المسلمين، و تدل عليه نصوص كثيرة، ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «وقت الجمعة زوال الشمس، و وقت صلاة الظهر في السفر زوال الشمس، و وقت العصر يوم الجمعة في الحضر نحو من وقت الظهر في غير يوم الجمعة»(1).

و في خبر إسماعيل بن عبد الخالق قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن وقت الصلاة، فجعل لكلّ صلاة وقتين إلا الجمعة في السفر و الحضر فإنّه قال: وقتها إذا زالت الشمس» (2).

و في صحيح ابن سنان: «إذا زالت الشمس يوم الجمعة فابدأ بالمكتوبة» (3).

و في خبر ابن عجلان قال أبو جعفر (عليه السلام): «فإذا استيقنت الزوال فصلّ الفريضة»(4).

و في صحيح الفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إنّ من الأشياء أشياء موسعة و أشياء مضيقة، فالصلاة مما وسع فيه، تقدم مرة و تؤخر أخرى، و الجمعة مما ضيق فيها، فإنّ وقتها يوم الجمعة ساعة تزول، و وقت العصر فيها وقت الظهر في غيرها» (5).

و في خبر آخر قال أبو جعفر (عليه السلام): «أوّل وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن تمضي ساعة فحافظ عليها» (6).

ص: 51


1- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 11.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 18.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 15.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 10.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 1.
6- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 19.

.....

______________________________

و أما خروج الوقت بصيرورة الظلّ مثل الشاخص فنسب إلى الشهرة و ادعى عليه الإجماع، و لكن مقتضى بدليتها عن صلاة الظهر امتداد وقتها بوقت صلاة الظهر فضيلة و إجزاء، كما حكي عن الشهيد في الدروس و البيان. و لو شك في البدلية من كلّ جهة فالمسألة مبنية على أنّ المرجع عند الشك في العام المخصص هو استصحاب حكم المخصص، أو التمسك بالعام- و هو وجوب الظهر مطلقا إلا ما خرج بالدليل- و التحقيق هو الأخير، كما أثبتناه في الأصول (1). فلا بد من الاقتصار في بدلية الجمعة عن الظهر على الوقت المتيقن، و هو من الزوال إلى أن يمضي مقدار إتيانها بحسب المتعارف و هو لا يستغرق إلا ساعة من الزوال أو ساعة و نصف، و صيرورة الظلّ مثل الشاخص ضعف ذلك، كما تقدم» هذا بحسب القاعدة.

و أما الأخبار الواردة في المقام: فعن أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة: «صلاة الجمعة من الأمر المضيق، إنّما لها وقت واحد حين تزول» (2).

و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر ابن أبي عمير في صلاة الجمعة:

«نزل بها جبرئيل مضيقة إذا زالت الشمس فصلها» (3).

و في صحيح عبد الأعلى بن أعين- أيضا- «وقت الجمعة ليس لها إلا وقت واحد حين تزول الشمس»(4).

و عن أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح الفضل: «و الجمعة مما ضيق فيها فإنّ وقتها يوم الجمعة ساعة تزول» (5).

و مثل هذه الأخبار تحتمل وجوها: إما التوقيت الحقيقي، فلا يكون دليلا للمشهور. أو التوقيت الفضلي في الجملة، فتصلح دليلا لهم. أو التحديد الفضلي الحقيقي، و تصلح للدليلية حينئذ أيضا، و يشهد للأخيرين عموم ما دل على بدلية الجمعة عن الظهر.

ص: 52


1- راجع تهذيب الأصول ج: 1.
2- لوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 16.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 21.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 1.

أخّرها عن ذلك مضى وقته و وجب عليه الإتيان بالظهر (14) و وقت

______________________________

و المستفاد من المجموع أنّ وقت الصلاة في ظهر يوم الجمعة حيث إنّه ليس قبلها نافلة ضيق وقتها الذي ينبغي أن يؤتى بها سواء أتى بها ركعتين مع تحقق شرائط صلاة الجمعة أو أربع ركعات مع فقدها، بخلاف صلاة الظهر في سائر الأيام فإنّها وسّع في وقتها الفضلي لمكان النافلة، فلا يستفاد منها تحديد وقت الإجزاء بصيرورة الظلّ مثل الشاخص، و يشهد لذلك قول أبي جعفر (عليه السلام): «وقت صلاة الجمعة يوم الجمعة ساعة تزول الشمس، و وقتها في السفر و الحضر واحد» (1).

مع أنّه تسقط الجمعة عن المسافر، فالمناط تضييق خاص من حيث عدم التوسعة في التأخير بمقدار إتيان النافلة، إذ لا نافلة في يوم الجمعة. فلا فرق بين صلاة الجمعة و صلاة الظهر فيها. هذا.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ اهتمام المسلمين خلفا عن سلف على عدم تأخير الجمعة إلى الغروب، بل استنكار ذلك لديهم قديما و حديثا، و الاهتمام بذلك نحو الاهتمام بالواجبات يكون قرينة معتبرة على عدم توسعة وقت إجزائها بمقدار وقت إجزاء الظهر فيكون المراد بالتضييق التضييق العرفي و هو ينطبق بحسب المتعارف على مقدار وقت فضيلة الظهر، و يمكن الجمع بين الأقوال بذلك أيضا، لأنّ للتضييق العرفي مراتب متفاوتة بحسب الحالات و الأشخاص، فقد يكون بقدر ساعة و قد يكون أقلّ أو أكثر.

(14) نصّا و إجماعا، ففي خبر الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة، و إن فاتته فليصلّ أربعا»(2).

ص: 53


1- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 12.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 2.

فضيلة الظهر من الزوال إلى بلوغ الظلّ الحادث بعد الانعدام أو بعد الانتهاء مثل الشاخص (15).

______________________________

و في خبر العزرمي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى و اجهر فيها، فإن أدركته و هو يتشهد فصلّ أربعا» (1).

إلى غير ذلك من الأخبار، و سيأتي التفصيل في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

(15) هذه إحدى المسائل التي اختلفت فيها الأخبار اختلافا كبير.

و البحث فيها من جهات:

الأولى: الأخبار الواردة في المقام على أقسام:

الأول: ما تدل على دخول وقت الظهرين بالزوال إلا أنّ هذه قبل هذه(2) و هي معتضدة بظاهر الكتاب (3) و فتوى المسلمين و عملهم قديما و حديثا، بل من الضروري بينهم في كلّ طبقة.

الثاني: أنّ وقت الظهر بعد الزوال قدمان، و وقت العصر بعد ذلك قدمان، كصحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن أفضل وقت الظهر. قال (عليه السلام): ذراع بعد الزوال قلت: في الشتاء و الصيف سواء؟ قال: نعم» (4).

و صحيح الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه (عليهما السلام) أنّهما قالا:

«وقت الظهر بعد الزوال قدمان، و وقت العصر بعد ذلك قدمان» (5).

و في مكاتبة محمد بن الفرج قال: «كتبت أسأله عن أوقات الصلاة،

ص: 54


1- الوسائل باب: 26 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 24.
3- راجع صفحة: 36.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 25.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 1.

.....

______________________________

فأجاب إذا زالت الشمس فصلّ سبحتك، و أحبّ أن يكون فراغك من الفريضة و الشمس على قدمين، ثمَّ صلّ سبحتك، و أحبّ أن يكون فراغك من العصر و الشمس على أربعة أقدام، فإن عجل بك أمر فابدأ بالفريضتين و اقض بعدهما النوافل» (1).

و في مكاتبة عبد اللّه بن محمد عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه (عليهما السلام) قالا): «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلّا أن بين يديها سبحة إن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت، و روى بعض مواليك عنهما أنّ وقت الظهر على قدمين من الزوال و وقت العصر على أربعة أقدام من الزوال، فإن صلّيت قبل ذلك لم يجزك، و بعضهم يقول: يجزي و لكن الفضل في انتظار القدمين و الأربعة أقدام، و قد أحببت جعلت فداك أن أعرف موضع الفضل في الوقت، فكتب (عليه السلام): «القدمان و الأربعة أقدام صواب جميعا» (2).

و إلى هذه الأخبار يرجع ما دل على أنّه الذراع و الذراعان، إذ المراد بهما القدمان و الأربعة أقدام، لقول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة في وقت الظهر: «ذراع من زوال الشمس، و وقت العصر ذراع من وقت الظهر، فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس»(3).

و في رواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إذا كان الفي ء في الجدار ذراعا صلّى الظهر، و إذا كان ذراعين صلّى العصر، قلت: الجدران تختلف، منها قصير و منها طويل، قال: «إنّ جدار مسجد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) كان يومئذ قامة، و إنّما جعل الذراع و الذراعان لئلا يكون تطوع في وقت فريضة» (4).

و في صحيح زرارة قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كان حائط مسجد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) قامة، فإذا مضى من فيئه ذراع

ص: 55


1- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 31.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 30.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 3.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 28.

.....

______________________________

صلّى الظهر، و إذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر، ثمَّ قال: أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان؟ قلت: لا، قال: من أجل الفريضة إذا دخل وقت الذراع و الذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة» (1).

الثالث: ما يدل على الانتهاء بالقامة، كقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح البزنطي: «سألته عن وقت صلاة الظهر و العصر، فكتب: قامة للظهر و قامة للعصر» (2).

و في رواية محمد بن حكيم: «سمعت العبد الصالح (عليه السلام) يقول:

أول وقت الظهر زوال الشمس و آخر وقتها قامة من الزوال، و أول وقت العصر قامة و آخر وقتها قامتان، قلت: في الشتاء و الصيف سواء؟ قال (عليه السلام):

نعم» (3).

و قول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر أحمد بن عمر: «وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظلّ قامة، و وقت العصر قامة و نصف إلى قامتين» (4).

و يصح إرجاع هذا القسم إلى الثاني، لأنّ المراد قامة الشاخص لا قامة الشخص، و يمكن أن يكون قامة الشاخص قدمان، لا سيّما بملاحظة بعض الأخبار كخبر عليّ بن حنظلة قال: «قال لي أبو عبد اللّه (عليه السلام) في كتاب عليّ (عليه السلام) القامة ذراع و القامتان الذراعان» (5).

و مثله خبر عليّ بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قال له أبو بصير كم القامة؟ قال: فقال: ذراع، إنّ قامة رحل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) كانت ذراعا»(6).

ص: 56


1- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 27.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 12.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 29.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 9.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 26.
6- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 16.

.....

______________________________

الرابع: ما هو دال على دخوله بعد المثل، كصحيح زرارة قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم يجبني، فلما أن كان بعد ذلك قال لعمر بن سعيد بن هلال: إنّ زرارة سألني عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم أخبره فحرجت من ذلك فاقرأه منّي السلام و قل له: إذا كان ظلّك مثلك فصلّ الظهر، و إذا كان ظلّك مثليك فصلّ العصر» (1).

الخامس: ما هو ظاهر في الدخول بعد القدم أو نحوه، كما في خبر سعيد الأعرج: «سألته عن وقت الظهر أ هو إذا زالت الشمس؟ فقال: بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في السفر أو يوم الجمعة فإنّ وقتها إذا زالت» (2).

و مثله خبر إسماعيل بن عبد الخالق في وقت الظهر قال (عليه السلام):

«بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلّا في يوم الجمعة أو في السفر فإنّ وقتها حين تزول» (3).

السادس: ما يدل على خروج وقت الظهر بعد ما يمضي من الزوال أربعة أقدام، كخبر الكرخي قال: «سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) متى يدخل وقت الظهر؟ قال: إذا زالت الشمس، فقلت: متى يخرج وقتها؟ فقال: من بعد ما يمضي من زوالها أربعة أقدام، إنّ وقت الظهر ضيق ليس كغيره. قلت:

فمتى يدخل وقت العصر؟ فقال (عليه السلام): إنّ آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر. فقلت: فمتى يخرج وقت العصر؟ فقال (عليه السلام): وقت العصر إلى أن تغرب الشمس»(4).

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في المقام.

الجهة الثانية: لا ريب في أنّ هذه الأخبار ليست في مقام بيان التوقيت الحقيقي، و إلا لكانت مخالفة لضرورة المذهب، بل الدين من دخول وقتهما

ص: 57


1- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 13.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 17.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 21.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 32.

.....

______________________________

بمجرد الزوال، و إنّما وردت لبيان وقتهما من حيث إتيان نافلتهما، و ذلك يختلف بحسب اختلاف الأشخاص سرعة و بطئا و من سائر الجهات فالفضيلة في الظهرين من جهتين:

إما المبادرة إلى الإتيان في أول الوقت أتى بالنافلة أو لا، و هي كلّما كانت أقرب إلى أول الوقت كان أولى، ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «اعلم أنّ أول الوقت أبدا أفضل فعجّل الخير ما استطعت- الحديث-»(1).

و يمكن حمل اختلاف هذه الأخبار على اختلاف مراتب الفضل من هذه الجهة.

و إما من جهة ترتبهما على النافلة، فقد اهتم الشارع بالنافلة و جعل وقت الفريضة كأن لم يدخل بعد مع الاشتغال بها حرصا على إتيانها و هذه فضيلة للفريضة من جهة ترتبها على نافلتها و ما يكون سبب كمالها و إكمالها، فالمقادير المذكورة طريق إلى إتيان النافلة سرعة و بطئا، خفيفة و طويلة، و يشهد لذلك جملة من الأخبار، كصحيحة منصور بن حازم قال: «كنا نقيس الشمس بالمدينة بالذراع، فقال أبو عبد اللّه (عليه السلام): الا أن أنبئكم بأبين من هذا، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلا أنّ بين يديها سبحة، و ذلك إليك إن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت» (2).

و في خبر عمر بن حنظلة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلا أنّ بين يديها سبحة، و ذلك إليك إن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت» (3)، و ما ورد في مكاتبة أحمد بن يحيى، قال (عليه السلام): «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، و بين يديها سبحة و هي ثمان ركعات، فإن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت- الحديث (4).

ص: 58


1- الوسائل باب: 3 من أبواب المواقيت حديث: 10.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب المواقيت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب المواقيت حديث: 5.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب المواقيت حديث: 13.

.....

______________________________

فيكون فعل النافلة تحديدا فعليا لوقت فضيلة الظهرين، و القدم و القدمان و نحوهما طريقا للحد الفعلي، لا أن يكون لها موضوعية خاصة. فيكون قولهم (عليهم السلام): «إن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت» مبينا لمقدار الاختلاف الواقع من حيث الزمان من القدم و الذراع و القامة و نحوها، فإذا لوحظت جميع الأخبار ورد بعضها إلى بعض تكون شارحة بعضها للآخر.

ثمَّ إنّ هذا الاختلاف الكثير في الأخبار في مثل هذا الأمر العام البلوى يمكن أن يكشف عن أمر و هو أنّه كان لأجل إخفاء الواقع لا لبيان الحكم الواقعي، و يشهد له خبر أبي خديجة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سأله إنسان و أنا حاضر فقال: ربما دخلت المسجد و بعض أصحابنا يصلّون العصر و بعضهم يصلّي الظهر، فقال: أنا أمرتهم بهذا لو صلّوا على وقت واحد عرفوا فأخذوا برقابهم» (1).

و عن المجلسي: «إنّ أخبار المثل و المثلين صدرت تقية» و عن الحدائق «إنّ التقية أظهر ظاهر في المقام».

أقول: قولهما (قدّس سرّهما) حسن جدّا و هو ظاهر لكلّ من تأمل في الجملة في أخبار المقام، و لو لا خروج هذه الأمور عن مورد الابتلاء لفصلت الكلام بما يوضح المقام، و يدل عليه ما ورد من المستفيضة الدالة على تحديد وقت فضل الظهرين بفعل النافلة فإنّها كالصريحة في أنّ المدار على فعل النافلة دون غيره. و على هذا فيشكل التمسك بمثل هذه الأخبار للتوقيت الشرعي مطلقا ما لم يكن دليل آخر في البين، لأنّ ما صدر لبيان خلاف الواقع كيف يثبت به حكم الواقع.

الجهة الرابعة: الظاهر من الأخبار أنّ مبدأ التحديد بالمثل و المثلين و الذّراع و الذراعين إنّما يلحظ من أول الزوال.

الجهة الخامسة: لو لم تشرع النافلة كالسفر و يوم الجمعة- أو كانت

ص: 59


1- الوسائل باب: 7 من أبواب المواقيت حديث: 3.

و وقت فضيلة العصر من المثل إلى المثلين على المشهور (16)، و لكن لا يبعد أن يكون من الزوال إليهما (17).

______________________________

مشروعة و بنى المكلّف على عدم الإتيان، أو أتى بها قبل الوقت بناء على جوازه كما يأتي، يمكن أن يقال: بسقوط هذا التفصيل بالنسبة إليه، لما تقدم من أنّ التحديد الزماني طريق إلى التحديد الفعلي و هو إتيان النافلة و مع عدم الإتيان بها لا يبقى موضوع للتحديد الزماني. و يحتمل ثبوت التفصيل بالنسبة إليه أيضا بجعل التحديد الفعلي من الحكمة لا العلة، مضافا إلى أن تصادف وقت الصلاة لصلاة من يصلّيها مع سبق النافلة لعله يورثها فضلا و شرفا و ليس ذلك من فضل اللّه تعالى ببعيد.

الجهة السادسة: إتيان نافلة الظهر بحسب المتعارف لا يستغرق أكثر من ربع ساعة تقريبا و كذا نافلة العصر، فالإتيان بالظهرين مع نافلتهما يستغرق ثلاثة أرباع الساعة من أول الزوال و يمكن أن يكون أقلّ بحسب سرعة المصلّي كما يمكن أن يكون أكثر إذا أتى بها مع الآداب المندوبة من قراءة السور الخاصة و الأدعية المخصوصة و نحوها.

(16) يظهر حكمه مما تقدم من الأخبار المشتملة على المثل و المثلين التي اعتمد عليها المشهور. و تظهر الخدشة فيها أولا: بأنّه لا موضوعية للمثل و المثلين، بل هما طريقان للفراغ من النافلة و فريضة الظهر.

و ثانيا: بأنّها موافقة للعامة، فلا وجه للاستناد عليها.

(17) لأنّ المنساق من الأدلة الواردة بالسنة مختلفة (1) دخول الوقت بالزوال بما للوقت من الفضل و الإجزاء مطلقا، مع أنّه من المسارعة إلى الخير و المبادرة إلى الصلاة في أول الوقت، و لا بأس به بعد التأمل في مجموع الأخبار، بل هو الظاهر من مجموعها. فما يوهم الخلاف- كالأخبار المشتملة

ص: 60


1- راجع الوسائل باب: 8 و 9 من أبواب المواقيت.

و وقت فضيلة المغرب من المغرب إلى ذهاب الشفق أي الحمرة المغربية (18).

و وقت فضيلة العشاء من ذهاب الشفق إلى ثلث الليل (19)، فيكون لها وقتا إجزاء قبل ذهاب الشفق و بعد الثلث إلى النصف (20).

______________________________

على لفظ «بعد الزوال» (1)- لا بد من حمله أو طرحه.

(18) على المشهور، لجملة من الأخبار المحمولة على ذلك جمعا، قال: أبو جعفر (عليه السلام) في صحيح الفضلاء: «و وقت فوتها سقوط الشفق» (2).

و عن الصادق (عليه السلام) في حديث بكر بن محمد: «إنّ آخر وقت المغرب غيبوبة الشفق» (3).

و عن الرضا (عليه السلام): «آخر وقتها ذهاب الحمرة و مصيرها إلى البياض في أفق المغرب» (4).

و لا بد من حملها على آخر وقت الفضيلة، لما تقدم.

(19) لمثل خبر زرارة: «و آخر وقت العشاء ثلث الليل» (5).

و غيره من الأخبار.

(20) أما الأول، فلقول الصادق (عليه السلام): «صلّى رسول اللّه بالناس المغرب و العشاء الآخرة قبل الشفق من غير علة في جماعة، و إنّما فعل ذلك ليتسع الوقت على أمته» (6).

ص: 61


1- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 11 و 18 و غيرهما.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب المواقيت حديث: 2.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب المواقيت حديث: 21.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب المواقيت حديث: 4.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب المواقيت حديث: 3.
6- الوسائل باب: 22 من أبواب المواقيت حديث: 2.

و وقت فضيلة الصبح من طلوع الفجر إلى حدوث الحمرة في المشرق (21).

مسألة 1: يعرف الزوال بحدوث ظلّ الشاخص المنصوب معتدلا في أرض مسطّحة

(مسألة 1): يعرف الزوال بحدوث ظلّ الشاخص المنصوب معتدلا في أرض مسطّحةبعد انعدامه كما في البلدان التي تمر الشمس على سمت الرأس- كمكّة في بعض الأوقات- أو زيادته بعد انتهاء نقصانه كما في غالب البلدان و مكة في غالب الأوقات (22) و يعرف

______________________________

و أما الأخير فقد تقدم، فراجع.

(21) على المشهور، لجملة من الأخبار:

منها: قول الصادق (عليه السلام): «وقت الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء. و لا ينبغي تأخير ذلك عمدا- الحديث-» (1).

و لم يذكر في الأخبار لفظ الحمرة و إنّما ذكر فيها التجلّل، و الإضاءة، و الإسفار، (2)و الظاهر ملازمة ذلك كلّه لحدوث الحمرة. نعم، للتجلّل و الإضاءة و الإسفار مراتب و مقتضى الإطلاق كفاية أول مرتبتها.

(22) معرفة الأوقات بالظلّ كانت معروفة في الجاهلية و غيرها من الأمم القديمة، بل أصل حدوث الظلّ عند مقابلة جسم لشي ء مستنير من الأمور التكوينية لا دخل للجعل فيه، و إنّما الجعل في تعيين حدّ منه لغرض خاص، و كذا تحديد اليوم و الليلة بأربع و عشرين ساعة، و في مثل هذه العلامات يكفي عدم ثبوت الردع من الشارع، مع أنّه قد ورد التقرير في جملة من الأخبار:

منها: خبر سماعة عن الصادق (عليه السلام): «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) جعلت فداك متى وقت الصلاة؟، فأقبل يلتفت يمينا و شمالا كأنّه يطلب شيئا، فلما رأيت ذلك تناولت عودا، فقلت هذا تطلب؟ قال: نعم،

ص: 62


1- الوسائل باب: 26 من أبواب المواقيت حديث: 1.
2- راجع الوسائل باب: 26 و 27 من أبواب المواقيت.

أيضا بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن واجه نقطة الجنوب و هذا التحديد تقريبي كما لا يخفى (23)، و يعرف أيضا بالدائرة الهندية و هي أضبط و أمتن (24).

______________________________

فأخذ العود فنصبه بحيال الشمس، قال إنّ الشمس إذا طلعت كان الفي ء طويلا، ثمَّ لا يزال ينقص حتّى تزول، فإذا زالت زادت، فإذا استنبت فيه الزيادة فصل الظهر- الحديث-» (1).

و منه يعلم حكم الحدوث بعد الانعدام بالملازمة.

(23) أما كونه علامة، فهو المعروف بين الأصحاب، و يشهد له الاعتبار، لأنّ بالمواجهة مع نقطة الجنوب تتسامت دائرة نصف النهار لما بين الحاجبين، فيكون ميل الشمس إلى المغرب ملازما عرفا للميل إلى الحاجب الأيمن أيضا و أما قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «أتاني جبرائيل فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن» (2).

فلا بد و أن يقيد بما ذكر و إلا فلا يصح الأخذ بإطلاقه كما هو واضح، و إما أنّه تقريبي، فلأنّ تحقق الزوال دفعي آنيّ واقعيّ و هذه العلامة متدرجة عرفية، فلا بد و أن يحصل الاطمئنان بالزوال من سائر القرائن.

(24) أما أصل الدائرة، فلها طرق مذكورة في كتب الهيئة:

منها: أن يتساوى موضع من الأرض تسوية تامة، فتدار عليها دائرة و تنصب على مركزها مقياس مخروط محدد الرأس يكون طوله قدر ربع الدائرة و تكون نسبة ما بين رأس المقياس و محيط الدائرة من تمام الجوانب متساوية، ثمَّ ترصد ظل المقياس قبل الزوال حين يكون خارجا عن محيط الدائرة نحو المغرب، فإذا أشرف على الدخول في محيط الدائرة تعلم عليه بعلامة ثمَّ ترصد الظلّ بعد الزوال حين الإشراف على الخروج و تعلم عليه بعلامة و يتصل بين

ص: 63


1- الوسائل باب: 11 من أبواب المواقيت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب المواقيت حديث: 5.

و يعرف المغرب بذهاب الحمرة المشرقيّة عن سمت الرأس (25)

______________________________

العلامتين بخط مستقيم و تنصف ذلك الخط ثمَّ يتصل ما بين مركز الدائرة و منتصف الخطّ و هو خطّ نصف النهار، فإذا وقع ظل المقياس عليه كانت الشمس في وسط النهار و لم تزل بعد، فإذا أخذ رأس الظلّ في الميل إلى الجانب المشرق فقد زالت، و لكن الساعات الدقيقة المستحدثة فيما قارب هذه الأعصار أغنى الناس عن هذه العلامات، فلا وجه لتطويل البحث فيها و بيان أقسامها و إلا لفصّلنا القول ببيان الأقسام و رسم الخرائط و لكن لا فائدة لذلك، لأنّ الاعتماد في هذه الأعصار على الساعات، و اندرست جميع تلك العلامات، و لقد أحسن في المستند حيث لم يتعرض لشي ء من علامات الزوال مع كونه من أهل الفن و إن أطنب القول في القبلة بما لا ينبغي.

ثمَّ إنّ الدائرة الهندية كما تستعمل لمعرفة الزوال تستعمل لمعرفة القبلة أيضا على ما ثبت في محلّه و تعرّض لها في المستند، فراجع، و أما أنّها أضبط و أمتن، فلقربها إلى الحس و الدقة في الجملة، كما لا وجه لما عن صاحب الجواهر من عدم الاعتبار بهذه العلامة في مقابل الاستصحاب لعدم ورود النص فيها، لما تقدم من كفاية عدم الردع، مع أنّ ورود النص في الشاخص يكفي لما يلازمه عرفا، بل و دقة أيضا و استخراج الظهر من الدائرة الهندية ملازم لاستخراجه من الشاخص على ما نقل بعض أهل الفن.

(25) على المشهور فتوى و عملا، و عن السرائر دعوى الإجماع عليه، و كون وقت صلاة المغرب و العشاء بعد غروب الشمس من الضروريات بين المسلمين بحيث يعرف منهم ذلك الأديان الأخر أيضا. و إنّما الخلاف في أنّه يتحقق بمجرد استتار الشمس عن الأبصار أو بزوال ما حدث في الأفق من الاحمرار.

و بعبارة أخرى: الغروب من الأمور التشكيكية، فأول مرتبته استتار ذات الشمس عن النظر، و الأخرى زوال ما يكون لها من الأثر- و قد أطالوا القول في

ص: 64

.....

______________________________

ذلك بما لا ينبغي إذ النزاع صغروي لا أن يكون كبرويا- و مقتضى الأصل عدم تحققه إلا بزوال الأثر إلا أن يدل على كفاية مجرد الاستتار دليل معتبر.

و عمدة الأخبار الواردة في المقام أقسام ثلاثة:

الأول: و هو كثير ما علق فيه الحكم على الغروب و الغيبوبة كرواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين- الحديث-» (1).

و في مرسل الفقيه قال أبو جعفر: «وقت المغرب إذا غاب القرص» (2).

و عنه (عليه السلام) أيضا في خبر جابر قال: «قال رسول اللّه: إذا غاب القرص أفطر الصائم و دخل وقت الصلاة» (3).

و في صحيح ابن سنان عن الصادق (عليه السلام): «وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها» (4).

و في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «وقت المغرب حين تغيب الشمس» (5).

و قوله (عليه السلام) أيضا في رواية عبيد اللّه بن زرارة: «أنا أصلّي المغرب إذا غربت الشمس»(6).

و في صحيح زرارة: «وقت المغرب إذا غاب القرص» (7).

و في خبر ابن فضال: «إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب» (8).

إلى غير ذلك من الروايات، و يمكن الاستدلال بها على اعتبار زوال الحمرة بناء على أنّ المنساق من غيبوبة الأجسام النيّرة زوال أثرها مطلقا.

الثاني: ما علق فيه الحكم على زوال الحمرة و هو أيضا كثير، كقول أبي

ص: 65


1- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 24.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 18.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 20.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 16.
5- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 28.
6- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث:.
7- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 17.
8- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 21.

.....

______________________________

جعفر (عليه السلام) في صحيح بريد: «إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض و غربها (1).

و مثله صحيحه الآخر، و في مرسلة ابن أشيم عن الصادق (عليه السلام):

«وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق، و تدري كيف ذلك؟ قلت: لا، قال: لأن المشرق مطلّ على المغرب هكذا، و رفع يمينه فوق يساره فإذا غابت ها هنا ذهبت الحمرة من ها هنا» (2).

و عنه (عليه السلام) أيضا في مرسل ابن أبي عمير (3): «وقت سقوط القرص و وجوب الإفطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة و تتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب، فقد وجب الإفطار و سقط القرص».

و مكاتبة ابن وضاح قال: «كتبت إلى العبد الصالح (عليه السلام): يتوارى القرص و يقبل الليل ثمَّ يزيد الليل ارتفاعا و تستر عنا الشمس و ترتفع فوق الجبل حمرة و يؤذن عندنا المؤذنون أ فأصلّي حينئذ و أفطر إن كنت صائما؟ أو أنتظر حتّى تذهب الحمرة فوق الجبل؟ فكتب إليّ: أرى لك أن تنتظر حتّى تذهب الحمرة، و تأخذ بالحائطة لدينك» (4).

و التعليل محمول على التقية. و في خبر ابن شريح عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن وقت المغرب فقال: إذا تغيّرت الحمرة في الأفق، و ذهبت الصفرة، و قبل: أن تشتبك النجوم» (5).

و مثل هذه الأخبار المعتبرة سندا الصريحة دلالة من محكمات أخبار الباب و مفسّرة لجميعها، و لا وجه لحملها على الاستحباب، لأنّ سياقها سياق الشرح و البيان، فلا وجه لتوهم المعارضة بينها كما لا معارضة بين المفسّر (بالكسر)

ص: 66


1- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 3.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 4.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 14.
5- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 12.

.....

______________________________

و المفسّر (بالفتح) و الشارح و المشروح.

الثالث: ما علّق فيه الحكم على عدم الرؤية كخبر عليّ بن الحكم عن أحدهما (عليهما السلام): «سئل عن وقت المغرب فقال: إذا غاب كرسيها، قلت: و ما كرسيها؟ قال: قرصها، فقلت: متى يغيب قرصها؟ قال: إذا نظرت إليه فلم تره» (1).

و قول الصادق (عليه السلام) في خبر أسامة: «إنّما تصليها إذا لم ترها خلف جبل، غابت أو غارت ما لم يتجلّلها سحاب أو ظلمة تظلّها» (2).

و فيه: أنّه إن كان المراد بعدم الرؤية عدم رؤيته الأثر، فهذه الأخبار من القسم الثاني، و إن كان المراد عدم رؤية ذات الشمس، فهي من القسم الأول و قد تقدم أنّ القسم الثاني مفسّر و شارح للقسم الأول، مع أنّه لا يمكن الأخذ بإطلاق خبر أبي أسامة بل هو مجمل كما هو واضح هذا مع وهن القسم الأول و الأخير بإعراض المشهور و استقرار السيرة فتوى و عملا- قديما و حديثا- على خلافهما و يكون العمل بالقسم الثاني من شعار الإمامية في جميع الأزمان و البلدان، مضافا إلى مكان حملهما على التقية، فلا محيص إلا من العمل بالقسم الثاني. هذه عمدة الأخبار الواردة في المقام.

و هناك أخبار أخرى و هي على قسمين:

الأول: خبر أبان بن أرقم و غيره قالوا: «أقبلنا من مكة حتّى إذا كنا بوادي الأخضر إذا نحن برجل يصلّي و نحن ننظر إلى شعاع الشمس فوجدنا في أنفسنا، فجعل يصلّي و نحن ندعو عليه صلّى ركعة و نحن ندعو عليه و نقول: هذا شباب من شباب أهل المدينة فلما أتيناه إذا هو أبو عبد اللّه جعفر بن محمد (عليه السلام) فنزلنا فصلّينا معه و قد فاتنا ركعة فلما قضينا الصلاة قمنا إليه

ص: 67


1- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 25.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب المواقيت حديث: 2.

.....

______________________________

فقلنا: جعلنا فداك هذه الساعة تصلّي؟! فقال: إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت»(1).

و هو مشتمل على فعله (عليه السلام) و قوله و لكن فعله محمول على التقية و قوله (عليه السلام): «إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت».

يكون من القسم الأول. و أما خبر ابن سيف: «صحبت الرضا (عليه السلام) في السفر فرأيته يصلّي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق يعني السواد» (2).

فهو مجمل لا يستفاد منه شي ء، و كذا خبر الخثعمي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنّه قال: «كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يصلّي المغرب و يصلّي معه حيّ من الأنصار يقال لهم: بنو سلمة، منازلهم على نصف ميل، فيصلون معه، ثمَّ ينصرفون إلى منازلهم و هم يرون مواضع سهامهم»(3) و هو أيضا مجمل من حيث فعله (صلّى اللّه عليه و آله)، و من حيث رؤية الأنصار، لأنّ للرؤية مراتب كثيرة كما أنّ لضوء أول الليل أيضا كذلك. و أما موثق سماعة قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) في المغرب إنّا ربما صلّينا و نحن نخاف أن تكون الشمس خلف الجبل أو قد سترنا منها الجبل؟ قال: فقال ليس عليك صعود الجبل» (4).

مضافا إلى إجمال قوله (عليه السلام) لأنّه ليس للإمام (عليه السلام) أن يقول مثل هذا القول المخالف لمذهب الخاصة و العامة، و مثله خبر زيد الشحام قال: «صعدت مرة جبل أبي قبيس و الناس يصلّون المغرب، فرأيت الشمس لم تغب إنّما توارت خلف الجبل عن الناس، فلقيت أبا عبد اللّه (عليه السلام) فأخبرته بذلك فقال لي: و لم فعلت ذلك؟! بئس ما صنعت إنّما تصلّيها إذا لم ترها خلف جبل، غابت أو غارت ما لم يتجلّلها سحاب أو ظلمة تظلّها و إنّما

ص: 68


1- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 23.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 8.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب المواقيت حديث: 5.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب المواقيت حديث: 1.

.....

______________________________

عليك مشرقك و مغربك و ليس على الناس أن يبحثوا» (1).

فإنّه خلاف المذهبين و قد تقدم أنّه مجمل.

الثاني: جملة من الأخبار الواردة في ذم التأخير إلى اشتباك النجوم الذي أبدعه أبو الخطاب- محمد بن مقلاص الكوفي- على ما نقله الإمام (عليه السلام) كخبر جارود قال: «قال لي أبو عبد اللّه (عليه السلام): يا جارود ينصحون فلا يقبلون و إذا سمعوا بشي ء نادوا به أو حدّثوا بشي ء أذاعوه، قلت لهم؟؟؟ بالمغرب قليلا فتركوها حتّى اشتبكت النجوم، فأنا الآن أصلّيها إذا سقط القرص» (2).

و عنه (عليه السلام) أيضا: «ذكر أبو الخطاب فلعنه ثمَّ قال: إنّه لم يكن يحفظ شيئا حدثته إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) غابت له الشمس في مكان كذا و كذا، و صلّى المغرب بالشجرة و بينهما ستة أميال فأخبرته بذلك في السفر فوضعه في الحضر» (3).

إلى غير ذلك مما سيق هذا المساق و أغنانا عن التعرض لمثل هذه الأخبار متونها المصرّحة بأنّه من سوء فهم أبي الخطاب و من مجعولاته، فالناظر في مجموع الأخبار يطمئن بما هو المشهور و يأتي في كتاب الصوم و الحج- في حكم الإفطار، و الإفاضة من عرفات- ما ينفع المقام.

تنبيهات- الأول: قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح بريد بن معاوية المتقدم: «فقد غابت الشمس من شرق الأرض و غربها» (4)، يراد بها شرق الأرض عن القطر الذي يكون فيه المصلّي و غربها لا شرق الكرة الأرضية و غربها و إلا فهو خلف الوجدان.

و أما قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر ابن أشيم: «لأنّ المشرق مطلّ

ص: 69


1- الوسائل باب: 20 من أبواب المواقيت حديث: 2.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 15.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب المواقيت حديث: 17.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 1.

و الأحوط زوالها من تمام ربع الفلك من طرف المشرق (26).

______________________________

على المغرب» (1)، فالإطلال بمعنى الإشراف و المراد به المقابلة للمغرب و الاستشراف عليه في أخذه أثر النور و هو الحمرة، فالمراد بالإطلال الفرضي الاعتباري لا الحقيقي إذ الكرات الدائرة لا يعقل فيها الإطلال الحقيقي كما ثبت في محلّه.

الثاني: قال السيد الداماد (رحمه اللّه)- فبما حكاه عنه في البحار-: النهار الشرعي في باب الصلاة و الصوم و سائر الأبواب من طلوع الفجر إلى ذهاب الحمرة المشرقية، و هذا هو المعتبر و المعول عليه عند أساطين الإلهيين و الرياضيين من حكماء اليونان.

الثالث: قد أشكل- على كون زوال الحمرة المشرقية علامة للغروب- بأنّه يستلزم أن يكون حدوث الحمرة المغربية علامة لطلوع الشمس فيكون آخر وقت صلاة الصبح ظهور الحمرة لا طلوع الشمس، و يشهد لذلك ما في الفقه الرضوي: «و آخر وقت الفجر أن تبدو الحمرة في أفق المغرب» (2).

و فيه: أنّ مقتضى الملازمة و إن كان ذلك، لكن الشارع وسع الوقت لصلاة الفجر تسهيلا على الأمة.

(26) أما كفاية الذهاب من سمت الرأس، فلقول الصادق (عليه السلام) في الموثق: «وقت سقوط القرص و وجوب الإفطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة و تتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار و سقط القرص» (3).

و قمة الرأس أعلاه، و عن أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح: «إذا

ص: 70


1- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 3.
2- مستدرك الوسائل باب: 20 من أبواب المواقيت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 4.

.....

______________________________

غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض و غربها (1).

و ظهورهما في كفاية الغيبوبة عن سمت الرأس مما لا ينكر، و لكن قال في الجواهر:

«ضرورة إرادة ربع الفلك منه».

و فيه: أنّه لا وجه لدعوى الضرورة، بل هو احتمال أيضا في الخبر، فيصح لأجله الاحتياط، و لذا احتاط (رحمه اللّه) في زوالها من تمام ربع الفلك من طرف المشرق.

ثمَّ إنّه قد اختبر مقدار زوال الحمرة عن قمة الرأس، فقدّر بمضيّ عشر دقائق عن غروب الشمس.

فروع- (الأول): الظاهر أنّ للحمرة مراتب متفاوتة باختلاف مراتب صفاء الجو و كدره و غير ذلك، و المناط هو زوال معظمها و إلا فقد يبقى بعض مراتبها إلى مضيّ أكثر من ربع ساعة من غروب الشمس أيضا و قد يقال إنّه يبقى بعض مراتبها إلى مضيّ نصف ساعة من غروبها.

(الثاني): مع عدم رؤية الحمرة لسحاب و نحوه، فالمدار بحسب الساعة على مضيّ زمان يقطع معه بزوالها.

(الثالث): يصح الجمع بين الصلاتين و يصح التفريق أيضا، للأصل، و الإطلاق في كلّ منهما، مضافا إلى نصوص خاصة منها قول الصادق (عليه السلام): «إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و جمع بين المغرب و العشاء في الحضر من غير علة بأذان واحد و إقامتين (2).

و مثله صحيح الفضلاء (3) و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إنّ رسول

ص: 71


1- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب المواقيت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب المواقيت حديث: 11.

و يعرف نصف الليل بالنجوم الطالعة أول الغروب، إذا مالت عن دائرة نصف النهار إلى طرف المغرب (27)، و على هذا، فيكون المناط

______________________________

اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) صلّى الظهر و العصر في مكان واحد من غير علّة و لا سبب فقال له عمر- و كان أجرأ القوم عليه-: أحدث في الصلاة شي ء؟ قال:

«لا، و لكن أردت أن أوسع على أمتي» (1).

و مثله رواية ابن عباس (2)، و لكن الثاني أفضل لو لم تكن جهة أخرى موجبة لأفضلية الجمع، لصحيح ابن سنان عن الصادق (عليه السلام): «إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) كان في السفر يجمع بين المغرب و العشاء و الظهر و العصر، إنّما يفعل ذلك إذا كان مستعجلا قال: قال (عليه السلام):

و تفريقهما أفضل» (3).

و يتحقق الجمع بعدم إتيان النافلة.

(27) على المشهور، لقول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن حنظلة حيث سأل منه (عليه السلام): «زوال الشمس نعرفه بالنهار، فكيف لنا بالليل؟

فقال (عليه السلام) للليل زوال كزوال الشمس قال: فبأيّ شي ء نعرفه؟ قال:

بالنجوم إذا انحدرت» (4).

و المنساق منه هو الانحدار إلى طرف المغرب في الجملة لا بنحو الكلية، لاختلاف مشارق النجوم و مغاربها اختلافا كثيرا كما هو معلوم، و في صحيح أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «دلوك الشمس زوالها، و غسق الليل بمنزلة الزوال من النهار» (5).

ص: 72


1- الوسائل باب: 32 من أبواب المواقيت حديث: 2.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب المواقيت حديث: 5.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب المواقيت حديث: 7.
4- الوسائل باب: 55 من أبواب المواقيت حديث: 1.
5- الوسائل باب: 55 من أبواب المواقيت حديث: 2.

نصف ما بين غروب الشمس و طلوعها، لكنّه لا يخلو عن إشكال، لاحتمال أن يكون نصف ما بين الغروب و طلوع الفجر- كما عليه جماعة (28)- و الأحوط مراعاة الاحتياط هنا و في صلاة الليل التي أول

______________________________

(28) نسب إلى الأعمش- و ظاهر الكفاية، و الذكرى، و المفاتيح- أنّ الليل ما بين غروب الشمس و طلوعها، فيكون نصف الليل نصف ما بين غروب الشمس و طلوعها، و استدلوا عليه أولا: بقول بعض أهل اللغة. و فيه: أنّه لا اعتبار به مع المعارضة بغيره مما هو أقوى منه.

و ثانيا: بما تقدم من خبري ابن حنظلة، و أبي بصير. و فيه: أنّ الثاني منهما مجمل جدّا و الأول يمكن أن يكون كاشفا عن الانتصاف لا أن يكون دليلا على حدوثه و عن الأكثر: أنّ الليل ما بين غروب الشمس و طلوع الفجر. و عن صاحب الجواهر:

إنّه الحق الموافق لأكثر اللغويين و الفقهاء و المحدثين و الحكماء و الرياضيين- إلى أن قال- لا ينبغي أن يستريب عارف بلسان الشرع و العرف و اللغة أنّ المنساق من إطلاق اليوم و النهار و الليل في الصوم و الصلاة و مواقف الحج و القسم بين الزوجات و أيام الاعتكاف و جميع الأبواب أنّ المراد باليوم من طلوع الفجر إلى الغروب.

و قد تقدم نقل عبارة السيد الداماد في اليوم الشرعي. و يمكن جعل النزاع لفظيا، لأنّ اليوم في العرف و الشرع له إطلاقان:

الأول: ما يعبّر عنه باليوم الصومي و الكلّ يتفقون على أنّه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، و عليه جرى اصطلاح الشرع و الفقهاء- عند إطلاق اليوم- ما لم يدل دليل على الخلاف. الثاني: اليوم الأجيري و الكلّ متفقون على أنّه من طلوع الشمس إلى غروبها ما لم يدل دليل على الخلاف فمن قال: إنّه عبارة عما بين طلوع الفجر و غروب الشمس أراد اليوم الصومي. و من قال: إنّه عبارة عما

ص: 73

وقتها بعد نصف الليل.

و يعرف طلوع الفجر باعتراض البياض الحادث في الأفق المتصاعد في السماء الذي يشابه ذنب السرحان و يسمّى بالفجر الكاذب و انتشاره على الأفق و صيرورته كالقبطية البيضاء، و كنهر سوراء (29)

______________________________

بين طلوع الشمس و غروبها أراد اليوم الأجيري، فلا نزاع في البين و فيما علق فيه الحكم في الأدلة الشرعية على اليوم يراد به اليوم الصومي إلا مع القرينة على الخلاف.

(29) نصوصا، و إجماعا، ففي صحيح أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) فقلت: متى يحرم الطعام و الشراب على الصائم و تحل الصلاة صلاة الفجر؟ فقال: إذا اعترض الفجر، فكان كالقبطية البيضاء فثم يحرم الطعام على الصائم و تحلّ الصلاة صلاة الفجر- الحديث-» (1).

و في خبر ابن عطية عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «الفجر هو الذي إذا رأيته كان معترضا كأنه بياض نهر سوراء» (2).

و في رواية ابن مهزيار قال: كتب أبو الحسن بن الحصين إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) معي: جعلت فداك قد اختلف مواليك في صلاة الفجر، فمنهم من يصلّي إذا طلع الفجر الأول المستطيل في السماء، و منهم من يصلّي إذا اعترض في أسفل الأفق و استبان و لست أعرف أفضل الوقتين، فأصلّي فيه، فإن رأيت أن تعلّمني أفضل الوقتين و تحدّه لي، و كيف أصنع مع القمر و الفجر لا تبين معه حتّى يحمر و يصبح؟ و كيف أصنع مع الغيم و ما حدّ ذلك في السفر و الحضر و فعلت إن شاء اللّه، فكتب (عليه السلام) بخطه و قرأته: الفجر يرحمك اللّه هو الخيط الأبيض المعترض، و ليس هو الأبيض صعدا، فلا تصلّ في سفر و لا حضر حتّى تبينه، فإنّ اللّه تبارك و تعالى لم يجعل خلقه في شبهة من

ص: 74


1- الوسائل باب: 27 من أبواب المواقيت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب المواقيت حديث: 2.

بحيث كلّما زدته نظرا أصدقك بزيادة حسنه، و بعبارة أخرى: انتشار البياض على الأفق بعد كونه متصاعدا في السماء.

مسألة 2: المراد باختصاص أول الوقت- بالظهر و آخره بالعصر

(مسألة 2): المراد باختصاص أول الوقت- بالظهر و آخره بالعصر و هكذا في المغرب و العشاء- عدم صحة الشريكة في ذلك الوقت مع عدم أداء صاحبته (30)، فلا مانع من إتيان غير الشريكة فيه (31)، كما إذا أتى بقضاء صلاة الصبح أو غيره من الفوائت في أول الزوال أو في آخر الوقت، و كذا لا مانع من إتيان الشريكة إذا أدّى صاحبة الوقت، فلو صلّى الظهر قبل الزوال بظنّ دخول الوقت، فدخل الوقت في أثنائها و لو قبل السلام حيث أنّ صلاته صحيحة (32)

______________________________

هذا، فقال وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ فالخيط الأبيض هو المعترض الذي يحرم به الأكل و الشرب في الصوم و كذلك هو الذي يوجب به الصلاة» (1).

و في المرسل: «و أما الفجر الذي يشبه ذنب السرحان، فذاك الفجر الكاذب و الفجر الصادق هو المعترض كالقباطي (2).

و نهر سورا نهر الفرات، و القباطي ثياب بيض رقيقة تجلب من مصر واحدها قبطي (بضم القاف).

(30) لما يأتي من التفضيل.

(31) للأصل، و إطلاقات دليله، و لأنّ الاختصاص الذاتي لو قيل به إنّما هو بالنسبة إلى الشريكة فقط.

(32) لما يأتي في [مسألة 3] من (فصل أحكام الأوقات) من النص الدال عليه، بل قد يصح مع عدم أدائها أيضا كما لو زعم أنّه صلّى الظهر فأتى

ص: 75


1- الوسائل باب: 27 من أبواب المواقيت حديث: 4.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب المواقيت حديث: 3.

لا مانع من إتيان العصر أول الزوال، و كذا إذا قدّم العصر على الظهر سهوا و بقي من الوقت مقدار أربع ركعات لا مانع من إتيان الظهر في ذلك الوقت و لا تكون قضاء (33) و إن كان الأحوط عدم التعرض للأداء و القضاء (34)، بل عدم التعرض لكون ما يأتي به ظهرا أو عصرا، لاحتمال احتساب العصر المقدّم ظهرا و كون هذه الصلاة عصرا (35).

مسألة 3: يجب تأخير العصر عن الظهر، و العشاء عن المغرب

(مسألة 3): يجب تأخير العصر عن الظهر، و العشاء عن المغرب، فلو قدم إحديهما على سابقتها عمدا بطلت (36)، سواء كان

______________________________

بالعصر، فبان أنّه لم يأت بالظهر و أنّ العصر وقع في الوقت المختص أو اعتقد أنّه صلّى العصر قبل الظهر نسيانا، فصلّى الظهر في الوقت المختص بالعصر، فيصح كلّ منهما حينئذ. فيأتي بالشريكة بعدها أو قضاء.

(33) لفرض عدم الاختصاص الذاتي و أنّ الوقت مشترك من بدية إلى انتهائه ها هنا.

(34) للخروج عن خلاف من ذهب إلى الاختصاص الذاتي.

(35) للجمود على ما يأتي في صحيحة زرارة: «إنّما هي أربع مكان أربع»(1).

و السند تام و الدلالة ظاهرة، و أسقطه عن الاعتبار إعراض المشهور عنه.

إلا أن يقال: إنّه من باب الخطأ في التطبيق فتصح ظهرا بحسب القاعدة. و أنّ الصحيحة وردت مطابقة للقاعدة فلا وجه لإعراض المشهور حينئذ مع ذهابهم إلى الصحة في موارد الخطإ في التطبيق.

(36) بضرورة المذهب، بل الدّين، و تقتضيه قاعدة «انتفاء المشروط بانتفاء شرطه».

ص: 76


1- الوسائل باب: 63 من أبواب المواقيت حديث: 4.

في الوقت المختص أو المشترك (37). و لو قدّم سهوا، فالمشهور على أنّه إن كان في الوقت المختص بطلت (38)، و إن كانت في الوقت المشترك، فإن كان التذكر بعد الفراغ صحت (39)، و إن كان في الأثناء عدل بنيته إلى السابقة إذا بقي محلّ العدول (40) و إلا- كما إذا دخل في

______________________________

(37) لإطلاق الدليل الشامل لهما. هذا إذا كان بانيا على الإتيان بهما و قدم اللاحقة على السابقة عمدا، و لكن لو كان بانيا على عصيان أمر السابق رأسا و أتى باللاحقة ثمَّ تاب بعد الوقت، فهل يجب عليه قضاء اللاحقة أيضا؟

الظاهر ذلك.

(38) لأنّ مقتضى إطلاقات الأدلة الأولية كون الوقت شرطا مطلقا، و يقتضيه أيضا قوله (عليه السلام) في الصحيح: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة:

الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود» (1).

و خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «من صلّى في غير وقت، فلا صلاة له»(2).

و هو مبنيّ على ما ذهبوا إليه من الاختصاص الذاتي و هو حق بناء على ذلك، و لكن قد تقدم بطلانه، فتكون هذه الصورة مثل الصورة اللاحقة في أنّ الفائت إنّما هو مجرد، الترتيب فقط لا ذات الوقت من حيث هو، فيصح الاستدلال بحديث لا تعاد للصحة في هذه الصورة أيضا كما يصح في الصورة اللاحقة.

(39) لأنّ الفائت حينئذ إنّما هو الترتيب و هو شرط ذكري إجماعا، مضافا إلى حديث لا تعاد المتقدم.

(40) للإجماع و النص، كقول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة

ص: 77


1- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب المواقيت حديث: 7.

ركوع الركعة الرابعة من العشاء- بطلت (41) و إن كان الأحوط الإتمام

______________________________

- في حديث: «و إن ذكرت أنّك لم تصلّ الأولى و أنت في صلاة العصر و قد صلّيت منها ركعتين فانوها الأولى ثمَّ صلّ الركعتين الباقيتين و قم فصلّ العصر- إلى أن قال:- و إن كنت ذكرتها (يعني المغرب) و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة، فانوها المغرب ثمَّ سلّم ثمَّ قم فصلّ العشاء الآخرة» (1).

و ما دل على أنّه يعدل من العصر إلى الظهر و لا يعدل من العشاء إلى المغرب- كخبر ابن صيقل قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل نسي الأولى حتّى صلّى ركعتين من العصر قال: فليجعلها الأولى و ليستأنف العصر.

قلت: فإنّه نسي المغرب حتّى صلّى ركعتين من العشاء ثمَّ ذكر قال: فليتم صلاته ثمَّ ليقض بعد المغرب» (2).

أسقطه عن الاعتبار قصور السند، و هجر الأصحاب عنه.

ثمَّ إنّ ظاهر الروايات هو وجوب العدول في كلّ مورد يصح فيه و هو الذي يقتضيه اعتبار الترتيب مهما أمكن تحصيله حدوثا و بقاء، و قد تكفّل قولهم (عليهم السلام): «إلا أنّ هذه قبل هذه» (3) جهة الحدوث، و أدلة العدول جهة البقاء.

(41) لأنّ العدول خلاف الأصل، فيقتصر فيه على مورد الدليل و لا دليل عليه فيما إذا دخل في الركوع و حينئذ، فمقتضى ما دل على وجوب الترتيب لزوم إحرازه و حيث لا يمكن ذلك، فيتعيّن البطلان.

إلّا أن يقال: إنّه كما يسقط الترتيب إن كان التذكر بعد الفراغ نصّا و إجماعا كذلك يسقط فيما إذا لم يمكن العدول إلى المغرب، لأنّ المناط كلّه عدم إمكان إحراز الترتيب و هو كما لا يمكن بعد الفراغ لا يمكن فيما إذا تجاوز

ص: 78


1- الوسائل باب: 63 من أبواب المواقيت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 63 من أبواب المواقيت حديث: 5.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب المواقيت حديث: 5 و باب: 16 حديث: 24.

و الإعادة بعد الإتيان بالمغرب و عندي فيما ذكروه إشكال، بل الأظهر في العصر المقدّم على الظهر سهوا صحتها و احتسابها ظهرا إن كان التذكر بعد الفراغ، لقوله (عليه السلام): «إنّما هي أربع مكان أربع» في النص الصحيح (42)، لكن الأحوط الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمة (43) من دون تعيين أنّها ظهر أو عصر. و إن كان في الأثناء

______________________________

عن محلّ العدول، مضافا إلى حديث «لا تعاد» (1) الدال على صحتها عشاء، فالجزم بالبطلان مشكل، بل يمكن تقوية الصحة، و يأتي منه (رحمه اللّه) الاحتياط الوجوبي في إتمامها عشاء في [مسألة 9] من (فصل أحكام الأوقات).

هذا مع احتمال أن يقال: بسقوط مثل هذا الركوع عن الركنية، فيصح معه العدول إلى المغرب، لكشف التذكر عن عدم الأمر بالعشاء واقعا، فمع عدم الأمر بها لا أمر بركوعها الرابعة أيضا، فيكون من مجرد الزيادة اللغوية و لا دليل على منعها عن العدول و مع الشك، فمقتضى الأصل بقاء محلّ العدول.

(42) و هو قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة: «إذا نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك، فانوها الأولى ثمَّ صلّ العصر، فإنّما هي أربع مكان أربع» (2).

و يعضده مضمر الحلبي (3)، و لكن لا ينفع صحة السند و ظهور الدلالة بعد الإعراض و عدم القائل به من معتبري الأصحاب. مع عدم تصور معنى للنية بعد الفراغ عن العمل.

(43) لأنّه جمع بين العمل بما تقدم في الصحيح من قول أبي جعفر (عليه السلام): «فإنّما هي أربع مكان أربع» و فتوى المشهور.

ص: 79


1- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 63 من أبواب المواقيت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 63 من أبواب المواقيت حديث: 4.

عدل (44) من غير فرق في الصورتين بين كونه في الوقت المشترك أو المختص (45).

و كذا في العشاء إن كان بعد الفراغ صحت، و إن كان في الأثناء عدل مع بقاء محلّ العدول على ما ذكروه لكن من غير فرق بين الوقت المختص و المشترك أيضا (46).

و على ما ذكرناه تظهر فائدة الاختصاص (47) فيما إذا مضى من

______________________________

(44) نصّا كما تقدم، و إجماعا.

(45) لإطلاق الأدلة الشامل للصورتين. و أشكل عليه: بأنّ الشروع في اللاحقة في الوقت المختص بالأولى في غاية الندرة خصوصا بالنسبة إلى الأزمنة القديمة التي كانوا معتادين على التفريق بين الصلاتين، و مقتضى الأصل عدم صحة العدول في الوقت المختص، للشك في شمول الإطلاق له.

و فيه: أنّ الإطلاق ثابت و ندرة الوجود لا توجب الخروج عن الصدق العرفي.

إن قيل: مع وقوعها في الوقت المختص يكون باطلا، فلا موضوع للعدول، لأنّه في الصلاة الصحيحة.

يقال: بناء على الاختصاص الفعلي لا وجه لهذا الإشكال. نعم، هو صحيح بناء على الاختصاص الذاتي.

(46) لشمول ما تقدم لهما كشموله للظهرين مع ذكرهما في ما مر من الأخبار.

(47) إذ لا تكليف في أول الوقت حينئذ إلا بالأولى و في آخره إلا بالأخيرة سواء قلنا بالاختصاص الذاتي أم الفعلي و ليس هذا ثمرة بين القولين.

نعم، لو قلنا بسقوط الترتيب حينئذ، لقصور شمول أدلته عن مثل الفرض تكون

ص: 80

أول الوقت مقدار أربع ركعات، فحاضت المرأة، فإنّ اللازم حينئذ قضاء خصوص الظهر، و كذا إذا طهرت من الحيض و لم يبق من الوقت إلا مقدار أربع ركعات فإنّ اللازم حينئذ إتيان العصر فقط، و كذا إذا بلغ الصبيّ و لم يبق إلا مقدار أربع ركعات، فإنّ الواجب عليه خصوص العصر فقط.

و أما إذا فرضنا عدم زيادة الوقت المشترك عن أربع ركعات، فلا يختص بإحداهما (48)، بل يمكن أن يقال بالتخيير بينهما كما إذا أفاق المجنون الأدواري في الوقت المشترك مقدار أربع ركعات أو بلغ الصبيّ في الوقت المشترك ثمَّ جنّ أو مات بعد مضيّ مقدار أربع ركعات و نحو ذلك.

______________________________

مخيرة بين إتيان السابقة أو اللاحقة في أول الوقت أو آخره، و لكنّه من مجرد الفرض، مع أنّه على تقدير صحته لا ثمرة له أيضا، لأنّ احتمال أهمية الأولى في أول الوقت و الأخيرة في آخره يوجب تعيينها، فلا تكليف بالأخيرة في أول الوقت و لا بالأولى في آخر الوقت إلا بناء على الترتب و هو بعيد عن مساق الأدلة.

ثمَّ إنّه لا فرق فيما ذكر بين علم المرأة بعروض الحيض قبل دخول الوقت الاختصاصي و بين مفاجاته من غير علم به كما لا فرق بين كون العروض طبيعيا أو اختياريا بالأدوية الموضوعة له.

(48) مقتضى احتمال الأهمية في السابقة تعيّن الإتيان بها و هو ظاهر أدلّة اعتبار الترتيب و مجرد صلاحية ذات الوقت للّاحقة لا توجب فعلية التكليف بها بعد اعتبار الترتيب شرعا. و احتمال الأهمية في السابقة عقلا، فلا موضوع للتخيير في إفاقة المجنون و بلوغ الصبيّ في الوقت المشترك ثمَّ عروض الجنون أو الموت، فيسقط اعتبار هذه الثمرات رأسا.

ص: 81

مسألة 4: إذا بقي مقدار خمس ركعات إلى الغروب قدم الظهر

(مسألة 4): إذا بقي مقدار خمس ركعات إلى الغروب قدم الظهر (49)، و إذا بقي أربع ركعات أو أقلّ قدم العصر، و في السفر إذا بقي ثلاث ركعات قدم الظهر، و إذا بقي ركعتان قدم العصر، و إذا بقي إلى نصف الليل خمس ركعات قدم المغرب، و إذا بقي أربع أو أقلّ قدم العشاء، و في السفر إذا بقي أربع ركعات قدم المغرب، و إذا بقي أقلّ قدم العشاء.

و يجب المبادرة إلى المغرب بعد تقديم العشاء إذا بقي بعدها ركعة أو أزيد (50)،

______________________________

(49) لقاعدة من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت، مضافا إلى الإجماع، فهذا الوقت للسابقة حقيقة و للّاحقة تنزيلا. و منه يظهر الحكم في بقية المسألة، إذ المدرك في الجميع واحد و هو قاعدة «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت».

فلا وجه للإعادة و التكرار. و هذه القاعدة معروفة بين الفقهاء بحيث يستدلون بها لا عليها و هناك روايات تصلح للاستدلال لها (1) و يشهد لهذه القاعدة استصحاب الحكم و الموضوع و ما يأتي في [مسألة 3] من (فصل في أحكام الأوقات) من أنّه إذا تيقن دخول الوقت و صلّى ثمَّ دخل الوقت في الأثناء تصح صلاته فيستفاد من مجموع ما مرّ أنّ الشارع نزّل إدراك جزء من الوقت منزلة إدراك تمام الوقت تسهيلا و امتنانا و لكنّه في آخر الوقت مقيد بإدراك ركعة من الصلاة في الوقت فهذه القاعدة كسائر القواعد التسهيلية الامتنانية الجارية في الصلاة و غيرها.

(50) لفرض بقاء الوقت بمقدار ركعة، فتشمله قاعدة: «من أدرك» هذا بناء

ص: 82


1- الوسائل باب: 30 من أبواب المواقيت.

و الظاهر أنّها حينئذ أداء (51) و إن كان الأحوط عدم نية الأداء و القضاء.

مسألة 5: لا يجوز العدول من السابقة إلى اللاحقة و يجوز العكس

(مسألة 5): لا يجوز العدول من السابقة إلى اللاحقة و يجوز العكس (52)، فلو دخل في الصلاة بنية الظهر ثمَّ تبيّن له في الأثناء أنّه صلاها لا يجوز له العدول إلى العصر، بل يقطع و يشرع في العصر، بخلاف ما إذا تخيّل أنّه صلّى الظهر فدخل في العصر ثمَّ تذكر أنّه ما صلّى الظهر، فإنّه يعدل إليها.

مسألة 6: إذا كان مسافرا و قد بقي من الوقت أربع ركعات

(مسألة 6): إذا كان مسافرا و قد بقي من الوقت أربع ركعات، فدخل في الظهر بنية القصر ثمَّ بدا له الإقامة، فنوى الإقامة بطلت صلاته (53)، و لا يجوز له العدول إلى العصر، فيقطعها و يصلّي العصر و إذا كان في الفرض ناويا للإقامة، فشرع بنية العصر، لوجوب

______________________________

على انتهاء الليل بنصف الليل. و أما بناء على الامتداد للفجر فيقدم المغرب.

(51) لأنّ إدراك ركعة من الوقت يجعله أداء تنزيلا، ثمَّ إنّ الاحتياط المذكور يخالف الجزم بوجوب المبادرة و إن كان حسنا.

(52) أما الأول، فللأصل، و الإجماع، و عدم تغيّر الشي ء عما تخصص به من النية، و لزوم مقارنة النية لأول العمل.

و أما الثاني، فلنصوص خاصة منها ما تقدم من قول أبي جعفر (عليه السلام)، في صحيح زرارة (1).

و يأتي في [مسألة 20] من (فصل النيّة) ما ينفع المقام.

(53) لعدم إمكان العدول إلى العصر، لأنّه عدول من السابقة إلى اللاحقة و عدم إمكان إتمامه ظهرا، لعدم الأمر بها، لاختصاص التكليف الفعليّ بالعصر فتبطل لا محالة.

ص: 83


1- تقدم في صفحة: 78.

تقديمها حينئذ ثمَّ بدا له فعزم على عدم الإقامة، فالظاهر أنّه يعدل بها إلى الظهر قصرا (54).

مسألة 7: يستحب التفريق بين الصلاتين المشتركتين في الوقت كالظهرين و العشاءين

(مسألة 7): يستحب التفريق بين الصلاتين المشتركتين في الوقت كالظهرين و العشاءين (55)، و يكفي مسماه (56) و في الاكتفاء به

______________________________

(54) لأنّ العصر لاحقة بالنسبة إلى الظهر، فيشملها ما دلّ على صحة العدول من اللاحقة إلى السابقة، و لكنّه مشكل، لأنّ المنساق من أدلة صحة العدول أنّه لو لا الترتيب لوجب إتمام المعدول عنه و ذلك لا يمكن في المقام، مع أنّ الظاهر من موارد العدول إنّما هو من جهة الحكم فقط و في المقام قد تبدل الموضوع إلا أن يدعى القطع بعدم الفرق من هذه الجهة.

(55) لسيرة النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله)، و لأنّه نحو اهتمام بكلّ صلاة مستقلة، و لقول الصادق (عليه السلام): «و تفريقهما أفضل» (1).

و في خبر ابن سنان: «إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) كان في السفر يجمع بين المغرب و العشاء و الظهر و العصر إذا كان مستعجلا» (2).

مع أنّ التفريق يوجب وقوع اللاحقة في وقت فضيلتها بناء على عدم دخوله بمجرد دخول الوقت. هذا كلّه مضافا إلى ظهور الإجماع بين المسلمين.

(56) للإطلاق الشامل لكلّ ما يسمّى تفريقا عرفا و على ما ذكرناه يكون لاستحباب التفريق موضوعية خاصة، لكونه نحو توقير لكلّ صلاة مستقلة لا أن يكون طريقا لوقوع الصلاة في وقت الفضيلة و إن كان ذلك موجبا للرجحان من هذه الجهة.

ثمَّ إنّ مقتضى الأصل عدم الكراهة في الجمع، و يشهد له قول الصادق (عليه السلام): «و تفريقهما أفضل» إذ لا يستفاد منه مرجوحية الجمع، بل له

______________________________

(1)

(2)

ص: 84


1- الوسائل باب: 31 من أبواب المواقيت حديث: 7.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب المواقيت حديث: 7.

.....

______________________________

الفضل أيضا، لكن الأفضل التفريق إلّا أن يكون من قبيل قوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ (1) بنحو أصل الرجحان و مرجوحية خلافه، و لكنّه ممنوع و يظهر من جملة من الأخبار أيضا عدم مرجوحيته. ففي صحيح ابن سنان عن الصادق (عليه السلام): «إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و جمع بين المغرب و العشاء في الحضر من غير علّة بأذان واحد و إقامتين» (2).

و خبر ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إنّ رسول اللّه صلّى الظهر و العصر في مكان واحد من غير علّة و لا سبب، فقال له عمر- و كان أجرأ القوم عليه-: أحدث في الصلاة شي ء؟ قال: لا، و لكن أردت أن أوسع على أمتي» (3).

و صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «صلّى رسول اللّه بالناس الظهر و العصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علّة و صلّى بهم المغرب و العشاء الآخرة- إلى أن قال:- و إنّما فعل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) ليتسع الوقت على أمته» (4).

و ربما يستدل لمرجوحيته تارة: بما يأتي من صحيح زرارة. و أخرى:

بخبر ابن ميسرة قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إذا زالت الشمس في طول النهار، للرجل أن يصلّي الظهر و العصر؟ قال: نعم، و ما أحب أن يفعل ذلك كلّ يوم» (5).

و ثالثة: بما يظهر منه أنّ الجمع كان لعذر من سفر، أو مطر، أو حاجة، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كان رسول اللّه إذا كان في

ص: 85


1- سورة الأحزاب الآية: 6.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب المواقيت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب المواقيت حديث: 2.
4- الوسائل باب: 32 من أبواب المواقيت حديث: 8.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب المواقيت حديث: 15.

بمجرد فعل النافلة وجه الا أنّه لا يخلو عن إشكال (57).

______________________________

سفر أو عجلت به حاجة يجمع بين الظهر و العصر و بين المغرب و العشاء الآخرة- الحديث-» (1).

و في خبر ابن علوان عن عليّ (عليه السلام) قال: «كان رسول اللّه يجمع بين المغرب و العشاء في الليلة المطيرة فعل ذلك مرارا» (2).

و كذا عن صفوان الجمال قال: «صلّى بنا أبو عبد اللّه (عليه السلام) الظهر و العصر عند ما زالت الشمس بأذان و إقامتين، و قال: إني على حاجة فتنفّلوا» (3).

إلى غير ذلك من الروايات.

و الكلّ مردود: إذ الأولان صدرا لأجل إخفاء أمر الراويين على العامة و عدم تظاهرهما بما كان من عادة الشيعة، كما يشهد به خبر أبي خديجة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سأله إنسان و أنا حاضر، فقال: ربما دخلت المسجد و بعض أصحابنا يصلّون العصر و بعضهم يصلّي الظهر؟ فقال: أنا أمرتهم بهذا لو صلّوا على وقت واحد عرفوا فأخذوا برقابهم» (4).

و التمسك بالأخيرة لإثبات الكراهة في غير العذر من التمسك بمفهوم اللقب الذي لا اعتبار به خصوصا مع وجود الإطلاقات الدالة على جواز الجمع مطلقا.

(57) من صدق التفريق بها في الجملة أيضا عرفا، و خبر ابن حكيم قال:

«سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوع، فإذا كان بينهما تطوّع فلا جمع» (5).

ص: 86


1- الوسائل باب: 31 من أبواب المواقيت حديث: 3.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب المواقيت حديث: 6.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب المواقيت حديث: 2.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب المواقيت حديث: 3.
5- الوسائل باب: 33 من أبواب المواقيت حديث: 3.

.....

______________________________

و من صحيح زرارة قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): أصوم فلا أقيل حتّى تزول الشمس فإذا زالت الشمس صلّيت نوافلي ثمَّ صلّيت الظهر، ثمَّ صلّيت نوافلي، ثمَّ صلّيت العصر، ثمَّ نمت و ذلك قبل أن يصلّي الناس، فقال:

يا زرارة إذا زالت الشمس فقد دخل الوقت، و لكنّي أكره لك أن تتخذه وقتا دائما» (1).

بناء على أنّ كراهته (عليه السلام) لأجل عدم حصول التفريق.

و فيه: أنّه من مجرد الاحتمال لا يقاوم ما تقدم من ظهور خبر ابن حكيم و الصدق العرفي، مع أنّه يبعد أن يتحقق التفريق بالمسمّى العرفي و لا يتحقق بالنافلة لتحقق المسمّى فيها أيضا. إلّا أن يقال: حيث إنّها من توابع الصلاة فلا يجتزى بها في التفريق من هذه الجهة لو لا النص و على هذا يشكل تحققه بمسمّى التعقيب أيضا، و يمكن أن تكون كراهته (عليه السلام)، لأنّ هذا النحو من التفريق كان من شعار الشيعة، فكره (عليه السلام) أن يعرف زرارة بهذا الشعار حتّى يصير مورد شماتة الأعداء. و مقتضى القاعدة أنّ العام و المطلق متبعان ما لم يدل دليل خاص ظاهر أو مقيد كذلك على الخلاف و هما منفيان في المقام.

فروع: (الأول): استحباب التفريق مطلقا إنّما هو فيما إذا لم تزاحمه جهة أخرى للجمع تكون أهمّ و إلّا، فيقدم الأهم بلا إشكال.

(الثاني): تقدم أنّ التفريق مندوب نفسيّ، لكونه نحو اهتمام خاص باللاحقة و اعتناء بشأنها، و في مقابل السابقة. لا أن يكون مقدميّا محضا لوقوع اللاحقة في وقت فضيلتها، مع أنّه لا وجه للأخير بناء على أنّ دخول وقت الفضيلة للصلاتين بمجرد الزوال «إلّا أنّ هذا قبل هذا».

(الثالث): الظاهر عدم الفرق بين التفريق هنا و فيما يأتي في (فصل الأذان

ص: 87


1- الوسائل باب: 5 من أبواب المواقيت حديث: 10.
مسألة 8: قد عرفت أنّ للعشاء وقت فضيلة و هو من ذهاب الشفق إلى ثلث الليل

(مسألة 8): قد عرفت أنّ للعشاء وقت فضيلة و هو من ذهاب الشفق إلى ثلث الليل (58)، و وقتا إجزاء من الطرفين. و ذكروا.

أنّ العصر أيضا كذلك، فله وقت فضيلة و هو من المثل إلى المثلين و وقتا إجزاء من الطرفين، لكن عرفت نفي البعد في كون ابتداء وقت فضيلته هو الزوال. نعم، الأحوط في إدراك الفضيلة الصبر إلى المثل (59).

______________________________

و الإقامة) [مسألة 1] و قد جزم (رحمه اللّه) هناك بعدم حصول التفريق بالنافلة، فراجع.

(الرابع): في كفاية سجدة السهو، و قضاء الأجزاء المنسية للتفريق إشكال، كالإشكال في حصول التفريق بالنافلة، بل هنا بالأولى.

(الخامس): الظاهر عدم كفاية الأذان و الإقامة للتفريق، لأنّه مع الجمع يسقط الأذان، كما يأتي في [مسألة 8] من (فصل الأذان و الإقامة) فإذا كان الأذان و الإقامة تفريقا، فلا يتصوّر معنى للجمع حتّى يسقط الأذان.

(السادس): لا فرق في تحقق مسمّى التفريق بين أن يكون في مكان واحد أو انتقل إلى مكان آخر، و لا بين الاشتغال بذكر أو دعاء، أو كونه فارغا، للإطلاق الشامل للجميع.

(58) تقدم الكلام في أول الفصل، فلا وجه للإعادة، و يمكن أن يكون لوقت الفضيلة مراتب، فيدخل أول المراتب بمجرد دخول الوقت و بعض مراتبها بعده و بذلك يجمع بين الأقوال.

(59) كونه أحوط مشكل، بل ممنوع، لما تقدم مما دل على الذراع و الذراعين و وجود القائل بهما، مع كون أخبار المثل و المثلين وردت تقية فكيف يكون ذلك أحوط، مضافا إلى أنّ ذلك كلّه ساقط بناء على دخول وقت الفضيلة بمجرد الزوال.

ص: 88

مسألة 9: يستحب التعجيل في الصلاة في وقت الفضيلة و في وقت الإجزاء

(مسألة 9): يستحب التعجيل في الصلاة في وقت الفضيلة و في وقت الإجزاء (60)، بل كلّ ما هو أقرب إلى الأول يكون أفضل (61) إلّا إذا كان هناك معارض كانتظار الجماعة أو نحوه (62).

مسألة 10: يستحب الغلس بصلاة الصبح

(مسألة 10): يستحب الغلس بصلاة الصبح أي الإتيان بها

______________________________

(60) للأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (1).

و قوله تعالى فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ(2).

و من السنة بالمستفيضة، بل المتواترة:

منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «اعلم أنّ أول الوقت أبدا أفضل فعجل الخير ما استطعت، و أحبّ الأعمال إلى اللّه ما داوم عليه العبد و إن قلّ» (3).

و مثله غيره، و إطلاقه يشمل أول وقت الفضيلة و أول وقت الإجزاء، مع أنّ أصل الحكم إجماعيّ بين المسلمين. و من الإجماع بتحققه بين المسلمين و من العقل حكمه البتّي بحسن المسار عنه إلى الخير.

(61) لأنّ للتعجيل مراتب متفاوتة، فيشمله إطلاق قول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) «إنّ اللّه عزّ و جل يحب من الخير ما يعجل» (4).

و هو الموافق للاعتبار العرفي أيضا.

(62) لقاعدة تقديم الأهمّ على المهمّ و يأتي التفصيل في [مسألة 13] من الفصل التالي.

ص: 89


1- سورة آل عمران الآية: 133.
2- سورة البقرة الآية: 148.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب المواقيت حديث: 10.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب المواقيت حديث: 12.

قبل الإسفار في حال الظلمة (63).

مسألة 11: كلّ صلاة أدرك من وقتها في آخره مقدار ركعة، فهو أداء

(مسألة 11): كلّ صلاة أدرك من وقتها في آخره مقدار ركعة، فهو أداء و يجب الإتيان به، فإنّ من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت (64)

______________________________

(63) للتأسي بهم (عليهم السلام) فإنّهم كانوا يصلّون الغداة بغلس و في صحيح عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر؟» قال: مع طلوع الفجر إنّ اللّه تعالى يقول إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً يعني صلاة الفجر تشهده ملائكة الليل و ملائكة النهار، فإذا صلّى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر أثبت له مرّتين تثبته ملائكة الليل و ملائكة النهار» (1).

(64) للإجماع، و لقاعدة: «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت» و هي من القواعد المعتبرة، يدل عليها مضافا إلى الإجماع، قول عليّ (عليه السلام): «من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة» (2).

و عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) في المرسل أنّه قال: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» (3).

و عنه (صلّى اللّه عليه و آله) أيضا: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» (4).

و في موثق عمار «فإن صلّى ركعة من الغداة ثمَّ طلعت الشمس فليتم و قد جازت صلاته» (5).

ص: 90


1- الوسائل باب: 28 من أبواب المواقيت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب المواقيت حديث: 2.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب المواقيت حديث: 4.
4- الوسائل باب: 30 من أبواب المواقيت حديث: 5.
5- الوسائل باب: 30 من أبواب المواقيت حديث: 1.

.....

______________________________

و قد أشكل على الجميع: أما الإجماع فبعدم تحققه، لمخالفة الحليّ (قدّس سرّه)، و أما النصوص فبقصور السند أولا. و الاختصاص بموردها من العصر و الغداة ثانيا. و احتمال النبويّ لصلاة الجماعة ثالثا.

و الكل مردود: إذ لا وقع لمخالفة الحليّ (قدّس سرّه) في الإجماع الذي أرسل ثبوته في كلّ طبقة إرسال المسلّمات. و أما النصوص فهي مذكورة في مجامع الحديث و جوامعها و ذكرها المشايخ و اعتنى بها أجلاء الفقهاء (قدّس سرّهم)، فإذا لم يكن مثل هذا موجبا للاطمئنان بالصدور فأيّ شي ء يوجبه بعد ذلك؟!! و أما الاختصاص بالغداة و العصر- فمقتضى بناء الشارع على التسهيل و التوسعة لأمته و أن لا يضيع أعمالهم مهما أمكنه- لا وجه له، مع أنّه لا يتصوّر وجه لذلك بحسب الأذهان العرفية، فالتعميم ثابت من سياق الحال و المقال، و الاحتمال من مجرد التشكيك ممن دأبه ذلك في الواضحات.

و أما احتمال اختصاص النبويّ بالجماعة فلا وجه له إلا بقرينة بعض الأخبار و لا معنى لجعل تلك الأخبار قرينة على الاختصاص مع ظهور اللفظ في التعميم.

و أما توهم ظهورها فيمن تلبس بالصلاة بقصد الإتمام فخرج الوقت في الأثناء، فلا يشمل من لم يصلّ بعد، فساقط: إذ ليس في هذه الأخبار و كلمات فقهائنا الأخيار ما يوجب هذا الظهور فهو من مجرد الدعوى بلا شاهد، فالدلالة تامة و السند معتبر و الحكم مسلّم، فنزّل الشارع امتنانا على أمته إدراك ركعة من الوقت منزلة إدراك تمامه، كما نزّل وقوع جزء من الصلاة في الوقت عند أوّله منزلة وقوع تمامها فيه، لما يأتي في [مسألة 3] من (فصل في أحكام الأوقات) فقد وسع الشارع في التوسعة التنزيلية في أول الوقت و آخره. و مقتضى إطلاق الروايات و الكلمات الشمول لما إذا حصل فوت الوقت إلّا بقدر ركعة بسوء الاختيار، فهو و إن أثم لكن صلاته أدائية، لقاعدة من أدرك، و المسألة من صغريات ما حرّرناه مكرّرا من أنّ التكاليف الاضطرارية. هل تشمل صورة

ص: 91

لكن لا يجوز التعمد في التأخير إلى ذلك (65).

______________________________

حصول الاضطرار بالاختيار، أو تختص بما إذا حصل بلا اختيار؟ و ظاهر كلماتهم في موارد شتّى هو الأول و طريق الاحتياط القضاء أيضا، و في المقام فروع كثيرة يأتي التعرض لها في المقامات المناسبة لها. و اللّه تعالى هو العالم بحقائق الأحكام.

(65) لأنّه تفويت للتكليف الاختياري فيأثم من هذه الجهة، و لكن الظاهر شمول الأدلة له، فيكون أداء أيضا، كما في صورة الفوات، و كما في جميع موضوعات التكاليف الاضطرارية التي تحصل بالاختيار، فإنّ مقتضى إطلاقات أدلّتها الشمول لصورة إيجاد موضوعاتها بالاختيار أيضا.

ص: 92

فصل في أوقات الرواتب

اشارة

(فصل في أوقات الرواتب)

مسألة 1: وقت نافلة الظهر من الزوال إلى الذراع، و العصر إلى الذراعين

(مسألة 1): وقت نافلة الظهر من الزوال إلى الذراع، و العصر إلى الذراعين، أي: سبعي الشاخص و أربعة أسباعه (1) بل إلى (فصل في أوقات الرواتب)

______________________________

(1) على المشهور، لنصوص مستفيضة، بل متواترة.

منها: قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة: «لك أن تنتقل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع، فإذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة و تركت النافلة، و إذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة»(1).

و منها: خبر إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام)- أيضا-:

«أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان؟ قال: قلت: لم؟ قال (عليه السلام):

لمكان الفريضة، لئلّا يؤخذ من وقت هذه و يدخل في وقت هذه» (2).

و منها: صحيح زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) لا يصلّي من النهار شيئا حتّى تزول الشمس فإذا زالت قدر نصف إصبع صلّى ثماني ركعات، فإذا فاء الفي ء ذراعا صلّى الظهر- الحديث-» (3).

ص: 93


1- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 3.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 21.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب المواقيت حديث: 3.

آخر وقت إجزاء الفريضتين على الأقوى (2)، و إن كان الأولى بعد

______________________________

إلى غير ذلك من الأخبار. و تقدير الذراع بحسب الساعة المتداولة بمقدار ساعة تقريبا.

(2) للإطلاق و أصالة بقاء الوقت، و حمل ما دلّ على التوقيت بالذراع و الذراعين و نحوهما على مجرد الأفضلية و الإرشاد إلى تقديم الأهمّ الذي هو الفريضة على النافلة، لا التوقيت الحقيقي حتّى يثبت القضاء بعد انقضاء الذراع أو الذراعين مع ما ورد من التأكيدات الأكيدة في النافلة و أنّها من متممات الفريضة الظاهرة في دوران وقتها مدار وقت الفريضة أداء و قضاء، مضافا إلى أنّ القيود في المندوبات من باب تعدد المطلوب. مع أنّ هذا النزاع لا ثمرة له إلّا في قصد الأدائيّة و القضائية، و لا دليل على اعتبارهما، لأنّهما من العناوين الانطباقية، فإن كان المأتيّ به في الوقت فهو أداء قصد ذلك أولا، و إن كان بعد الوقت فهو قضاء كذلك، بل لو قصد أحدهما في مقام الآخر صح أيضا ما لم يخل بقصد الإتيان بالتكليف الفعلي.

و تظهر الثمرة في جواز الإتيان بالتطوّع في وقت الفريضة فلا يجوز بناء على عدم الجواز، و لكنه أيضا مخدوش لما يأتي في [مسألة 16] من الجواز مطلقا، فيصح سلب الثمرة العملية لهذا البحث أصلا.

ثمَّ إنّه قد نسب إلى جمع من الفقهاء- كالفاضلين و المحقق الثاني و الشهيد الثاني و غيرهم- القول بامتداد وقتها إلى المثل و المثلين، للإطلاقات و المستفيضة الدالة على أنّه: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر، إلّا أنّ بين يديها سبحة، و ذلك إليك إن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت» (1).

و بالتأسي، فإنّ المعصومين (عليهم السلام) كانوا يؤخرون النافلة إلى المثل و المثلين (2). و الكل مخدوش:

ص: 94


1- الوسائل باب: 5 من أبواب المواقيت حديث: 1.
2- راجع الوسائل باب: 8 و 10 من أبواب المواقيت.

الذراع (3) تقديم الظهر، و بعد الذراعين تقديم العصر، و الإتيان بالنافلتين بعد الفريضتين، فالحدان الأولان للأفضلية، و مع ذلك الأحوط بعد الذراع و الذراعين (4) عدم التعرض لنية الأداء و القضاء في النافلتين.

مسألة 2: المشهور عدم جواز تقديم نافلتي الظهر و العصر

(مسألة 2): المشهور عدم جواز تقديم نافلتي الظهر و العصر (5)

______________________________

أما الأول فإنّه يصلح دليلا على أنّ وقتها وقت إجزاء الفريضة، و مع تمامية ما دلّ على التوقيت بالذراع و الذراعين يكون ذلك مقيدا له.

و أما الثاني فبأنّ تطويل النافلة لا يبلغ إلى المثل و المثلين غالبا، بل دائما.

و أما الأخير فهو فعل مجمل لا يدل على التوقيت، مضافا إلى أنّ التحديد بهما أعمّ من التوقيت الحقيقي بحيث يكون قضاء بعد المثل و المثلين. و يمكن الحمل على بعض مراتب الفضيلة، كما مر في التحديد بالذراع و الذراعين. مع أنّ أخبار المثل و المثلين صدرت تقية، كما يظهر من التأمل فيها، و شهد بذلك صاحبا البحار و الحدائق (قدّس سرّهما) فكيف يستند إليها في إثبات حكم واقعي، و قد استدلوا بوجوه أخرى ظاهرة الخدشة من شاء فليراجع الكتب المطوّلة، و تقدم عدم الثمرة للبحث أصلا فلا وجه للتطويل.

(3) جمودا على ما تقدم من قول أبي جعفر (عليه السلام): «إذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة».

(4) لانطباقه حينئذ على كلّ من القولين، و تقدم عدم الدليل على لزوم قصد الأدائية و القضائية.

(5) استدلوا عليه تارة: بظهور النصوص المشتملة على أنّها نافلة الزوال أو الظهر أو العصر، كصحيح زرارة قال: «قال لي أبو جعفر (عليه السلام):

أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان؟ قال: قلت: لم؟ قال: لمكان الفريضة، لك

ص: 95

.....

______________________________

أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يبلغ ذراعا، فإذا بلغ بدأت بالفريضة و تركت النافلة» (1).

و في صحيح محمد بن مسلم قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام):

إذا دخل وقت الفريضة أتنفّل أو أبدأ بالفريضة؟ قال: إنّ الفضل أن تبدأ بالفريضة» (2).

و غير ذلك من الأخبار.

و فيه: أنّها أعمّ من عدم جواز التقديم، لأنّها في مقام بيان حكمة جعل النافلة، و لا توجب تقييد المجعول، و على فرض التقييد فيمكن أن يكون بالنسبة إلى بعض مراتب المطلوب لا جميعها بقرينة ما يأتي من سائر الأخبار.

و أخرى: بقول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن أذينة: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يصلّي من النهار شيئا حتّى تزول الشمس و لا من الليل بعد ما يصلّي العشاء الآخرة حتّى ينتصف الليل» (3).

و قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة: «كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) لا يصلّي من النهار شيئا حتّى تزول الشمس» (4).

و فيه: مضافا إلى معارضة الأخير بقول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة: «ما صلّى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) الضحى قط، قال:

فقلت: أ لم تخبرني أنّه كان (صلّى اللّه عليه و آله) يصلّي في صدر النهار أربع ركعات؟ قال: (عليه السلام): بلى إنّه (صلّى اللّه عليه و آله) كان يجعلها من الثمان التي بعد الظهر» (5).

أنّ دلالتها على نفي تشريع صلاة أخرى غير الفرائض و نوافلها في اليوم و الليلة مسلّمة، أما دلالتها على عدم جواز التقديم فهو أول الدعوى، هذا مع حكومة ما دل على الترخيص في إتيانها قبل الظهر عليهما، كقول أبي الحسن

ص: 96


1- الوسائل باب: 36 من أبواب المواقيت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب المواقيت حديث: 2.
3- الوسائل باب: 36 من أبواب المواقيت حديث: 5.
4- الوسائل باب: 36 من أبواب المواقيت حديث: 7.
5- الوسائل باب: 37 من أبواب المواقيت حديث: 10.

.....

______________________________

(عليه السلام) في خبر عليّ بن جعفر: «نوافلكم صدقاتكم فقدموها أنّى شئتم» (1).

و لا يعقل وجه صحيح لتقييد إعطاء الصدقة بوقت دون وقت. نعم، هي في بعض الأوقات أفضل- و قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في رواية عمر بن يزيد: «اعلم أنّ النافلة بمنزلة الهدية متى ما أتى بها قبلت» (2).

و مثل هذا التعبير غير قابل للتقييد و كذا ما بعده، و عنه (عليه السلام)- أيضا-: «صلاة النهار ست عشرة ركعة أيّ النّهار شئت، إن شئت في أوله، و إن شئت في وسطه، و إن شئت في آخره» (3).

و عنه (عليه السلام) في خبر الغساني قال: «قلت له: جعلت فداك صلاة النهار صلاة النوافل في كم هي؟ قال: ست عشرة ركعة في أيّ ساعات النهار شئت أن تصلّيها صلّيتها إلّا أنّك إذا صلّيتها في مواقيتها أفضل» (4).

و نحو ذلك من الأخبار. و يؤيّد ذلك ما ورد من النص و الإجماع على جواز تقديم نافلة الصبح و نافلة الليل، و يشهد له أيضا أن التقييد في المندوبات غالبا من باب تعدد المطلوب. و كثرة ما ورد من الشارع من التسهيل في الصلوات المندوبة كما يأتي ذلك في فصل مستقل قبل صلاة المسافر.

و أما خبر محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يشتغل عن الزوال أ يعجل من أول النهار؟ قال: نعم، إذا علم أنّه يشتغل فيعجلها في صدر النهار كلّها» (5).

و نحوه غيره، فيمكن حمله على زيادة الاهتمام بها في إتيانها في أوقاتها إلّا في مورد الشغل.

إن قلت: مقتضى توقيفية العبادات عدم صحة الإتيان بها قبل الوقت بعد إعراض المشهور عما دلّ على جواز التقديم.

قلت: الظاهر عدم تحقق الشهرة المعتبرة، لأنّها اجتهادية حصلت مما

ص: 97


1- الوسائل باب: 37 من أبواب المواقيت حديث: 9.
2- الوسائل باب: 37 من أبواب المواقيت حديث: 3.
3- الوسائل باب: 37 من أبواب المواقيت حديث: 6.
4- الوسائل باب: 37 من أبواب المواقيت حديث: 5.
5- الوسائل باب: 37 من أبواب المواقيت حديث: 1.

.....

______________________________

ارتكز في أذهانهم الشريفة من التوقيت الحقيقي و حمل الأخبار الدالة على جواز التقديم على بعض المحامل، لا أن يكون وصل إليهم ما لم يصل إلينا غير هذه الأخبار.

و بالجملة الجمع العرفي بين ما وصل إلينا من الأخبار يقتضي جواز التقديم مطلقا، و لكن الأفضل الإتيان بها في أوقاتها في غير صورة الاشتغال عنها في أوقاتها.

فروع- (الأول): الظاهر أنّ قوله (عليه السلام) فيما تقدم من خبر محمد بن مسلم «إذا علم أنّه يشتغل فيجعلها في صدر النهار» من باب تقديم الأهمّ على المهمّ، و لا بد و أن يكون ذلك الشغل مما فيه أهمية أخروية في الجملة، كقضاء حاجة المؤمن و نحوه، و ليس كلّ شغل- و لو كان دنيويا محضا- يوجب زوال فضل الإتيان بها في وقتها إلا أن يتمسك بإطلاق ما تقدم من أنّها كالصدقة و الهدية، فيجوز التقديم لكلّ غرض أهمّ و لو كان دنيويا.

(الثاني): مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام): «إنّ النافلة بمنزلة الهدية متى أتى بها قبلت» و «أنّها صدقة»، جواز تقديم نافلتي المغرب و العشاء أيضا.

(الثالث): في صورة التقديم يصح قصد التعجيل بل و الأداء المطلق أيضا، لإطلاق ما تقدم من أنّها صدقة و هدية، و هما أداءان مطلقا.

(الرابع): في صورة التقديم يصح تقديم نافلة العصر على الظهر، للإطلاق الشامل له، و كذا مقتضى الإطلاق جواز التقديم في الليلة السابقة أيضا.

(الخامس): لو قدم بزعم عدم دخول الوقت فبان أنّ الوقت كان داخلا تصح حتّى على المشهور.

(السادس): لو دار الأمر بين التقديم و القضاء، فطريق الاحتياط هو القضاء، لجوازه نصّا(1) و إجماعا، لكن لو انجر ذلك إلى الترك يقدم البتة،

ص: 98


1- راجع الوسائل باب: 18- 20 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها.

في غير يوم الجمعة (6) على الزوال و إن علم بعدم التمكن من إتيانها بعده، لكن الأقوى جوازه فيهما، خصوصا في الصورة المذكورة.

مسألة 3: نافلة يوم الجمعة عشرون ركعة

(مسألة 3): نافلة يوم الجمعة عشرون ركعة و الأولى تفريقها (7) بأن يأتي ستا عند انبساط الشمس، و ستا عند ارتفاعها،

______________________________

و كذا ما إذا كان هناك مرجح للتقديم، كما إذا لم يمهل المأمومون الإمام لإتيان النافلة، و حينئذ يجوز في موارد التقديم إتيانها حال المشي، للإطلاق و الاتفاق على جواز إتيان النوافل ماشيا.

(السابع): مقتضى الأصل عدم استحباب الإعادة لو قدّمها لعذر أو غير عذر، و الحمل على نافلة الفجر قياس.

(6) لجواز التقديم فيها نصا (1) و إجماعا.

(7) أما أنّها عشرون ركعة في يوم الجمعة فهو المشهور، كما تقدم في فصل أعداد الفرائض و نوافلها، و تقدم ما يظهر منه الخلاف و حمله. و أما تفريقها بما ذكر فهو المشهور أيضا، و يمكن أن يستدل لهم بخبر سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): «ست ركعات بكرة، و ست بعد ذلك اثنتا عشرة ركعة، و ست ركعات بعد ذلك ثمان عشرة ركعة، و ركعتان بعد الزوال فهذه عشرون ركعة» (2).

بناء على أنّ المراد بقوله (عليه السلام): «بكرة»، أي: انبساط الشمس، و المراد بقوله (عليه السلام): «و ستة بعد ذلك» أي عند ارتفاعها. فتأمل. و لكن في صحيح البزنطي عنه (عليه السلام) أيضا: «النوافل في يوم الجمعة ست ركعات بكرة، و ست ركعات ضحوة، و ركعتين إذا زالت الشمس، و ست

ص: 99


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة الجمعة.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.

و ستا قبل الزوال و ركعتين عنده.

مسألة 4: وقت نافلة المغرب من حين الفراغ من الفريضة

(مسألة 4): وقت نافلة المغرب من حين الفراغ من الفريضة إلى زوال الحمرة المغربية (8).

مسألة 5: وقت نافلة العشاء

(مسألة 5): وقت نافلة العشاء و هي الوتيرة- يمتد بامتداد

______________________________

ركعات بعد الجمعة» (1).

و لا يبعد التخيير بالنسبة إلى الستة الأخيرة.

(8) على المشهور، بل ادعي عليه الإجماع، و استدل لهم تارة: بمواظبة النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) عليه (2). و أخرى: بما دل على النّهي عن التطوع في وقت الفريضة (3). و ثالثة: بما ورد من أنّ المفيض من عرفات إن صلّى العشاء بالمشعر تؤخر نافلة المغرب إلى ما بعد العشاء (4)، فيستفاد منه أنّها تصير قضاء حينئذ. و رابعة: بأنّ جميع النوافل موقتة فلتكن نافلة المغرب أيضا كذلك.

و الكل ظاهر الخدشة: لأنّ مواظبة النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) أعمّ من التوقيت الحقيقي، إذ يمكن أن يكون الوقت موسعا، و لكن إتيانها في أول الوقت أفضل، كما هو معلوم. و دلالة النّهي عن التطوع على التوقيت في المقام ممنوع كبرى و صغرى، أما الأول فلما يأتي في [مسألة 16]. و أما الأخير فلأنه على فرض ثبوته إرشاد إلى تقديم أحد المتزاحمين على الآخر، و أنّى له من إثبات التوقيت، بل هو أجنبيّ عن ذلك. و الأخير على فرض صحته في سائر النوافل قياس لا وجه لاحتماله فضلا عن الاستدلال به، فمقتضى الأصل و الإطلاق و الاتفاق امتداد وقتها بوقت أصل الفريضة، و هو الذي تقتضيه سهولة

ص: 100


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 19.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 6.
3- راجع الوسائل باب: 35 من أبواب المواقيت.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث: 2.

وقتها (9). و الأولى كونها عقيبها من غير فصل معتد به (10)، و إذا أراد فعل بعض الصلوات الموظفة في بعض الليالي بعد العشاء جعل الوتيرة خاتمتها (11).

مسألة 6: وقت نافلة الصبح بين الفجر الأول و طلوع الحمرة المشرقية

(مسألة 6): وقت نافلة الصبح بين الفجر الأول و طلوع الحمرة المشرقية (12)

______________________________

الشريعة، و اهتمام النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) بعدم حرمان أمته عن فضل النافلة مهما أمكنه.

(9) للإطلاق، و الاتفاق، و استصحاب بقاء الوقت بعد عدم الدليل على التوقيت.

(10) لبناء المتشرعة عليه خلفا عن سلف، لكنّه لا يدل على التوقيت و لا يستفاد منه أزيد من أصل تعجيل الخير مهما أمكن.

(11) نسب ذلك إلى المشهور و استدل له، بما روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «و ليكن آخر صلاتك وتر ليلتك» (1).

و بقوله (عليه السلام) أيضا: «من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر، فلا يبيتنّ إلا بوتر»(2).

و فيه: إنّ الأول ظاهر في صلاة الوتر لا الوتيرة. و الثاني ترغيب إلى أصل الإتيان بها لا جعلها خاتمة الصلوات، فلا دليل عليه إلا فتوى الفقهاء (رحمهم اللّه) و لا بأس به من باب المسامحة لو عمت المسامحة فتوى الفقيه أيضا.

(12) أما بالنسبة إلى الابتداء نسب ذلك إلى جمع منهم المحقق

ص: 101


1- الوسائل باب: 42 من أبواب بقية الصلاة المندوبة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 1.

.....

______________________________

(رحمه اللّه)، و استدل عليه بخبر محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أول وقت ركعتي الفجر، فقال: «سدس الليل الباقي» (1).

بناء على انطباقه على الفجر الأول، و بقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج «صلّهما بعد ما يطلع الفجر» (2) أو «بعد الفجر» (3).

كما في صحيح ابن سالم البزاز بناء على أنّ المراد بالفجر الفجر الأول و أنّ المراد بمرجع الضمير ركعتي الفجر، و موثق ابن أبي يعفور قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن ركعتي الفجر متى أصلّيهما؟ فقال: قبل الفجر و معه و بعده» (4).

و لا ريب في ظهوره في التوسعة الوقتية في نافلة الفجر و هذا الخبر معتبر سندا و دلالة و شارح لجميع أخبار الباب و المراد بالفجر هو الفجر الصادق، لأنّه المتبادر من الفجر عرفا خصوصا عند المتشرعة. فيدل على صحة الإتيان بها بعد الفجر الأول.

و من ذلك يظهر دلالة صحيحة زرارة أيضا قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) الركعتان اللتان قبل الغداة أين موضعهما؟ فقال: قبل طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة» (5).

بحمله على بيان أحد أفراد التخيير بقرينة موثق ابن أبي يعفور.

و أما خبر أبي بصير قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) متى أصلّي ركعتي الفجر؟ قال: فقال لي: بعد طلوع الفجر، قلت له: إنّ أبا جعفر (عليه السلام) أمرني أن أصلّيهما قبل طلوع الفجر فقال: يا أبا محمد إنّ

ص: 102


1- الوسائل باب: 50 من أبواب المواقيت حديث: 5.
2- الوسائل باب: 51 من أبواب المواقيت حديث: 5.
3- الوسائل باب: 51 من أبواب المواقيت حديث: 6.
4- الوسائل باب: 52 من أبواب المواقيت حديث: 2.
5- الوسائل باب: 50 من أبواب المواقيت حديث: 7 و 2.

و يجوز دسها في صلاة الليل (13) قبل الفجر و لو عند النصف بل و لو قبله إذا قدّم صلاة الليل عليه إلّا أنّ الأفضل

______________________________

الشيعة أتوا أبي مسترشدين فأفتاهم بمرّ الحق، و أتوني شكاكا فأفتيتهم بالتقية» (1).

فهو مجمل إذ لا تقية في الإتيان بها بعد طلوع الفجر و لو كانت تقية، فهي في الإتيان بها قبل طلوع الفجر، مع أنّه (عليه السلام) قال: إنّ ما أفتى به أبوه فهو مرّ الحق فلا يكون فيه التقية أيضا.

و أما انتهاء وقتها بطلوع الحمرة المشرقية، فهو المشهور، المدعى عليه الإجماع و هذا هو العمدة، و أما صحيح ابن يقطين قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل لا يصلّي الغداة حتّى يسفر و تظهر الحمرة و لم يركع ركعتي الفجر أ يركعهما أو يؤخرهما؟ قال (عليه السلام): «يؤخرهما» (2).

فهو أعمّ من التوقيت لاحتمال أن يكون التأخير برجحان تقديم الفريضة لا ذهاب الوقت بالكلية.

(13) على المشهور، لقول أبي الحسن (عليه السلام) في صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر: «احشوا بهما صلاة الليل» (3).

و قول أبي جعفر (عليه السلام): فيها أيضا «احش بها صلاة الليل و صلّهما قبل الفجر»(4). و عنه (عليه السلام) أيضا: «إنّهما من صلاة الليل» (5).

و أما التعميم بالنسبة إلى نصف الليل أو قبله، فلما تقدم من قوله (عليه السلام): «إنّهما من صلاة الليل»، و عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) في خبر ابن إدريس قال (عليه السلام): «صلّ صلاة الليل

ص: 103


1- الوسائل باب: 50 من أبواب المواقيت حديث: 2.
2- الوسائل باب: 51 من أبواب المواقيت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 50 من أبواب المواقيت حديث: 1.
4- الوسائل باب: 50 من أبواب المواقيت حديث: 6.
5- الوسائل باب: 50 من أبواب المواقيت حديث: 3.

إعادتها في وقتها (14).

______________________________

في السفر من أول الليل في المحمل و الوتر و ركعتي الفجر» (1).

و في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إنّما على أحدكم إذا انتصف الليل أن يقوم فيصلّي صلاته جملة واحدة ثلاث عشرة ركعة، ثمَّ إن شاء جلس فدعا، و إن شاء نام، و إن شاء ذهب حيث شاء» (2).

فروع- (الأول): تقديمها على الفجر بلحاظ هذه الأخبار لا بد و أن يكون قريبا منه عرفا، لأنّه المتبادر منها، مضافا إلى ما تقدم من خبر ابن مسلم من التعبير «بسدس الليل الباقي».

(الثاني): ظاهر الأدلة جواز الإتيان بهما عند النصف أو قبله إذا حشى بهما في صلاة الليل و أما مع عدم الإتيان بصلاة الليل، فيشكل شمول الحديث له. نعم، لا بأس لشمول ما تقدم من قولهم (عليهم السلام): «إنّما النافلة مثل الهدية متى ما أتى بها قبلت» (3).

(الثالث): مقتضى الإطلاق صحة دسها في صلاة الليل لو لم يأت بتمام صلاة الليل و أتى ببعضها و قلنا بصحة التبعيض.

(14) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «ربما صلّيتهما و عليّ ليل فإن قمت و لم يطلع الفجر أعدتهما» (4).

و مثله موثق زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «إنّي لأصلّي صلاة الليل و أفرغ من صلاتي و أصلّي الركعتين، فأنام ما شاء اللّه قبل أن يطلع الفجر فإن استيقظت عند الفجر أعدتهما» (5).

ص: 104


1- الوسائل باب: 44 من أبواب المواقيت حديث: 6.
2- الوسائل باب: 35 من أبواب التعقيب حديث: 2.
3- تقدم في صفحة: 96.
4- الوسائل باب: 51 من أبواب المواقيت حديث: 8.
5- الوسائل باب: 51 من أبواب المواقيت حديث: 9.
مسألة 7: إذا صلّى الفجر في وقتها أو قبله و نام بعدها

(مسألة 7): إذا صلّى الفجر في وقتها أو قبله و نام بعدها يستحب إعادتها (15).

مسألة 8: وقت نافلة الليل ما بين نصفه و الفجر الثاني

(مسألة 8): وقت نافلة الليل ما بين نصفه و الفجر الثاني (16) و الأفضل إتيانها في وقت السّحر (17) و هو الثلث الأخير من الليل

______________________________

و لكن موردهما النوم، و التعميم يحتاج إلى القطع بعدم الخصوصية في النوم و أنّه ذكر من باب المثال لأصل الإتيان بهما قبل الفجر و الإعادة بعد دخول الوقت.

(15) مما ذكرنا في المسألة السابقة ظهر الوجه فيها، فلا وجه للإعادة.

(16) نصّا، و إجماعا، قال أبو جعفر (عليه السلام): «وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره» (1).

و في موثق فضيل: «كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يصلّي بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة» (2).

و أما صحيح الحلبي المتضمن على أنّه (صلّى اللّه عليه و آله) يقوم بعد ثلث الليل (3)- فيمكن حمله على الثلث بعد العشاء الآخرة- إذا كان (صلّى اللّه عليه و آله) يفرق بينها و بين المغرب- فينطبق مع النصف أيضا، و يمكن حمله على موارد العذر أيضا.

و أما قول الصادق (عليه السلام) في موثق سماعه: «لا بأس بصلاة الليل فيما بين أوله إلى آخره إلا أنّ أفضل ذلك بعد انتصاف الليل» (4).

و نحوه فمحمول على موارد العذر.

(17) لوقوع التصريح به في جملة من الأخبار المحمولة على الأفضلية

ص: 105


1- الوسائل باب: 43 من أبواب المواقيت حديث: 2.
2- الوسائل باب: 43 من أبواب المواقيت حديث: 3.
3- الوسائل باب: 53 من أبواب المواقيت حديث: 2.
4- الوسائل باب: 44 من أبواب المواقيت حديث: 9.

و أفضله القريب من الفجر (18).

______________________________

بقرينة غيرها، مع أنّها مجمع عليها بين الأمة قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في خبر الأعمش- في حديث شرائع الدين-: «و ثمان ركعات في السحر و هي صلاة الليل، و الشفع ركعتان و الوتر ركعة» (1).

و مثله أيضا ما عن أبي الحسن (عليه السلام) (2) و في صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «و في السحر ثمان ركعات ثمَّ يوتر، و الوتر ثلاث ركعات مفصولة» (3).

(18) السحر من جهة المنتهى معلوم لكلّ أحد، لأنّ منتهاه أول الفجر الصادق و أما من جهة المبدإ فاختلفوا فيه، و لا يصح الرجوع إلى أقوال اللغويين في تعيينه، لإجمال قولهم، فعن بعض بأنّه، آخر الليل، و عن آخر قبيل الصبح، و عن ثالث قبل الصبح و المتيقن هو الوسط و هو مجمل، و في الجواهر: «عن بعض المتبحرين إنّي لم أجد لأحد من المعتبرين تحديده بأكثر من السدس، بل ظاهر الأكثر أنّه أقلّ من ذلك».

و أمّا أنّه الثلث الأخير من الليل- كما عن الماتن و غيره (رحمهم اللّه) فلا دليل عليه إلا خبر المروزي عن العسكري (عليه السلام): «إذا انتصف الليل ظهر بياض في وسط السماء شبه عمود من حديد تضي ء له الدنيا، فيكون ساعة و يذهب ثمَّ يظلم، فإذا بقي الثلث الأخير ظهر بياض من قبل المشرق فأضاءت له الدنيا فيكون ساعة ثمَّ يذهب و هو وقت صلاة الليل» (4).

و في صحيح إسماعيل: «و سألته عن أفضل ساعات الليل قال (عليه السلام): الثلث الباقي»(5).

ص: 106


1- الوسائل باب: 13 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 25.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 23.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 2.
4- الوسائل باب: 43 من أبواب المواقيت حديث: 5.
5- الوسائل باب: 54 من أبواب المواقيت حديث: 4.

.....

______________________________

فلا إشارة فيهما إلى تعيين السحر، و كذا قوله (عليه السلام) في الصحيح: «إنّ في الليل لساعة ما يوافقها عبد مسلم يصلّي و يدعو اللّه عزّ و جل فيها إلا استجاب له في كلّ ليلة قلت: أصلحك اللّه و أيّ ساعة هي من الليل؟

قال: إذا مضى نصف الليل إلى الثلث الباقي» (1).

و مثله عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) (2). إلا أن يقال: إنّ الثلث الباقي أفضل ساعات الليل و كلّ أفضل ساعة في الليل هو السحر فالثلث الباقي هو السّحر، بل يمكن تطبيق أقوال اللغويين على ذلك أيضا إذ لا منافاة بين أقوالهم المجملة و الثلث الباقي من الليل و يصح تطبيق من قال بأنّه السدس الأخير من الليل عليه أيضا بعد حمله على أنّ مراده أفضل أوقات السحر.

و لكن في كلية الكبرى إشكال إن لم تكن ممنوعة و حينئذ فالمرجع هو الأصل و مقتضاه عدم دخول السّحر إلا فيما هو المتيقن من جميع الأقوال و أما أنّ أفضله القريب من الفجر، فتشهد له- مضافا إلى الإجماع- الأخبار الدالة على إتيان صلاة الليل آخر الليل كقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): في خبر مرازم قال: «قلت له: متى أصلّي صلاة الليل؟ قال (عليه السلام): «صلّها في آخر الليل» (3).

و قوله (عليه السلام) في موثق سليمان: «و ثمان ركعات من آخر الليل» (4).

و هكذا في صحيحة زرارة (5) المحمول على الأفضلية، لخبر أبي بصير:

«و أحب صلاة الليل إليهم آخر الليل» (6).

و حيث إنّ الآخرية من الأمور الإضافية، فيصح أن يقال: إنّ كلّ ما قرب

ص: 107


1- الوسائل باب: 26 من أبواب الدعاء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب الدعاء حديث: 3.
3- الوسائل باب: 54 من أبواب المواقيت حديث: 3.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 16.
5- الوسائل باب: 14 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 3.
6- الوسائل باب: 14 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 2.

.....

______________________________

إلى الفجر كان أفضل كما هو ظاهر الأصحاب.

ثمَّ إنّ أفضل هذا الوقت الشريف (السّحر) مما لا يخفى، فكلّ ما قيل أو يقال فهو دون مرتبته و أقلّ منقبته، قال تعالى الصّابِرِينَ وَ الصّادِقِينَ وَ الْقانِتِينَ وَ الْمُنْفِقِينَ وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (1).

و قال عزّ و جل كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (2).

و فيهما ترغيب إلى الاستغفار فيه بأبلغ بيان و أحسن ترغيب، و قال النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «خير وقت دعوتم اللّه فيه الأسحار و تلا هذه الآية في قول يعقوب سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي قال: أخرهم إلى السحر» (3).

و عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إنّ اللّه عز و جل يحب من عباده المؤمنين كلّ دعّاء فعليكم بالدعاء في السحر إلى طلوع الشمس، فإنّها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، و تقسّم فيها الأرزاق، و تقضي فيها الحوائج العظام» (4).

و قال في الجواهر- و نعم ما قال-:

«هو أفضل الأوقات و أشرفها و أحسن الساعات و ألطفها، و كم للّه من نفحة عطرة يمنّ بها على من يشاء و جائزة موفّرة يخص بها من أخلص في الدعاء، و كم من عبادة فيه هبت عليها نسمات القبول و دعوة من ذي طلبة مشفوعة ببلوغ المأمول و مشكل من مسائل اتضح بمصابيح الهداية و عريض من المطالب افتتح بمفاتيح الهداية، فهو وقت للعلماء العاملين و العرفاء و المتعبدين و السعيد من سعد بإحياء هذا الوقت الشريف، و استدر به أخلاف الكرام من الجواد اللطيف»

ص: 108


1- سورة آل عمران: 17.
2- سورة الذاريات: 18.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب الدعاء حديث: 2.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب الدعاء حديث: 3.
مسألة 9: يجوز للمسافر، و الشاب الذي يصعب عليه نافلة الليل في وقتها، تقديمها على النصف

(مسألة 9): يجوز للمسافر، و الشاب الذي يصعب عليه نافلة الليل في وقتها، تقديمها على النصف، و كذا كلّ ذي عذر- كالشيخ، و خائف البرد أو الاحتلام، و المريض (19)- و ينبغي لهم نية

______________________________

(19) أما في الأولين، فنسب إلى المشهور، و ادعي عليه الإجماع، و استشهد له بالنصوص، كموثق سماعة بن مهران عن أبي الحسن الأول (عليه السلام): «عن وقت صلاة الليل في السفر فقال: من حين تصلّي العتمة إلى أن ينفجر الصبح» (1).

و في صحيح الأحمر: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن صلاة الليل في الصيف في الليالي القصار في أول الليل، قال: نعم، نعم ما رأيت و نعم ما صنعت، ثمَّ قال: إنّ الشاب يكثر النوم فأنا آمرك به» (2).

و مثله صحيح ليث المرادي (3) إلا أنّه في السفر، و المنساق منها مورد خوف الفوت في السّحر، و ما ذكره الماتن من صعوبة الإتيان بها في وقتها طريق إلى خوف الفوت أيضا لا أن تكون له موضوعية خاصة.

و أما لكلّ ذي عذر، فهو المشهور أيضا، و تدل عليه جملة من النصوص:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «إن خشيت أن لا تقوم في آخر الليل أو كانت بك علة أو أصابك برد فصلّ و أوتر في أول الليل في السفر» (4).

و إطلاقه يشمل جميع موارد خشية عدم الانتباه من أيّ سبب حصلت الخشية، بل مقتضى قول الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة: «لا بأس بصلاة الليل فيما بين أوله إلى آخره إلا أنّ أفضل ذلك بعد انتصاف الليل» (5).

أنّ التوقيت من النصف إلى آخر الليل من باب تعدد المطلوب لإتمامه،

ص: 109


1- الوسائل باب: 44 من أبواب المواقيت حديث: 5.
2- الوسائل باب: 44 من أبواب المواقيت حديث: 17.
3- الوسائل باب: 44 من أبواب المواقيت حديث: 1.
4- الوسائل باب: 44 من أبواب المواقيت حديث: 2.
5- الوسائل باب: 44 من أبواب المواقيت حديث: 9.

التعجيل لا الأداء (20).

مسألة 10: إذا دار الأمر بين تقديم صلاة الليل على وقتها، أو قضائها

(مسألة 10): إذا دار الأمر بين تقديم صلاة الليل على وقتها، أو قضائها،

______________________________

و كذا ما تقدم من أنّ النافلة بمنزلة الصدقة و الهدية (1)فإنّه يشمل صلاة الليل أيضا، و مقتضى خبر ابن حنظلة أنّه قال لأبي عبد اللّه (عليه السلام): «إنّي مكثت ثمانية عشرة ليلة أنوي القيام فلا أقوم أ فأصلّي أول الليل؟ قال: لا، اقض بالنهار، فإنّي أكره أن تتخذ ذلك خلقا» (2).

هو الجواز مع عدم خشية الفوت ما لم يتخذ ذلك عادة. هذا في حال الاختيار، و أما مع العذر المستمر فلا بأس باتخاذه عادة.

(20) قد ذكر لفظ التعجيل في خبر ليث: «سألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو في البرد، فيعجل صلاة الليل و الوتر في أول الليل فقال نعم» (3).

و في خبر ابن حمران قال: «سألته عن صلاة الليل أصلّيها أول الليل؟

قال: نعم، إنّي لأفعل ذلك فإذا أعجلني الجمال صلّيتها في المحمل»(4).

و في خبر أبان بن تغلب قال: «خرجت مع أبي عبد اللّه (عليه السلام) فيما بين مكة و المدينة فكان يقول: أما أنتم فشباب تؤخرون، و أما أنا فشيخ أعجل فكان يصلّي صلاة الليل أول الليل» (5).

و هو مردد بين التعجيل في العمل من باب الاستباق إلى الخيرات، و ما ورد من قوله (عليه السلام): «فعجل الخير ما استطعت» (6) و بين التعجيل في النية و المنساق من الأدلة هو الأول و لا دليل على نية التعجيل، بل مقتضى

ص: 110


1- راجع صفحة: 96.
2- الوسائل باب: 45 من أبواب المواقيت حديث: 3.
3- الوسائل باب: 44 من أبواب المواقيت حديث: 1.
4- الوسائل باب: 44 من أبواب المواقيت حديث: 11.
5- الوسائل باب: 44 من أبواب المواقيت حديث: 18.
6- الوسائل باب: 3 من أبواب المواقيت حديث: 10.

فالأرجح القضاء (21).

مسألة 11: إذا قدّمها ثمَّ انتبه في وقتها

(مسألة 11): إذا قدّمها ثمَّ انتبه في وقتها ليس عليه الإعادة (22).

______________________________

الأصل عدم اعتباره و الأولى قصد التكليف الفعلي.

(21) للإجماع، و نصوص كثيرة:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «و القضاء بالنهار أفضل» (1).

و قوله (عليه السلام): «بل يقضي أحبّ إليّ» (2).

و غيرها من سائر الروايات الواردة.

فروع- (الأول): لو دار الأمر بين التقديم ما دام العمر أو القضاء كذلك، فهل تشمل الأدلة لأولوية القضاء حينئذ أيضا أو لا؟ وجهان لا يبعد الأخير.

(الثاني): يجوز تقديم البعض و قضاء الآخر.

(الثالث): لو دار الأمر بين الإتيان بها في وقتها مقتصرا على الحمد فقط و مخففا و بين التقديم، أو القضاء مستجمعا للآداب يقدم الأول لأهمية إدراك الوقت الفضلي.

(22) للإجماع، و النص قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في خبر الأحول:

«إذا كنت أنت صلّيت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر، فأتم الصلاة طلع أو لم يطلع» (3).

و في خبر ابن سنان قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إنّي أقوم آخر الليل و أخاف الصبح قال: اقرأ الحمد و أعجل و أعجل» (4).

ص: 111


1- الوسائل باب: 45 من أبواب المواقيت حديث: 8.
2- الوسائل باب: 45 من أبواب المواقيت حديث: 7.
3- الوسائل باب: 47 من أبواب المواقيت حديث: 1.
4- الوسائل باب: 46 من أبواب المواقيت حديث: 1.
مسألة 12: إذا طلع الفجر- و قد صلّى من صلاة الليل أربع ركعات

(مسألة 12): إذا طلع الفجر- و قد صلّى من صلاة الليل أربع ركعات أو أزيد- أتمّها مخففة، و إن لم يتلبّس بها قدّم ركعتي الفجر ثمَّ فريضته، و قضاها (23)، و لو اشتغل بها أتم ما في يده ثمَّ أتى بركعتي الفجر و فريضته و قضى البقية بعد ذلك (24).

______________________________

و المراد بالتعجيل في هذا الحديث- و التخفيف في كلمات الفقهاء- الاقتصار على الحمد فقط، لسقوط السورة حين الاستعجال في الفريضة فضلا عن النافلة، كما يأتي في فصل القراءة إن شاء اللّه تعالى.

(23) إجماعا، و نصّا، و يدل عليه مفهوم الشرط فيما تقدم من خبر الأحول، و صحيح ابن جابر قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): أوتر بعد ما يطلع الفجر؟ قال: لا»(1).

و النهي فيه إرشاد إلى إدراك الأفضل و هو صلاة الفجر و نافلتها، كما في النّهي عن التطوع في وقت الفريضة، فلا تنافي بينه و بين ما دل على صحة الإتيان بنافلة الليل بعد الفجر أيضا، كصحيح ابن يزيد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن صلاة الليل و الوتر بعد طلوع الفجر، فقال: صلّها بعد الفجر حتّى يكون في وقت تصلّي الغداة في آخر وقتها، و لا تعمد ذلك في كلّ ليلة، و قال: أوتر أيضا بعد فراغك منها» (2).

و لذا ذهب جمع من الفقهاء منهم الشيخ و المحقق، في المعتبر إلى التخيير و هو حسن لا بأس به بعد عدم حرمة التطوع في وقت الفريضة، بل ليس ما نحن فيه إلا من إحدى صغرياته، و يمكن حمل الأخبار على اختلاف مراتب الفضل.

(24) أما الإتمام، فلمرجوحية قطع النافلة كما يأتي في (فصل لا يجوز

ص: 112


1- الوسائل باب: 46 من أبواب المواقيت حديث: 6.
2- الوسائل باب: 48 من أبواب المواقيت حديث: 1.

.....

______________________________

قطع الفريضة اختيارا و الأحوط عدم قطع النافلة أيضا) و لا فرق فيه بين ما إذا أتى بركعة أو أقل منها، لشمول دليل المنع لكلّ منهما. و أما الإتيان بركعتي الفجر و فريضته، فلأهميتهما بلا إشكال عن الإتيان بنافلة الليل بعد خروج الفرض عما تقدم في صدر المسألة. و أما القضاء، فلعموم دليله الشامل للمقام.

فروع- (الأول): يصح الاقتصار في نافلة الظهرين، و نافلة الليل على بعضها، فيأتي بنافلة الظهر- مثلا- بأربع ركعات، و ذلك لأنّ المنساق من أدلتها (1) أنّ العدد المخصوص من باب تعدد المطلوب لا أن يكون مقوّما لحقيقة الطلب، و الأحوط حين الاقتصار على البعض أن يأتي به رجاء.

(الثاني): يصح الإتيان بركعتي الشفع و ركعة الوتر أداء، و قضاء و ترك بقية صلاة الليل، بل لو أتى بركعة الوتر أداء، ثمَّ أراد الإتيان ببقية صلاة الليل أداء أيضا، فالظاهر الإجزاء، لأنّ المنساق من مجموع الأدلة أنّ المناط إتيان هذا العدد لو أراد إكماله كيفما تحقق.

(الثالث): يصح التفريق في صلاة الليل كيفما تحقق من نصف الليل إلى طلوع الفجر، و في موارد العذر من أول الليل إلى طلوع الفجر، للأصل و الإطلاق.

ثمَّ إنّ فضل صلاة الليل و اهميتها ثبت بالأدلة الأربعة فمن الكتاب آيات منها قوله تعالى تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (2).

و منها قوله تعالى كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (3).

ص: 113


1- راجع الوسائل أخبار بابي: 13 و 14 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها.
2- سورة السجدة الآية: 16 و 17.
3- سورة الذاريات الآية: 19.

.....

______________________________

و قد عدّ سبحانه و تعالى المستغفرين بالأسحار من صفات المتقين بل هو من أمهاتها- في قوله تعالى الصّابِرِينَ وَ الصّادِقِينَ وَ الْقانِتِينَ وَ الْمُنْفِقِينَ وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ(1).

و من السنة ما هي المتواترة بين المسلمين:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): قال: «قال النبي (صلّى اللّه عليه و آله) لجبرئيل: عظني، فقال: يا محمد عش ما شئت فإنّك ميّت، و أحبب ما شئت فإنّك مفارقه، و اعمل ما شئت فإنّك ملاقيه، و اعلم أنّ شرف المؤمن صلاته بالليل، و عزّه كفّه عن أعراض الناس» (2).

و قال (عليه السلام) أيضا: «عليكم بصلاة الليل، فإنّها سنّة نبيّكم، و دأب الصالحين قبلكم، و مطردة الداء عن أجسادكم» (3).

و قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «الركعتان في جوف الليل أحبّ إليّ من الدنيا و ما فيها» (4).

و عن الصادق، عن آبائه (عليهم السلام)- في حديث المناهي قال:

«قال رسول اللّه ما زال جبرئيل يوصيني بقيام الليل حتى ظننت أنّ خيار أمتي لن يناموا» (5).

و قال (صلّى اللّه عليه و آله): في خبر جابر: «ما اتخذ اللّه إبراهيم خليلا إلا لإطعامه الطعام، و الصلاة بالليل و الناس نيام (6).

و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «ما من عمل حسن يعمله العبد إلا و له ثواب في القرآن إلا صلاة الليل، فإنّ اللّه لم يبيّن ثوابها، لعظيم خطره عنده- الحديث» (7).

ص: 114


1- سورة آل عمران الآية: 16.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث 3.
3- الوسائل باب: 39 من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث 10.
4- الوسائل باب: 39 من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث 31.
5- الوسائل باب: 39 من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث 25.
6- الوسائل باب: 39 من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث 30.
7- الوسائل باب: 40 من أبواب الصلوات المندوبة: حديث: 13.

.....

______________________________

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة و قد مدح اللّه سبحانه و تعالى- الذين يقفون أمامه في ظلم الليالي عند ساحة حرمه، و يمدون أعينهم و أيديهم إلى سماحة جوده و كرمه، يستغرقهم البكاء و الأنين، و يفزعهم الخشية و الحنين- بأحسن مدح، و أفضل منقبة كما تقدم في الآية الشريفة و هي قوله تعالى:

تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (1).

مضافا إلى عنايات خاصة تغشاهم عن مالك الملك و الملكوت روى مولانا الرضا عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال: «سئل عليّ بن الحسين (عليه السلام): ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجها؟ قال:

لأنّهم خلوا باللّه فكساهم اللّه من نوره (2).

و عن الصادق (عليه السلام) في خبر مفضل بن عمر: «كان فيما ناجى اللّه به موسى بن عمران أن قال له: «يا ابن عمران كذب من زعم أنّه يحبني فإذا جنه الليل نام عنّي أ ليس كلّ محبّ يحبّ خلوة حبيبه؟ ها أنا يا ابن عمران مطلع على أحبائي إذا جنّهم الليل- الحديث-» (3).

و من الإجماع فهو من جميع المسلمين بل من جميع الأنبياء و المرسلين.

و أما العقل فلأنّ خلوة الحبيب مع حبيبه مطلوبة عند العقل و العقلاء خصوصا إذا كان المحبوب هو اللّه جلّت عظمته و هو تعالى يحب صاحب هذا العمل.

ثمَّ إنّ في جملة من الأخبار أنّ الذنب في النهار يوجب الحرمان عن صلاة الليل (4) و لا بد و أن يحمل على بعض الذنوب، لقوله (عليه السلام): «صلاة

ص: 115


1- سورة السجدة: 16.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث: 33.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب الدعاء حديث: 2.
4- الوسائل باب: 40 من أبواب بقية الصلاة المندوبة حديث: 3 و 5.

.....

______________________________

المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنب بالنهار» (1).

و يكره تركها، لقول الصادق (عليه السلام) «ليس من شيعتنا من لم يصلّ صلاة الليل»(2).

و قوله (عليه السلام): «لا تدع قيام الليل، فإنّ المغبون من حرم قيام الليل» (3).

و قد ورد لهذه الصلاة آداب كثيرة، و دعوات مهمة عالية المضامين و نحن نقتصر منها على الأهم- لئلا يعتذر أحد من جهة التطويل و التفصيل- و قد كان يواظب عليها جمع من الفقهاء المتهجدين، و العلماء المتعبدين من مشايخنا- رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين- هي أمور:

الأول: إذا قام من منامه يقول- كما في صحيح زرارة-: «الحمد للّه الذي ردّ عليّ روحي لأحمده و اعبده» فإذا سمعت صوت الديوك، فقل: «سبّوح قدوس ربّ الملائكة و الروح سبقت رحمتك غضبك لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك عملت سوءا و ظلمت نفسي فاغفر لي و ارحمني إنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت».

فإذا قمت فانظر في آفاق السماء و قل: «اللّهم إنّه لا يواري عليك ليل ساج (داج) و لا سماء ذات أبراج و لا أرض ذات مهاد و لا ظلمات بعضها فوق بعض و لا بحر لجّيّ تدلج بين يدي المدلج من خلقك تعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصّدور غارت النجوم و نامت العيون و أنت الحيّ القيّوم لا تأخذك سنة و لا نوم سبحان ربّ العالمين و إله المسلمين و الحمد للّه ربّ العالمين».

ثمَّ اقرأ الآيات الخمس من آخر سورة آل عمران إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ- إلى قوله تعالى:- إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ثمَّ استك

ص: 116


1- الوسائل باب: 39 من أبواب بقية الصلاة المندوبة حديث: 4 و 35.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب بقية الصلاة المندوبة حديث: 10.
3- الوسائل باب: 40 من أبواب بقية الصلاة المندوبة حديث: 2.

.....

______________________________

و توضأ فإذا وضعت يدك في الماء، فقل-: «بسم اللّه و باللّه اللّهمّ اجعلني من التّوّابين و اجعلني من المتطهّرين».

فإذا فرغت فقل: «الحمد للّه ربّ العالمين».

فإذا قمت إلى صلاتك فقل-: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم بسم اللّه و باللّه و من اللّه و إلى اللّه و ما شاء اللّه و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه اللّهمّ أقبل عليّ بوجهك جلّ ثناؤك».

ثمَّ افتتح الصلاة بالتكبير (1).

الثاني: أن يدعى بعد تمام الشفع و قبل الشروع في الوتر: «إلهي تعرّض لك في هذا اللّيل المتعرّضون و قصدك القاصدون و أمّل فضلك و معروفك الطّالبون و لك في هذا اللّيل نفحات و جوائز و عطايا و مواهب تمنّ بها على من تشاء من عبادك و تمنعها من لم تسبق له العناية منك و ها أنا ذا عبيدك الفقير إليك المؤمّل فضلك و معروفك فإن كنت يا مولاي تفضّلت في هذه اللّيلة على أحد من خلقك و عدت عليه بعائدة من عطفك فصلّ على محمّد و آل محمّد الطّاهرين الخيّرين الفاضلين و جد عليّ بطولك و معروفك يا ربّ العالمين و صلّى اللّه على محمّد خاتم النّبيّين و آله الطّاهرين و سلّم تسليما إنّ اللّه حميد مجيد اللّهمّ إنّي أدعوك كما أمرت فاستجب لي كما وعدت إنّك لا تخلف الميعاد».

الثالث: أن يقول في قنوت الوتر كلمات الفرج و هي: «لا إله إلّا اللّه الحليم الكريم لا إله إلّا اللّه العليّ العظيم سبحان اللّه ربّ السّماوات السّبع و ربّ الأرضين السّبع و ما فيهنّ و ما بينهنّ و ربّ العرش العظيم (2) و الحمد للّه ربّ العالمين».

ثمَّ يقول: «يا اللّه يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك».

ص: 117


1- الوافي: ج: 5 صفحة: 57 باب آداب الليل و صلاته حديث: 5.
2- تقدم ما يتعلق باختلاف كلمات الفرج في ج: 3 صفحة: 370.

.....

______________________________

و يقول بعد ذلك: «اللّهمّ تمَّ نورك فهديت فلك الحمد ربّنا، و بسطت يدك فأعطيت فلك الحمد ربّنا، و عظم حلمك فعفوت فلك الحمد ربّنا، وجهك أكرم الوجوه و جهتك خير الجهات و عطيّتك أفضل العطيّات و أهنؤها. ربّنا تطاع ربّنا فتشكر و تعصي ربّنا فتغفر لمن شئت تجيب المضطرّ و تكشف الضرّ و تشفي السّقيم و تنجّي من الكرب العظيم. لا يجزي بآلائك أحد و لا يحصي نعماءك قول قائل اللّهمّ إليك رفعت الأبصار و نقلت الأقدام و مدّت الأعناق و رفعت الأيدي و دعيت بالألسن. و إليك سرّهم و نجواهم في الأعمال. ربّنا اغفر لنا و ارحمنا و افتح بيننا و بين قومنا بالحقّ و أنت خير الفاتحين اللّهمّ إنّا نشكو إليك غيبة نبيّنا و شدّة الزّمان علينا و وقوع الفتن بنا و تظاهر الأعداء و كثرة عدوّنا و قلّة عددنا فأفرج ذلك بفتح منك تعجّله و نصر منك تعزّه و إمام عدل تظهره إله الحقّ».

ثمَّ تقول: «اللّهمّ صلّ على آدم بديع فطرتك و صلّ على آخر من يموت من خليفتك و صلّ على من بينهما من الأنبياء و المرسلين و الأوصياء و الصّدّيقين و الشّهداء و الصّالحين و اغفر لجميع من اتّبعهم من الأوّلين و الآخرين».

ثمَّ يقول: «اللّهمّ صلّ على محمّد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و السّجّاد و الباقر و الصّادق و الكاظم و الرّضا و الجواد و الهادي و العسكريّ و الخلف الصّالح المهديّ و اغفر لشيعتهم و أنصارهم و جميع من اتّبعهم من الأوّلين و الآخرين».

ثمَّ تقول: «اللّهمّ صلّ على جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و عزرائيل و الملائكة المقرّبين و حملة العرش أجمعين و الكرّوبيّين و روح القدس و الرّوح الّذي هو من أمرك و صلّ على جميع الملائكة الّذين لا يعلم عددهم و صفاتهم غيرك و ألهمهم الاستغفار لعصاة خلقك و الشّفاعة في قضاء حوائج المؤمنين و تيسير أمورهم».

ثمَّ تقول: «سبحان اللّه مل ء سماواته و أرضه و مداد كلماته و زنة عرشه و رضاء نفسه الحمد للّه مل ء سماواته و أرضه و مداد كلماته و زنة عرشه و رضاء

ص: 118

.....

______________________________

نفسه لا إله إلّا اللّه مل ء سماواته و أرضه و مداد كلماته و زنة عرشه و رضاء نفسه اللّه أكبر مل ء سماواته و أرضه و مداد كلماته و زنة عرشه و رضاء نفسه سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر عدد ما أحاط به علم اللّه تعالى»، ثمَّ تقول: «ربّ إنّي أسأت و ظلمت نفسي و بئس ما صنعت و هذه يداي جزاء بما كسبتا و هذه رقبتي خاضعة لما أتيت و ها أنا ذا بين يديك، فخذ لنفسك الرّضا، لك العتبى حتّى ترضى لا أعود».

ثمَّ تقول: «هذا مقام العائذ بك من النّار» سبع مرات، ثمَّ تقول: «إلهي طموح الآمال قد خابت إلّا لديك و معاكف الهمم قد تعطّلت إلا عليك و مذاهب العقول قد سمت إلّا إليك فأنت الرّجاء و إليك الملتجأ يا أكرم مقصود و أجود مسؤول هربت إليك بنفسي يا ملجأ الهاربين بأثقال الذّنوب أحملها على ظهري لا أجد لي إليك شافعا سوى معرفتي بأنّك أقرب من رجاه الطّالبون و أمّل ما لديه الرّاغبون يا من فتق العقول بمعرفته و أطلق الألسن بحمده و جعل ما امتنّ به على عباده في كفاء لتأدية حقّه صلّ على محمّد و آله و لا تجعل للشّيطان على عقلي سبيلا و لا للباطل على عملي دليلا».

ثمَّ يستغفر اللّه سبعين مرة، و في المرة الأولى يقول: «أستغفر اللّه الّذي لا إله إلّا اللّه هو الحيّ القيّوم ذو الجلال و الإكرام عالم الغيب و الشّهادة بديع السّموات و الأرضين من جميع ظلمي و جرمي و إسرافي على نفسي و أتوب إليه».

و في بقية المرات يجزي «أستغفر اللّه» فقط، أو «أتوب إلى اللّه» و إن قال: «أستغفر اللّه و أتوب إليه» فقد زاد خيرا ثمَّ تقول: «يا ذا الّذي كان قبل كلّ شي ء ثمَّ خلق كلّ شي ء ثمَّ يبقى و يفنى كلّ شي ء يا ذا الّذي ليس كمثله شي ء و يا ذا الّذي ليس في السّموات العلى و لا في الأرضين السّفلى و لا فوقهنّ و لا تحتهنّ و لا بينهنّ إله يعبد غيره لك الحمد حمدا لا يقوى على إحصائه إلّا أنت فصلّ على محمّد و آل محمّد صلاة لا يقوى على إحصائها إلّا أنت».

ثمَّ يقول: «اللّهمّ كن لوليك الحجّة بن الحسن صلواتك عليه و على آبائه

ص: 119

.....

______________________________

في هذه السّاعة و في كلّ ساعة وليّا و حافظا و قائدا و ناصرا و دليلا و عينا حتّى تسكنه أرضك طوعا و تمتّعه فيها طويلا».

و كذلك تقول: «يا مدبّر الأمور يا باعث من في القبور يا مجري البحور يا مليّن الحديد لداود صلّ على محمّد و آل محمّد و فرّج عن المؤمنين».

ثمَّ يستغفر لأربعين نفرا من المؤمنين بأن يقول: اللهم اغفر لفلان، أو يقول: اللهم اغفر لفلان، و فلان و هكذا، و الأولى أن يقدم أرحامه، لأنّه نحو صلة رحم ثمَّ يقول: «اللّهمّ اغفر لكلّ من له حقّ عليّ و اغفر لكلّ من علّمني خيرا و كلّ من علّمته خيرا».

و يقول: «اللّهمّ اغفر للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات». ثلاث مرّات و يقول: «العفو العفو» عشر مرات و المروي (1)ثلاثمائة، و يقول:

«يا من لم يؤاخذني بارتكاب المعاصي عفوك عفوك يا أهل التّقوى و يا أهل المغفرة إلهي ذهبت أيّام لذّاتي و بقيت مئاثمي و تبعاتي فالعفو العفو سيّدي إلهي ظلمت نفسي و أغلقت أبواب رحمتك على نفسي باختياري يا أعظم الغافرين اغفر لمن هو أعظم الخاسرين فالعفو العفو. سيّدي إلهي ربّيتني في نعمك و إحسانك صغيرا و نوّهت باسمي كبيرا و قد خنتك في كلّ ما أنعمت به عليّ فالعفو العفو سيّدي».

ثمَّ يدعو بما يريد و يسأل حوائجه، فإنّه مستجاب إن شاء اللّه تعالى. ثمَّ يقول: «إلهي ما قدر ذنوبي أقابل بها كرمك و ما قدر عبادة أقابل بها نعمك و إنّي لأرجو أن تستغرق ذنوبي في كرمك كما استغرقت أعمالي في نعمك اللّهمّ إنّي أسألك إخبات المخبتين و إخلاص الموقنين، و مرافقة الأبرار و العزيمة في كلّ برّ و السّلامة من كلّ إثم و الفوز بالجنّة و النّجاة من النّار».

ثمَّ تقول: «اللّهمّ إنّ استغفاري إيّاك و أنا مصرّ على ما نهيت قلّة حياء و تركي الاستغفار مع علمي بسعة فضلك و حملك تضيّع لحقّ الرّجاء اللّهمّ إنّ

ص: 120


1- الوسائل باب: 10 من أبواب القنوت.

.....

______________________________

ذنوبي تؤيسني أن أرجوك و إنّ علمي بسعة رحمتك يؤمنني أن أخشاك فصلّ على محمّد و آل محمّد و حقّق رجائي و كذّب خوفي منك و كن لي عند أحسن ظنّي بك يا أكرم الأكرمين إلهي كيف أدعوك و قد عصيتك و كيف لا أدعوك و قد عرفتك و حبّك في قلبي مكين مددت إليك يدا بالذّنوب مملوءة و عينا بالرّجاء ممدودة إلهي أنت مالك العطايا و أنا أسير الخطايا و من كرم العظماء الرّفق بالأسراء إلهي عظم جرمي إذ كنت المطالب به و كبر ذنبي إذ كنت المبارز به إلّا أنّي إذا ذكرت كبر ذنبي و عظم عفوك و غفرانك وجدت الحاصل بينهما إلىّ أقربهما إلى رحمتك و رضوانك».

ثمَّ يدعو بهذا الدعاء: «اللّهمّ إليك حنّت قلوب المخبتين و بك أنست عقول العاقلين و عليك عكفت هبة العاملين و بك استجارت أفئدة المقصّرين فيا أمل العارفين و رجاء العاملين صلّ على محمّد و آله الطّاهرين و أجرني من فضائح يوم الدّين عند هتك السّتور و تحصيل ما في الصّدور و آنسني عند خوف المذنبين و دهشة المفرّطين برحمتك يا أرحم الرّاحمين فو عزّتك و جلالك ما أردت بمعصيتي إيّاك مخالفتك و لا عصيتك إذ عصيتك و أنا بمكانك جاهل و لا لعقوبتك متعرّض و لا لنظرك مستخفّ و لكن سوّلت لي نفسي و أعانني على ذلك شقوتي و غرّني سترك المرخى عليّ فعصيتك بجهلي و خالفتك بجهدي فمن الآن من عذابك من يستنقذني و بحبل من أعتصم إذا قطعت حبلك عنّي وا سوأتاه من الوقوف بين يديك غدا إذا قيل للمخفّين جوزوا و للمثقلين حطوا أ مع المخفّين أجوز أم مع المثقلين أحطّ يا ويلتا كلّما كبر سنّي كثرت معاصيّ فكم ذا أتوب و كم ذا أعود أما آن لي أن أستحيي من ربّي اللّهمّ فبحقّ محمّد و آل محمّد اغفر لي و ارحمني يا أرحم الرّاحمين و خير الغافرين.

ثمَّ يقول: «إلهي نامت العيون و هدأت الأصوات و أنت الحيّ الّذي لا تنام إلهي كم من موبقة حلمت عنّي مقابلتها بحلمك و كم من جريرة تكرّمت عن كشفها بكرمك إلهي إن طال في عصيانك عمري و عظم في الصّحف ذنبي فما أنا مؤمّل غير غفرانك و لا أنا براج غير رضوانك إلهي أفكّر في عفوك فيهوّن عليّ خطيئتي ثمَّ أذكر العظيم من أخذك فتعظم عليّ بليّتي.

ص: 121

.....

______________________________

آه إن قرأت في الصّحف سيّئة أنا ناسيها و أنت محصيها فتقول خذوه فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته و لا تنفعه قبيلته و لا يرحمه الملا إذا أذن فيه بالنّداء، آه من نار تنضج الأكباد و الكلى، آه من نار نزّاعة للشّوى، آه من غمرة من ملهبات لظى».

و يدعو بدعاء آخر شريف نقله المجلسي في البحار و المحدّث القمي في حاشية كتاب دعائه، أوله: إلهي كيف أصدر عن بابك بخيبة منك- إلخ».

ثمَّ يركع و يقرأ بعد رفع الرأس من الركوع يقول: «هذا مقام من حسناته نعمة و شكره ضعيف و ذنبه عظيم و ليس لذلك إلّا رفقك و رحمتك فإنّك قلت في كتابك المنزل على نبيّك المرسل صلّى اللّه عليه و آله كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ طال هجوعي و قلّ قيامي و هذا السّحر و أنا أستغفرك لذنوبي استغفار من لا يجد لنفسه ضرّا و لا نفعا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا» (1).

و يتمم الصلاة و يقرأ في السجدة الأخيرة بكلّ ما بدا له من الدعاء.

الرابع: أن يقرأ بعد الفراغ من صلاة الليل دعاء الصحيفة (2) و دعاء الرهبة (3) و دعاء الحزين(4) أيضا ثمَّ يقول: «سبحان ربّي الملك القدّوس الحكيم». ثلاث مرات و بعده يقول: «يا حيّ يا قيّوم يا برّ يا رحيم فأغنني يا كريم ارزقني من التّجارة أعظمها فضلا و أوسعها رزقا و خيرها لي عاقبة فإنّه لا خير ممّا لا عاقبة له».

ص: 122


1- جميع هذه الدعوات وردت في محفظة لسيدنا الوالد- دام ظله- جمع فيها دعوات من مصباح المتهجد، و مصباح الشيخ، و المهج للسيد ابن طاوس، و زاد المعاد و من الوافي للفيض الكاشاني و دعوات عن بعض مشايخه (رحمهم اللّه).
2- و هو الدعاء الثاني و الثلاثون من الصحيفة السجادية.
3- و هو الدعاء الخمسون من الصحيفة السجادية.
4- و هو دعاء ورد في كتب الدعوات راجع مصباح المتهجد و نقله المحدث القمي في حاشية كتاب دعائه في فضل صلاة الليل.
مسألة 13: قد مرّ أنّ الأفضل في كلّ صلاة تعجيلها
اشارة

(مسألة 13): قد مرّ أنّ الأفضل في كلّ صلاة تعجيلها، فنقول: يستثنى من ذلك موارد: (25).

الأول: الظهر و العصر لمن أراد الإتيان بنافلتهما

(الأول): الظهر و العصر لمن أراد الإتيان بنافلتهما و كذا الفجر إذا لم يقدم نافلتها قبل دخول الوقت (26).

______________________________

هذا يسير من كثير مما يتلى في هذا المقام العظيم و الحالة العظمى التي لا يعرف قدرها و لا يدرك فضلها.

ثمَّ إنّه يصح الإتيان بتمام صلاة الليل مخففة بأن يقتصر على مجرد الفاتحة في كلّ ركعة و على ثلاث تسبيحات صغرى في الركوعات و السجدات و على قول: «لا إله إلا اللّه» فقط في القنوتات، لأنّ جميع ما ورد فيها من باب تعدد المطلوب لا الشرطية، فلو ترك أحد من المسلمين هذا المقدار من غير عذر لا يكون معذورا، بل يكون ملوما، لتهاونه في هذه الصلاة التي لا يدرك فضلها، كما إنّ ما تعرضنا له من الدعوات يجوز الاقتصار على بعضها دون بعض و يجوز إتيانها بعد الفراغ من الصلاة أو في حال سجدة الشكر بعدها.

(25) استحباب التعجيل حكم أولي يتغيّر بعروض العناوين الثانوية و الجهات الخارجية و جميع تلك الموارد من موارد تقديم الأهم على المهم الذي يجري في المندوبات و الواجبات و غيرهما، و يتصف التعجيل بالوجوب و الحرمة و الاستحباب و الكراهة بحسب العناوين الخارجية.

(26) نصوصا (1)، و إجماعا، بل ضرورة من المذهب إن لم يكن من الدّين هذا مع فعلية التكليف بها و أما مع سقوطه كالسفر، أو فيما إذا قدم النافلة، فيبقى استحباب التعجيل بلا مزاحم.

ص: 123


1- راجع الوسائل باب: 3 من أبواب المواقيت حديث: 3 و غيره كما تقدم.
الثاني: مطلق الحاضرة لمن عليه فائته

(الثاني): مطلق الحاضرة لمن عليه فائته و أراد إتيانها (27).

الثالث: في المتيمم مع احتمال زوال العذر

(الثالث): في المتيمم مع احتمال زوال العذر أو رجائه و أما في غيره من الأعذار فالأقوى وجوب التأخير و عدم جواز البدار (28).

الرابع: لمدافعة الأخبثين و نحوهما

(الرابع): لمدافعة الأخبثين و نحوهما، فيؤخّر لدفعهما (29).

الخامس: إذا لم يكن له إقبال

(الخامس): إذا لم يكن له إقبال، فيؤخّر إلى حصوله (30).

______________________________

(27) راجع [مسألة 27] من (صلاة القضاء) و ما بعدها.

(28) أما بالنسبة إلى المتيمم فقد تقدم في [مسألة 3] من (فصل أحكام التيمم) و أما بالنسبة إلى سائر الأعذار، فلإطلاق أدلة التكاليف الأولية و انسباق استيعاب العذر من أدلة التكاليف العذرية، و تقدم في أحكام الجبائر ما ينفع المقام.

(29) لقول الصادق (عليه السلام): «لا صلاة لحاقن و لا لحاقنة و هو بمنزلة من هو في ثوبه» (1).

المحمول على الكراهة إجماعا و الأول من حبس بوله و الثاني من حبس غائطه.

(30) لأنّه روح العبادة و أهمّ من أول الوقت لا أقلّ من احتمال أهميته مضافا إلى إطلاق خبر ابن يزيد: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): أكون في جانب مصر فتحضر المغرب و أنا أريد المنزل، فإن أخرت الصلاة كان أمكن لي و أدركني المساء، أ فأصلّي في بعض المساجد؟ قال (عليه السلام): «صلّ في منزلك» (2).

ص: 124


1- الوسائل باب: 8 من أبواب قواطع الصلاة.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب المواقيت حديث: 14.
السادس: لانتظار الجماعة

(السادس): لانتظار الجماعة إذا لم يفض إلى الإفراط في التأخير. و كذا لتحصيل كمال آخر كحضور المسجد. أو كثرة المقتدين، أو نحو ذلك (31).

السابع: تأخير الفجر عند مزاحمة صلاة الليل

(السابع): تأخير الفجر عند مزاحمة صلاة الليل إذا صلّى منها أربع ركعات (32).

الثامن: المسافر المستعجل

(الثامن): المسافر المستعجل (33).

______________________________

و إطلاقه يشمل جميع ما له دخل في الإقبال و الحضور من أيّ جهة كان.

(31) كلّ ذلك من جهة تقديم الأهم أو محتمل الأهمية، و عن جميل بن صالح: «أنّه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) أيّهما أفضل أ يصلّي الرجل لنفسه في أول الوقت أو يؤخر قليلا و يصلّي بأهل مسجده إذا كان إمامهم؟ قال (عليه السلام): يؤخر و يصلّي بأهل مسجده إذا كان هو الإمام»(1).

و الظاهر عدم الخصوصية في الإمام، بل يشمل المأموم أيضا، لكثرة ما ورد في فضل الجماعة. نعم، لو لم نجعل المقام من موارد تقديم الأهم أو محتمله على المهم لزم الجمود على ظاهر الخبر، و عدم الإفراط في التأخير حينئذ، لأنّه ذكر في الخبر لفظ «أو يؤخر قليلا». و لكنّه جمود بلا وجه مع إطلاق قوله (عليه السلام): «يؤخر»، و إنّ المورد لا يكون مقيدا لإطلاق الجواب على ما هو الحق و الصواب.

(32) لما تقدم في المسألة السابقة، فلا وجه للإعادة.

(33) لشمول إطلاق ما تقدم من خبر عمر بن يزيد: «فإن أخّرت الصلاة حتّى أصلّي في المنزل كان أمكن لي» (2).

ص: 125


1- الوسائل باب: 74 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب المواقيت حديث: 14.

.....

______________________________

للمقام أيضا، مضافا إلى النصوص الدالة على تأخير المغرب في السفر إلى ربع الليل أو ثلثه أو نحو ذلك، كقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «وقت المغرب في السفر إلى ثلث الليل» (1).

و في خبر آخر: «إلى ربع الليل» (2).

و في ثالث: «حتّى يغيب الشفق» (3).

و في رابع: «إلى خمسة أميال من بعد غروب الشمس» (4).

و عن جعفر عن أبيه: «إنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) كان في الليلة المطيرة يؤخر من المغرب و يعجل من العشاء، فيصلّيهما جميعا، و يقول من لا يرحم لا يرحم» (5).

و يستفاد منه رجحان التأخير لمطلق الحوائج العرفية خصوصا بقرينة ذيله.

و عن داود الصرمي: «كنت عند أبي الحسن الثالث (عليه السلام) يوما، فجلس يحدث حتّى غابت الشمس، ثمَّ دعا بشمع و هو جالس يتحدّث، فلما خرجت من البيت نظرت فقد غاب الشفق قبل أن يصلّي المغرب، ثمَّ دعا بالماء فتوضأ و صلّى» (6).

و عن ابن همام: «رأيت الرضا (عليه السلام)- و كنا عنده- و لم يصلّ المغرب حتّى ظهرت النجوم، ثمَّ قام و صلّى» (7).

و غير ذلك من الأخبار. و يستفاد من مجموعها أنّ رجحان التعجيل في أول الوقت يزول، فكما يكون التأخير أرجح أو مساويا مع رجحان التعجيل، أو محتمل الأرجحية، كما إنّ رجحان الإتيان في المسجد و سائر الأمكنة المتبركة يزول بكلّ ما يكون الإتيان في غيرها أرجح أو مساويا أو محتمل الأرجحية فيزول رجحان إتيان الصلاة فريضة كانت أو نافلة في الأماكن المتبركة عند تزاحم الواردين و الزائرين، بل قد تبطل الصلاة إن أوجب ذلك الإخلال

ص: 126


1- الوسائل باب: 19 من أبواب المواقيت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب المواقيت حديث: 5.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب المواقيت حديث: 4.
4- الوسائل باب: 19 من أبواب المواقيت حديث 6.
5- الوسائل باب: 19 من أبواب المواقيت حديث 6.
6- الوسائل باب: 19 من أبواب المواقيت حديث 10.
7- الوسائل باب: 19 من أبواب المواقيت حديث 9.
التاسع: المربية للصبيّ تؤخر الظهرين لتجمعهما مع العشاءين

(التاسع): المربية للصبيّ تؤخر الظهرين لتجمعهما مع العشاءين بغسل واحد لثوبها (34).

العاشر: المستحاضة الكبرى تؤخر الظهر و المغرب إلى آخر وقت فضيلتهما

(العاشر): المستحاضة الكبرى تؤخر الظهر و المغرب إلى آخر وقت فضيلتهما لتجمع بين الأولى و العصر، و بين الثانية و العشاء بغسل واحد (35).

الحادي عشر: العشاء تؤخر إلى وقت فضيلتها

(الحادي عشر): العشاء تؤخر إلى وقت فضيلتها، و هو ذهاب الشفق (36)، بل الأولى تأخير العصر إلى المثل (37)، و إن كان ابتداء

______________________________

بالطمأنينة و الاستقرار و نحوهما.

إن قيل: مع تساوي جهة الترجيح بين التعجيل و التأخير، فالحكم هو التنجيز لا التأخير. يقال: يستفاد من مثل قوله (عليه السلام): «إذا كانت أرفق بك» (1).

و قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «من لا يرحم لا يرحم»(2).

و غير ذلك أنّ رجحان التعجيل لا اقتضائي يزول بأدنى شي ء.

إن قيل: كيف يكون لا اقتضائيا مع كثرة ما ورد في فضل أول الوقت.

يقال: إنّها وردت فيه من حيث هو مع قطع النظر عن الجهات الخارجية فيكون بالنسبة إلى الجهات الخارجية لا اقتضاء لا محالة.

(34) راجع الخامس مما يعفى عنه في الصلاة في كتاب الطهارة.

(35) راجع [مسألة 1] من فصل الاستحاضة.

(36) لما تقدم في فصل أوقات الرواتب و نوافلها عند قوله: «و وقت فضيلة العشاء من ذهاب الشفق ..» فراجع.

(37) خروجا عن خلاف ما نسب إلى المشهور.

ص: 127


1- الوسائل باب: 19 من أبواب المواقيت حديث: 8 و تقدم في صفحة: 38.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب المواقيت حديث: 16 و تقدم في صفحة: 38.

وقت فضيلتها من الزوال.

الثاني عشر: المغرب و العشاء لمن أفاض من عرفات إلى المشعر

(الثاني عشر): المغرب و العشاء لمن أفاض من عرفات إلى المشعر، فإنّه يؤخّرهما و لو إلى ربع الليل، بل و لو إلى ثلثه (38).

الثالث عشر: من خشي الحر

(الثالث عشر): من خشي الحر يؤخر الظهر إلى المثل ليبرد بها (39).

______________________________

(38) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم: «لا تصلّ المغرب حتّى تأتي جمعا و إن ذهب ثلث الليل»(1).

و في موثق سماعة قال (عليه السلام): «لا تصلّها- أي المغرب و العشاء الآخرة- حتّى تنتهي إلى جمع و إن مضى من الليل ما مضى» (2).

و لا بد من حمل إطلاقه إما على الثلث، كما في صحيح ابن مسلم، أو على الربع، كما في خبر المقنع قال: «إذا أتيت المزدلفة و هي الجمع فصلّ بها المغرب و العشاء الآخرة بأذان و إقامتين و لا تصلّهما إلا بهما و إن ذهب ربع الليل» (3).

و كيف كان فيحمل كلّ ذلك على مطلق الرجحان إجماعا.

(39) لإطلاق قوله (عليه السلام): فيما تقدم من خبر ابن يزيد: «إذا كان أرفق بك و أمكن لك».

و روى معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كان المؤذن يأتي النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) في الحر في صلاة الظهر، فيقول له رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أبرد أبرد (4).

ص: 128


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث: 2.
3- مستدرك الوسائل باب: 4 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث: 3.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 5.
الرابع عشر: صلاة المغرب في حق من تتوق نفسه إلى الإفطار

(الرابع عشر): صلاة المغرب في حق من تتوق نفسه إلى الإفطار، أو ينتظره أحد (40).

______________________________

بناء على أنّ المراد به التأخير إلى سقوط شدة الحر، و عن أبي هريرة عنه (صلّى اللّه عليه و آله): «إذا اشتد الحرّ فأبردوا بالصلاة فإنّ الحر من فيح جهنم» (1).

لكن الصدوق (قدّس سرّه) حمل الحديث على التعجيل، و أخذ الإبراد من البريد، لا من البرد في مقابل الحر، أو من برد النهار، أي: أوله كما في النهاية لابن الأثير، فيكون المراد أول الظهر.

(40) لخبر عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن صلاة المغرب إذا حضرت هل يجوز أن تؤخر ساعة؟ قال (عليه السلام): لا بأس إن كان صائما أفطر ثمَّ صلّى، و إن كان له حاجة قضاها ثمَّ صلّى» (2).

و في خبر الفضل: «و إن كنت ممن تنازعك نفسك للإفطار و تشغلك شهوتك عن الصلاة فابدأ بالإفطار ليذهب عنك وسواس النفس اللوامة» (3).

و في صحيح الحلبي عن الإفطار قبل الصلاة أو بعدها قال (عليه السلام):

«إن كان معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم» (4).

ثمَّ إنّه قد ذكر المجلسي في البحار موارد أخرى لعدم استحباب التعجيل و أنهاها إلى خمسة و عشرين موردا. و لا وجه لتعداد الموارد بعد كون المناط ملاحظة الأهمية، أو محتملة و لو في الجملة. و إنّ ما ورد من النصوص الخاصة إنّما وردت على طبق القاعدة، فيما إذا دار الأمر بين درك الفضيلة الزمانية أو المكانية للصلاة و قضاء حاجة المؤمن، أو تشييع جنازته، أو معرفة

ص: 129


1- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 6.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب آداب الصائم حديث: 3.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب آداب الصائم حديث: 5.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب آداب الصائم حديث: 1.
مسألة 14: يستحب التعجيل في قضاء الفرائض و تقديمها على الحواضر

(مسألة 14): يستحب التعجيل في قضاء الفرائض و تقديمها على الحواضر (41). و كذا يستحب التعجيل في قضاء النوافل (42) إذا فاتت في أوقاتها الموظفة. و الأفضل قضاء الليلية في الليل و النهارية في النهار (43).

______________________________

الأحكام الابتلائية اجتهادا أو تقليدا، أو دار الأمر بين درك الفضيلة الزمانية أو المكانية، يقدّم الثاني في الجميع إمّا للأهمية أو احتمالها، و كذا لو دار الأمر في النوافل الموقتة بين درك الفضيلة الزمانية و أهم آخر يأتي بها متلبسا بذلك الأهم، لأنّ الدوران في الواقع بين ترك الاستقرار و ذلك الأهم، فيقدم الثاني.

ثمَّ إنّ ظاهر ما دل على التأخير في الموارد المذكورة و إن كان هو الوجوب إلا أنّه محمول على الندب جمعا و إجماعا.

(41) لأنّه مقتضى الجمع فيما دل على وجوب تقديم قضاء الفائتة على الحاضرة و بين ما يظهر منه عدم الوجوب، مع أنّه من المسارعة و الاستباق إلى الخيرات، و يأتي في [مسألة 27] و ما بعدها من صلاة القضاء، هذه المسألة من إحدى المسائل الخلافية في الفقه.

(42) لآية الانسباق إلى الخيرات(1) و قوله (عليه السلام): «عجل الخير ما استطعت» (2).

و أما أصل ثبوت القضاء لها فيأتي في [مسألة 14] من فصل صلاة القضاء.

(43) لقول أبي جعفر (عليه السلام) في موثق الجعفي: «أفضل قضاء النوافل قضاء صلاة الليل بالليل، و صلاة النهار بالنهار» (3). في الليل

ص: 130


1- سورة البقرة الآية: 148.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب المواقيت حديث: 10.
3- الوسائل باب: 57 من أبواب المواقيت حديث: 7.
مسألة 15: يجب تأخير الصلاة عن أول وقتها لذوي الأعذار

(مسألة 15): يجب تأخير الصلاة عن أول وقتها لذوي الأعذار مع رجاء زوالها أو احتماله في آخر الوقت ما عدا التيمم، كما مرّ هنا و في بابه (44). و كذا يجب التأخير لتحصيل المقدمات غير الحاصلة، كالطهارة و الستر و غيرهما (45).

و كذا لتعلّم أجزاء الصلاة و شرائطها، بل و كذا لتعلّم أحكام الطوارئ من الشك و السهو و نحوهما مع غلبة الاتفاق، بل قد يقال مطلقا، لكن لا وجه له (46). و إذا دخل في الصلاة مع عدم تعلّمها

______________________________

(44) أما وجوب التأخير لذوي الأعذار فلأنّ المنساق من أدلة التكاليف العذرية إنّما هو العذر المستوعب في الوقت، و هو المناسب لمرتكزات العرف في أمورهم العرفية فضلا عن الشرعية، مضافا إلى إطلاق أدلة التكاليف الأولية و قاعدة الاشتغال. و أما ما يتعلق بالتيمم فقد تقدم في [مسألة 3] من فصل أحكام التيمم، فراجع.

(45) لفرض أنّها من المقدّمات الوجودية، و توقف تحقق ذي المقدمة عليها، فلا بد من تأخير ذي المقدمة حتّى تتحقق المقدّمات.

(46) وجوب تعلّم ما يتعلق بأحكام الصلاة- ابتلائية كانت أو لا- طريقيّ محض لا أن يكون نفسيا أو غيريا كالمقدمات الوجودية، و حينئذ فالمناط كلّها مطابقة العمل للتكليف الفعلي، فمع المطابقة يصح- تعلم الأحكام أو لا- و مع عدم المطابقة لا يصح- علم بها أو لا- و تقدم في [مسألة 27] و ما بعدها مما يتعلق بالاجتهاد و التقليد ما ينفع المقام و يأتي في [مسألة 4] من فصل الشك في الركعات أيضا. و البطلان مع التزلزل في النية مبنيّ على اعتبار الجزم فيها و مع عدم اعتباره- كما يقتضيه الأصل- لا دليل على البطلان حتّى مع التزلزل إن صادف الواقع، إذ المناط كلّه عليه سواء حصل أم لا، و سواء وقع مع التزلزل أو لا.

ص: 131

بطلت إذا كان متزلزلا و إن لم يتفق (47). و أما مع عدم التزلزل بحيث تحقق منه قصد الصلاة و قصد امتثال أمر اللّه فالأقوى الصحة.

نعم، إذا اتفق شك أو سهو لا يعلم حكمه بطلت صلاته (48)، لكن له أن يبني على أحد الوجهين أو الوجوه بقصد السؤال (49) بعد الفراغ و الإعادة إذا خالف الواقع. و أيضا يجب التأخير إذا زاحمها واجب آخر مضيق كإزالة النجاسة عن المسجد أو أداء الدّين المطالب به مع القدرة على أدائه، أو حفظ النفس المحترمة أو نحو ذلك. و إذا خالف و اشتغل بالصلاة عصى في ترك ذلك الواجب لكن صلاته صحيحة على الأقوى (50)، و إن كان الأحوط الإعادة (51).

______________________________

(47) ظهر مما تقدم أنّه مع مصادفة الواقع يصح و إن وقع متزلزلا إلا إذا كان التزلزل بحيث يخلّ بقصد القربة.

(48) إن لم يقدر مع عروض الشك على إتمامها، و أما لو أتمها و لو رجاء و صادفت الواقع تصح و لا إعادة عليه، لتحقق المكلّف به خارجا، فيجزي لا محالة بعد عدم الدليل على اعتبار هذا الجزم، بل مقتضى الأصل عدمه.

(49) لا دليل على اعتبار هذا القصد من عقل أو نقل، بل مقتضى الأصل عدم اعتباره.

(50) لزوم تقديم الأهم على المهم من الفطريات المستغنية عن البرهان و صحة الصلاة مع العصيان مبنيّ على ما ثبت في محلّه من أنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النّهي عن ضدّه، فتصح الصلاة لا محالة، لوجود المقتضي و فقدان المانع، كما إنّه لا بد من العصيان لتحقق المخالفة بالوجدان.

(51) خروجا عن خلاف من قال إنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضدّه، أو أنّه باطل لأجل عدم الأمر، و قد أثبتنا في الأصول بطلان جميع ذلك كلّه فراجع كتابنا (تهذيب الأصول).

ص: 132

مسألة 16: يجوز الإتيان بالنافلة- و لو المبتدأة- في وقت الفريضة

(مسألة 16): يجوز الإتيان بالنافلة- و لو المبتدأة- في وقت الفريضة ما لم تتضيق (52).

______________________________

(52) كما عن جمع من الفقهاء- كالشهيدين و المحقق الثاني (قدّس سرّهم)- بل هو المشهور بين متأخري المتأخرين، للأصل و الإطلاق، و لأنّ الحرمة على القول بها إما نفسية أو غيرية، أو طريقية محضة، فإن كانت الأولى فلم لم يذكروها في محرمات الشريعة بصغائرها و كبائرها مع استقصائهم لها و إن كانت الثانية فلم لم يذكروها في قواطع الصلاة مع كونها من الابتلائيات غالبا.

و إن كانت الأخيرة فإن كانت لأجل أدلة خاصة فلا دليل في البين يصح الاعتماد عليه، هذا مع استبعاد أن يكون الإتيان بسائر المندوبات و المباحات جائزا في وقت الفريضة و يكون إتيان خصوص النافلة محرما، و يستبعد ذلك العقول السليمة غاية الاستبعاد إلا مع تعبد خاص في البين فنتعبد به حينئذ، مضافا إلى موثق سماعة: «سألت عن الرجل يأتي المسجد و قد صلّى أهله، أ يبتدئ بالمكتوبة أو يتطوّع؟ فقال (عليه السلام): إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة، و إن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة، و هو حق اللّه، ثمَّ ليتطوّع بما شاء، الأمر موسع أن يصلّي الإنسان في أول دخول وقت الفريضة النوافل إلا أن يخاف فوت الفريضة و الفضل إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أول الوقت للفريضة، و ليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أول الوقت إلى قريب من آخر الوقت»(1).

و في صحيحة محمد بن مسلم قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) إذا دخل وقت الفريضة أتنفل أو أبدأ بالفريضة؟ قال: إنّ الفضل أن تبدأ بالفريضة» (2). و عن سليمان بن خالد قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن

ص: 133


1- الوسائل باب: 35 من أبواب المواقيت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب المواقيت حديث 2.

.....

______________________________

رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلّي إذ أذّن المؤذّن و أقام الصلاة قال: فليصلّ ركعتين ثمَّ ليستأنف الصلاة مع الإمام و لتكن الركعتان تطوعا» (1).

و يدل عليه أيضا إطلاق ما دل على صحة قضاء النوافل في أيّ ساعة من ليل أو نهار كقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في موثق أبي بصير: «إن فاتك شي ء من تطوع الليل و النهار فاقضه عند زوال الشمس، و بعد الظهر عند العصر و بعد المغرب و بعد العتمة و من آخر السحر» (2).

و قوله (عليه السلام): «اقض صلاة النهار أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار كلّ ذلك سواء» (3).

أو قوله (عليه السلام): «النوافل فاقضها متى شئت» (4).

و نحوها غيرها.

و نسب إلى المشهور المنع عن إتيان النافلة في وقت الفريضة، و عن البهبهاني (رحمه اللّه) وصف الشهرة بالعظيمة، بل عن المعتبر أنّه مذهب علمائنا و استدل لهم بأمور:

منها: أصالة عدم مشروعية العبادة.

و منها: الإجماع.

و يرد الأول بكفاية العمومات و الإطلاقات و مثل ما تقدم من الأخبار في التشريع قطعا.

و الثاني: بأنّه حصل من اجتهاداتهم لا أن يكون وصل إليهم من المعصوم ما لم يصل إلينا، فلا اعتبار بهذا الإجماع و لا بالشهرة عظيمة كانت أو غيرها.

و منها: الأخبار الواردة و هي عمدة أدلتهم و هي على أقسام:

ص: 134


1- الوسائل باب: 56 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 57 من أبواب المواقيت حديث: 10.
3- الوسائل باب: 39 من أبواب المواقيت حديث: 13.
4- الوسائل باب: 39 من أبواب المواقيت حديث: 11.

.....

______________________________

الأول: ما ورد في حكمة جعل الذراع و الذراعين لنافلة الظهرين، كقول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح: «أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان؟

قلت: لا، قال: من أجل الفريضة إذا دخل وقت الذراع و الذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة» (1).

و قوله (عليه السلام): في خبر ابن عمار: «أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان؟ قلت لا، قال: حتّى لا يكون تطوّع في وقت مكتوبة» (2).

و قوله (عليه السلام) في صحيح إسماعيل الجعفي: «لئلا يؤخذ من وقت هذه و يدخل في وقت هذه» (3).

و فيه أولا: إنّه لا يستفاد منها أزيد من الإرشاد إلى تقديم الأفضل- كما تقدم في موثق سماعة (4)- و أهمية تقديم الأفضل لا يوجب منقصة في المفضول لو أتى به و ترك إتيان الأفضل كما هو المعلوم.

و ثانيا: تقدم دخول وقت الفضيلة بمجرد الزوال و هذه الأخبار- على فرض تمامية دلالتها- تدل على النّهي عن التطوّع في آخر وقت الفضيلة و هو أخص مما نسب إلى المشهور من النهي عنه في وقت الفريضة مطلقا سواء كان وقت الإجزاء أو الفضيلة بلا فرق بين أولها أو آخرها، فلا بد لهم من القول بالإرشاد كما هو المنساق من الأخبار.

الثاني: ما عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟، فقال: قبل الفجر، إنّهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل، أ تريد أن تقايس لو كان عليك من شهر رمضان، أ كنت تتطوّع إذا دخل عليك وقت الفريضة، فابدأ بالفريضة» (5).

ص: 135


1- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 27.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب المواقيت حديث: 21.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 21.
4- راجع صفحة: 133.
5- الوسائل باب: 50 من أبواب المواقيت حديث: 3.

.....

______________________________

و قريب منه صحيحه الآخر على ما نقله الشهيد في الروض و غيره (1).

و فيه أولا: أنّ صحيحه الثاني لم ينقل في الكتب الأربعة- كما في الجواهر. و ثانيا: أنّهما معارضان بما تقدم من صحة إتيان ركعتي الفجر قبل الفجر و بعده و معه.

و ثالثا: أنّه محمول على الإرشاد جمعا بينها و بين ما تقدم من موثق سماعة.

الثالث: قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيحة ابن مسلم: «إنّا إذا أردنا أن نتطوّع كان تطوعنا في غير وقت فريضة، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوع» (2).

و قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة: «لا تصلّ من النافلة شيئا في وقت الفريضة فإنّه لا تقضى نافلة في وقت فريضة فإذا دخل وقت فريضة فابدأ بالفريضة» (3).

و قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «لا يتنفل الرجل إذا دخل وقت فريضة و قال: إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها» (4).

و عنه (عليه السلام) أيضا: «إذا حضرت المكتوبة فابدأ بها، فلا تضرك أن تترك ما قبلها من النافلة» (5).

و قريب منها غيرها.

و فيه أولا: أنّ الأخير ظاهر في الترخيص، فيكون قرينة صارفة لظاهر غيره.

و ثانيا: أنّ جميع مثل هذه الأخبار إرشاد إلى اختيار الأفضل جمعا بينها و بين مثل موثقة سماعة.

ثمَّ إنّه قد جرت عادة الفقهاء (رحمهم اللّه) على الجمع بين الأخبار

ص: 136


1- مستدرك الوسائل باب: 46 من أبواب المواقيت حديث: 3.
2- الوسائل باب: 35 من أبواب المواقيت حديث: 3.
3- الوسائل باب: 35 من أبواب المواقيت حديث: 8.
4- الوسائل باب: 35 من أبواب المواقيت حديث: 6.
5- الوسائل باب: 35 من أبواب المواقيت حديث: 4.

و لمن عليه فائتة (53) على الأقوى. و الأحوط الترك بمعنى: تقديم الفريضة و قضائها.

______________________________

المتعارضة في نظائر المقام بالحمل على الاستحباب أو الكراهة، فما بالهم (قدّست أسرارهم) في المقام حيث طرحوا الأخبار الظاهرة في الترخيص و أخذوا بما دل على المنع و لم يحملوه على كراهة الإتيان بالتطوع في وقت الفريضة و استحباب تقديم الفريضة كما هو ظاهر موثق سماعة؟!

(53) هذه المسألة أيضا محلّ الخلاف بين الأعلام، فعن الشهيدين و غيرهم الجواز، و عن الفاضلين المنع و الحق هو الأول، للأصل و العموم و الإطلاق، و جملة من الأخبار:

منها: موثق أبي بصير قال: «سألته عن رجل نام عن الغداة حتّى طلعت الشمس، فقال: يصلّي ركعتين ثمَّ يصلّي الغداة» (1).

و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح ابن سنان «أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتّى أذاه حرّ الشمس ثمَّ استيقظ فعاد ناديه ساعة و ركع ركعتين ثمَّ صلّى الصبح و قال: يا بلال مالك؟ فقال بلال:

أرقدني الذي أرقدك يا رسول اللّه قال: و كره المقام و قال نمتم بوادي الشيطان» (2).

و هذا الخبر محمول على إنامة اللّه نبيه لمصالح كثير كما فهمه بلال، و كما في خبري ابن الطيار (3) و سعيد الأعرج (4)، فلا ينافي عصمته و كونه مؤيدا بروح القدس الذي لا تغلب عليه الجهات الجسمانية أو المادية.

و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «قال رسول اللّه

ص: 137


1- الوسائل باب: 61 من أبواب المواقيت حديث: 2.
2- الوسائل باب: 61 من أبواب المواقيت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب قضاء الصلاة حديث: 6.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب قضاء الصلاة حديث: 2.

.....

______________________________

(صلّى اللّه عليه و آله) إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتّى يبدأ بالمكتوبة قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة و أصحابه فقبلوا ذلك منّي، فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر (عليه السلام) فحدثني أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) عرس في بعض أسفاره و قال من يكلؤنا؟ فقال بلال: أنا فنام بلال و ناموا حتّى طلعت الشمس فقال (صلّى اللّه عليه و آله): يا بلال ما أرقدك؟ فقال: يا رسول اللّه أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم، فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) «قوموا فحوّلوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة، و قال: يا بلال أذّن فأذّن فصلّى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) ركعتي الفجر، و أمر أصحابه فصلّوا ركعتي الفجر ثمَّ قام فصلّى بهم الصبح و قال: من نسي شيئا من الصلاة فليصلّيها إذا ذكرها، فإنّ اللّه عز و جل يقول وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي، قال زرارة: فحملت الحديث إلى الحكم و أصحابه، فقالوا:

نقضت حديثك الأول فقدمت على أبي جعفر (عليه السلام) فأخبرته بما قال القوم، فقال: يا زرارة إلا أخبرتهم أنّه قد فات الوقتان جميعا و أنّ ذلك كان قضاء من رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)» (1).

فهذه الصحيحة ظاهرة بل صريحة في جواز التطوع لمن عليه القضاء. ثمَّ إنّ الحكم بن عتيبة الواقع فيها لم يوثقه أحد منا، بل هو مذموم.

و قد استفاد الشهيد (رحمه اللّه) من هذا الحديث أمورا:

منها: استحباب أن يكون للقوم حارسا يحفظهم إذا ناموا.

و منها: أنّ اللّه أنام نبيّه لمصالح كثيرة و لا ينافي العصمة كما تقدم.

و منها: أنّ العبد ينبغي أن يتفاءل بالزمان و المكان عما يصيبه فيه من خير أو شر.

و منها: استحباب الأذان للفائتة.

و منها: استحباب قضاء السنن.

ص: 138


1- الوسائل باب: 61 من أبواب المواقيت حديث: 6.

.....

______________________________

و منها: جواز فعلها لمن عليه قضاء.

و منها: شرعية الجماعة في القضاء كالأداء.

و منها: وجوب قضاء الفائتة.

و منها: أنّ وقت القضاء حين يذكر.

و منها: أنّ المراد بقوله تعالى وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ذلك، أقول: مثل هذه الأخبار- التي يستفاد منها أمور كثيرة جدّا:

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 5، ص: 139

منها: ما تقدم: «كلّ ما غلب اللّه على العبد فهو أعذر له» (1).

و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «هذا من الأبواب التي يفتح كلّ باب منها ألف باب» (2).

و منها: ما عن الفقيه قال: «رأى رسول اللّه نخامة في المسجد، فمشى إليها بعرجون من عراجين أرطاب فحكها، ثمَّ رجع القهقرى فبنى على صلاته قال: و قال الصادق (عليه السلام): و هذا يفتح من الصلاة أبوابا كثيرة (3).

و ربما انتهى الفروع المتفرعة عنه إلى السبعين، لعلّنا نتعرض لها إن شاء اللّه تعالى، و يا ليت الأعلام صرفوا همهم في مثل هذه الأخبار دون البحث عما لا ثمرة عمليّة فيه حتّى باعترافهم، و نعم ما قيل:

ألهت بني تغلب عن كلّ مكرمة قصيدة قالها عمرو بن كلثوم.

و استدل للقول الآخر أولا: بناء على الفورية في القضاء بأنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضدّه، فيبطل التطوع حينئذ، لمكان النّهي.

و فيه: مضافا إلى عدم الفورية في القضاء- كما يأتي في [مسألة 27] من صلاة القضاء- عدم اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه كما حقق في محلّه و على فرضه فالنّهي المفسد للعبادة إنّما هو فيما إذا كان النّهي ذاتيا لا عرضيا.

ص: 139


1- الوسائل باب: 3 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 7.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 9.
3- الوسائل باب: 44 من أبواب مكان المصلّي حديث: 4 و 5.
مسألة 17: إذا نذر النافلة لا مانع من إتيانها في وقت الفريضة

(مسألة 17): إذا نذر النافلة لا مانع من إتيانها في وقت الفريضة و لو على القول بالمنع (54)

______________________________

و ثانيا: بجملة من الأخبار: كالمرسلين المعروفين: «لا صلاة لمن عليه صلاة».

و قوله (عليه السلام): «و لا تطوع لمن عليه فريضة» (1).

و فيه: مضافا إلى قصور السند أن هذا التعبير أعم من نفي الحقيقة، و نفي الكمال، و يتعيّن في المقام الحمل على الأخير، لما تقدم من الأخبار.

ثالثا: و بصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «و لا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها» (2).

و قريب منه صحيح ابن شعيب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتّى تبزغ الشمس، أ يصلّي حين يستيقظ، أو ينتظر حتّى تنبسط الشمس؟ فقال: يصلّي حين يستيقظ، قلت: يوتر أو يصلّي الركعتين؟ قال: بل يبدأ بالفريضة» (3).

و فيه: أنّه إرشاد إلى اختيار الأفضل و هو الإتيان بالقضاء، و لباب المقال في المسألتين: أنّ ما يظهر منه عدم جواز الإتيان بالنافلة في وقت الفريضة، أو لمن عليه الفائتة إرشاد إلى الاهتمام بالفريضة أداء و قضاء و أنّها مما ينبغي أن تترك لأجلها النافلة التي هي من أعظم الطاعات، فكيف بغيرها من المندوبات و المباحات و هذا هو المستفاد من مجموع الروايات بعد رد المتشابهات منها إلى المحكمات و اللّه تعالى هو العالم بحقائق أحكامه.

(54) لانقلاب الموضوع، فينقلب الحكم قهرا، و احتمال التعميم لما

ص: 140


1- مستدرك الوسائل باب: 46 من أبواب المواقيت حديث: 2.
2- الوسائل باب: 61 من أبواب المواقيت حديث: 3.
3- الوسائل باب: 61 من أبواب المواقيت حديث: 4.

هذا إذا أطلق في نذره (55) و أما إذا قيّده بوقت الفريضة فإشكال (56) على القول بالمنع، و إن أمكن القول بالصحة، لأنّ المانع إنّما هو وصف النفل، و بالنذر يخرج عن هذا الوصف، و يرتفع المانع.

______________________________

كانت مندوبة بالذات و إن عرضه الوجوب بعيد جدّا، فلا وجه لاستصحاب بقاء الحكم لتغيير الموضوع. و لا يختص هذا البحث بالمقام بل يجري في جميع الأحكام المختصة بالنافلة لو عرضها الوجوب بالنذر و شبهه كسقوط السورة و عدم بطلانها بالشك في الركعات الثنائية و نحو ذلك.

(55) لأنّه مع الإطلاق ينعقد النذر لا محالة، فيرتفع المنع أيضا.

(56) منشأه أنّه يعتبر في متعلق النذر الرجحان في الجملة و التطوع في وقت الفريضة مرجوح، فلا يتعلق به النذر، فيبطل.

و الجواب: أنّ اعتبار الرجحان فيه مسلّم، و لكن لا دليل على اعتباره من كلّ حيثية وجهه، بل مقتضى الأصل عدمه و حينئذ، فيكفي الرجحان في الجملة بحيث يصح أن يقع مورد التعهد النذري عند المتشرعة و لا ريب في رجحان الصلاة ذاتا و إن عرضتها المرجوحية لجهات أخرى، لأنّ اعتبار الذات و تلك الجهات مختلفة عقلا و عرفا، فيصح اختلاف الحكم باختلافها، فيصح تعلق النذر بحسب ذاتها بها من حيث هي.

و منه يظهر أنّه وقع لإشكال بعض أعاظم مشايخنا (رحمهم اللّه) في المقام من أنّه مستلزم لتبدل الحرام بنذره، إذ ليست في الحرام جهة رجحان أبدا.

ثمَّ إنّ الظاهر اعتبار كون متعلق النذر راجحا قبل تعلقه، لبناء العرف و العقلاء على عدم التعهد بشي ء إلا مع إحراز رجحانه في الجملة قبل التعهد به، فلا وجه لقوله (رحمه اللّه):- و لا يعتبر في متعلق النذر الرجحان قبله- إلا إذا أراد (رحمه اللّه) ما ذكرناه، فلا نزاع في البين.

كما إنّ الظاهر أنّ النذر نحو إضافة خاصة و حق من الحقوق، كما هو

ص: 141

و لا يرد أنّ متعلّق النذر لا بد أن يكون راجحا. و على القول بالمنع لا رجحان فيه، فلا ينعقد نذره. و ذلك لأنّ الصلاة من حيث هي راجحة، و مرجوحيتها مقيّدة بقيد يرتفع بنفس النذر، و لا يعتبر في متعلق النذر الرجحان قبله، و مع قطع النظر عنه حتّى يقال بعدم تحققه في المقام.

مسألة 18: النافلة تنقسم إلى مرتّبة و غيرها

(مسألة 18): النافلة تنقسم إلى مرتّبة و غيرها، و الأولى:

هي النوافل اليومية التي مر بيان أوقاتها. الثانية: إما ذات سبب كصلاة الزيارة، و الاستخارة، و الصلوات المستحبة الأيام و الليالي المخصوصة (57). و إما غير ذات السبب، و تسمّى بالمبتدأة. لا إشكال

______________________________

المعروف في العرف و الشرع لا أن يكون تمليكا لشي ء للّه تعالى- كما عن بعض أعاظم الشرّاح- جمودا على قول: (للّه علىّ كذا)، بدعوى ظهور كلمة اللام في التمليك و أطال القول فيه في مواضع من شرحه، و ذلك لأنّ اللام لإضافة خاصة حقا كان أو غيره كما يكشف عن ذلك موارد استعمالاتها الكثيرة، فيصح أن يقال: للّه عليّ وجوب الصلاة- مثلا- و للّه عليّ حرمة الغيبة و حرمة الكذب- مثلا- مع أنّه ليس في البين ملك و ملكية و لا تمليك و لا تملك.

إن قيل: نعم، و لكن فيما ألزم على نفسه شيئا بالنذر يكون من التمليك حينئذ، فالأمثلة خارجة عن مورد الكلام. يقال: للالتزام ليس قرينة على التمليك، بل هو يثبت أصل الاختصاص فقط و هو يجتمع مع مطلق الحق بأيّ نحو كان و لو بمجرد الإضافة المحضة و كلّ ذلك أعمّ من التمليك، و هو يستفاد من قرينة أخرى كما لا يخفى، فمدلول كلمة اللام الإضافة الاختصاصية بعرضها العريض و الخصوصيات الأخرى تستفاد من باب تعدد الدال و المدلول.

(57) هذا التقسيم، مضافا إلى أنّه عقليّ، استقرائي أيضا، و طريق الحصر العقلي أن يقال: النافلة إما مرتبة أو لا، و الثاني إما ذات السبب أو لا

ص: 142

في عدم كراهة المرتبة في أوقاتها (58) و إن كان بعد صلاة العصر أو الصبح (59)، و كذا لا إشكال في عدم كراهة قضائها في وقت من الأوقات (60)

______________________________

و الإجماع، و الاستقراء في الأدلة يدلان على الحصر كما لا يخفى على من راجع الأخبار، و كلمات الفقهاء الأخيار.

(58) للأصل، و الإطلاق، و الإجماع.

(59) ليس ما بعدهما وقتا لشي ء من النوافل المرتبة إلا إذا أراد القضاء و لكنّه يدخل في القسم الثاني، فلا وجه لما عن بعض الشرّاح من شمول الإطلاق لها أيضا، لأنّ ما لا موضوع له كيف يشمله الإطلاق. نعم، روت العامة عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) أنّه كان يصلّي ركعتين بعد الغداة و ركعتين بعد العصر (1) و هذا ينافي ما اشتهر بينهم من كراهة التطوع في الوقتين، فراجع كتبهم حتّى تعلم تهافتهم.

(60) نسب ذلك إلى المشهور لجملة من الأخبار: كصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: «أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ ساعة:

صلاة فاتتك، فمتى ما ذكرتها أديتها و صلاة ركعتي طواف الفريضة و صلاة الكسوف، و الصلاة على الميت هذه يصلّيهنّ الرجل في الساعات كلّها» (2).

و خبر الرازي قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل فاته شي ء من الصلوات، فذكر عند طلوع الشمس و عند غروبها قال: فليصلّ حين ذكره» (3).

و صحيح ابن عمار قال: «سمعت أبا عبد اللّه يقول: خمس صلاة لا تترك على حال: إذا طفت بالبيت، و إذا أردت أن تحرم، و صلاة الكسوف، و إذا

ص: 143


1- راجع كتاب صحيح البخاري: ج: 1 باب: ما يصلّي بعد العصر صفحة: 153. و في الوسائل باب: 38 من أبواب المواقيت.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب المواقيت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 39 من أبواب المواقيت حديث: 16.

.....

______________________________

نسيت فصلّ إذا ذكرت، و صلاة الجنازة» (1).

و خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «خمس صلوات تصليهنّ في كلّ وقت: صلاة الكسوف، و الصلاة على الميت، و صلاة الإحرام، و الصلاة التي تفوت، و صلاة الطواف من الفجر إلى طلوع الشمس و بعد العصر إلى الليل» (2).

و خبر الحلبي قال: «سئل أبو عبد اللّه عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها قال: متى شاء إن شاء بعد المغرب و إن شاء بعد العشاء»(3).

و هذه الأخبار معتبرة سندا و شارحة للأخبار التي يستفاد منها الكراهة، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين قضاء الفريضة و النافلة، و الانصراف إلى الأول بدويّ لا يعتنى به، فلا يتوهم المعارضة بينها و بين المطلقات الدالة على الكراهة في الأوقات الخاصة، و أما صحيح زرارة: «أيّهما ذكرت (أي المغرب و العشاء) فلا تصلّهما إلا بعد شعاع الشمس» (4).

و خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إن نام رجل و لم يصلّ صلاة المغرب و العشاء أو نسي، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما، و إن خشي أن تفوته إحداهما، فليبدأ بالعشاء الآخرة و إن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصلّ الفجر ثمَّ المغرب ثمَّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين، فليصلّ المغرب و يدع العشاء الآخرة حتّى تطلع الشمس و يذهب شعاعها ثمَّ ليصلّها» (5).

و صحيح ابن سنان- في حديث-: «فليصلّ الصبح، ثمَّ المغرب، ثمَّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس» (6).

و هذه الأخبار محمولة على التقية، أو على الأفضلية لا الكراهة

ص: 144


1- الوسائل باب: 39 من أبواب المواقيت حديث: 4.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب المواقيت حديث: 5.
3- الوسائل باب: 39 من أبواب المواقيت حديث: 7.
4- الوسائل باب: 63 من أبواب المواقيت حديث: 1.
5- الوسائل باب: 62 من أبواب المواقيت حديث: 3.
6- الوسائل باب: 62 من أبواب المواقيت حديث: 4.

.....

______________________________

الاصطلاحية، فلا وجه لما نسب إلى جمع من القدماء- منهم المفيد و الشيخ في النهاية- من القول بالكراهة مع أنّ الثاني منهما قال في مبسوطه بعدم الكراهة، و تدل على عدم الكراهة في قضاء النوافل أخبار مستفيضة يستفاد منها حكم الفريضة بالفحوى.

منها: خبر حسان بن مهران قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن قضاء النوافل قال: ما بين طلوع الشمس إلى غروبها» (1).

و قوله (عليه السلام): «اقض صلاة النهار أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار، كلّ ذلك سواء»(2).

و عنه (عليه السلام) أيضا: «قضاء صلاة الليل بعد الغداة و بعد العصر من سرّ آل محمد (صلّى اللّه عليه و آله) المخزون» (3).

و منها: خبر ابن هارون قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن قضاء الصلاة بعد العصر قال: إنّما هي النوافل، فاقضها متى ما شئت» (4).

و يستفاد من ذيله تعميم الحكم لكلّ نافلة و في كلّ وقت كما يستفاد- من قولهم (عليهم السلام) في عدة روايات (5)- أنّ ما ورد من الأخبار على خلاف هذه الروايات لم يصدر لبيان حكم اللّه الواقعي.

و أما خبر ابن بلال- قال: «كتبت إليه في قضاء النافلة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس و من بعد العصر إلى أن تغيب الشمس، فكتب لا يجوز ذلك إلا للمقتضي، فأما لغيره فلا» (6).

فإضماره، و إجماله، و موافقته للتقية، مع كونه من المكاتبة أسقطه عن

ص: 145


1- الوسائل باب: 39 من أبواب المواقيت حديث: 9.
2- الوسائل باب: 57 من أبواب المواقيت حديث: 12.
3- الوسائل باب: 45 من أبواب المواقيت حديث: 4.
4- الوسائل باب: 39 من أبواب المواقيت حديث: 11.
5- الوسائل باب: 39 من أبواب المواقيت حديث: 14 و 17.
6- الوسائل باب: 38 من أبواب المواقيت حديث: 3.

و كذا في الصلوات ذوات الأسباب (61).

______________________________

الاعتبار، مع أنّه يدل على عدم الكراهية إن كان المراد بالمقتضي فاعل القضاء و إن كان المراد به مطلق ذات السبب، فيشمل الجميع.

(61) لم أظفر على خبر مشتمل على لفظ ذوات الأسباب و إنّما هو مصطلح الفقهاء. نعم، في النبوي العامي- كما في الجواهر- «لا يتحرّى أحدكم بذات السبب هذه الأوقات».

لكنه منقول عن بعض كتبهم «لا تتحروا بالصلاة طلوع الشمس و غروبها- كما في نهاية ابن الأثير (1).

و على أيّ تقدير استدل على استثناء ذوات الأسباب، بالأصل، و إطلاق أدلة إتيانها، و كثرة التخصيص الوارد بالنسبة إلى دليل الكراهة و أنّ تخصيصه أهون من تخصيص أدلة تلك الأسباب، مع تطرق الشبهة بالنسبة إلى أصل ثبوت الكراهة واقعا، لاحتمال كون صدورها للتقية، فلا بد من الاقتصار على خصوص المتيقن، مضافا إلى دعوى الإجماع على عدمها في ذوات الأسباب.

ثمَّ إن كل صلاة مشروعة لسبب خاص- أي سبب كان- زائدا على رجحانها الذاتي تكون من ذوات الأسباب، و هي كثيرة جدا سواء حصل السبب باختيار المكلف- كما إذا دخل المسجد، أو توضأ وضوءا- أو لم يكن كذلك- كصلاة أول الشهر، و صلاة الأئمة (عليهم السلام)، و صلاة الزيارة و نحوها- و يشهد للتعميم استثناء صلاة الطواف نصا (2) و إجماعا، و إطلاقه يشمل الطواف المندوب أيضا، و يشهد له أيضا ما روي عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) أنّه قال لبلال: «حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دق نعليك بين يدي

ص: 146


1- راجع نهاية ابن أثير ج: 1 صفحة: 376 و راجع البخاري ج: 1 باب: لا يتحرّى الصلاة صفحة: 152.
2- تقدم في صفحة: 142.

و أما النوافل المبتدأة التي لم يرد فيها نص بالخصوص، و إنّما يستحب الإتيان بها لأنّ الصلاة خير موضوع، و قربان كلّ تقيّ، و معراج المؤمن، فذكر جماعة: أنّه يكره الشروع فيها في خمسة أوقات (62). أحدها: بعد صلاة الصبح حتّى تطلع الشمس. الثاني:

______________________________

(خشخشتك أمامي) في الجنة قال: ما عملت عملا أرجى عندي من أنني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي» (1)، و إطلاقه يشمل جميع الأوقات، و أقره النبي (صلّى اللّه عليه و آله) و لعل معنى الحديث- على فرض صدوره- أنّ بلال حيث كان مؤذنا له (صلّى اللّه عليه و آله) يقدمه ليبشر الناس بقدوم النبي (صلّى اللّه عليه و آله) إلى الجنة كما أنّ الملوك إذا وردوا محلا يقدمهم بعض الخدمة إجلالا و تشريفا لهم.

(62) على المشهور شهرة عظيمة، بل ادّعى عليها الإجماع، و الأصل في الحكم جملة من الأخبار: كقول الصادق (عليه السلام) في خبر الحلبي: «لا صلاة بعد الفجر حتّى تطلع الشمس، فإنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) قال:

«إنّ الشمس تطلع بين قرني الشيطان، و تغرب بين قرني الشيطان، و قال: لا صلاة بعد العصر حتّى تصلّي المغرب» (2).

و في صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا صلاة نصف النهار إلّا يوم الجمعة» (3).

و في حديث المناهي: «نهى رسول اللّه عن الصلاة عند طلوع الشمس و عند غروبها و عند استوائها» (4).

ص: 147


1- كنز العمال ج: 12 صفحة 246 و 247 طبعة حيدرآباد- هند- و أورد بعض الرواية صاحب البخاري في ج: 6 صفحة: 33.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب المواقيت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الجمعة و آدابها حديث: 6.
4- الوسائل باب: 38 من أبواب المواقيت حديث: 6.

بعد صلاة العصر حتّى تغرب الشمس. الثالث: عند طلوع الشمس حتّى تنبسط. الرابع: عند قيام الشمس حتّى تزول. الخامس: عند غروب الشمس أي: قبيل الغروب. و أما إذا شرع فيها قبل ذلك فدخل أحد هذه الأوقات و هو فيها، فلا يكره إتمامها (63). و عندي في ثبوت الكراهة في المذكورات إشكال (64).

______________________________

(63) للأصل بعد ظهور الأدلّة في الشروع لا الإتمام.

(64) منشأه ما تقدّم من النصوص المعمول بها عند الطائفة، و التوقيع الرفيع: «و أمّا ما سألت عن الصلاة عند طلوع الشمس و عند غروبها فلأن كان كما يقول الناس إنّ الشمس تطلع بين قرني شيطان، و تغرب بين قرني شيطان، فما أرغم أنف الشيطان بشي ء أفضل من الصلاة، فصلّها، و أرغم أنف الشيطان» (1).

فيكون هذا التوقيع مقدّما على جميع تلك النصوص. إلّا أن يقال: إنّ التوقيع في مقام ردّ العلّة المذكورة لا في مقام بيان نفي أصل الكراهة و الشك في ذلك يكفي في عدم الاستناد إليه لعدم الكراهة بعد تلك النصوص المتكرّرة المعمول بها و لكن يمكن أن يقال: إنّ الشهرة اجتهادية لا استنادية، و العمل و تكرّر النصوص، مع موافقة العامة لا اعتبار بها و يبعد أن تكون السجدة التي هي أعظم أركان الصلاة غير مكروهة و الصلاة مكروهة.

ثمَّ إنّه قد قيل في تفسير قرني الشيطان وجوه، و الكلّ مخدوش. نعم، يمكن أن يوجه بأنّ المراد هنا جنوده المختصة بالليل و المختصة بالنهار الذين يبثهم لإغراء الناس في الليل و النهار لدعوتهم إلى المعاصي و حيث إنّه- لعنه اللّه- يبثهم في المشرق و المغرب عبّر عن ذلك بالقرنين و التعبير عن القدرة

ص: 148


1- الوسائل باب: 38 من أبواب المواقيت حديث: 8.

.....

______________________________

و الاستيلاء بالقرن شائع في المحاورات.

فروع- (الأوّل): لا كراهة في مطلق السجود في تلك الأوقات للأصل.

(الثاني): المشهور استثناء يوم الجمعة عن نصف النهار، لما تقدّم في الصحيح.

(الثالث): المدار على أفق المصلّي في الشروق و الغروب و الاستواء لا مطلق وجه الأرض و إلّا ففي جميع الآنات غروب، و شروق، و استواء للشمس حول الأرض، فيلزم أن تكون المبتدئة مكروهة في تمام الآنات و الأوقات.

ص: 149

فصل في أحكام الأوقات

اشارة

(فصل في أحكام الأوقات)

مسألة 1: لا يجوز الصلاة قبل دخول الوقت

(مسألة 1): لا يجوز الصلاة قبل دخول الوقت، فلو صلّى بطلت و إن كان جزءا منها قبل الوقت (1)، و يجب العلم بدخوله حين الشروع فيها (2) (فصل في أحكام الأوقات)

______________________________

(1) بالضرورة من الدّين إلّا ممّا استثني- كما يأتي- و مقتضى إطلاق قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «من صلّى في غير وقت فلا صلاة له» (1).

و حديث: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الوقت، و الطهور، و القبلة، و الركوع، و السجود» (2).

بطلانها بوقوع جزء منها قبل الوقت أيضا.

(2) للإجماع، و قاعدة الاشتغال، و النصوص قال أبو جعفر (عليه السلام): «فإذا استيقنت أنّها قد زالت بدأت بالفريضة» (3).

و عنه (عليه السلام) في خبر ابن مهزيار: «فلا تصلّ في سفر و لا حضر حتّى تتبينه» (4).

و قول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر ابن جعفر: «في الرجل يسمع الأذان، فيصلّي الفجر و لا يدري طلع أم لا، غير أنّه يظن لمكان الأذان أنّه طلع، قال: لا يجزيه حتّى يعلم أنّه قد طلع» (5).

ص: 150


1- الوسائل باب: 13 من أبواب المواقيت حديث: 7.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 58 من أبواب المواقيت حديث: 1.
4- الوسائل باب: 58 من أبواب المواقيت حديث: 3.
5- الوسائل باب: 58 من أبواب المواقيت حديث: 4.

و لا يكفي الظنّ (3) لغير ذوي الأعذار (4). نعم، يجوز الاعتماد على شهادة العدلين على الأقوى (5). و كذا على أذان

______________________________

(3) على المشهور، و ادّعي عليه الإجماع، لأصالة عدم اعتباره، مضافا إلى ما تقدّم من الأخبار، و أمّا ما دلّ على جواز الاعتماد على أذان المؤذّنين و إن كانوا من المخالفين (1)، فعلى فرض اعتباره لا يستفاد منه حجية مطلق الظن، مع أن المسلم لا يقدم على الأذان إلّا بعد علمه بدخول الوقت، فيمكن دعوى أنّه يحصل من أذان المسلمين العلم العادي بدخول الوقت و قد ورد: «أنّهم أشدّ مواظبة على الوقت» (2).

فلا وجه لعدّ مثل هذه الأخبار من أدلّة اعتبار الظن، كما إنّ قول الصادق (عليه السلام) في صحيح إسماعيل: «إذا صلّيت و أنت ترى أنّك في وقت و لم يدخل الوقت فدخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك» (3).

لا ربط له بحجية الظنّ في الوقت، بل هو دليل للمسألة الثالثة الآتية، فما نسب إلى الشيخين- من اعتبار الظنّ بالوقت و اختاره في الحدائق- مخدوش، لما عرفت.

(4) يأتي تفصيله في [مسألة 4] فراجع.

(5) لأنّ اعتبار خبر العدلين من الأمور العقلائية التي يكفي فيها عدم ثبوت الردع من الشرع، مع أنّه قد ورد منه التقرير في موارد شتّى لا تعلم الخصوصية في تلك الموارد، كما لا يخفى، و يمكن استفادة التعميم من قوله (عليه السلام) في خبر مسعدة بن صدقة: «الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك أو تقوم به البيّنة» (4).

ص: 151


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 9.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب المواقيت حديث: 1.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.

العارف (6)

______________________________

فإنّه في مقام بيان قاعدة كلية تتبع في جميع الأبواب و الموارد إلّا ما خرج بالدليل. و قد نسب اعتبار شهادة العدلين في المقام إلى ظاهر أكثر الأصحاب.

(6) لجملة من الأخبار:

منها: صحيح المحاربي قال: «قال لي أبو عبد اللّه (عليه السلام): صلّ الجمعة بأذان هؤلاء فإنّهم أشدّ شي ء مواظبة على الوقت» (1).

و قوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن وهب: «قال النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): إنّ ابن مكتوم يؤذّن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا و اشربوا حتّى تسمعوا أذان بلال» (2).

و في صحيح القسري: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): أخاف أن نصلّي يوم الجمعة قبل أن تزول الشمس. فقال (عليه السلام): إنّما ذلك على المؤذّنين» (3).

و في رواية الهاشمي عن عليّ (عليه السلام) أنّه قال: «المؤذن مؤتمن، و الإمام ضامن»(4).

و عنهم (عليهم السلام) «المؤذنون أمناء المؤمنين» (5).

و نحوها غيرها. و مقتضى إطلاقها كفاية مجرد الوثوق سواء كان عدلا أو لا.

و أشكل على هذه الأخبار بوجوه:

الأوّل: إعراض المشهور عنها.

و فيه: إنّه على فرض ثبوته مستند إلى اجتهاداتهم لا إلى ما ظفروا على ما لم نظفر به.

ص: 152


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 7.

.....

______________________________

الثاني: معارضتها بخبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام):

«في الرجل يسمع الأذان فيصلّي الفجر و لا يدري طلع أم لا غير أنّه يظنّ لمكان الأذان أنّه قد طلع. قال (عليه السلام): لا يجزيه حتّى يعلم أنّه قد طلع»(1).

و فيه أولا: أنّ المنساق من الأخبار المتقدّمة صورة حصول الوثوق من أذان المؤذن و من هذا الخبر صورة عدم حصوله، فلا تعارض بينهما. و المراد بقوله (عليه السلام): «حتّى يعلم» العلم الشرعي الذي هو عبارة أخرى عن مطلق الوثوق و الاطمئنان.

و ثانيا: أنّه معارض بخبره الآخر عن أخيه (عليه السلام): «عن رجل صلّى الفجر في يوم غيم أو بيت و أذّن المؤذّن و قعد و أطال الجلوس حتّى شكّ، فلم يدر هل طلع الفجر أم لا؟ فظنّ أنّ المؤذن لا يؤذن حتّى يطلع الفجر. قال (عليه السلام): أجزأه أذانهم» (2).

و أمّا موثق عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «سئل عن الأذان هل يجوز أن يكون عن غير عارف؟ قال (عليه السلام): لا يستقيم الأذان و لا يجوز أن يؤذّن به إلّا رجل مسلم عارف، فإن علم الأذان و أذّن به و لم يكن عارفا لم يجز أذانه و لا إقامته و لا يقتدى به» (3).

فمحمول على الاكتفاء بأذان الغير عن الأذان لنفسه بقرينة الإقامة و الاقتداء لا على الاجتزاء به في دخول الوقت مع حصول الوثوق.

الثالث: أنّها محمولة على التقية و على مورد العذر.

و فيه: أنّه لا وجه لهذا الحمل بعد حصول الوثوق و اعتباره عند العقلاء كافة.

و بالجملة: إنّ ما ورد في اعتبار الأذان الموجب للوثوق مطابق لمرتكزات

ص: 153


1- الوسائل باب: 58 من أبواب المواقيت حديث: 4.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.

العدل (7)، و أما كفاية شهادة العدل الواحد فمحل إشكال (8)، و إذا صلّى مع عدم اليقين بدخوله، و لا شهادة العدلين،

______________________________

العقلاء و طريقة الشارع في سائر الموارد خصوصا في الأمور العامة البلوى، فيكون حاكما على قاعدة الاشتغال، و ما دلّ على اعتبار العلم لو لم يكن المراد به مطلق ما يوجب الوثوق و الاطمئنان و لا بدّ و أن يراد به ذلك، و عن صاحب الجواهر التصريح به في موارد كثيرة و إن اضطرب كلامه في المقام.

(7) اعتبار كون المؤذّن عارفا بالوقت ممّا لا بدّ منه نصّا و إجماعا و عرفا كما تقدّم. و أمّا العدالة فلا دليل على اعتبارها بنحو الموضوعية، و مقتضى الأصل عدمها بعد كونه موثوقا به، و العدالة على فرض الاعتبار طريق إليه لا أن تكون معتبرة على نحو الصفتية المحضة.

(8) ينشأ من السيرة العقلائية على الاعتماد على خبر الثقة، مع أنّ المنساق ممّا ورد في أذان الثقة خصوصا بعد قوله (عليه السلام)- كما تقدّم-:

«أنّهم أشد شي ء مواظبة على الوقت» أنّه لا موضوعية للأذان من حيث هو، بل المناط حصول الوثوق بدخول الوقت سواء حصل من الأذان أو من الأخبار، و ما تقدّم من خبر مسعدة الذي حصر فيه (عليه السلام) الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك أو تقوم به البيّنة» (1) و فيه أنّ المراد بالاستنابة ما يصح الاعتماد عليه عند المتعارف سواء كانت علمية أو اطمينانية، و الأخيرة تشمل مطلق الوثوق لا الاستنابة اليقينية، و إلّا لاختلّ النظام و بطلت جملة من الأحكام.

و الإشكال جار في جميع أبواب الفقه و لا اختصاص له بالمقام. و لو لا التحديد بالبيّنة في جملة كثيرة بالأدلّة الخاصة لاكتفينا فيها أيضا بالعدل الواحد إذا حصل منه الوثوق العرفي، و لكن الاحتياط سبيل النجاة.

و خلاصة ما تقدّم أمور: الأوّل: اعتبار أذان العارف بالوقت من المسلمين- من أيّ مذهب كان-

ص: 154


1- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.

أو أذان العدل بطلت (9)، إلا إذا تبيّن بعد ذلك كونها بتمامها في الوقت مع فرض حصول قصد القربة (10).

______________________________

و يدلّ عليه سيرة المسلمين قديما و حديثا، و إطلاق النصوص الواردة في مقام البيان.

الثاني: لا يجب الفحص بعد أذان العارف إذا أحرز معرفته بالوقت و لا وجه للتشكيك فيه، لإطلاق قوله (عليه السلام): «المؤذّن مؤتمن» (1) و خبر القسري المتقدّم(2) و رواية عبد اللّه بن عليّ عن بلال قال: «سمعت رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) يقول: المؤذنون أمناء المؤمنين على صلاتهم و صومهم و لحومهم و دمائهم لا يسألون اللّه عزّ و جلّ شيئا إلّا أعطاهم ..» (3).

و قد يكون مرجوحا، بل قد يحرم. و يشهد للمرجوحية خبر سعيد الأعرج قال: «دخلت على أبي عبد اللّه (عليه السلام) و هو مغضب و عنده جماعة من أصحابنا و هو يقول: تصلّون قبل أن تزول الشمس، قال: و هم سكوت. قال:

فقلت: أصلحك اللّه ما نصلّي حتّى يؤذّن مؤذّن مكة، قال (عليه السلام): فلا بأس، أما إنّه إذا أذّن فقد زالت الشمس» (4).

الثالث: لو شكّ في أنّ المؤذن تفحص عن دخول الوقت أو لا، لا بدّ من حمل عمله- و هو الأذان- على الصحة، لأنّه مسلم.

الرابع: إذا تعاقب أذان المؤذنين يصح الاكتفاء بالأوّل صدورا من الثقة العارف بالوقت، لظهور الإطلاق الشامل له.

(9) لعدم الإتيان بالمأمور به.

(10) لوجود المقتضي و فقد المانع إن تحقّقت القربة منه، فتصح لا

ص: 155


1- تقدما في صفحة: 152.
2- تقدما في صفحة: 152.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الأذان حديث: 7.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب الأذان حديث: 9.
مسألة 2: إذا كان غافلا عن وجوب تحصيل اليقين أو ما بحكمه

(مسألة 2): إذا كان غافلا عن وجوب تحصيل اليقين أو ما بحكمه فصلّى ثمَّ تبيّن وقوعها في الوقت بتمامها صحت (11) كما أنّه لو تبيّن وقوعها قبل الوقت بتمامها بطلت (12). و كذا لو لم يتبيّن الحال (13). و أما لو تبيّن دخول الوقت في أثنائها ففي الصحة إشكال (14). فلا يترك الاحتياط بالإعادة.

______________________________

محالة لأنّ للعلم و قيام البيّنة و أذان العارف طريقيّة، لا أن يكون لها موضوعية، كما هو واضح.

(11) لتحقّق الصلاة جامعة للشرائط فلا بدّ من الإجزاء.

(12) لعدم الإتيان بالمأمور به فلا وجه للإجزاء.

(13) للأصل، و قاعدة الاشتغال.

(14) ينشأ من الجمود على إطلاق قوله (عليه السلام) فيما مرّ من خبر ابن رياح: «إذا صلّيت و أنت ترى أنّك في وقت و لم يدخل الوقت، فدخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك» (1).

فإنّه يشمل الغافل أيضا مع تحقّق قصد الامتثال منه، إذ ليس للاعتقاد موضوعية خاصة، بل هو طريق لتحقّق قصد الامتثال، و قد تحقّق.

و من أنّ هذا الجمود على خلاف الأدلّة الظاهرة في اعتبار الوقت في تمام أجزاء الصلاة، فلا بدّ فيه من الاقتصار على المتيقن، و هو ما إذا حصلت له حجة معتبرة شرعا على دخول الوقت ثمَّ بان الخلاف و دخل الوقت في الأثناء، مع أنّ مقتضى حال المسلمين أنّهم لا يدخلون في الصلاة إلّا بعد إحراز دخول الوقت، فيكون شرط تحقّق الامتثال أن يتحقّق إحراز دخول الوقت، و منه يظهر وجه الاحتياط.

ص: 156


1- الوسائل باب: 25 من أبواب المواقيت حديث: 1.
مسألة 3: إذا تيقن دخول الوقت فصلّى أو عمل بالظنّ المعتبر

(مسألة 3): إذا تيقن دخول الوقت فصلّى أو عمل بالظنّ المعتبر، كشهادة العدلين و أذان العدل العارف فإنّ تبيّن وقوع الصلاة بتمامها قبل الوقت بطلت، و وجب الإعادة (15)، و إن تبيّن دخول الوقت في أثنائها و لو قبل السلام صحت (16).

______________________________

(15) لقاعدة الاشتغال، و حديث «لا تعاد»، و قول أبي جعفر في صحيح زرارة: «وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيت بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصلات و مضى صومك» (1).

مضافا إلى الإجماع.

(16) نسب ذلك إلى المشهور، لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في موثق ابن رياح: «إذا صلّيت و أنت ترى أنّك في وقت و لم يدخل الوقت فدخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك» (2).

و عن جمع من الفقهاء (قدّس سرّهم) عدم الإجزاء، لقاعدة الاشتغال و عدم توثيق إسماعيل بن رياح و فيه: أنّ الخبر من الموثق بقرائن: خارجية- كاعتماد جمع من الأعاظم بل المشهور عليه، و ذكره في مجامع الحديث قديما و حديثا، و اعتناء المشايخ الثلاثة به- و داخلية، كاشتمال سنده على الأجلاء، و كون الراوي عنه ابن أبي عمير، و وقوع أحمد بن محمد بن عيسى الذي هو معروف بالتثبت في السند. مع أنّه لا غمز فيه إلّا احتمال كونه عاميّا، و هو موهون أولا: لكونه من أصحاب الصادق (عليه السلام)، و رواية مثل ابن أبي عمير عنه ينفي هذا الاحتمال.

و ثانيا: أنّه لا منافاة بين كونه عاميا و كونه موثوقا، إذ ربّ عاميّ صدوق و ربّ غير عاميّ لا يصدق، فيتعيّن العمل به، و لا وجه لقاعدة الاشتغال بعد

ص: 157


1- الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 17.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب المواقيت حديث: 1.

و أما إذا عمل بالظنّ الغير المعتبر فلا تصح و إن دخل الوقت في أثنائها (17).

و كذا إذا كان غافلا على الأحوط، كما مرّ (18). و لا فرق في الصحة في الصورة الأولى بين أن يتبيّن دخول الوقت في الأثناء بعد الفراغ أو في الأثناء (19)، لكن بشرط أن يكون الوقت داخلا حين

______________________________

ذلك. و معنى قوله (عليه السلام): «و أنت ترى» أي تعتقد اعتقادا يصح الاستناد إليه شرعا، و إطلاقه يشمل جميع ما في المتن كما أنّ إطلاق قوله (عليه السلام): «و أنت في الصلاة» يشمل جميع الحالات الصلاتية و لو قبل السلام، لصدق أنّه في الصلاة ما لم يتحقّق الفراغ منه بإتيان الجزء الأخير من السلام.

فتحصل من هذا الحديث قاعدة تسهيلية امتنانية بالنسبة إلى أوّل الوقت و هي قاعدة: «من وقع بعض صلاته في الوقت فقد أدرك الوقت بتمام صلاته».

و هذه بالنسبة إلى أوّل الوقت كقاعدة: «من أدرك الوقت فقد أدرك الوقت» بالنسبة إلى آخر الوقت إلّا أنّ القاعدة الثانية أعم موردا لشمولها للعامد و المعذور بخلاف القاعدة الجارية في أوّل الوقت فإنّها تختص بخصوص من حصل له الاعتقاد بدخول الوقت.

(17) لقاعدة الاشتغال بلا دليل حاكم عليها بعد أن كان المنصرف من قوله (عليه السلام): «و أنت ترى» ما يصح الاعتماد عليه مع ملاحظة حال المسلم من أنّه يهتم بإحراز دخول الوقت.

(18) تقدّم في المسألة السابقة، فراجع.

(19) لأنّ إطلاق قوله (عليه السلام) فيما تقدّم في الموثق: «فدخل الوقت و أنت في الصلاة» يشمل الصورتين، و ظاهره أنّه أمر تكوينيّ لا ربط للعلم و الجهل به حين الدخول، و الشارع رتب الأثر على ذات هذا الأمر التكويني، كما في الزوال و المغرب و الصبح و نحوها.

ص: 158

التبيّن (20). و أما إذا تبيّن أنّ الوقت سيدخل قبل تمام الصلاة فلا ينفع شيئا (21).

مسألة 4: إذا لم يتمكن من تحصيل العلم أو ما بحكمه

(مسألة 4): إذا لم يتمكن من تحصيل العلم أو ما بحكمه لمانع في السماء من غيم أو غبار، أو لمانع في نفسه من عمىً أو حبس أو نحو ذلك، فلا يبعد كفاية الظنّ (22)، لكن الأحوط التأخير

______________________________

(20) لأنّه لو لم يكن الوقت داخلا حين الفراغ يكشف ذلك عن وقوع تمام الصلاة قبل الوقت.

(21) لقاعدة الاشتغال بعد خروج هذه الصورة عن ظاهر النص، لأنّ ظاهر قوله (عليه السلام) فيما مرّ في الموثق: «و أنت ترى أنّك في وقت و لم يدخل الوقت فدخل الوقت و أنت في الصلاة» إنّما هو فيما إذا استمر اعتقاد كون صلاته في الوقت من أوّل الصلاة إلى آخرها فدخل الوقت في الأثناء، و قوله (عليه السلام) «و إذا تبيّن أنّه سيدخل الوقت فهو يرى أنّ الوقت ليس بداخل» فكيف يصدق أنّه يرى أنّه في وقت في تمام الصلاة» و كيف يحصل منه قصد الامتثال في بقية الأجزاء التي يعلم بوقوع بعضها قبل الوقت.

(22) للأصل، و نفي الحرج، و تعذر اليقين، و الإجماع- كما عن التنقيح- و قبح التكليف بما لا يطاق.

و الكلّ مردود: إذ يرد على الأوّل أنّه لا أصل لهذا الأصل، بل مقتضى الأصل عدم الاعتماد عليه. و على الثاني بأنّه لا موضوع له، لإمكان الصبر حتّى يحصل اليقين. و على الثالث بأنّه لا يتمّ ما لم ينضم إليه سائر مقدّمات الانسداد، و من مقدّماته عدم إمكان الاحتياط و هو ممكن في المقام. و على الرابع بأنّه لا اعتبار به مع الخلاف. و على الأخير بأنّه لا موضوع له في المقام بعد إمكان الاحتياط، مع أنّه عين الدليل الثالث، فلا وجه لتكراره بعبارة أخرى.

ص: 159

.....

______________________________

و استدلّوا أيضا بجملة من الأخبار:

منها: ما تقدّم من نصوص الأذان (1).

و منها: ما دلّ على الاكتفاء بصياح الديك (2).

و فيه: أنّه لا وجه للتعدّي عن الأولى إلى غير موردها، و العمل بالثانية في موردها مشكل، فضلا عن التعدّي منه إلى غيره، مع أنّ المنساق منها بلحاظ القرائن الخارجية الاطمئنان العرفي، و هو أخص من مطلق الظن.

و منها: قول عليّ (عليه السلام) في خبر إسماعيل بن جابر: «إنّ اللّه تعالى إذا حجب عن عباده عين الشمس التي جعلها دليلا على أوقات الصلاة فموسّع عليهم تأخير الصلوات ليتبيّن لهم الوقت» (3).

و قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في موثق سماعة في الصلاة إذا لم ير الشمس و القمر و النجوم: «تجتهد رأيك و تعمد القبلة جهدك» (4).

و عنه (عليه السلام) في موثق ابن بكير: «ربما صلّيت الظهر في يوم غيم فانجلت فوجدتني صلّيت حين زال النهار، فقال (عليه السلام): لا تعد و لا تعد» (5).

و بما ورد من أنّ الإمام الكاظم (عليه السلام): «كان في حبس الفضل بن الربيع يقوم للصلاة إذا أخبره الغلام بالوقت» (6).

و بخبر الكناني: «عن رجل صام ثمَّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت و في السماء علّة فأفطر، ثمَّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب، قال (عليه السلام): قد

ص: 160


1- تقدم ذكرها في صفحة: 152.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب المواقيت.
3- الوسائل باب: 58 من أبواب المواقيت حديث: 2.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب القبلة حديث: 2.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب المواقيت حديث: 16.
6- الوسائل باب: 59 من أبواب المواقيت حديث: 2.

حتّى يحصل اليقين، بل لا يترك هذا الاحتياط (23).

مسألة 5: إذا اعتقد دخول الوقت فشرع، و في أثناء الصلاة تبدل يقينه بالشك

(مسألة 5): إذا اعتقد دخول الوقت فشرع، و في أثناء الصلاة تبدل يقينه بالشك لا يكفي في الحكم بالصحة (24)، إلّا إذا كان حين

______________________________

تمَّ صومه و لا يقضيه» (1).

الكلّ لا يصلح للاعتماد عليه: أمّا خبر ابن جابر فمضافا إلى قصور سنده قصور الدلالة أيضا. و أمّا موثق سماعة فظاهره تعيّن القبلة بالاجتهاد، و التعدّي عنها إلى الوقت قياس. و أمّا موثق ابن بكير فإنّه على خلاف المطلوب أدلّ، و هو إرشاد إلى حسن التأخير في الجملة عند الموانع العامة و أمّا ما اشتمل على فعل الكاظم فهو قاصر سندا و دلالة، لإمكان حصول الوثوق له (عليه السلام) من قول الغلام مع ملاحظة سائر القرائن و أنّه جعله رقيبا للوقت ثقة به. و أمّا خبر الكناني فهو وارد في الصوم و حمل الصلاة عليه قياس، و لم يثبت عدم الفصل بينهما. و قد استدلّوا بأخبار أخر تكون كما ذكر في قصور الدلالة، فلم ينهض دليل معتبر في مقابل أصالة عدم اعتبار الظن، و قاعدة الاشتغال تكون حاكما عليها، هذا.

و لكن يمكن أن يقال: أنّ المناقشة في كلّ واحد ممّا ذكروا و إن أمكنت لكن من مجموعها مع عمل المشهور الذين فيهم الأساطين، و بناء الشريعة على السهولة خصوصا في مثل هذا الأمر العام البلوى سيّما في الأزمنة القديمة التي لم تتيسر معرفة الأوقات لكلّ أحد مع أنّ اعتبار الظنّ في عدد الركعات و في أفعال الصلاة، و في القبلة كما يأتي كلّ ذلك ممّا يوجب الاطمئنان بفتوى المشهور، كما في سائر الأحكام الاجتهادية المستندة إلى مثل هذه الاستظهارات.

(23) ظهر وجهه ممّا مرّ.

(24) إذ لا أثر للاعتقاد الزائل بالشك، و تقدّم أنّ المنساق من الدليل

ص: 161


1- الوسائل باب: 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.

الشك عالما بدخول الوقت، إذ لا أقلّ من أنّه يدخل تحت المسألة المتقدمة من الصحة مع دخول الوقت في الأثناء (25).

مسألة 6: إذا شك بعد الدخول في الصلاة في أنّه راعى الوقت و أحرز دخوله أم لا

(مسألة 6): إذا شك بعد الدخول في الصلاة في أنّه راعى الوقت و أحرز دخوله أم لا، فإن كان حين شكه عالما بالدخول (26) فلا يبعد الحكم بالصحة (27)، و الا وجبت الإعادة بعد الإحراز (28).

______________________________

الاعتقاد المستقر مع دخول الوقت في الأثناء.

(25) مع إحراز دخول الوقت حينئذ. و أمّا إذا علم بأنّه سيدخل الوقت في الأثناء فلا ينفع شيئا، كما تقدّم في ذيل المسألة الثالثة.

(26) أي حين التبيّن لا أن يعلم أنّه سيدخل بعد ذلك كما تقدّم في المسألة الثالثة.

(27) و لا إشكال فيها إن علم بوقوع تمام الصلاة في الوقت و إن علم بوقوع بعضها في خارج الوقت، أو احتمل ذلك، فمقتضى قاعدة الاشتغال عدم الإجزاء إلّا إذا قيل بشمول إطلاق ما تقدّم من حديث ابن رياح لهاتين الصورتين أيضا و هو مشكل، بل ممنوع، لظهوره فيما إذا كان قبل الشروع في الصلاة معتقدا بدخول الوقت لا أن يكون شاكا مترددا فيه.

(28) لقاعدة الاشتغال بلا دليل حاكم عليها. و لو أتمّها- في الفرض- برجاء المطلوبية و بعد الفراغ أحرز دخول الوقت في الأثناء، فلا يصح الحكم بالصحة، من جهة خبر ابن رياح (1)، لظهوره ممّن يعتقد دخول الوقت، فلا يشمل الشاك المتردّد كما مرّ، و هل يمكن التصحيح من جهة قاعدتي الصحة و الفراغ أو لا؟ وجهان لا يبعد الأوّل، لإطلاق دليلهما، و كونهما تسهيليان امتنانيان، و لا مقيّد في البين إلّا مفهوم خبر ابن رياح، و كونه حجّة أوّل الكلام

ص: 162


1- الوسائل باب: 25 من أبواب المواقيت و تقدم في صفحة: 145.
مسألة 7: إذا شك بعد الفراغ من الصلاة في أنّها وقعت في الوقت أو لا

(مسألة 7): إذا شك بعد الفراغ من الصلاة في أنّها وقعت في الوقت أو لا، فإن علم عدم الالتفات إلى الوقت حين الشروع وجبت الإعادة (29).

______________________________

و طريق الاحتياط واضح، و لو شكّ في الوقت، أو كان غافلا و صلّى، و حصل منه قصد القربة في الصورتين ثمَّ بان وقوع الصلاة في الوقت تصح و لا شي ء عليه، و لو بان الخلاف تبطل و كذا لو بقي الشك على حاله، و لكن البطلان في صورة الغفلة مبنيّ على عدم جريان قاعدة الفراغ و يأتي التفصيل.

(29) بناء على عدم جريان قاعدة الفراغ مع إحراز الغفلة حين الشروع في العمل، و لكن لا دليل يصح الاعتماد عليه، لاعتبار هذا الشرط بل مقتضى الإطلاقات- و كون الحكم تسهيليا امتنانيا- عدم اعتباره، مضافا إلى خبر حسين بن أبي العلاء قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الخاتم إذا اغتسلت قال: حوّله من مكانه و قال في الوضوء: تدره فإن نسيت حتّى تقوم في الصلاة، فلا آمرك أن تعيد الصلاة»(1).

نعم، في خبر بكر بن أعين قال: «قلت له: الرجل يشك بعد ما يتوضأ؟

قال: هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك» (2).

فإن كان قوله (عليه السلام): «أذكر منه حين يشك» علة تامة منحصرة للحكم، فلا تجري القاعدة مع الغفلة، و إن كان في مقام بيان بعض مناسبات الحكم و حكمه، كما هو الغالب في الأخبار، و في مقام بيان حال غالب المتوضئين، فيصح الأخذ بالإطلاق، لما ثبت في محلّه من أنّ الحكمة و الغلبة لا توجب التقييد في الإطلاقات، فالجزم بوجوب الإعادة مشكل، و تقدم منه (رحمه اللّه) في [مسألة 50] من (فصل شرائط الوضوء) الاحتياط فيها،

ص: 163


1- الوسائل باب: 41 من أبواب الوضوء حديث: 2.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 7.

و إن علم أنّه كان ملتفتا و مراعيا له و مع ذلك شك في أنّه كان داخلا أم لا بني على الصحة و كذا إن كان شاكا في أنّه كان ملتفتا أم لا (30).

هذا كلّه إذا كان حين الشك عالما بالدخول و إلّا لا يحكم بالصحة (31) مطلقا و لا تجري قاعدة الفراغ، لأنّه لا يجوز له حين الشك الشروع في الصلاة، فكيف يحكم بصحة ما مضى مع هذه الحالة؟

مسألة 8: يجب الترتيب بين الظهرين بتقديم الظهر

(مسألة 8): يجب الترتيب بين الظهرين بتقديم الظهر. و بين العشاءين بتقديم المغرب، فلو عكس عمدا بطل (32). و كذا لو كان جاهلا بالحكم (33).

______________________________

فراجع فإنّها متحدة مع المقام.

(30) لقاعدة الفراغ في الصورتين و شمول دليلها لهما.

(31) بل يحكم بالصحة، لعموم القاعدة لما إذا لم يعلم بالدخول حين الشك أيضا، و التعليل عليل، لجواز التفكيك بين مؤديات الأحكام الظاهرية بالعمل من جهة و المخالفة من جهة أخرى، كما في الشك في الطهارة و الاستقبال و نحوهما من الشرائط بعد الفراغ من الصلاة، فيصح ما أتى به من الصلاة مع أنّه لا يجوز له الدخول في صلاة أخرى إلّا بعد تحصيلها، فليكن المقام مثلها.

(32) بضرورة المذهب، بل الدين. هذا إن اكتفى بما أتى به بلا ترتيب. و أما لو أتى بالعصر أولا ثمَّ أتى بالظهر ثمَّ أتى بعصر فهل يجزي حينئذ أو لا؟ وجهان.

(33) بناء على اختصاص حديث «لا تعاد» (1) بخصوص الناسي و عدم

ص: 164


1- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة و تقدم في صفحة: 70.

و أما لو شرع في الثانية قبل الأولى غافلا، أو معتقدا لإتيانها عدل بعد التذكر إن كان محلّ العدول باقيا، و إن كان في الوقت المختص بالأولى على الأقوى كما مرّ، لكن الأحوط الإعادة في هذه الصورة.

و إن تذكر بعد الفراغ صح و بنى على أنّها الأولى في متساوي العدد- كالظهرين تماما أو قصرا- و إن كان في الوقت المختص على الأقوى، و قد مرّ أنّ الأحوط أن يأتي بأربع ركعات أو ركعتين بقصد ما في الذمة و أما في غير المتساوي كما إذا أتى بالعشاء قبل المغرب و تذكر بعد الفراغ، فيحكم بالصحة و يأتي بالأولى. و إن وقع العشاء في الوقت المختص بالمغرب، لكن الأحوط في هذه الصورة الإعادة.

مسألة 9: إذا ترك المغرب و دخل في العشاء غفلة

(مسألة 9): إذا ترك المغرب و دخل في العشاء غفلة، أو نسيانا، أو معتقدا لإتيانها فتذكر في الأثناء عدل إلّا إذا دخل في ركوع الركعة الرابعة، فإنّ الأحوط حينئذ إتمامها عشاء ثمَّ إعادتها بعد الإتيان بالمغرب (34).

______________________________

شموله للجاهل و إلّا فيصح و لا دليل على الاختصاص إلّا دعوى الانصراف.

نعم، ظهور التسالم، و الإجماع- على أنّ الجاهل بالحكم مطلقا كالعامد إلّا ما خرج بالدليل حتّى أرسلوا ذلك إرسال المسلّمات الفقهية- يمنع عن التمسك بعموم الحديث، لمورد الجهل بالحكم، و لكنّه مع ذلك محلّ تردد، إذ الحديث تسهيلي و امتناني، و الامتنانيات مقدمة على جلّ الأحكام لو لا كلّها إلّا مع نص صحيح، أو إجماع معتبر على الخلاف، و نتعرض لتفصيل الحال في مستقبل المقال إن شاء اللّه تعالى، و تقدم ما يتعلق ببقية المسألة في المسألة الثالثة من (فصل أوقات اليومية و نوافلها) فلا وجه للإعادة.

(34) تقدم حكم هذه المسألة في المسألة الثالثة أيضا و قد

ص: 165

مسألة 10: يجوز العدول في قضاء الفوائت أيضا من اللاحقة إلى السابقة

(مسألة 10): يجوز العدول في قضاء الفوائت أيضا من اللاحقة إلى السابقة (35) بشرط أن يكون فوت المعدول عنه معلوما.

______________________________

جزم (رحمه اللّه) هناك ببطلان العشاء و ذكرنا هناك أنّه لا وجه للبطلان فراجع و لا وجه للإعادة.

(35) لظهور الإجماع و التسالم، و لا نص عليه بالخصوص إذ المنصوص خصوص العدول من الحاضرة إلى مثلها أو إلى الفائتة، و قد يستشهد للمقام بالأولوية، و بأنّ القضاء في حكم الأداء إلا ما خرج بالدليل. و الأول قياس و الثاني يحتاج إلى دليل للتعميم و هو مفقود.

و لباب القول: أنّ الشقوق العقلية المتصورة في العدول أربعة: لأنّه إما من الحاضرة إلى الحاضرة، أو منها إلى الفائتة، أو من الفائتة إلى مثلها، أو من الفائتة إلى الحاضرة. و قد ورد النص (1) في الأولين و ادّعي الإجماع فيهما بخلاف الأخيرين، و مقتضى الأصل عدم جواز العدول، فتبقى الأخيرة تحت الأصل كما يأتي في المسألة اللاحقة.

ثمَّ إنّه لا بأس بالإشارة- إجمالا- إلى قاعدة عدم جواز العدول بالنية في أثناء عمل إلى آخر، و قد استدلوا عليه بأمور:

منها: الإجماع المتكرر في كلماتهم.

و منها: سيرة المتشرعة.

و منها: القاعدة المقرّرة في العلوم العقلية من أنّ الشي ء لا يتغيّر عمّا وقع عليه».

و منها: الأصل.

و منها: أنّ موارد تحديد العدول في الصلاة، و الحج خرجت بالنص الخاص، فيستكشف عدم الجواز في غير المنصوص.

ص: 166


1- راجع الوسائل باب: 63 من أبواب المواقيت.

و أما إذا كان احتياطيّا، فلا يكفي العدول في البراءة من السابقة و إن كانت احتياطية أيضا، لاحتمال اشتغال الذمة واقعا بالسابقة دون اللاحقة، فلم يتحقق العدول من صلاة إلى أخرى، و كذا الكلام في

______________________________

و منها: أنّه لم يعهد ذلك من النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و المعصومين و أصحابهم.

و الكل قابل للخدشة، أمّا الأول فالشك في تعبديته يكفي في عدمها، لاحتمال أن يكون التسالم حصل مما ذكرناه من الوجوه المغروسة في أذهانهم الشريفة، و أما الثاني: فهو مسلّم، لكنّه لا يدل على البطلان لو عدل، لأنّ السيرة فعل مجمل لا يدل على حرمة العدول، و أما الثالث: فهي مسلّمة في التكوينيات دون الاعتباريات و الجعليات، و أما الرابع: فيمكن أن يقرّر الأصل بأنّه من الشك في أصل الشرطية لا الفراغ حتّى يكون مورد الاحتياط، و أمّا الخامس: بأنّ عدم التعهد منهم أعمّ من عدم الجواز كما هو واضح، فلا محذور ثبوتا في أن تكون العبادات كالعقود في إمكان تصحيحها بالإجازة سواء كانت قبل تحققها، أو في أثنائها، أو بعدها، و يدل عليه قوله (عليه السلام) فيما تقدم من الصحيح: «إنّما هي أربع مكان أربع» (1).

و يشهد له ما ورد في امتداد وقت النية في الصوم الواجب غير المعيّن إلى الزوال و في المندوب إلى قبل الغروب(2) هذا، و لكن مثل هذه الشبهات مما لا تخفى على الأساطين، و مع ذلك التزموا بعدم جواز العدول مطلقا إلّا ما خرج بالدليل و جعلوا ذلك قاعدة مسلّمة بحيث يستدل بها لا عليها و بذلك يكشف أنّ ما تعرّضنا له من الشبهات من الشبهة في مقابل البديهة، فمقتضى القاعدة عدم جواز العدول مطلقا إلّا ما خرج بالدليل في الأثناء فضلا عما بعد الفراغ.

ص: 167


1- الوسائل باب: 63 من أبواب المواقيت: 1.
2- الوسائل باب: 2 و 3 من أبواب وجوب الصوم.

العدول من حاضرة إلى سابقتها فإنّ اللازم أن يكون الإتيان باللاحقة من باب الاحتياط و إلّا لم يحصل اليقين بالبراءة من السابقة بالعدول، لما مرّ.

مسألة 11: لا يجوز العدول من السابقة إلى اللاحقة

(مسألة 11): لا يجوز العدول من السابقة إلى اللاحقة (36) في الحواضر و لا في الفوائت، و لا يجوز من الفائتة إلى الحاضرة و كذا من النافلة إلى الفريضة و لا من الفريضة إلى النافلة إلّا في مسألة إدراك الجماعة، و كذا من فريضة إلى أخرى إذا لم يكن بينهما ترتيب، و يجوز من الحاضرة إلى الفائتة. بل يستحب في وسعة وقت الحاضرة.

مسألة 12: إذا اعتقد في أثناء العصر أنّه ترك الظهر فعدل إليها

(مسألة 12): إذا اعتقد في أثناء العصر أنّه ترك الظهر فعدل إليها ثمَّ تبيّن أنّه كان آتيا بها، فالظاهر جواز العدول منها إلى العصر ثانيا، لكن لا يخلو عن إشكال (37) فالأحوط بعد الإتمام الإعادة

______________________________

(36) لما تقدم في قاعدة عدم جواز العدول إلّا فيما دلّ عليه الدليل، و لا دليل عليه إلّا فيما مرّ في المسألة السابقة، و تقدم في [مسألة 3] من (فصل أوقات الفريضة) و يأتي في [مسألة 20] من (فصل النية) و [27] من (فصل أحكام الجماعة)، و [28] من (فصل قضاء الصلاة) ما ينفع المقام.

(37) ينشأ من صدق العدول في النية من السابقة إلى اللاحقة في الجملة خصوصا إذا أتى بشي ء من أجزاء السابقة، فلا يجوز. و من أنّ العدول الممنوع منه إنّما هو فيما إذا لم ينطبق عليه عنوان الخطإ في التطبيق قهرا كما في المقام، فإنّه قاصد للأمر الفعلي واقعا، فزعم أنّه الظهر ثمَّ بان الخلاف فمقتضى استصحاب الصحة عدم البطلان خصوصا إذا لم يأت بشي ء من أجزاء المعدول إليه حين العدول.

و بعبارة أخرى: نفس العدول من حيث هو عدول ليس من المبطلات ما

ص: 168

أيضا (38).

مسألة 13: المراد بالعدول أن ينوي كون ما بيده هي الصلاة السابقة

(مسألة 13): المراد بالعدول أن ينوي كون ما بيده هي الصلاة السابقة بالنسبة إلى ما مضى منها و ما سيأتي (39).

مسألة 14: إذا مضى من أول الوقت مقدار أداء الصلاة بحسب حاله في ذلك الوقت

(مسألة 14): إذا مضى من أول الوقت مقدار أداء الصلاة بحسب حاله في ذلك الوقت من السفر، و الحضر، و التيمم و الوضوء و المرض و الصحة و نحو ذلك- ثمَّ حصل أحد الأعذار المانعة من التكليف بالصلاة- كالجنون و الحيض و الإغماء وجب عليه القضاء (40)، و إلّا لم يجب. و إن علم بحدوث العذر قبله و كان له هذا

______________________________

لم ينطبق عليه عنوان خارجيّ من العناوين المبطلة من فقد النية في بعض أجزاء المعدول إليه، أو زيادة الركن أو نحو ذلك و الكلّ منتف في المقام سيّما مع عدم الإتيان بشي ء من أجزاء المعدول إليه، بل و مع الإتيان به أيضا، لأنّ مقتضى الأصل و حديث «لا تعاد» (1) الصحة ما لم تكن من الخمسة.

(38) ظهر وجه الاحتياط فيما مرّ.

(39) العدول في النية من الأمور الوجدانية لكلّ أحد، و ما ورد في الأخبار كقوله (عليه السلام): «فانوها الأولى» (2)، و قوله (عليه السلام):

«فانوها العصر» (3)، و قوله (عليه السلام): «فانوها المغرب» أو قوله (عليه السلام): «انوها العشاء» (4).

إلى غير ذلك من الأخبار وردت تقريرا لحكم الوجدان لا أن يكون من التعبد.

(40) عمدة الاحتمالات في وجوب القضاء أربعة:

ص: 169


1- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة و سبق في صفحة: 70.
2- راجع الوسائل باب: 63 من أبواب المواقيت.
3- راجع الوسائل باب: 63 من أبواب المواقيت.
4- راجع الوسائل باب: 63 من أبواب المواقيت.

.....

______________________________

الأول: دورانه مدار فعلية التكليف بالأداء من كلّ جهة حتّى بالنسبة إلى المقدمات الاختيارية.

الثاني: دورانه مدار ذات الصلاة من حيث هي بمراتبها الاضطرارية مطلقا.

الثالث: دورانه مدار ثبوت المقتضي للصلاة و لو لم يصل إلى مرتبة الفعلية.

الرابع: دورانه مدار التكليف الفعلي بالصلاة مع الطهارة فقط و لو لم تكن باقي الشرائط حاصلة، و مقتضى كثرة اهتمام الشارع بالصلاة هو الوجه الثالث، فتجري أصالة وجوب القضاء إلّا ما خرج بالدليل و على هذا لا يكون القضاء تابعا للأداء- كما صرّح به في الجواهر في باب القضاء- كما في النائم و الناسي ممن لا خطاب بالنسبة إليهم، فكل من تمكن من الصلاة و لو بأبدالها الاضطرارية و لم يأت بها لمانع وجب عليه القضاء و هذا القول حسن ثبوتا، و طريق استظهاره كثرة اهتمام الشارع بالصلاة، و لكن ما ورد في قضاء الحائض للصلاة ينافيه، مع أنّ هذا التضييق ينافي الشريعة المبنية على التوسعة و التسهيل، فيكون المستفاد من الأدلّة، و من توسعة الشريعة هو الوجه الأول راجع [مسألة 31] من (فصل أحكام الحائض) و يأتي في باب القضاء بعض الكلام أيضا، مع أنّ الشك في وجوب القضاء يكفي في عدم وجوبه، للبراءة العقلية و الشرعية، و لا يصح التمسك بإطلاقات أدلته، لأنّها في مقام بيان أصل وجوبه في الجملة و ليست متكفّلة للحالات و الخصوصيات المعتبرة في التكليف الاختياري و الاضطراري و سائر الجهات كما لا يخفى، و لا وجه لاستصحاب بقاء التكليف بالأداء، للشك في ثبوته الأدائي أيضا. فكيف يستصحب مع عدم اليقين السابق. نعم، لو تيقن به لا بأس بالاستصحاب بناء على أنّ الوقت و خارجه من الحالات العارضة للتكليف لا أن يكون من المقوّمات حتّى يتبدل الموضوع بهما.

و بالجملة: وجوب القضاء في الصورة المفروضة في المتن مسلّم نصّا،

ص: 170

المقدار وجبت المبادرة إلى الصلاة (41).

و على ما ذكرنا، فإن كان تمام المقدّمات حاصلة في أول الوقت يكفي مضيّ مقدار أربع ركعات للظهر و ثمانية للظهرين و في السفر يكفي مضيّ مقدار ركعتين للظهر و أربعة للظهرين و هكذا بالنسبة إلى المغرب و العشاء. و إن لم تكن المقدّمات أو بعضها حاصلة لا بد من مضيّ مقدار الصلاة و تحصيل تلك المقدمات. و ذهب بعضهم (42) إلى كفاية مضيّ مقدار الطهارة و الصلاة في الوجوب و إن لم يكن سائر المقدمات حاصلة، و الأقوى الأول و إن كان هذا القول أحوط.

مسألة 15: إذا ارتفع العذر المانع من التكليف في آخر الوقت

(مسألة 15): إذا ارتفع العذر المانع من التكليف في آخر الوقت (43)، فإن وسع للصلاتين وجبتا، و إن وسع لصلاة واحدة أتى

______________________________

و فتوى، و أصلا و في غيره مشكوك و لا دليل لوجوبه بحيث يصح الاعتماد عليه.

(41) لكونها مضيقة حينئذ و لو تركها وجب القضاء لتنجز التكليف بالأداء.

(42) نسب ذلك إلى جمع منهم المحقق في ظاهر الشرائع، و تقدم ما يصلح وجها له مع المناقشة فيه، و يمكن أن يكون نظرهم (رحمهم اللّه) إلى قولهم (عليهم السلام): «الصلاة ثلاثة أثلاث: ثلث طهور، و ثلث ركوع، و ثلث سجود» (1).

فإنّ إطلاق مثل هذه التعبيرات يشهد للاكتفاء بدرك هذه الأمور الثلاثة في وجوب القضاء. و فيه ما لا يخفى.

(43) تقدم حكم هذه المسألة في [مسألة 3 و 4 و 11] من (فصل أوقات اليومية).

ص: 171


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الركوع حديث: 1.

بها، و إن لم يبق إلّا مقدار ركعة وجبت الثانية فقط، و إن زاد على الثانية بمقدار ركعة وجبتا معا. كما إذا بقي إلى الغروب في الحضر مقدار خمس ركعات، و في السفر مقدار ثلاث ركعات، أو إلى نصف الليل مقدار خمس ركعات في الحضر، و أربع ركعات في السفر.

و منتهى الركعة تمام الذكر الواجب من السجدة الثانية (44). و إذا كان ذات الوقت واحدة- كما في الفجر- يكفي بقاء مقدار ركعة (45).

مسألة 16: إذا ارتفع العذر في أثناء الوقت المشترك بمقدار صلاة واحدة

(مسألة 16): إذا ارتفع العذر في أثناء الوقت المشترك بمقدار صلاة واحدة. ثمَّ حدث ثانيا- كما في الإغماء و الجنون الأدواري- فهل يجب الإتيان بالأولى، أو الثانية، أو يتخيّر وجوه (46).

مسألة 17: إذا بلغ الصبيّ في أثناء الوقت وجب عليه الصلاة إذا أدرك مقدار ركعة أو أزيد

(مسألة 17): إذا بلغ الصبيّ في أثناء الوقت وجب عليه الصلاة إذا أدرك مقدار ركعة أو أزيد (47). و لو صلّى قبل البلوغ، ثمَّ

______________________________

(44) إتمام الركعة بتمام الذكر الواجب من السجدة الثانية، لتمامية واجبات السجدة، و الركعة بذلك و رفع الرأس من السجود ليس من واجباته و مقوّماته، بل هو مقدمة محضة لإتيان سائر واجبات الصلاة و يأتي في [مسألة 3] من فصل الشك في الركعات ما ينفع المقام فراجع.

(45) لقاعدة من أدرك.

(46) لا وجه لوجوب إتيان الثانية، لمكان الترتيب و عدم دليل على سقوطه. كما لا وجه للتخيير، لاحتمال الأهمية، لإتيان الأولى انظر [مسألة 3] من (فصل أوقات اليومية).

(47) لتحقق المقتضي- و هو عمومات أدلة التكاليف- و فقد المانع- و هو الصغر- و قاعدة من أدرك، فلا بد من الوجوب و الإجزاء بعد الإتيان.

ص: 172

بلغ في أثناء الوقت فالأقوى كفايتها (48)، و عدم وجوب إعادتها و إن كان أحوط (49). و كذا الحال لو بلغ في أثناء الصلاة (50).

مسألة 18: يجب في ضيق الوقت الاقتصار على أقلّ الواجب

(مسألة 18): يجب في ضيق الوقت الاقتصار على أقلّ الواجب (51) إذا استلزم الإتيان بالمستحبات وقوع بعض الصلاة خارج

______________________________

(48) لعمومات أدلة التكاليف و إطلاقاتها، و لا مانع في البين إلّا حديث «رفع القلم عن الصبيّ حتّى يحتلم» (1)، و حديث «عمد الصبيّ خطأ» (2).

و دعوى الإجماع عن بعض على عدم شرعية عبادات الصبيّ، و إنّما هي تمرينية فقط.

و المنساق من الأول رفع الإلزام و العقاب فقط، لأنّه في مقام الامتنان و يكفي رفعهما فيه. و الثاني مختص بالديات. و عهدة إثبات الأخير على مدعيه، فالملاك عام و الدليل شامل و المانع مفقود، فالتعميم متعيّن، و يأتي في (فصل قضاء الصلاة) و في كتاب الصوم و الحج التعرض لهذه المسألة أيضا، و هي سيّالة في جميع عبادات الصبيّ، و هي إذا اجتمعت الشرائط عين عبادات البالغين إلّا في وصف الوجوب و عدمه، و هو خارج عن حقيقة المأمور به، و لا يعتبر في القصد أيضا، و يأتي في كتاب الحج بعض الكلام.

(49) ظهر وجه الاحتياط مما تقدم.

(50) لشمول ما تقدم من الأدلة لهذه الصورة أيضا، بل بالأولى، كما لا يخفى.

(51) لأنّ إدراك الوقت أهمّ من إتيان ما زاد على أقلّ الواجب، و مقتضى القاعدة حينئذ ترك المهمّ لدرك الأهمّ.

ص: 173


1- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب العاقلة حديث: 3.

الوقت، فلو أتى بالمستحبات مع العلم بذلك يشكل صحة صلاته، بل تبطل على الأقوى (52).

مسألة 19: إذا أدرك من الوقت ركعة أو أزيد يجب ترك المستحبات محافظة على الوقت بقدر الإمكان

(مسألة 19): إذا أدرك من الوقت ركعة أو أزيد يجب ترك المستحبات محافظة على الوقت بقدر الإمكان (53). نعم، في المقدار الذي لا بدّ من وقوعه خارج الوقت لا بأس بإتيان المستحبات (54).

مسألة 20: إذا شك في أثناء العصر في أنّه أتى بالظهر أم لا

(مسألة 20): إذا شك في أثناء العصر في أنّه أتى بالظهر أم لا، بنى على عدم الإتيان و عدل إليها إن كان في الوقت المشترك، و لا

______________________________

(52) لوجوه استدل بها عليه:

منها: أنّ الأمر بالشي ء يقتضي النّهي عن ضدّه.

و منها: أنّ الإتيان بما زاد على أقلّ الواجب تشريع مبطل.

و منها: أنّه من الزيادة العمدية المبطلة.

و منها: انطباق كلام الآدمي عليه.

و الكلّ مردود: أمّا الأول فلما ثبت في محلّه من عدم الاقتضاء، و على فرضه فلا وجه لبطلان أصل الصلاة. و أمّا الثاني فلأنّ التشريع أمر قصدي متقوّم بالقصد، و المفروض عدم تحققه، و على فرضه فكونه من القبح الفاعليّ مسلّم، و أمّا كونه موجبا لبطلان العمل في المقام فهو أول الكلام و أمّا الثالث فلأنّه كيف يكون من الزيادة العمدية مع بقاء ملاك الاستحباب و أمّا الأخير فهو خلاف مرتكزات المتشرعة، فلا تصلح مثل هذه الوجوه للفتوى و إن صلحت للاحتياط.

إلّا أن يقال بانطباق الجرأة و المبغوضية على مثل هذا العمل، و العمل الذي يجترئ به على المولى لا يصلح للتقرب به لديه.

(53) لما مرّ من لزوم تقديم الأهم على المهم.

(54) لعموم أدلتها، و إطلاقاتها الشاملة لهذه الصورة أيضا.

ص: 174

تجري قاعدة التجاوز (55).

نعم، لو كان في الوقت المختص بالعصر يمكن البناء على الإتيان باعتبار كونه من الشك بعد الوقت (56).

______________________________

(55) لأنّ موردها- كما هو ظاهر أدلتها- الأجزاء التي لها وحدة اعتبارية في تحقق عمل واحد، فلا تشمل ما إذا كان واجبا نفسيا و تكليفا مستقلا و إن كان له نحو شرطية في التذكر لعمل آخر، و لو شككنا في أنّ مثل المقام من مجاريها لا يصح التمسك بعموم أدلّتها، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

و ما يتوهم من شمول إطلاق صحيح زرارة (1) الدال على جريان القاعدة في ما إذا شك في القراءة و هو في الركوع، لأنّ القراءة ليست جزءا في حال النسيان للمقام أيضا. مردود: لأنّ جزئيتها و وجوبها الغيري لا ريب فيهما نصّا و إجماعا، فيتحقق مجرى القاعدة من حيث الجزئية الواقعية و لا ينافي في ذلك سقوطها في ظرف النسيان، بخلاف ما نحن فيه حيث إنّ الظهر واجب مستقل من كلّ جهة، و لا وجه لتوهم الغيرية أو الجزئية فيه.

إن قيل: نعم، هما يشتركان في جامع الشرطية في حال التذكر. يقال:

هذا لا يدل على التعميم في مجرى القاعدة بعد كون المنساق من أدلتها الأجزاء و الواجبات الغيرية. هذا إذا كان الشك في أثناء العصر و أما إن كان بعد العلم بإتيان العصر فيأتي حكمه في [مسألة 1] من فصل الشك.

(56) بناء على شمول دليل الشك بعد الوقت لمثله أيضا، و لم نقل باختصاصه بما إذا خرج الوقت تكوينا، كالمغرب بالنسبة إلى الظهرين مثلا.

و اللّه تعالى هو العالم.

ص: 175


1- الوسائل باب: 23 من أبواب خلل الصلاة حديث: 1.

فصل في القبلة

اشارة

(فصل في القبلة)

فصل في معنى القبلة

اشارة

و هي المكان الذي وقع فيه البيت- شرّفه اللّه تعالى- من تخوم الأرض إلى عنان السماء، للناس كافة، القريب و البعيد، لا خصوص البنية (1)، و لا يدخل فيه شي ء من حجر إسماعيل (2)، و إن وجب (فصل في القبلة)

______________________________

(1) بإجماع المسلمين، بل بالضرورة من الدّين، و قال الصادق (عليه السلام): «أساس البيت من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا» (1).

و قال (عليه السلام) في خبر عبد اللّه بن سنان حين سأله عن الصلاة على أبي قبيس و الكعبة تحته: «نعم، إنّها قبلة من موضعها إلى السماء» (2).

و لو فرض- و العياذ باللّه- زوال البينة لا تزول القبلة أبدا، كما أنّ محلّها كان قبلة قبل بنائها، فعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر أبي كثير: «إنّ اللّه بعث جبرئيل إلى آدم (عليه السلام) فنزل غمام من السماء فأظلّ مكان البيت، فقال جبرئيل (عليه السلام): يا آدم خطّ برجلك حيث أظلّ الغمام فإنّه قبلة لك و لآخر عقبك من ولدك» (3).

(2) لصحيح معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن

ص: 176


1- الوسائل باب: 18 من أبواب القبلة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب القبلة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب القبلة حديث: 7.

..........

______________________________

الحجر أ من البيت هو أم فيه شي ء من البيت؟ قال (عليه السلام): لا و لا قلامة ظفر، و لكن إسماعيل دفن فيه أمه فكره أن يوطأ فجعل عليه حجرا، و فيه قبور أنبياء» (1).

و تدل على أنّ فيه قبر إسماعيل أو عذارى بناته و قبور الأنبياء جملة من الأخبار (2)، و في الآيات و الأخبار قرائن على أنها ليست من الكعبة حقيقة:

منها: إطلاق لفظ الكعبة من زمان إبراهيم، بل من زمان بناء الملائكة لها، و هي عبارة عن المربع المكعب و لا يطلق على المستطيل.

و منها: أنّه يبعد عن مثل إسماعيل (عليه السلام) أن يدفن بناته في جوف الكعبة.

و منها: أنّه لو كان من الكعبة لا وجه لجعل فتحتين فيه من أول حدوثه، كما تشهد به التواريخ.

و منها: أنّه لو كان منها لأشير إليه في خبر من أخبار المعصومين الذين هم أهل البيت، بل دلت أخبارهم (عليهم السلام) على أنّه ليس من البيت.

و منها: أنّه لم ينقل عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و لا عن أوصيائه و لا عن أحد من أصحابه أنّهم صلّوا إليه بحيث لم يكن متوجها إلى البيت، فلو كان منها لم لم يصلّوا إليه و لم ينقل ذلك منهم؟! نعم، نسب إلى بعض العامة أنّه منها و أنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) كان يهتم بإدخاله في البيت، و عن بعضهم: إنّ فيه ستة أذرع من البيت، لما عن عائشة: «إنّي نذرت أن أصلّي ركعتين في البيت، فقال النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) «صلّ في الحجر، فإنّه فيه ستة أذرع من البيت»(3).

و نسب شيخنا الشهيد في الذكرى إلى أصحابنا أنّ الحجر من البيت، و عن

ص: 177


1- راجع الوسائل باب: 30 من أبواب الطواف حديث: 1 و غيره.
2- راجع الوسائل باب: 30 من أبواب الطواف حديث: 1 و غيره.
3- المغني ج: 3 ص: 382.

إدخاله في الطواف (3). و يجب استقبال عينها، لا المسجد أو الحرم و لو للبعيد (4).

______________________________

العلامة في المنتهى جواز الصلاة إليه.

و الكلّ باطل: لأنّه اجتهاد في مقابل قول صادق أهل البيت- الذي هو أدرى بما في البيت- فيما تقدم من صحيح ابن عمار أنّه ليس منه، و لا قلامة ظفر. نعم إنّه من البيت من حيث الدخول في الطواف بإجماعهم و نصوصهم، و لا ملازمة بين وجوب إدخاله في الطواف، و كونه قبلة، مع أنّه لو كان لدخوله في البيت مدرك صحيح حتّى عند العامة لاهتم خلفاء بني أميّة و بني العباس في إدخاله في البيت، فإنّه من أجلى آثارهم و أهم مفاخرهم خصوصا بعد ما قيل من أنّ الزبير أدخله في البيت و أخرجه الحجاج، و لم يعلم من التاريخ معارضة فقهاء العامة لما فعله الحجاج.

و بالجملة: لم يبق في البين ما يصح الاعتماد عليه لدخول شي ء منه في البيت و ما تقدّم من قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) و قوله (عليه السلام) أيضا:

من أنّ «الحجر مدفن إسماعيل و أمه و بناته حجر عليه كراهة أن لا يوطأ».

ظاهر، بل نص في الخروج و قرّره الشارع، لأنّ لإسماعيل و أبيه خليل الرحمن (عليهما السلام) كان حق بناء البيت و خدمته و سدانته فيستحق أن يتفضل اللّه تعالى عليه بهذه الفضيلة العظمى التي تبقى أبد الدهر.

(3) لما يأتي في كتاب الحج مفصلا إن شاء اللّه تعالى.

(4) للإطلاقات و العمومات المشتملة على لفظ الكعبة و البيت الشاملة للقريب و البعيد، مع أنّ كون الكعبة المقدسة قبلة المسلمين من الضروريات بينهم يعرفها الصبيان و يلقّن به الموتى، و يقسم بها الناس، بل يعرف أهل سائر الأديان أنّ قبلة المسلمين الكعبة المقدسة. و قد ورد في النصوص الكثيرة لفظ البيت و الكعبة، كقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث عيسى ابن موسى:

ص: 178

.....

______________________________

«و هذا بيت- إلى أن قال- و جعله محلّ أنبيائه و قبلة للمصلّين إليه» (1).

و عنه (عليه السلام) في صحيح عبد اللّه بن سنان أنّه قال: «إنّ للّه عزّ و جل حرمات ثلاثا: ليس مثلهنّ شي ء: كتابه و هو حكمة و نور، و بيته الذي جعله قبلة للناس لا يقبل من أحد توجها إلى غيره، و عترة نبيكم (صلّى اللّه عليه و آله)» (2).

و في احتجاج النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) على المشركين قال (صلّى اللّه عليه و آله): «إنّا عباد اللّه مخلوقون مربوبون نأتمر له فيما أمرنا و ننزجر له عمار زجرنا- إلى أن قال:- «فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعنا ثمَّ أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي تكون بها فأطعنا» (3).

فلا ريب في ذلك في الجملة، و إنّما البحث في جهتين:

الجهة الأولى: و فيها أمور:

الأول: أنّ الاستقبال من أهم الأمور الابتلائية بين المسلمين في صلواتهم و مذابحهم و مدافنهم و دعواتهم و غير ذلك، و من عادة الشارع الاهتمام ببيان خصوصيات الأمور الابتلائية و تحديد حدودها و بيان قيودها، و مع ذلك لم يرد منه إلّا جملة من الإطلاقات كتابا و سنة، قال تعالى وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (4)، و قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (5).

و قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «نعم، إنّها قبلة من موضعها إلى السماء» (6).

و قال (عليه السلام) أيضا: «إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة» (7).

ص: 179


1- الوسائل باب: 2 من أبواب القبلة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب القبلة حديث: 10.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب القبلة حديث: 14.
4- سورة البقرة: 144.
5- سورة البقرة: 144.
6- الوسائل باب: 18 من أبواب القبلة حديث: 1.
7- الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

.....

______________________________

و قال (عليه السلام) أيضا في حديث البراء: «أوصى إذا دفن يجعل وجهه تلقاء النبي (صلّى اللّه عليه و آله) إلى القبلة- إلى أن قال:- فجرت به السنة» (1).

و قال (عليه السلام): «لا صلاة إلّا إلى القبلة» (2).

إلى غير ذلك مما هو ظاهر في ابتناء الاستقبال على الشائع المتعارف بين الناس في كيفية توجههم إلى الأمكنة البعيدة، لقاعدة أنّ كلّ ما لم يرد فيه تحديد من الشارع فالعرف هو المحكم، و قال في الجواهر:

«و كيفية استقبالها أمر عرفي لا مدخل للشرع فيه».

الثاني: الاستقبال و التوجه إلى الشي ء من المبينات العرفية يكفي فيهما الصدق العرفي إلّا إذا ورد دليل شرعي على الخلاف، و حيث لم يرد دليل شرعي على تحديد خاص في جميع ما يعتبر فيه الاستقبال مع أنّ بيان قيود المكلّف به و حدوده على عهدة الشارع فيتعيّن أن يكون المرجع هو الصدق العرفي فقط، كما في سائر متعلقات التكاليف التي لم يرد في تحديدها حدّ شرعي، و يدل عليه خبر أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «قلت له:

إنّ اللّه أمره أن يصلّي إلى بيت المقدس؟ قال: نعم، أ لا ترى أنّ اللّه يقول:

وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ- الآية-، ثمَّ قال: إنّ بني عبد الأشهل أتوهم و هم في الصلاة قد صلّوا ركعتين إلى بيت المقدس، فقيل لهم: إنّ نبيّكم صرف إلى الكعبة فتحوّل النساء مكان الرجال، و الرجال مكان النساء، و جعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة فصلّوا صلاة واحدة إلى قبلتين، فلذلك سمّي مسجدهم القبلتين» (3).

فإن توجه المصلّين في أثناء صلاتهم إلى القبلة بفطرتهم و تقرير النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) لهم يكشف عن أنّه من العرفيات، و يشهد له أيضا أنّه

ص: 180


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الوصايا حديث: 1.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب القبلة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب القبلة حديث: 2.

.....

______________________________

لم يعهد من أحد من المعصومين (عليهم السلام) و لا من أصحابهم ما هو خارج عن المتعارف بالنسبة إلى الاستقبال، و يشهد له أيضا ذكر المسجد الحرام في الآيات الكريمة و ليس ذلك إلّا لأجل التوسعة لا الدقة.

الثالث: قد ورد في تحديد هذا الأمر العام البلوى الذي هو من أهم الأمور الإسلامية ما في خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: «قلت:

و أين حدّ القبلة؟ قال: ما بين المشرق و المغرب قبلة كلّه»(1).

و ما في خبر محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «سألته عن القبلة، فقال: ضع الجدي في قفاك و صلّه» (2).

و ما في تفسير النعماني عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، قال: «معنى شطره: نحوه إن كان مرئيّا، و بالدلائل و الأعلام إن كان محجوبا» (3).

و سياقها ليس إلّا الإرشاد إلى ما هو عند العرف لا أن يكون في البين تعبد خاص. و لو عمل بإطلاق الأولين لزم التوسعة في أمر القبلة بما لا يقبله عرف المتشرعة أيضا، بل فيها مخالفة للإجماع بقسميه، فإنّ الاستقبال إمّا دقّيّ عقليّ و هو مقطوع بخلافه، لعدم ابتناء الشريعة السمحة على الدقيات العقلية مطلقا، مع امتناع ذلك. و إمّا دقي عرفيّ على نحو ما هو المتعارف في العرفيات الدائرة لدى الناس في جميع أمورهم. و جميع الأدلة منزلة على هذا إلّا أن يدل دليل على الخلاف. و أما مسامحيّ عرفيّ و قد اختار المحقق الأردبيلي (قدّس سرّه) هذا القسم، و لكن قال في الجواهر:

إنّه مخالف لإجماع الأصحاب بقسميه».

فيتعيّن القسم الثاني. فالاستقبال ليس من الأمور التعبدية و لا من الأمور

ص: 181


1- الوسائل باب: 10 من أبواب القبلة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب القبلة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب القبلة حديث: 4.

.....

______________________________

الدقية، و لا من الموضوعات المستنبطة، و لا من الأمور المسامحية العرفية، بل هو عرفي دقيّ، لأنّه المنساق من الأدلة.

و من ذلك كلّه يظهر أنّ مقتضى الإطلاقات و القرائن الخاصة و العامة أنّ الكعبة قبلة و يجب استقبالها على المكلّفين من القريب و البعيد أجمعين، و المراد به ما يصدق به الاستقبال عرفا بحيث يحكم العرف المتعارف أنّه واقف نحو الكعبة، فيتحقق مفهوم الاستقبال حينئذ من دون تجوّز، سواء اتصل الخط الفرضي الخارج من جهة إلى عين الكعبة أو لا، بل لو أمكن ذلك بغير عذر لا يجب، لصدق الاستقبال العرفي بدونه أيضا و هو يكفي بحسب الأدلة الشاملة للقريب و البعيد و إرادة غير ذلك من الأدلة المنزلة على العرفيات تكلّف زائد بلا دليل عليه فيرجع فيه إلى أصالة البراءة العقلية و النقلية.

الجهة الثانية: عن جمع من المتقدمين- منهم الشيخ (رحمه اللّه)- أنّ الكعبة قبلة لمن في المسجد، و المسجد قبلة لمن في الحرم، و الحرم قبلة لمن هو خارج عنه مطلقا مستندا إلى جملة من الأخبار:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إنّ اللّه تبارك و تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد، و جعل المسجد قبلة لأهل الحرم و جعل الحرم قبلة لأهل الدنيا» (1) و عن الخلاف دعوى الإجماع عليه.

و فيه أولا: أنّ جميع ما ورد من الأخبار المشتملة على هذا العنوان قاصرة سندا، و معارضة بالمستفيضة، بل المتواترة الدالة على أنّ الكعبة قبلة مطلقا (2) و إجماع الخلاف موهون بمصير الأكثر- و فيهم الأعيان و الأساطين- إلى الخلاف.

و ثانيا: أنّ القائلين بهذا القول هل يقولون: إنّ للمسجد و الحرم موضوعية

ص: 182


1- الوسائل باب: 3 من أبواب القبلة حديث: 1.
2- راجع الوسائل باب: 2 من أبواب القبلة.

و لا يعتبر اتصال الخط من موقف كلّ مصلّ بها (5)، بل المحاذاة العرفية كافية (6)، غاية الأمر أنّ المحاذاة تتسع مع البعد و كلّما ازداد بعدا ازدادت سعة المحاذاة (7) كما يعلم ذلك بملاحظة الأجرام البعيدة

______________________________

خاصة في مقابل الكعبة بحيث لو صلّى أحد إليهما مع العلم بعدم محاذاته للكعبة مع تمكنه منها تصح صلاته، أو أنّ اعتبارهما طريقيّ، لكونهما محصلين للكعبة؟ لا أظنّ أحدا يلتزم بالأول، مع ما ورد من أنّ حرمة المسجد و حرمة الحرم لأجل الكعبة (1)، فكيف يعتمد على هذه الأخبار الضعاف مع الأخبار المتواترة المشتملة على لفظ البيت و الكعبة، فيتعيّن الأخير، و إنّما عبّر في الأخبار بهذا التعبير إشارة إلى اتساع جهة المحاذاة للبعيد، و إيماء، إلى هذا الأمر المرتكز في الأذهان.

(5) للأصل و عدم الإشارة إلى ذلك في خبر من الأخبار، مع أنّ المسألة كانت من الأمور الابتلائية لكلّ مسلم من أول تشريع القبلة و إنّما حدث هذا الاحتمال عن بعض الفقهاء، و إطلاق الكتاب و السنة، و سهولة الشريعة يدفعه.

(6) لتنزل الأدلة الشرعية مطلقا على العرفيات ما لم يرد ردع من الشرع، و مع أنّه لم يرد الردع ورد التقرير بقوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، و المنساق منه- لغة و عرفا- و النحو و الناحية، و لعلّه تبارك و تعالى ذكر المسجد الحرام دون الكعبة و البيت، للإشارة إلى هذه التوسعة العرفية الوجدانية، فإنّ كلماته الكريمة إشارة و تفتح من كلّ إشارة منها أبواب.

(7) لأنّه يصدق الاستقبال عرفا و لو كان المستقبل خارجا عن المحاذاة الحقيقية بكثير، فإذا كانت علامة على رأس فرسخ- مثلا- يصدق الاستقبال لها

ص: 183


1- راجع الوسائل باب: 13 من أبواب مقدمات الطواف حديث: 5. و باب: 18 منها حديث: 13 و باب: 1 من أبواب الإحرام حديث: 5.

كالأنجم و نحوها، فلا يقدح زيادة عرض الصف المستطيل عن الكعبة في صدق محاذاتها- كما نشاهد ذلك بالنسبة إلى الأجرام البعيدة- و القول: بأنّ القبلة للبعيد سمت الكعبة و جهتها راجع في الحقيقة إلى ما ذكرنا، و إن كان مرادهم الجهة العرفية المسامحية، فلا وجه له (8).

______________________________

على جميع أهل صف طوله مائة ذراع، و لا يصدق على جميع أهل صف طوله ألف ذراع- مثلا- و إذا كانت هذه العلامة بعينها على رأس عشرة فراسخ يصدق على جميع أهل صف طوله ألف ذراع أيضا و هكذا و يرى المسلمون في شرق الأرض و غربها ذلك بوجدانهم و كذا في السلام على النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله)، فإنّ مسلمي مشارق الأرض و مغاربها يتوجهون إلى قبره الأقدس و يسلّمون عليه و يرون أنفسهم مقابلين لتلك القبة الخضراء و المقام العالي.

و التشكيك فيه كما عن بعض محشّي العروة (رحمهم اللّه) تشكيك في البديهيات، و من أراد زيادة الاطلاع و التفصيل، فليراجع إلى المستند.

(8) الظاهر أنّ نظره (قدّس سرّه) إلى رد المحقق الأردبيلي الذي قال بالتوسعة المسامحية العرفية في القبلة. و قال في الجواهر: «إنّه مخالف للإجماع بقسميه».

خلاصة المقال في كيفية الاستقبال: تارة بحسب الكتاب، و أخرى بحسب نصوص المعصومين، و ثالثة بحسب الأصول العملية، و رابعة: بحسب كلمات علماء الإمامية.

أمّا الأول: فلفظ «الشطر» الوارد في الكتاب بمعنى النحو و الجهة، و من إطلاقه و إطلاق المسجد الحرام في قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ يستفاد التوسعة لا الدقة.

و أما الثاني: فيدل ما ورد عنهم (عليهم السلام) على أوسعية الأمر يستفاد من ظاهر الكتاب كما تقدم عند تعرض الأخبار.

ص: 184

.....

______________________________

و أمّا الثالث: فالمسألة من موارد الشك في أصل التكليف، لأنّ الاستقبال بما يصدق عرفا واجب قطعا و الزائد عليه مشكوك فيرفع بالإطلاق و الأصل.

و أمّا الأخير، فكلماتهم بين الإفراط- كما نسب إلى الأردبيلي- و التفريط كما عن بعض، و الحدّ الوسط إنّما هو الصدق العرفي. هذا.

ثمَّ إنّه ينبغي التنبيه على أمور:

الأول: للجهة، و المحاذاة، و السمت، و الشطر، و النحو و أمثالها من التعبيرات مراتب متفاوتة: الدقية العقلية، و المسامحة العرفية، و الدقية العرفية، و نفس الفضاء الذي فيه المطلوب و المتعيّن في المقام المرتبة الثالثة، لما مرّ.

الثاني: لا يعتبر في صدق الاستقبال عرفا وصول الخط الفرضي من بين يدي المستقبل إلى المستقبل إليه، بل مع الصدق العرفي يجزي و إن علم بعدم وصل الخط، كما صرّح به في الجواهر و غيره، للأصل و الإطلاق.

الثالث: علم تعيين أوضاع خطّ العرض و الطول الذي جعل في البلاد لمعرفة الساعة الزمنية و لتعيين القبلة بحسب تعيين الدرجات قابل للخطإ و الاختلاف فيها أيضا كثير، مع أنّهم يستندون في ذلك على البراهين الهندسية، و الدلالات المجسطية و الأرصاد و غيرها من الآلات المختلفة بحسب الأعصار و القرون، و قد استظهر المجلسي (رحمه اللّه) أنّ محراب النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) مخالف للقواعد الهيأوية مع أنّه بناه النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) بإزاء ميزاب الكعبة، لما رواه الخاصة و العامة من أنّه زويت له الأرض و رأى الكعبة، فجعله بإزاء الميزاب (1) و لا دليل على قول المجلسي و غيره في مخالفة القواعد، لاحتمال الخلاف فيها أيضا، و قد أثبت في كتاب (إزاحة العلّة عن معرفة القبلة) للفاضل المحقق- سردار الكابلي (رحمه اللّه)- أنّ وضع محراب النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) موافق للقواعد قال:

«يكون المحراب النبويّ في كمال الصحة و الاستواء بل هو من معجزاته

ص: 185


1- راجع تاريخ المدينة السمهودي ج 1: صفحة 261 و الدرة الثمينة صفحة: 357.

.....

______________________________

الكريمة و آياته العظيمة الباقية إلى يوم القيامة، فإنّه (صلّى اللّه عليه و آله) توجه إلى الكعبة، و معلوم أنّ توجهه (صلّى اللّه عليه و آله) في ذلك الحين على خط القبلة تماما غير منحرف كاشف عن كونه (صلّى اللّه عليه و آله) مؤيّدا بروح القدس».

و هو أضبط من المجلسي و غيره، كما لا يخفى «لا اجتهاد في محراب رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) في جهة القبلة و لا في التيامن و التياسر، فإنّه منزل الكعبة»، و يظهر من التذكرة أنّ محراب المدينة إلى الميزاب عينا لا جهة.

فليس لأحد أن يحكم بخطإ قبلة محلّ يصلّي إليها المسلمون منذ قرون بمجرد المخالفة لتلك القواعد إلّا بعد طول الجهد و التثبت فيها و الإحاطة بها من كلّ جهة.

و احتمل (رحمه اللّه) التغيير في محاريب مسجد الكوفة أيضا، و لكنّه يحتاج إلى بذل الجهد أكثر مما بذله (قدّس سرّه). و أمّا خبر العرني قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): كأنّي أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة و قد ضربوا الفساطيط يعلّمون الناس القرآن كما أنزل، أما إنّ قائمنا إذا قام كسره و سوى قبلته» (1).

و عنه (عليه السلام) أيضا في خبر ابن نباته: «ويل لبانيك بالمطبوخ المغيّر قبلة نوح طوبى لمن شهد هدمك مع قائم أهل بيتي أولئك خيار الأمة مع أبرار العترة» (2).

و فيه: أنّه مضافا إلى قصور سند هذه الأخبار أنّها ظاهرة، بل ناصة في تقرير القبلة في زمان الغيبة، فلا وجه للإشكال من هذه الجهة، و لو بني على العمل بمثل هذه الأخبار لاختل النظام و بطلت جملة من الأحكام المسلّمة بين الفقهاء ثمَّ إنّه قد نقل المجلسي عن شيخه الشولستاني ما يتعلق بقبلة النجف و الكوفة و من شاء فليراجع إليه.

ص: 186


1- البحار ج: 13 صفحة: 194.
2- البحار ج: 13 صفحة: 186.

.....

______________________________

الرابع: قد اصطلحوا على تسمية دائرة وهمية فرضية في العالم بخطّ الاستواء و هو على قسمين: أرضي، و سماوي:

و الأول: دائرة مفروضة ترسم حول الكرة الأرضية متوسطة بين القطبين الشمالي و الجنوبي و تنقسم بها الأرض إلى قسمين: الشمالي و الجنوبي، و هذه الدائرة مركز حساب العرض لمعرفة موقع مكان من الأرض شمالا أو جنوبا و تنقسم هذه الدائرة إلى 360 درجة، تقطع فيها الشمس كل ساعة 15 درجة بها تمر خطوط نصف النهار و دائر فلك الأرض- على ما فصلّ في محلّه- و تسمّى هذه بخطّ الاستواء، لأنّ الشمس متى وقعت عليه عموديا يتساوى الليل و النهار في جميع العالم.

الثاني: دائرة فرضية عظيمة في الكرة السماوية واقعة على سطح خطّ الاستواء الأرضي على بعد متساو من قطبي الكرة السماوية سمّيت بذلك، لاستواء الليل و النهار في العالم عند عبور الشمس في حركتها السنوية على سطحها في أوقات خاصة- مضبوطة في محلّه- و تسمّى تلك الأوقات بالاعتدال الربيعي و الخريفي، فالدائرتان متلازمتان و وجه التسمية فيهما واحد.

الخامس: قد قسّموا كلّ واحدة من الدائرتين إلى ثلاثمائة و ستين جزءا و سمّوا كلّ جزء درجة، و أثبتوا للقارات الأرضية طولا و عرضا.

و الأول: عبارة عن بعد المحلّ عن الخطّ الموصل بين نقطتي الشرق و الغرب.

و الثاني: عبارة عن بعده عن خطّ الاستواء شمالا أو جنوبا، فإن كان الطول أقلّ من طول مكة، فهي شرقية عنه مطلقا، و إن كان أكثر، فهي غربية عنه مطلقا، و إن كان عرضه أقلّ، فهي شمالية، و إن كان أكثر فهي جنوبية- إلى غير ذلك، مما أطالوا القول فيه و تبعهم جمع من فقهائنا- فإن كان ذلك من الاجتهاد في القبلة بعد فقد العلم- و كفى مطلق الظن حينئذ- فله وجه، و إلّا فلا وجه له، لما يأتي في الأمر اللاحق.

السادس: قد أثبتت العلوم الحديثة العصرية خطأ كثير مما أثبته القدماء في

ص: 187

.....

______________________________

تعيين طول البلاد و عرضها، فيشكل الاعتماد على أقوال القدماء فيها، للعلم الإجمالي بالخلاف.

إن قيل: لا تنجز لهذا العلم الإجمالي، لخروج جملة من الأطراف عن مورد الابتلاء، فيشمله حينئذ ما دل على اعتبار قول أهل الخبرة.

يقال: ليس لقول أهل الخبرة موضوعية خاصة بل المناط في المقام حصول الظنّ و حصوله لمن يلتفت إلى كثرة مخالفة قولهم للواقع مشكل، بل ممنوع.

السابع: نسب إلى المشهور استحباب التياسر لأهل العراق و استندوا بوجوه:

الأول: الأخبار الواردة فيه كخبر مفضل بن عمر: أنّه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة و عن السبب فيه، فقال: إنّ الحجر الأسود لما أنزل من الجنة و وضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه النور نور الحجر الأسود، فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال و عن يسارها ثمانية أميال، كلّه اثني عشر ميلا، فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حدّ القبلة لقلّة أنصاب الحرم، و إذا انحرف الإنسان ذات اليسار لم يكن خارجا من حدّ القبلة» (1).

و خبر عليّ بن محمد قال: «قيل لأبي عبد اللّه (عليه السلام) لم صار الرجل ينحرف في الصلاة إلى اليسار؟ فقال: لأنّ للكعبة ستة حدود، أربعة منها على يسارك، و اثنان منها على يمينك، فمن أجل ذلك وقع التحريف على اليسار» (2).

و ما عن فقه الرضا: «إذا أردت توجه القبلة فتياسر مثلي ما تيامن، فإنّ الحرم عن يمين الكعبة أربعة أميال و عن يساره ثمانية أميال» (3).

ص: 188


1- الوسائل باب: 4 من أبواب القبلة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب القبلة حديث: 1.
3- مستدرك الوسائل باب: 3 من أبواب القبلة حديث: 1.

.....

______________________________

الثاني: أنّ مساجد العراق بنيت غلطا، لأنّها بنيت في زمان خلفاء الجور.

الثالث: بالإجماع الذي حكي عن الشيخ (قدّس سرّه) في خلافه.

و الكلّ مردود:

أمّا الأخبار: فلقصور سندها و عدم اختصاصها بالعراق، و كون الراوي في بعضها عراقيا لا يوجب الاختصاص كما هو المتسالم عليه عندهم، مع أنّها في مقام بيان أنّ القبلة الحرم دون الكعبة.

و أمّا أنّ مساجد العراق بنيت غلطا فهو من مجرد الدّعوى و لا يختص ذلك بمساجد العراق، بل يشمل جميع المساجد التي كانت للمسلمين في شرق الأرض و غربها في تلك الأعصار، مع أنّ هذا الحكم منهم (عليهم السلام) في تلك الأعصار مخالف للتقية و أي تقية أشدّ من هذا، و موجب لجعل شيعتهم معرضا للإيذاء و الهتك.

و أمّا الإجماع فموهون جدّا، بل دعوى الشهرة مع كثرة المخالفين مشكلة، مع أنّ الشهيد (رحمه اللّه) في الذكرى عبّر بالاستحباب لأهل المشرق و إثبات قوله (رحمه اللّه) أشكل عما نسب إلى المشهور.

ثمَّ إنّه قد صرح بعض بأنّ استقبال عين الكعبة مع كروية الأرض من المستحيل و تبعهم بعض مشايخنا في بحثه و حاشيته، و هو مخدوش بأنّه صحيح لو كان المراد من استقبال العين الدقي العقلي منه، و أمّا لو كان المراد الاعتباري العرفي فأي استحالة فيه.

كما إنّ ما تعرض له شيخنا المتقدم ذكره في درسه: «إنّ قوس الاستقبال من دائرة الأفق نسبته إليها نسبة قوس الجبهة إلى مجموع دائرة الرأس، و قوس الجبهة خمس دائرة الرأس، فقوس الاستقبال خمس دائرة الأفق، فلا يضر الانحراف بقدر ثلاثين درجة تقريبا».

مردود: بأنّه من مجرد الدعوى بلا دليل، كما لا دليل على ما قيل: «من أنّ معياره أن ينظر المصلّي إلى قوس من دائرة الأفق بحسب حسه و نظره بعد التأمل» لأنّه، لا شاهد عليه من عقل أو نقل.

ص: 189

و يعتبر العلم بالمحاذاة مع الإمكان. و مع عدمه يرجع إلى العلامات و الأمارات المفيدة للظنّ (9). و في كفاية شهادة العدلين مع إمكان تحصيل العلم إشكال (10). و مع عدمه لا بأس بالتعويل عليها

______________________________

هذا و قال صاحب الجواهر و ما أحسن قوله:

و ظنّي أنّ الذي أوقع هؤلاء الفضلاء في مثل هذا الوهم، التعبير بلفظ الجهة و لو أنّهم عبّروا بما في النصوص من أنّه يجب على كلّ أحد استقبال الكعبة و أنّه لا يقبل اللّه من أحد توجها إلى غيرها و إنّما هي قبلة المسلمين لم يقع أحد منهم في الوهم».

(9) أمّا اعتبار العلم مع إمكانه، فهو من الفطريات الغنية عن البرهان، و يدل عليه الإجماع و النصوص الآتية. و أمّا الرجوع إلى الظن مع عدم إمكانه، فلإجماع المسلمين، و سيرة المتشرعة، بل يظهر من صاحب الجواهر الرجوع إليه مع إمكان تحصيل العلم أيضا، لإطلاق الأخبار الدالة على أنّ ما بين المغرب و المشرق قبلة (1) الشامل لمن قدر على تحصيل العلم بها أيضا.

و فيه أولا: منع إطلاقها من هذه الجهة و ثانيا: أنّها معارضة بما دل على لزوم تحويل الوجه إلى القبلة فيما إذا التفت المصلّي إلى كونه منحرفا عنها (2)، مع أنّه غير خارج عما بينهما على ما يأتي التفصيل إن شاء اللّه تعالى، و يمكن أن يريد ما إذا أفادت الأمارات الاطمئنان العقلائي الذي هو العلم الشرعي، و الظاهر صحة التعويل عليها حينئذ و لو مع إمكان تحصيل اطمينان أقوى منه.

(10) مقتضى إطلاق ما دل على اعتبار البيّنة في الموارد المختلفة بعد حملها على المثال، و إطلاق خبر مسعدة بن صدقه- المتقدم- عموم حجية البينة في جميع الموضوعات إن كانت مستندة إلى المبادي الحسية مع حصول

ص: 190


1- راجع الوسائل باب: 10 من أبواب القبلة.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب القبلة حديث: 3 و 4.

إن لم يكن اجتهاده على خلافها (11)، و إلّا فالأحوط تكرار الصلاة (12).

و مع عدم إمكان تحصيل الظنّ يصلّي إلى أربع جهات (13) إن

______________________________

الاطمئنان منها. و إما إن كانت مستندة إلى الحدس و لم يحصل الاطمئنان منها، فمقتضى الأصل عدم اعتبارها. و يمكن أن يصير النزاع بذلك في مثل المقام لفظيا.

(11) لأنّها حينئذ من العمل بالظنّ مع التمكن من العلم بلا إشكال فيه من أحد.

(12) للعلم الإجمالي باعتبار أحدهما حينئذ، و عدم دليل على التخيير هذا إذا لم يكن أحدهما أوثق و إلّا فلا يبعد الأخذ به بناء على أنّ الأوثقية من المرجحات العقلائية في الطريقين المتعارضين مطلقا لا أن تكون تعبدا محضا مختصا بالخبرين المتعارضين.

(13) للإجماع، و قاعدة الاحتياط، و جملة من الأخبار:

منها: مرسل الفقيه: «روي فيمن لا يهتدي إلى القبلة في مفازة أنّه يصلّي إلى أربعة جوانب» (1).

و الإرسال ينجبر بالاشتهار.

و قريب منه مرسل خراش، و مرسل الكافي: «أنّه يصلّي إلى أربع جوانب» (2).

و أمّا قول أبي جعفر في الصحيح: «يجزي المتحيّر أبدا أينما توجه إذا لم يعلم أين وجه القبلة» (3).

و قريب منه قوله (عليه السلام) في مرسل ابن أبي عمير: «يصلّي حيث يشاء» (4).

ص: 191


1- الوسائل باب: 8 من أبواب القبلة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب القبلة حديث: 5 و 4.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب القبلة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب القبلة حديث: 3.

وسع الوقت و الا فيتخيّر بينها (14).

مسألة 1: الأمارات المحصلة للظن التي يجب الرجوع إليها عند عدم إمكان العلم
اشارة

(مسألة 1): الأمارات المحصلة للظن التي يجب الرجوع إليها عند عدم إمكان العلم كما هو الغالب بالنسبة إلى البعيد- كثيرة (15):

______________________________

فمحمول على من لم يتمكن من الاحتياط جمعا، مع إعراض المشهور عن إطلاقها، فلا وجه لما عن جمع- منهم المحقق الأردبيلي (رحمه اللّه) من الاكتفاء بصلاة واحدة مطلقا.

(14) لما تقدم من قول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح الشامل لصورة ضيق الوقت قطعا، مضافا إلى الإجماع المتسالم بينهم، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين كون ضيق الوقت حاصلا بالاختيار أو لا، كما مرّ مرارا و إن كان الأحوط في الأول القضاء بعد الوقت و تبيّن القبلة.

(15) لا تعد و لا تحصى، لاختلافها باختلاف الآفاق و الأماكن و الدرجات و لكن جميعها مستخرجة من القواعد الهيأوية و ليس المنصوص منها إلّا مجملات لا يصح التعويل على إطلاقها، كقول أحدهما (عليهما السلام) حيث سئل عن القبلة: «ضع الجدي في قفاك و صلّ» (1).

و في مرسل الفقيه (2) قال: «قال رجل للصادق (عليه السلام): إنّي أكون في السفر و لا أهتدي إلى القبلة بالليل، فقال: أ تعرف الكوكب الذي يقال له جدي؟ قلت: نعم، قال: اجعله على يمينك، و إذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك».

و قد ورد في تفسير قوله تعالى وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ قال (عليه السلام): «ظاهر و باطن الجدي عليه تبنى القبلة و به يهتدي أهل البر

ص: 192


1- الوسائل باب: 5 من أبواب القبلة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب القبلة حديث: 2.
منها: الجدي

منها: الجدي الذي هو المنصوص في الجملة بجعله في أواسط العراق (16)- كالكوفة و النجف و بغداد و نحوها- خلف المنكب

______________________________

و البحر لأنّه نجم لا يزول» (1).

و القرينة القطعية المحفوفة بالكلام دالة على عدم صحة العمل بإطلاق مثل هذه الأخبار، مضافا إلى ظاهر المرسل حيث قيده بطريق الحج. و فيه أيضا: لا يصح التعويل على إطلاقه في طريقه برا و بحرا نعم، لا ريب في أنّه يستفاد منها التسهيل في أمر القبلة في الجملة، فإنّ عدم تعرض الأئمة «عليهم السلام» لتفصيل علامات القبلة، و عدم تعرض الرواة للسؤال عنهم (عليهم السلام) عن ذلك، مع أنّ الموضوع من أجلّ المهمات الإسلامية يكشف كشفا قطعيا عن عدم ابتناء الأمر على التدقيق، و قد ورد عنهم (عليهم السلام) فيما لا أهمية فيه مثل المقام روايات كثيرة، فراجع أبواب النورة، و الحمام، و نحوهما من الآداب و السنن.

و ما يتوهم من أنّ بيان الموضوع ليس من شأن الإمام. مدفوع:

أولا: بأنّ الموضوع الابتلائي إذا كان مجهولا يجب على الإمام البيان.

و ثانيا: هب أنّه لا يجب على الإمام البيان لم لم يهتم المسلمون بالسؤال عن العلامات في الصدر الأول، فيكشف ذلك عن أنّ الموضوع كان مبينا لديهم.

و ثالثا: أنّها من قيود المكلّف به و ليس من الموضوع الصرف.

(16) لا دليل لهم على هذا القيد إلّا كون راوي الحديث عراقيا، مع أنّه يبعد كلّ البعد أن لا يعرف محمد بن مسلم قبلة أواسط العراق- كالكوفة

ص: 193


1- الوسائل باب: 5 من أبواب القبلة حديث: 4.

الأيمن (17)، و الأحوط أن يكون ذلك في غاية ارتفاعه أو انخفاضه (18)- و المنكب ما بين الكتف و العنق (19)، و الأولى وضعه

______________________________

و نحوها- كغيره من أهل الكوفة.

(17) لأنّ كونه علامة مع اعتبار هذين القيدين مجمع عليهما بخلاف ما إذا فقد أحدهما، و الشك في كونه علامة حينئذ يكفي في العدم، مع أنّه لم يعمل أحد بإطلاق الخبر كما مرّ. و حيث إنّ العمل بإطلاق قوله (عليه السلام):

«ضع الجدي على قفاك و صلّ» (1) يوجب المخالفة القطعية في الجملة قيد ذلك بقيود ثلاثة: أحدها في محلّ الاستقبال و هو أواسط العراق، و الثاني في نفس الجدي و هو حالة الارتفاع و الانخفاض، و الثالث في المستقبل و هو جعل خلف المنكب الأيمن ثمَّ بعد ذلك عدلوا إلى سائر بلاد العالم بعد ملاحظة الطول و العرض مع أواسط العراق، و الأصل في ذلك كلّه كفاية الظنّ في أي منشإ حصل و لعلّهم (عليهم السلام) أجملوا في بيان العلامة لعدم وقوع الناس في الوسوسة و الترديد و الاكتفاء بمطلق الظنّ لأنّ كلّ ما ذكروا من الأمور التشكيكية لها مراتب متفاوتة كما هو معلوم.

(18) بدعوى أنّهما المتيقن من كونه علامة، لأنّ له في هاتين الحالتين نحو ثبات بالنسبة إلى سائر حالاته السائرة غير المستقرة، و تقدم أنّ الشك في كونه علامة- في أيّ حالة من حالاته- يجزي في العدم.

(19) كما عن جمع منهم المحقق الثاني، و عن جمع أنّه مجمع العضد و الكتف، و على أيّ تقدير لا بد بنحو يحصل الظن بالقبلة مع عدم التمكن من القبلة و إلّا فلا اعتبار به إذ ليست هذه الأمور من التعبديات الشرعية، بل هي طريق لحصول الظنّ بها.

ص: 194


1- الوسائل باب: 5 من أبواب القبلة حديث: 1.

خلف الاذن (20)- و في البصرة و غيرها من البلاد الشرقية في الاذن اليمنى. و في الموصل و نحوها من البلاد الغربية بين الكتفين. و في الشام خلف الكتف الأيسر. و في عدن بين العينين. و في صنعاء على الاذن اليمنى. و في الحبشة و النوبة صفحة الخد الأيسر (21).

و منها: سهيل

و منها: سهيل و هو عكس الجدي (22).

و منها: الشمس لأهل العراق

و منها: الشمس لأهل العراق إذا زالت عن الأنف إلى الحاجب الأيمن عند مواجهتهم نقطة الجنوب (23).

و منها: جعل المغرب على اليمين و المشرق على الشمال لأهل العراق أيضا

و منها: جعل المغرب على اليمين و المشرق على الشمال لأهل العراق أيضا في مواضع يوضع الجدي بين الكتفين كالموصل.

______________________________

(20) و لا دليل على هذه الأولوية إلّا إذا أوجبت قوة الظن و الاطمئنان و أنّى لأحد من إثبات ذلك.

(21) كلّ ذلك لما عن أهل الهيئة من تعيين مقدار الدرجات بين هذه البلاد، و تعيين مقدار انحراف بعضها عن بعض و لازم هذين الأمرين ما ذكره في المتن، و لكن الشأن في اعتبار قول أهل الهيئة ما لم يوجب الظن عند عدم التمكن من العلم، مع اختلافهم فيما بينهم، و ثبوت بطلان جملة مما أثبتوه في الهيئة الحديثة، و لا اعتبار لجميع ذلك ما لم يحصل الظنّ العادي فإذا كان المدار عليه، فإن حصل من الآلة المغناطيسية المعروفة- الظنّ القبلة- يجزي و يغني عن جميع تلك التكلفات التي لا تتضح للعامي، لقصوره عن فهمها، و لا للمجتهد، لكثرة الخلاف فيها عن أهلها، و لذا أعرضنا عن التعرض لها، مع أنّ الآلات الدقيقة الحديثة لتعيين الجهات برا، و بحرا أسقط الكلّ عن الاعتبار.

(22) لتقابل مطلعهما على ما يقولون.

(23) لا كلية في ذلك و إن صح في بعض بلاد العراق، كما عن بعض أهل الخبرة.

ص: 195

و منها: الثريا و العيوق لأهل المغرب

و منها: الثريا و العيوق لأهل المغرب يضعون الأول عند طلوعه على الأيمن و الثاني على الأيسر.

و منها: محراب صلّى فيه معصوم

و منها: محراب صلّى فيه معصوم، فإن علم أنّه صلّى فيه من غير تيامن و لا تياسر كان مفيدا للعلم و إلّا فيفيد الظنّ (24).

و منها: قبر المعصوم

و منها: قبر المعصوم، فإذا علم عدم تغيره و أنّ ظاهره مطابق لوضع الجسد أفاد العلم و إلّا فيفيد الظن (25).

______________________________

(24) لأنّ الظاهر حينئذ يقتضي أنّه (عليه السلام) صلّى معتدلا إلّا مع القرينة على الخلاف و مثل هذا الظاهر من موجبات الظنّ عرفا.

(25) لما مرّ في سابقة من ظهور الحال و المقام الموجب للظنّ عرفا.

ثمَّ إنّ حصول العلم بالقبلة في المحراب- إن علم أنّه (عليه السلام) صلّى من غير تيامن و لا تياسر، و في القبر إن علم بعدم تغييره- مبني على أنّ المعصوم (عليه السلام) يعمل في الموضوعات بعلمه الواقعي. و أما بناء على أنّهم (عليهم السلام) في الأحكام و موضوعاتها كسائر المكلّفين فيما هو معتبر شرعا من العمل بالأمارات و الظنون و الأصول، فلا يحصل العلم في الصورتين أيضا، إذ يحتمل أنّه (عليه السلام) أيضا عمل بالظنّ الحاصل له (عليه السلام) من أمارة أو نحوها، و المتعيّن هو الأخير، لقول نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله): إنّما أقضي بينكم بالبينات و الإيمان»(1).

و ما ورد عن الباقر (عليه السلام): «و اللّه إنّي لأعترض السوق، فأشتري بها اللحم و السمن و الجبن، و اللّه ما أظن كلّهم يسمون هذه البربر و هذه السودان» (2).

ص: 196


1- الوسائل باب: 2 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى حديث: 1.
2- الوسائل باب: 61 من أبواب الأطعمة المباحة حديث: 5.
و منها: قبلة بلد المسلمين في صلاتهم و قبورهم و محاريبهم

و منها: قبلة بلد المسلمين في صلاتهم و قبورهم و محاريبهم إذا لم يعلم بناؤها على الغلط (26) .. إلى غير ذلك، كقواعد الهيئة،

______________________________

و عن الكاظم (عليه السلام): «أنّه اشتري له بيضا فأكله ثمَّ أخبر بأنّه من القمار، فتقيأه» (1).

و أيضا عن الكاظم (عليه السلام): «أنّه وكل أحدا لتعيين المغرب (2)فيفطر و يصلّي بأخباره، و قد جرت سيرتهم (عليهم السلام) على الاعتماد بأذان العدل (3).

إلى غير ذلك مما لا يحصى، فإنّهم (عليهم السلام) كانوا بأقوالهم و أعمالهم يبينون سهولة شريعة جدهم (صلّى اللّه عليه و آله)، و يظهرون البراءة عن الصعوبة و الضيق قولا و عملا، و جميع ما هو معتبر لدينا من الأمارات و الأصول الموضوعية و الحكمية معتبر لديهم (عليهم السلام) أيضا.

(26) لحصول الظنّ بالقبلة من تلك المحاريب. و ظاهرهم اعتبار قبلة المسلمين حتّى مع التمكن من تحصيل العلم أو الظنّ الأقوى، و هو مقتضى السيرة و قد ادعى الإجماع عليه أيضا، فيكون المقام مثل جميع موارد الأمارات المعتبرة من اليد و السوق و نحوهما التي ألغى الشارع تحصيل العلم فيها تسهيلا و امتنانا، بل لو حصل له الظنّ الأقوى أو العلم على الخلاف يمكن أن يقال بعدم اعتباره، إذ الشارع جعل سبب الظنّ بالقبلة في بلاد المسلمين شيئا خاصا حفظا لوحدتهم و اجتماعهم و هو قبلة البلد فقط التي مضت عليها سيرتهم العملية في قرون و أعصار، فيكون ظنه على الخلاف أو علمه به كالظنّ أو العلم الحاصل من الرمل و نحوه بالأحكام. نعم، لو علم بالطرق المتعارفة بناءها على الغلط له العمل بعلمه أو ظنه، لعدم حصول الاحتمال بالقبلة من المحراب

ص: 197


1- الوسائل باب: 35 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.
2- راجع الوسائل باب: 59 من أبواب المواقيت حديث: 2.
3- راجع الوسائل باب: 3 من أبواب الأذان و الإقامة.

و قول أهل خبرتها (27).

مسألة 2: عند عدم إمكان تحصيل العلم بالقبلة يجب الاجتهاد في تحصيل الظنّ

(مسألة 2): عند عدم إمكان تحصيل العلم بالقبلة يجب الاجتهاد في تحصيل الظنّ (28)، و لا يجوز الاكتفاء بالظنّ الضعيف مع إمكان القوى، كما لا يجوز الاكتفاء به مع إمكان الأقوى (29). و لا فرق بين أسباب حصول الظنّ، فالمدار على الأقوى فالأقوى، سواء حصل من الأمارات المذكورة أم من غيرها، و لو من قول فاسق، بل و لو كافر (30)، فلو أخبر عدل و لم يحصل الظنّ بقوله، و أخبر فاسق أو

______________________________

حينئذ فضلا عن الظنّ بها.

(27) كلّ ذلك مقيد بحصول الظنّ، و إلّا فلا اعتبار بها، لأصالة عدم الاعتبار فيما شك في اعتباره، و هكذا في الآلات المغناطيسية.

(28) للنص و الإجماع، و قاعدة الاحتياط، قال (عليه السلام) في موثق سماعة: «اجتهد رأيك و تعمّد القبلة جهدك» (1).

و قال أبو جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة: «يجزي التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة» (2).

(29) لقاعدة الاحتياط، و إطلاق الأمر بالتحري و الاجتهاد فإنّه مع إمكان تحصيل الأقوى يشمله الإطلاق و ظهور الاتفاق الدال على التحري.

و احتمال: كفاية صرف الوجود الصادق على أول مرتبة منه. مردود: بأنّه خلاف مادة الاجتهاد و التحري فإنّ الظاهر عدم صدقهما على الضعيف مع القدرة الفعلية على القوى و هكذا.

(30) كلّ ذلك لإطلاق مثل قوله (عليه السلام): «يجزي التحري أبدا إذا

ص: 198


1- الوسائل باب: 6 من أبواب القبلة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب القبلة حديث: 2.

كافر بخلافه و حصل منه الظن من جهة كونه من أهل الخبرة يعمل به.

مسألة 3: لا فرق في وجوب الاجتهاد بين الأعمى و البصير

(مسألة 3): لا فرق في وجوب الاجتهاد بين الأعمى و البصير (31) غاية الأمر إنّ اجتهاد الأعمى هو الرجوع إلى الغير (32) في بيان الأمارات، أو في تعيين القبلة.

______________________________

لم يعلم أين وجه القبلة»(1).

مضافا إلى ظهور الاتفاق عليه، و يقتضيه الامتنان و التسهيل في هذا الأمر العام البلوى.

فرعان- (الأول): لا ريب في اعتبار الظنّ بالنسبة إلى أصل جهة القبلة، فهل يعتبر بالنسبة إلى خصوصياتها- لو فرض وجوب مراعاتها- أم لا؟ وجهان:

لا يبعد الأول جمودا على الإطلاق.

(الثاني): المناط في عدم التمكن من العلم المترتب عليه اعتبار الظن هو عدم التمكن العرفي، لا الدقي العقلي، فكلّ من لم يتمكن بحسب المتعارف من تحصيل العلم بها يجوز له العمل بالظنّ.

(31) لظهور الإطلاق و الاتفاق، كما هو واضح على الخبير. و ليس المراد بالاجتهاد هنا ما هو المصطلح عليه بين الفقهاء، بل المراد به بذل الجهد و التحري في العلامات الموجبة للظنّ بالقبلة مباشرة أو تسبيبا.

(32) لا يختص الرجوع إلى الغير بخصوص الأعمى، بل يشمل كلّ من لا يتمكن بنفسه من تحصيل الظنّ و لو كان بصيرا، و لا يعتبر فيمن يرجع إليه العدالة، للأصل، بل يكفي حصول الظنّ من قوله بأيّ نحو كان. و الظاهر عدم وجوب المباشرة في تحصيله الظنّ، فيصح الاستنابة فيه إن كان النائب ثقة، للإطلاق.

ص: 199


1- الوسائل باب: 6 من أبواب القبلة حديث: 16.
مسألة 4: لا يعتبر اخبار صاحب المنزل إذا لم يفد الظن

(مسألة 4): لا يعتبر اخبار صاحب المنزل إذا لم يفد الظن و لا يكتفي بالظن الحاصل من قوله إذا أمكن تحصيل الأقوى (33).

مسألة 5: إذا كان اجتهاده مخالفا لقبلة بلد المسلمين

(مسألة 5): إذا كان اجتهاده مخالفا لقبلة بلد المسلمين في محاريبهم و مذابحهم و قبورهم، فالأحوط تكرار الصلاة (34) إلا إذا

______________________________

(33) تقدم وجهه في [مسألة 2]، فراجع. و مقتضى الأصل عدم اعتبار قول صاحب المنزل إن لم يحصل منه الظنّ، و لا دليل على خلاف الأصل إلّا احتمال شمول قول الفقهاء (قدّس سرّهم): «إنّ كلّ من استولى على شي ء فقوله معتبر فيما استولى عليه» و شموله لمثل المقام الذي يكون مقيدا بحصول الظنّ ممنوع، و لكن الظاهر حصول الظنّ منه إن كان مسلما مباليا بدينه.

(34) لانحصار القبلة في جهتين حينئذ. نعم، إن ثبت إجماع على أنّه لا أثر للاجتهاد في مقابل قبلة بلد المسلمين، كما عن جمع، لا أثر لما اجتهاد فيه حينئذ، و تتعيّن القبلة في قبلة بلد المسلمين، و لكن ثبوتها مشكل، و الإغماض عنها أشكل، لكون مدعيه جمع من الأساطين، فيجب الاحتياط.

ثمَّ إنّه لو علم ببناء قبلة بلد المسلمين على الغلط لا يصح التعويل عليها بلا إشكال، و لو لم يعلم ذلك لا يجوز الفحص و الاجتهاد في أصل الجهة، كما في الذكرى و المدارك و الجواهر، و يظهر من الأخيرين الإجماع عليه، و لو خالف و اجتهد و كان اجتهاده مخالفا لها فتكليفه الاحتياط كما تقدم هذا في الاجتهاد في أصل الجهة.

و كذا الاجتهاد في التيامن و التياسر، لشمول إطلاق الكلمات له، فلا يجوز خصوصا فيما هو المغتفر منه و لو اجتهد و خالف اجتهاده قبلة بلد المسلمين، فالأحوط تكرار الصلاة في غير المغتفر منه. و لو اجتهد و حصل منه ظنّ أقوى إمّا بأصل الجهة أو بالتيامن أو بالتياسر، فلا يترك الاحتياط بالتكرار.

و لو شك في صحة قبلة بلد المسلمين لا بد من الحمل على الصحة، و لو علم بالبطلان هل يجب عليه الإعلام أو لا؟ مقتضى الأصل عدم الوجوب و المسألة

ص: 200

علم بكونها مبنية على الغلط.

مسألة 6: إذا حصر القبلة في جهتين

(مسألة 6): إذا حصر القبلة في جهتين بأن علم أنها لا تخرج عن إحديهما وجب عليه تكرار الصلاة إلا إذا كانت إحديهما مظنونة (35) و الأخرى موهومة فيكتفي بالأولى. و إذا حصر فيهما ظنا فكذلك يكرر فيهما (36). لكن الأحوط إجراء حكم المتحير فيه بتكرارها إلى أربع جهات.

مسألة 7: إذا اجتهد لصلاة و حصل له الظن لا يجب تجديد الاجتهاد لصلاة أخرى

(مسألة 7): إذا اجتهد لصلاة و حصل له الظن لا يجب تجديد الاجتهاد لصلاة أخرى ما دام الظن باقيا (37).

مسألة 8: إذا ظن بعد الاجتهاد انها في جهة فصلّى الظهر مثلا- إليها ثمَّ تبدل ظنه إلى جهة أخرى

(مسألة 8): إذا ظن بعد الاجتهاد انها في جهة فصلّى الظهر- مثلا- إليها ثمَّ تبدل ظنه إلى جهة أخرى وجب عليه إتيان العصر إلى

______________________________

سيالة في جميع الموضوعات الفقهية، إلّا أن يدل دليل على الخلاف.

(35) أما الأول فللعلم الإجمالي بترددها بين جهتين. فيجب الاحتياط و أما الأخير فلما تقدم من اعتبار الظنّ بالقبلة فيكون الطرف الموهوم ساقطا حينئذ.

(36) لأنّ حجية الظن مع عدم التمكن من العلم تجعله مثله في تمام الأحكام، إلّا أن يقال: بعدم شمول دليل الحجية للمتعارضين في خصوص المقام فيجب الاحتياط بالصلاة إلى أربع جهات، و لكنه من مجرد الدعوى كما لا يخفى، و منه يظهر وجه الاحتياط.

(37) لإطلاق دليل اعتباره، و دوران حجيته مدار بقائه، و المسألة سيالة في كلّ ما يعتبر فيه الفحص و العلم أو الظنّ، و تقدم في [مسألة 6] من فصل التيمم نظير المقام، و يأتي نظائر أخرى لها في مستقبل الكلام، و إذا حصل له الظنّ بها فصلّى و في أثناء الصلاة تبدل ظنه إلى الشك المستقر تبطل صلاته في سعة الوقت، لفقد الشرط إذ المفروض أنّ الظنّ بالقبلة يعتبر حدوثا و بقاء.

ص: 201

الجهة الثانية (38). و هل يجب إعادة الظهر أو لا؟ الأقوى وجوبها (39).

إذا كان مقتضى ظنه الثاني وقوع الأولى مستدبرا، أو إلى اليمين، أو اليسار، و إذا كان مقتضاه وقوعها ما بين اليمين و اليسار لا تجب الإعادة.

مسألة 9: إذا انقلب ظنه في أثناء الصلاة إلى جهة أخرى انقلب إلى ما ظنه

(مسألة 9): إذا انقلب ظنه في أثناء الصلاة إلى جهة أخرى انقلب إلى ما ظنه (40)، إلا إذا كان الأول إلى الاستدبار أو اليمين و اليسار بمقتضى ظنه الثاني، فيعيد.

مسألة 10: يجوز لأحد المجتهدين المختلفين في الاجتهاد الاقتداء بالآخر

(مسألة 10): يجوز لأحد المجتهدين المختلفين في الاجتهاد الاقتداء بالآخر إذا كان اختلافهما يسيرا (41) بحيث لا يضر

______________________________

(38) لأنّه لا أثر للظنّ الأول مع تبدله و زواله.

(39) لأصالة عدم الأجزاء مع تبين الخلاف مع قصور الأدلة عن شمولها لهذه الصورة، و يأتي في [مسألة 1] من فصل الخلل في القبلة ما يتعلق بالمقام لاتحاد هذه المسألة معها فلا وجه للتكرار.

(40) لوجوب اتباع ظنه الفعلي، و زوال حكم الظنّ السابق بزوال موضوعه.

و أما صحة ما أتى به من الصلاة على طبق ظنه السابق، فيأتي وجهه في (فصل أحكام الخلل) في القبلة، كما يأتي حكم بقية المسألة فيه أيضا فراجع.

(41) لوجود المقتضي و فقد المانع بعد أن كان التفاوت يسيرا لا يضر بهيئة الجماعة، و منه يظهر بطلان الجماعة إن كان التفاوت مخلا بالهيئة، و كذا لو كان بحد الاستدبار، أو اليمين، أو اليسار، لعلم المأموم ببطلان صلاة الإمام حينئذ و يعلم كلّ منهما إجمالا ببطلان إحدى الصلاتين، فلا موضوع لترتيب آثار الجماعة في البين، و يأتي في [مسألة 31] من (فصل أحكام الجماعة) ما يناسب المقام.

ص: 202

بهيئة الجماعة و لا يكون بحد الاستدبار أو اليمين و اليسار.

مسألة 11: إذا لم يقدر على الاجتهاد

(مسألة 11): إذا لم يقدر على الاجتهاد، أو لم يحصل له الظن بكونها في جهة و كانت الجهات متساوية صلّى إلى أربع جهات (42) إن وسع الوقت، و إلا فبقدر ما وسع (43). و يشترط أن

______________________________

(42) لقاعدة الاحتياط، و مرسل خراش عن الصادق (عليه السلام) قال:

«قلت: جعلت فداك إنّ هؤلاء المخالفين علينا يقولون، إذا أطبقت علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء كنا و أنتم سواء في الاجتهاد، فقال: ليس كما يقولون، إذا كان ذلك، فليصلّ لأربع وجوه» (1).

و قريب منه مرسل الكافي (2)، و مرسل الصدوق (3)، و لا يقدح الإرسال، للانجبار بعمل المشهور. نعم، في صحيح زرارة قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قبلة المتحير، فقال: يصلّي حيث يشاء» (4).

و عنه (عليه السلام) أيضا: «يجزي المتحيّر أبدا أينما توجّه إذا لم يعلم أين وجه القبلة» (5).

و لو لا الإعراض عنهما تعين العمل بهما، لموافقتهما لسهولة الشريعة، فتحمل المراسيل على مطلق الرجحان جمعا و تقدمت هذه المسألة، فراجع.

(43) لقاعدة الميسور، و أنّ الضرورات تتقدر بقدرها. و ما نسب إلى جمع من المتقدمين- منهم الشيخ (رحمه اللّه)- من أنّه مع عدم التمكن من الصلاة إلى أربع جهات يصلّي إلى أيّ جهة شاء، يمكن أن يكون مرادهم عدم التمكن إلّا من صلاة واحدة، فلا نزاع حينئذ في البين.

فروع- (الأول): لا قضاء لما ضاق الوقت عن إتيانها من الصلوات من باب المقدمة العلمية، إجماعا، و لأنّه إن كان بأمر جديد، فهو مشكوك و إن كان

ص: 203


1- الوسائل باب: 8 من أبواب القبلة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب القبلة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب القبلة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب القبلة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب القبلة حديث: 2.

يكون التكرار على وجه يحصل معه اليقين بالاستقبال في إحداها (44) أو على وجه لا يبلغ الانحراف إلى حد اليمين و اليسار (45)، و الاولى

______________________________

تابعا للأداء فلا تكليف إلّا بالنسبة إلى المقدور و غير المقدور ساقط خطابا، لعدم القدرة، و ملاكا أيضا، إذ لا ملاك إلّا للتكليف النفسي دون المقدمي.

إلّا أن يقال: بأنّ الشك في سقوط الملاك يكفي في عدم سقوطه، و كذا بالنسبة إلى الخطاب، فيستصحب بناء على أنّ الأدائية و القضائية من الحالات لا من المقوّمات. و فيه: أنّه كيف يجري هذا الأصل مع ظهور الإجماع على خلافه، مع أنّ المستصحب مردد بين ما هو زائل قطعا و مشكوك الحدوث رأسا، و قد ثبت في محله عدم جريان الاستصحاب في مثله.

(الثاني): لا فرق بين حصول التضييق بالاختيار أو بدونه، لإطلاق الكلمات الشامل لهما و إن أثم في الأول.

(الثالث): لو عجز عن إتيان بعض الأطراف، لمانع آخر غير ضيق الوقت، وجب الإتيان بالمقدور، و حكمه حكم ما تقدم في ضيق الوقت.

(44) بلا إشكال فيه حينئذ نصّا و فتوى، لفرض تحقق اليقين بالاستقبال في الصلاة.

(45) لما مرّ في سابقة أنّ تحقق العلم بالاستقبال بهذه الكيفية أيضا، و كذا إن قلنا بشمول إطلاق ما تقدم من مثل مرسل خراش المتقدم لهذه الكيفية أيضا و عدم اختصاصه بالصلاة على خطوط متقابلة بحيث تحدث فيها زوايا قائمة كما نسب إلى المشهور، و كذا إن قلنا بشمول ما يأتي من الأخبار- الدالة على التوسعة في القبلة للجاهل و الناسي- للمقام، فيجزي حينئذ بلا كلام.

و نوقش في مثل المرسل أولا: بأنّ المنساق منه الخطوط المتقابلة، و لذا فهم المشهور منه ذلك. و ثانيا: بأنّه بناء على عدم الخصوصية بالخطوط المتقابلة تجزي ثلاث صلوات أيضا، فلا وجه لوجوب الأربع، كما نوقش فيما

ص: 204

أن يكون على خطوط متقابلات (46).

مسألة 12: لو كان عليه صلاتان

(مسألة 12): لو كان عليه صلاتان، فالأحوط أن تكون الثانية إلى جهات الأولى (47).

______________________________

يأتي من أخبار الخلل لعدم شمولها للمقام، لورودها في الجاهل و الناسي.

و الكل مخدوش أما الأول: لأنّ الانسباق إلى الخطوط المتقابلة من جملة: فليصلّ إلى أربع وجوه» كما في مرسل خراش(1) و «يصلّي إلى أربع جوانب» كما في مرسل الكافي و الفقيه ممنوع خصوصا بالنسبة إلى عامة الناس الذين لا يلتفتون إلى الخطوط المتقابلة، و إنّما المنساق إلى أذهانهم أربع جهات عرفية كانت على الخطوط المتقابلة أو لا، و فهم المشهور ليس حجة لغيرهم على فرض صحة النسبة.

و أما الثاني: فهو مخالف لظاهر قوله (عليه السلام): «فليصلّ إلى أربع جوانب». فإنّه ظاهر في عدم كفاية الأقل، مع اقتضاء قاعدة الاشتغال ذلك.

و أما الأخير: فلا نستدل بمورد تلك الأخبار، بل بالمحصول منها و هو التوسعة في القبلة، و عدم ابتنائها على الدقة، فما ذكره (قدّس سرّه) هو الحق المبين الموافق لسهولة الشريعة المقدسة، لذا قرّره أعاظم الفقهاء من المحشين (رحمهم اللّه).

(46) قد ظهر وجه الأولوية فيما تقدم، و منشأها دعوى أنّ ذلك هو المنصرف إليه من الأخبار، و المتيقن من قاعدة الاحتياط، و لكن الشأن في صحة دعوى الانصراف، و لزوم الأخذ بالمتيقن حتّى تجري القاعدة، بل احتمال وجوب التدقيق، شك في أصل التكليف منفيّ بالأصل، و يظهر منه بطلان دعوى الانصراف أيضا.

(47) لأنّه لو خالف يعلم إجمالا ببطلان أحد الصلاتين، بل لو كانت

ص: 205


1- الوسائل باب: 8 من أبواب القبلة حديث: 5.
مسألة 13: من كانت وظيفته تكرار الصلاة- إلى أربع جهات أو أقلّ

(مسألة 13): من كانت وظيفته تكرار الصلاة- إلى أربع جهات أو أقلّ و كان عليه صلاتان يجوز له أن يتمم جهات الأولى ثمَّ يشرع في الثانية، و يجوز أن يأتي بالثانية في كلّ جهة صلّى إليها الأولى إلى أن تتم (48)، و الأحوط اختيار الأول (49). و لا يجوز أن يصلّي الثانية إلى غير الجهة التي صلّى إليها الأولى (50). نعم، إذا

______________________________

الثانية مرتبة على الأولى يعلم تفصيلا ببطلانها إما لمخالفة الترتيب إن لم تقع الأولى على القبلة، أو لبطلانها إن وقعت الأولى عليها.

و فيه: أنّه كذلك لو لم يكن إطلاق في البين و معه لا أثر لهذا العلم، و تقدم أنّ إطلاق مثل المرسل يشمل الانحراف في الجملة ما لم يبلغ إلى حد اليمين و اليسار، فيكون كما إذا صلّى صلاة ظهره في مسجد بلد تكون قبلته منحرفة إلى اليمين ثمَّ صلّى عصره في مسجد بلد آخر تكون قبلته منحرفة إلى اليسار، فتصح الصلاتان، للإطلاق الشامل لهما.

(48) كلّ ذلك للأصل، و الإطلاق و عدم دليل على تعيين إحدى الكيفيتين إلّا دعوى اعتبار الجزم بالنيّة في العبادة، فتعتبر حينئذ الكيفية الأولى، لتوقف الجزم بالنية في الثانية عليها.

و فيه: أنّه لا دليل على اعتبار الجزم بالنيّة في العبادة مطلقا، و مقتضى الأصل عدم اعتباره خصوصا في مثل المقام الذي يكون أصل العمل مرددا بين الجهات.

(49) للخروج عن خلاف من اعتبر الجزم بالنية.

(50) لبطلان الثانية حينئذ من جهة فقد الترتيب. هذا مع التذكر، و أما مع الغفلة و النسيان، فلو أتى بالثانية إلى بعض الجهات الأربع ثمَّ تذكر و أتى بالأولى هل يجوز الاكتفاء بما أتى به من الثانية و إتيان البقية بعد إتيان الأولى؟

وجهان يمكن القول بالصحة بدعوى: أنّ المتيقن من اعتبار الترتيب غير هذه!

ص: 206

اختار الوجه الأول لا يجب أن يأتي بالثانية على ترتيب الأولى (51).

مسألة 14: من عليه صلاتان- كالظهرين مثلا- مع كون وظيفته التكرار إلى أربع

(مسألة 14): من عليه صلاتان- كالظهرين مثلا- مع كون وظيفته التكرار إلى أربع إذا لم يكن له من الوقت مقدار ثمان صلوات، بل كان مقدار خمسة أو ستة، أو سبعة، فهل يجب إتمام جهات الأولى و صرف بقية الوقت في الثانية، أو يجب إتمام جهات الثانية و إيراد النقص على الأولى؟، الأظهر الوجه الأول (52) و يحتمل وجه ثالث و هو التخيير (53). و إن لم يكن له إلا مقدار أربعة، أو

______________________________

الصورة بعد كون مطلقات اعتباره في مقام بيان أصل تشريع الترتيب فلا تشمل الحالات العارضة، فيرجع فيها إلى أصالة الصحة، و البراءة.

(51) لحصول العلم بفراغ الذمة بعد تمام دور الثانية عن تكليف الترتيب بين الصلاتين سواء أتى بها مرتّبة أو لا.

(52) مقتضى القاعدة في المتزاحمين تقديم الأهم- أو محتمل الأهمية- على غيره، و مع عدم الأهم- و لا احتماله في البين- فالحكم هو التخيير، و النزاع في المقام في أنّ احتمال الأهمية في تتميم جهات الظهر و إيراد النقص على العصر، أو في العكس، فيرد النقص على الظهر، أو لا أهمية في البين أصلا، فيتعيّن التخيير و فعلية التكليف بصلاة الظهر و ترتب التكليف بصلاة العصر على تفريغ الذمة منها توجب أهمية الأولى بالنسبة إلى الثانية فتقدم إتيان محتملاتها على صلاة العصر. و لا منشأ لاحتمال أهمية تقديم صلاة العصر إلّا اختصاص الوقت بها حتّى بمقدماتها العلمية، و لكنه من مجرد الاحتمال الذي لا يعتد به في مقابل فعلية التكليف بصلاة الظهر، و فعلية ترتب العصر على تفريغ الذمة منها كما هو المغروس في أذهان المتشرعة في الجملة.

(53) الوجه فيه تساوي احتمال الأهمية في تقديم كلّ من الصلاتين، و مع عدم الترجيح، فالحكم هو التخيير لا محالة، و لكن تقدم ترجيح احتمال تقديم!

ص: 207

ثلاثة، فقد يقال: يتعيّن الإتيان بجهات الثانية و تكون الأولى قضاء، لكن الأظهر وجوب الإتيان بالصلاتين و إيراد النقص على الثانية- كما في الفرض الأول (54)- و كذا الحال في العشاءين، و لكن في الظهرين يمكن الاحتياط بأن يأتي بما يتمكن من الصلوات بقصد ما في الذمة فعلا (55)، بخلاف العشاءين، لاختلافهما في عدد الركعات.

مسألة 15: من وظيفته التكرار إلى الجهات إذا علم

(مسألة 15): من وظيفته التكرار إلى الجهات إذا علم أو ظنّ- بعد الصلاة إلى جهة أنّها القبلة، لا يجب عليه الإعادة و لا إتيان البقية (56). و لو علم أو ظنّ بعد الصلاة إلى جهتين أو ثلاث أنّ كلّها إلى غير القبلة، فإن كان فيها ما هو ما بين اليمين و اليسار كفى (57)، و إلا وجبت الإعادة (58).

______________________________

صلاة الظهر، فهذا النزاع لفظي لا أن يكون معنويا.

(54) لما تقدم من فعلية التكليف بالنسبة إليها، و ترتب الثانية على تفريغ الذمة منها.

(55) لأنّ اتفاقهما في العدد يوجب صحة انطباق التكليف الفعلي عليه.

(56) كما هو الحال في كلّ احتياط موجب للتكرار إذا أحرز الامتثال بوجه معتبر قبل الإتمام، و ذلك لأنّ وجوب الاحتياط طريقيّ محض لا أن يكون له موضوعية خاصة، و لا وجه لوجوب الطريق مع تبين وقوع ذي الطريق بوجه صحيح شرعيّ علما أو ظنا معتبرا، كما تقدم من اعتبار الظنّ بالقبلة.

(57) في إتيان ما يجب الإتيان به إلى تلك الجهة من باب الاحتياط، لما تقدم في [مسألة 12] و يجب الإتيان بالبقية.

(58) أي يجب إتيان بقية المحتملات على من صلّى إلى بعض الجهات و الصلاة إلى الجهات الأربع على من لم يصلّ إليها، بل صلّى إلى اليمين و اليسار.

ص: 208

مسألة 16: الظاهر جريان حكم العمل بالظنّ مع عدم إمكان العلم

(مسألة 16): الظاهر جريان حكم العمل بالظنّ مع عدم إمكان العلم، و التكرار إلى الجهات مع عدم إمكان الظنّ في سائر الصلوات غير اليومية، بل غيرها مما يمكن فيه التكرار- كصلاة الآيات، و صلاة الأموات، و قضاء الأجزاء المنسية و سجدتي السهو (59)- و إن قيل في صلاة الأموات (60) بكفاية الواحدة عند عدم الظنّ مخيّرا بين الجهات، أو التعيين بالقرعة.

و أما فيما لا يمكن فيه التكرار- كحال الاحتضار- و الدفن، و الذبح، و النحر- فمع عدم الظن يتخير، و الأحوط القرعة (61).

______________________________

(59) لإطلاق الأدلة الشامل لجميع ما يعتبر فيه القبلة خصوصا مثل قوله (عليه السلام): «يجزي المتحيّر أبدا أينما توجّه إذا لم يعلم أين وجه القبلة» (1).

فيستفاد من مثله أصالة المساواة في جميع ما يعتبر فيه الاستقبال إلّا ما خرج بالدليل، و ذكر الصلاة في بعضها إنّما هو من باب المثال، أو الغالب، مع إمكان دعوى الأولوية بالنسبة إلى العمل بالظنّ في غير الفريضة بأن يقال: إنّه إذا جاز العمل به في الفريضة مع تشديد الأمر فيها، ففي غيرها بالأولى، مع أنّ الحكم بكلا شقيه موافق للاحتياط، و ليس مخالفا له حتّى نحتاج في إجرائه في غير الفرائض إلى دليل خاص.

(60) هذا القول ضعيف لا دليل عليه بعد الإطلاقات الشاملة لصلاة الأموات أيضا، و كون الحكم موافقا للاحتياط، و لعلّ الوجه في هذا القول انصراف الأدلة إلى صلاة فيها ركوع و سجود و لكنّه مشكل.

(61) أما العمل بالظنّ فيها مع إمكانه، فلإطلاق قوله (عليه السلام):

كما مرّ «يجزي المتحير أبدا أينما توجه إذا لم يعلم أين وجه القبلة».

ص: 209


1- الوسائل باب: 8 من أبواب القبلة حديث: 2.
مسألة 17: إذا صلّى من دون الفحص عن القبلة إلى جهة غفلة أو مسامحة

(مسألة 17): إذا صلّى من دون الفحص عن القبلة إلى جهة- غفلة أو مسامحة يجب إعادتها، إلا إذا تبين كونها القبلة (62) مع حصول قصد القربة منه.

______________________________

و أما التخيير مع فقده فلأنه الأصل عند العقل و العقلاء بعد فقد ما يدل على الترجيح، و عدم إمكان الاحتياط.

و أما كون القرعة أحوط، فلاحتمال كونها مرجحا و معينا بعد فقد الظنّ و عدم إمكان الاحتياط، و لكن الشأن في إثبات عموم اعتبارها في مورد لم يعمل الأصحاب بها. نعم، إن حصل منها الظنّ، فلا كلام في صحة العمل بها حينئذ.

(62) أما الإعادة في الأول، فلقاعدة الاشتغال. و أما الصحة في الأخير، فلحصول الامتثال.

فرع: من وظيفته التكرار، فأتى بوظيفته ثمَّ علم إجمالا ببطلان إحدى الصلوات التي أتى بها من غير تعيين، هل يجب عليه الإتيان بجميع الأطراف ثانيا، لقاعدة الاشتغال أو لا يجب، لسقوط هذا العلم الإجمالي عن التنجيز، لخروج بعض أطرافه عن الابتلاء، أو يجب الإتيان بواحدة مخيرة بين الجهات؟

وجوه الظاهر هو الأول، لما ثبت في محلّه من أنّ العلم الإجمالي إذا خرج بعض أطرافه عن الابتلاء بعد التنجيز لا يسقط عن الاعتبار و يجب امتثاله. و اللّه تعالى هو العالم بحقائق الأحكام.

ص: 210

فصل فيما يستقبل له

اشارة

(فصل فيما يستقبل له)

يجب الاستقبال في مواضع
اشارة

يجب الاستقبال في مواضع:

أحدها: الصلوات اليومية
اشارة

أحدها: الصلوات اليومية أداء و قضاء- و توابعها من صلاة الاحتياط للشكوك (1)، و قضاء الأجزاء المنسية (2)، بل و سجدتي السهو (3)، و كذا فيما لو صارت مستحبة بالعارض- كالمعادة جماعة، (فصل فيما يستقبل له)

______________________________

يمكن تقسيم الاستقبال إلى الأحكام الخمسة التكليفية و الواجب منها خمس كما تأتي مواردها.

(1) إجماعا، بل ضرورة، و قد قال (عليه السلام): «لا صلاة إلّا إلى القبلة» (1).

(2) لأنّ المنساق من دليل وجوب قضائها إتيانها خارج الصلاة بجميع ما اعتبر فيها حال كونها في أثناء الصلاة إلّا مع دليل على الخلاف و يأتي في فصلي الاحتياط و قضاء الأجزاء المنسية ما ينفع المقام.

(3) يأتي ما يتعلق به في [مسألة 7] من (فصل موجبات سجود السهو و كيفيته) و في المقام أفتى (رحمة اللّه عليه) بالوجوب و هناك تأمل فيه.

ص: 211


1- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 2.

أو احتياطا- و كذا في سائر الصلوات الواجبة، كالآيات (4)، بل و كذا في صلاة الأموات (5). و يشترط في صلاة النافلة في حال الاستقرار، لا في حال المشي (6)

______________________________

(4) كلّ ذلك بالإجماع، بل الضرورة، و إطلاق قوله (عليه السلام): «لا صلاة إلّا إلى القبلة»، و يأتي التفصيل في محالّها فانتظر.

(5) تقدم ما يتعلق بها في الشرط الثامن من (فصل شرائط صلاة الميت) فراجع.

(6) على المشهور المأنوس في أذهان المتشرعة حيث يعدون صلاة النافلة إلى خلاف القبلة- في حال الاختيار، و التمكن، و الاستقرار- من المنكرات، و تقتضيه قاعدة «اشتراك النافلة مع الفريضة في الشرائط و الأجزاء إلّا ما خرج بالدليل».

و قوله (عليه السلام): «كلّ سنة فإنّما تؤدى بها على جهة الفرض» (1)، و إطلاق قوله (عليه السلام): «لا صلاة إلّا إلى القبلة قلت أين حدّ القبلة؟ قال:

ما بين المشرق و المغرب قبلة كلّه، قال: قلت: فمن صلّى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت؟ قال: يعيد»(2).

و الإشكال عليه باختصاصه بالفريضة، بقرينة قوله (عليه السلام): «يعيد» و لا إعادة في النافلة.

مدفوع: بأنّه إرشاد إلى الفساد و حينئذ، فإن وجبت الإعادة بدليل آخر تجب و إلّا فلا.

و استدلّ على عدم اعتبار الاستقبال في النافلة مطلقا بأمور كلّها مخدوشة:

ص: 212


1- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 11.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 2.

.....

______________________________

منها: ما دلّ على جواز الإتيان بها في حال المشي و الركوب(1) فيعلم منه خروجها عن موضوع وجوب الاستقبال رأسا. و فيه: أنّ ذلك خرج بالدليل، و المرجع في غيره عموم قوله (عليه السلام): «لا صلاة إلّا إلى القبلة».

و منها: الأصل، أي: أصالة عدم وجوب الاستقبال. و فيه: أنّه محكوم بإطلاق الدليل.

و منها: قول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح: «استقبل القبلة بوجهك، و لا تقلب بوجهك عن القبلة، فتفسد صلاتك فإنّ اللّه عزّ و جل يقول لنبيّه في الفريضة فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ- الحديث- (2).

و ظاهر التقييد اختصاص استقبال الصلاة بخصوص الفريضة. و فيه: أنّه في مقام بيان شأن النزول و مورده، و لو شك فيه، فلا بد من حمله عليه، لأنّ مثل قوله (عليه السلام): «لا صلاة إلّا إلى القبلة» غير قابل للتقييد بمثل ذلك.

و منها: ما عن البزنطي قال: «سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ قال: إذا كانت الفريضة و التفت إلى خلفه فقد قطع صلاته فيعيد ما صلّى و لا يعتد به، و إن كانت نافلة لا يقطع ذلك صلاته، و لكن لا يعود» (3).

و فيه: أنّه لا ربط له بالاستقبال، لأنّه متكفل لحكم الالتفات في الأثناء بعد تحقق الاستقبال، فالاستدلال به على العكس أولى كما لا يخفى، فهو- على فرض القول به، و عدم الإعراض عنه- نحو تسهيل في بعض المبطلات بالنسبة إلى النافلة دون الفريضة، كما يأتي في [مسألة 7] من «فصل الصلوات المستحبة»، و مثله قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «إذا التفتّ

ص: 213


1- الوسائل باب: 15 و 16 من أبواب القبلة.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 8.

أو الركوب (7) و لا يجب فيها الاستقرار،

______________________________

في صلاة مكتوبة من غير فراغ، فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا- الحديث-» (1).

و منها: ما ورد في تفسير قوله تعالى فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ «أنزل اللّه هذه الآية في التطوع خاصة»(2).

و فيه: أنّه لا بد من تقييده بالسفر كما في خبر آخر (3).

فتلخص: أنّه لا دليل على عدم اعتبار الاستقبال في النافلة مطلقا، بل مقتضى الدليل اعتباره فيها، و هو الذي تقتضيه فطرة المصلّين من أول بعثة سيد المرسلين.

(7) على المشهور، بل المجمع عليه في السفر، و عن الخلاف دعوى الإجماع في الحضر أيضا، و يدل على ذلك نصوص متواترة:

منها: صحيح الحلبي: «أنّه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن صلاة النافلة على البعير و الدابة فقال: نعم، حيث كان متوجها، و كذلك فعل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)»(4).

و منها: خبر ابن المختار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يصلّي و هو يمشي تطوعا؟ قال: نعم، (5).

و إطلاقهما يشمل السفر و الحضر، و في خبر ابن الحجاج عن أبي الحسن أنّه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام): «عن الرجل يصلّي النوافل في الأمصار و هو

ص: 214


1- الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 23 و باب: 13 حديث: 17.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 18 و 19.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 6.
5- الوسائل باب: 16 من أبواب القبلة حديث: 6.

و الاستقبال (8) و إن صارت واجبة بالعرض- بنذر و نحوه- (9).

______________________________

على دابته حيثما توجهت به قال: لا بأس» (1).

(8) لإطلاق الأخبار الواردة في مقام البيان، كما أنّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين حالتي الاختيار و الاضطرار مع أنّ الحكم التسهيلي الامتناني يقتضي التعميم مطلقا.

(9) لأنّ النذر يرد على ما هو المشروع، و المفروض أنّ إتيان النافلة في حال المشي، و الركوب إلى غير القبلة مشروع. و دعوى الانصراف إلى ما لا تكون واجبة بالعرض. لا وجه له، مضافا إلى ما رواه ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل جعل اللّه عليه أن يصلّي ذلك على دابته و هو مسافر؟ قال: نعم» (2).

فروع- (الأول): لا ريب في أنّ الأولى الإتيان بها في حال الاستقرار و الاستقبال، كما في صحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن (عليه السلام) قال:

«سألته عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة إذا خرجت قريبا من أبيات الكوفة، أو كنت مستعجلا بالكوفة، فقال: إن كنت مستعجلا لا تقدر على النزول و تخوّفت فوت ذلك إن تركته و أنت راكب، فنعم، و إلّا فإنّ صلاتك على الأرض أحبّ إليّ» (3).

المحمول على مجرد الأولوية، للمعتبرة المستفيضة منها خبر الكرخي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «أنّه قال له: إنّي أقدر أن أتوجّه نحو القبلة في المحمل، فقال: هذا لضيق، أما لكم في رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أسوة؟!» (4).

ص: 215


1- الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب القبلة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 12.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 2.

.....

______________________________

و خبر ابن مهزيار قال: «قرأت في كتاب لعبد اللّه بن محمد إلى أبي الحسن (عليه السلام) اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في ركعتي الفجر في السفر فروى بعضهم أن صلّهما في المحمل، و روى بعضهم لا تصلّهما إلّا على الأرض فأعلمني كيف تصنع أنت، لأقتدي بك في ذلك؟ فوقّع (عليه السلام) موسّع عليك بأيّة عملت»(1).

و موثق سماعة قال: «سألته عن الصلاة في السفر- إلى أن قال- و ليتطوع بالليل ما شاء إن كان نازلا و إن كان راكبا فليصلّ على دابته و هو راكب» (2).

(الثاني): لا فرق في عدم وجوب الاستقبال في حال عدم الاستقرار بين أجزاء الصلاة من التكبيرة، و الركوع، و السجود و غيرها، و لكن الأولى مراعاته فيها مهما أمكن، خصوصا في التكبيرة، و الركوع، و السجود لخبر ابن أبي نجران قال: «إذا كنت على غير القبلة فاستقبل القبلة ثمَّ كبّر و صلّ حيث ذهب بك بعيرك» (3).

و خبر ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في السفر و هو يمشي، و لا بأس بأن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار و هو يمشي يتوجه إلى القبلة ثمَّ يمشي و يقرأ، فإذا أراد أن يركع حوّل وجهه إلى القبلة و ركع و سجد ثمَّ مشى» (4).

(الثالث): لا فرق فيما ذكر بين الابتداء و الاستدامة، فلو كان مستقرا و مستقبلا في ابتداء النافلة و خرج عن الاستقرار و الاستقبال في أثنائها اختيارا، أو اضطرارا و أتمّ النافلة تصح صلاته، و كذا العكس، كلّ ذلك للإطلاق، و ظهور الاتفاق، و كثرة ما ورد في التوسعة في النافلة.

(الرابع): لا فرق في النافلة بين ذوات الأسباب و غيرها، للإطلاق الشامل للجميع.

ص: 216


1- الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 8.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 14.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 13.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب القبلة حديث: 1.
مسألة 1: كيفية الاستقبال في الصلاة قائما أن يكون وجهه، و مقاديم بدنه إلى القبلة

(مسألة 1): كيفية الاستقبال في الصلاة قائما أن يكون وجهه، و مقاديم بدنه إلى القبلة حتّى أصابع رجليه على الأحوط، و المدار على الصدق العرفي (10). و في الصلاة جالسا أن يكون رأس ركبتيه إليها مع وجهه، و صدره، و بطنه (11) و إن جلس على قدميه لا

______________________________

(الخامس): لا تسقط سائر الشرائط في حال عدم الاستقرار غير الاستقبال، لإطلاق أدلّتها من غير دليل على الخلاف.

(السادس): الصلوات التي يؤتى بها في الأماكن المقدّسة عند كثرة الازدحام مع عدم الاستقرار فيها تبطل إن كانت واجبة، و كذا لو كانت مندوبة، لفرض أنّها في حال الاستقرار لا المشي، و لو أراد درك فضل المحلّ يأتي بها حال الخروج من ذلك المحلّ جمعا بين درك فضل المحلّ، و عدم مزاحمة آخرين، و صحة الصلاة.

(السابع): نسب إلى جمع- منهم العلامة- أنّ قبلة الراكب طريقه، و مقصده، و إلى آخر أنّها رأس دابته، تمسكا بمثل قوله (عليه السلام): «حيث أومأت به الدابة» (1).

و قوله (عليه السلام) في السفينة: «يصلّي نحو رأسها»(2).

و فيه: أنّ مثل هذه الأخبار ليست في مقام جعل البدل للقبلة، بل المنساق منها عرفا سقوط شرطية الاستقبال مطلقا.

(10) لأنّ كلّ ما لم يرد فيه تحديد شرعيّ يكون المرجع فيه العرف، و الظاهر صدق الاستقبال عرفا و لو لم تكن أصابع الرجلين إلى القبلة حين القيام.

(11) لعدم صدق الاستقبال عرفا إلّا بذلك.

ص: 217


1- الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب القبلة حديث: 2.

بد أن يكون وضعهما على وجه يعد مقابلا لها (12). و إن صلّى مضطجعا يجب أن يكون كهيئة المدفون. و إن صلّى مستلقيا، فكهيئة المحتضر (13).

الثاني: في حال الاحتضار

الثاني: في حال الاحتضار (14)، و قد مرّ كيفيته.

الثالث حال الصلاة على الميت يجب أن يجعل على وجه يكون رأسه إلى المغرب و رجلاه إلى المشرق

الثالث: حال الصلاة على الميت يجب أن يجعل على وجه يكون رأسه إلى المغرب و رجلاه إلى المشرق (15).

الرابع: وضعه حال الدفن على كيفية مرت

الرابع: وضعه حال الدفن على كيفية مرت (16).

الخامس: الذبح، و النحر

الخامس: الذبح، و النحر (17) بأن يكون المذبح، و المنحر و مقاديم بدن الحيوان إلى القبلة، و الأحوط كون الذابح أيضا مستقبلا (18)، و إن كان الأقوى عدم وجوبه.

______________________________

(12) وجوب جعلهما على وجه يعد مقابلا لها مشكل، لصدق الاستقبال عرفا إن كانت مقاديم بدنه إليها و لو لم يجعل قدميه إليها، نعم، هو الأحوط.

(13) لأنّ ذلك هو المعهود شرعا من استقبال المضطجع، و المستلقي و يأتي ما يتعلق بهما في [مسألة 15] من (فصل القيام).

(14) راجع أول (فصل فيما يتعلق بالمحتضر).

(15) مرّ الكلام في الثاني من (فصل شرائط صلاة الميت).

(16) تقدم في [مسألة 1] من (فصل الدفن).

(17) للإجماع بقسميه، بل بالضرورة المذهبية، و لنصوص مستفيضة منها قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم: «إذا أردت أن تذبح فاستقبل بذبيحتك القبلة» (1).

(18) لاحتمال أن يكون لفظ (الباء) في قوله (عليه السلام): «بذبيحتك

ص: 218


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الذبائح حديث: 2.
مسألة 2: يحرم الاستقبال حال التخلّي بالبول أو الغائط

(مسألة 2): يحرم الاستقبال حال التخلّي بالبول أو الغائط و الأحوط تركه حال الاستبراء و الاستنجاء كما مر (19).

مسألة 3: يستحب الاستقبال في مواضع

(مسألة 3): يستحب الاستقبال في مواضع: حال الدعاء و حال قراءة القرآن، و حال الذكر، و حال التعقيب، و حال المرافعة عند الحاكم. و حال سجدة الشكر، و سجدة التلاوة، بل حال الجلوس مطلقا (20).

______________________________

القبلة» بمعنى (مع)، كما في قول القائل: جاء بخيله و حشمه، و انطلق به، و لخبر الدعائم: «إذا أردت أن تذبح ذبيحة، فلا تعذب البهيمة أحدّ الشفرة، و استقبل القبلة» (1).

و فيه: أنّ لفظ (باء) ليس في المقام بمعنى (مع)، بقرينة الروايات الأخر المذكورة فيها كلمة (على) تارة: و كلمة (اللام) أخرى في كلام الراوي، فراجع أخبار الباب، و أما خبر الدعائم- فمضافا إلى قصور سنده- يحمل على ما قلناه أيضا.

(19) تقدم في [مسألة 14]: من (فصل أحكام التخلّي).

(20) لقوله (عليه السلام): «خير المجالس ما استقبل به القبلة (2).

و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أكثر ما يجلس تجاه القبلة» (3).

و يدل على استحباب الاستقبال في ما ذكره من الموارد، تسالم الأصحاب عليه، و بناء المتشرعة خلفا عن سلف في القرآن، و الدعاء و التعقيب، و يشملها قوله (عليه السلام): «خير المجالس ما استقبل به القبلة» بالفحوى، و يأتي التفصيل في محالّه.

ص: 219


1- مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب الذبائح حديث: 1.
2- الوسائل باب: 76 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 76 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3.
مسألة 4: يكره الاستقبال حال الجماع

(مسألة 4): يكره الاستقبال حال الجماع، و حال لبس السراويل، بل كلّ حالة تنافي التعظيم (21).

______________________________

(21) لما عن الصادق (عليه السلام) «لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها» (1).

أي في حال الجماع كما يدل عليه أول الحديث، و في الوسائل في لبس السراويل: «في رواية لا تلبسه من قيام، و لا مستقبل القبلة، و لا إلى الإنسان» (2).

و في الحديث: «نهى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) عن البزاق في القبلة» (3).

و عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) أنّه قال: «إذا ظهر النز من خلف الكنيف و هو في القبلة يستره بشي ء» (4).

ص: 220


1- الوسائل باب: 69 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: 1.
2- الوسائل باب: 68 من أبواب أحكام الملابس حديث: 4.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب القبلة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب القبلة حديث: 3.

فصل في أحكام الخلل في القبلة

اشارة

(فصل في أحكام الخلل في القبلة)

مسألة 1: لو أخلّ بالاستقبال عالما عامدا بطلت صلاته مطلقا

(مسألة 1): لو أخلّ بالاستقبال عالما عامدا بطلت صلاته مطلقا (1). و إن أخلّ بها جاهلا- أو ناسيا، أو غافلا، أو مخطئا في اعتقاده، أو في ضيق الوقت- فإن كان منحرفا عنها إلى ما بين اليمين و اليسار، صحت صلاته (2). و لو كان في الأثناء مضى ما تقدم و استقام (فصل في أحكام الخلل في القبلة)

______________________________

(1) لأنّه لا معنى لوجوب شي ء إلّا أنّ تركه العمدي يوجب البطلان- شرطا كان أو جزءا- ما لم يدل دليل على الخلاف، مضافا إلى الإجماع و حديث «لا تعاد» (1)، و يأتي في قاطعية الالتفات ما ينفع المقام.

(2) للنص، و الشهرة، بل ادعى عليه الإجماع، ففي صحيحة عمار أنّه سأل الصادق (عليه السلام): «عن الرجل يقوم في الصلاة ثمَّ ينظر بعد ما فرغ، فيرى أنّه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا، فقال له: قد مضت صلاته و ما بين المشرق و المغرب قبلة» (2).

و عن عليّ (عليه السلام) أنّه كان يقول: «من صلّى على غير القبلة و هو يرى أنّه على القبلة ثمَّ عرف بعد ذلك، فلا إعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق و المغرب» (3).

ص: 221


1- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب القبلة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب القبلة حديث: 5.

.....

______________________________

و قريب منهما غيرهما، و إطلاقهما يشمل الجاهل، و الناسي، و الغافل، و المخطئ في الاعتقاد. و هذه الأخبار في مقام التسهيل، و التيسير، و الامتنان، و توسعة القبلة بالنسبة إليهم، و هي معتبرة سندا و ظاهرة- بل صريحة- دلالة، فلا يعارضها إلّا ما كان أقوى منها من كلّ جهة. و معنى مضيّ الصلاة- و عدم الإعادة- سقوط الأمر مطلقا أداء، و قضاء كما هو المنساق منهما عرفا في جميع موارد استعمال هذه الجملة.

و بإزاء هذه الأخبار قسمان آخران من الأخبار:

الأول: خبر معمر بن يحيى قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل صلّى على غير القبلة ثمَّ تبينت القبلة و قد دخل وقت صلاة أخرى، قال:

يعيدها قبل أن يصلّي هذه التي قد دخل وقتها- الحديث-»(1).

و فيه: أنّ ضعف سنده، و هجر الأصحاب عنه أسقطه عن الاعتبار، فيحمل على الندب، أو على صورة التعمد، أو على سائر المحامل.

الثاني: صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الصادق (عليه السلام) قال: «إذا صلّيت و أنت على غير القبلة و استبان لك أنّك صلّيت و أنت على غير القبلة و أنت في وقت فأعد، و إن فاتك الوقت فلا تعد» (2).

و صحيح يعقوب بن يقطين قال: «سألت عبدا صالحا عن رجل صلّى في يوم سحاب على غير القبلة ثمَّ طلعت الشمس و هو في وقت أ يعيد الصلاة إذا كان صلّى على غير القبلة؟ و إن كان قد تحرّى القبلة بجهده أ تجزيه صلاته؟

فقال: يعيد ما كان في وقت، فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه» (3).

و عن جمع الفتوى بمضمونهما و عن ابن إدريس دعوى نفي الخلاف.

و فيه: أنّ دعوى نفي الخلاف- فيما استقرت الشهرة على الخلاف- لا وجه له، و أقرب وجوه الجمع بينهما و بين مثل صحيح عمار حمل غير القبلة

ص: 222


1- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب المواقيت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب المواقيت حديث: 2.

في الباقي (3) من غير فرق بين بقاء الوقت و عدمه (4)، لكن الأحوط الإعادة في غير المخطئ في اجتهاده مطلقا (5). و إن كان منحرفا إلى

______________________________

فيهما على الاستدبار، أو اليمين و اليسار و أما حمل المضيّ و نفي الإعادة في الأخبار السابقة على عدم القضاء و إن أمكن ثبوتا، لكنّه خلاف ظاهرها الواردة في مقام توسعة القبلة، و تسهيل الأمر على الأمة، فتكون لها نحو حكومة على سائر أخبار الباب، كما هو شأن جميع الأدلة الامتنانية، فلا وجه لما عن صاحب الحدائق من ذهابه إلى وجوب الإعادة، و عدم القضاء.

و المتحصل من مجموع الرّوايات الواردة في المقام أنّ القبلة إمّا الكعبة المشرّفة و هي للعامد الملتفت المختار و إمّا ما بين المشرق و المغرب و هي للجاهل و الناسي و المخطئ في الاجتهاد و التقليد و إمّا حيثما توجهت الدابة و هي للمسافر و هذا هو مقتضى الشريعة السهلة السمحاء التي افتخر بها نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم).

(3) للإجماع- كما عن المستند- و لدلالة الأخبار السابقة على الصحة في الأثناء بالفحوى، و لموثق عمار عن الصادق (عليه السلام) قال: «في رجل صلّى على غير القبلة، فيعلم و هو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال: إن كان متوجها فيما بين المشرق و المغرب، فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم، و إن كان متوجها إلى دبر القبلة، فليقطع الصلاة ثمَّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمَّ يفتتح الصلاة» (1).

و خبر ابن الوليد (2) قال: «سألته عن رجل تبيّن له و هو في الصلاة أنّه على غير القبلة، قال: يستقبلها إذا ثبت ذلك، و إن كان فرغ منها فلا يعيدها».

(4) لإطلاق الأخبار الشامل للصورتين.

(5) لأنّ المخطئ في الاجتهاد هو المتيقن من مجموع النصوص،

ص: 223


1- الوسائل باب: 10 من أبواب القبلة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب القبلة حديث: 3.

اليمين و اليسار، أو إلى الاستدبار، فإن كان مجتهدا مخطئا أعاد في الوقت دون خارجه (6)، و إن كان الأحوط الإعادة مطلقا (7)، لا سيما في صورة الاستدبار، بل لا ينبغي أن يترك في هذه الصورة (8). و كذا

______________________________

و اقتصار جمع عليه بالخصوص، بل نسب ذلك إلى ظاهر الأصحاب، مع ظهور الإجماع على أنّ الجاهل المقصر مطلقا بمنزلة العامد إلّا ما خرج بالدليل، فشمول إطلاق أدلة المقام له مشكل. نعم، الظاهر ثبوت الإطلاق بالنسبة إلى الناسي، و الجاهل القاصر، و الغافل، لأنّ الحكم من التسهيليات الامتنانية، بل لا يبعد شموله للمقصر أيضا، جمودا على الإطلاق، فيخصص بها الإجماع الدال على أنّ المقصّر كالعامد لو تمَّ.

(6) أما الإعادة في الوقت فلإطلاق أدلة الشرطية، و حديث «لا تعاد»(1) و قاعدة الاشتغال. و أمّا سقوط القضاء فلما تقدم من إطلاق صحيح يعقوب بن يقطين.

(7) خروجا عن شبهة الخلاف و جمودا على إطلاق ما تقدم من خبر معمر بن يحيى غير الصالح للفتوى، لما مرّ من قصور السند، و إعراض الفقهاء و إن صلح للاحتياط.

(8) نسب إلى المشهور وجوب القضاء في هذه الصورة، لما تقدم من خبر معمر بن يحيى، و لمرسل النهاية: «رويت رواية إنّه إذا كان صلّى إلى استدبار القبلة ثمَّ علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة» (2).

و لموثق عمار: «و إن كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة، ثمَّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمَّ يفتح الصلاة»(3).

ص: 224


1- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب القبلة حديث: 10.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب القبلة حديث: 4.

إن كان في الأثناء (9). و إن كان جاهلا أو ناسيا أو غافلا فالظاهر وجوب الإعادة في الوقت و خارجه (10).

______________________________

و فيه: أنّ قصور سند الأول مانع عن الاستناد إليه، مع أنّ الشيخ (قدّس سرّه) لم يعتمد على ما أرسله، و الأخير ظاهر في أثناء الصلاة لا بعدها، فلا ربط له بالمقام، و لكن فتوى الأجلاء بوجوب القضاء و نسبته إلى المشهور، و استنكار المتشرعة إجزاء الصلاة إلى دبر القبلة منشأ لتشديد الاحتياط.

(9) لشمول جميع ما تقدم من الأدلة لهذه الصورة أيضا، بل يمكن دعوى الشمول بالأولوية، كما لا يخفى. و لو كان في ضيق الوقت و تبيّن الخطأ في أثناء الصلاة و كان بحيث لا يقدر على استيناف الصلاة إلى القبلة و لو بركعة فهل يستقيم في البقية و يتم الصلاة- لكونه بمنزلة خارج الوقت حيث لا يقدر على إتيان تمام الصلاة في الوقت فتصح و لا شي ء عليه، كما عن جمع منهم صاحب الجواهر، إمّا لأنّ مراعاة إدراك الوقت أولى من الاستقبال، فيكون من التبين في خارج الوقت، و إما لإمكان استفادة الصحة مما تقدم من النصوص في هذه الصورة- أو يقطع الصلاة و يستأنفها، لمنع كونه من التبين في خارج الوقت، و منع كون إدراك الوقت أولى من الاستقبال؟ قولان، و مقتضى عدم ثبوت الترجيح التخيير، لكن الاحتياط في الإتمام ثمَّ القضاء.

(10) لإطلاق أدلة الاشتراط، و حديث «لا تعاد»(1) و قاعدة الاشتغال، و اختصاص جملة من الأخبار بالمخطئ في الاجتهاد مثل ما تقدم من خبر ابن يقطين. و صحيح ابن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): «الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلّي لغير القبلة ثمَّ يضحى فيعلم أنّه صلّى لغير القبلة، كيف يصنع؟ قال (عليه السلام): إن كان في وقت فليعد

ص: 225


1- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1.
مسألة 2: إذا ذبح أو نحر إلى غير القبلة عالما عامدا حرم المذبوح و المنحور

(مسألة 2): إذا ذبح أو نحر إلى غير القبلة عالما عامدا حرم المذبوح و المنحور. و إن كان ناسيا أو جاهلا أو لم يعرف جهة القبلة لا يكون حراما (11). و كذا لو تعذر استقباله كأن يكون عاصيا أو واقعا

______________________________

صلاته، و إن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده» (1).

و في صحيح الحلبي عنه (عليه السلام)- أيضا- في الأعمى يؤم القوم و هو على غير القبلة، قال (عليه السلام): «يعيد و لا يعيدون فإنّهم قد تحرّوا» (2). و التحرّي: هو الاجتهاد. فتحمل المطلقات على هذه الأخبار، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «إذا صلّيت على غير القبلة فاستبان لك قبل أن تصبح أنّك صلّيت على غير القبلة فأعد صلاتك» (3).

ثمَّ إنّ المراد بالمشرق و المغرب في قوله (عليه السلام): «ما بين المشرق و المغرب قبلة»(4).

اليمين و اليسار، كما عبّر بهما الفقهاء (قدّس سرّهم)، و إلّا اختصت النصوص بمن تكون قبلته نقطة الجنوب أو الشمال.

(11) أمّا الحرمة في الأول فللنص و الإجماع، و إطلاق دليل الشرطية ففي صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن ذبيحة ذبحت لغير القبلة، فقال: كل، لا بأس بذلك ما لم يتعمده» (5).

و نحوه صحيحا عليّ بن جعفر و الحلبي (6). و أما الحلية في صورة النسيان و الجهل و عدم معرفة جهة القبلة، فللإجماع و النص، ففي صحيح ابن مسلم «عن رجل ذبح ذبيحة فجهل أن يوجهها، قال كل منها، فقلت فإنّه لم يوجهها، قال: فلا تأكل منها- الحديث-» (7).

ص: 226


1- الوسائل باب: 11 من أبواب القبلة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب القبلة حديث: 7.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب القبلة حديث: 3.
4- تقدم في صفحة: 221.
5- الوسائل باب: 14 من أبواب الذبائح حديث: 4.
6- الوسائل باب: 14 من أبواب الذبائح حديث: 5 و 3.
7- الوسائل باب: 14 من أبواب الذبائح حديث: 2.

في بئر أو نحو ذلك مما لا يمكن استقباله، فإنّه يذبحه و إن كان إلى غير القبلة (12).

مسألة 3: لو ترك استقبال الميت وجب نبشه ما لم يتلاش

(مسألة 3): لو ترك استقبال الميت وجب نبشه ما لم يتلاش و لم يوجب هتك حرمته، سواء كان عن عمد أو جهل أو نسيان، كما مرّ سابقا (13).

______________________________

و المراد بالأخير عدم التوجيه عمدا. و لا فرق في الجهل بين القصور و التقصير في الحكم أو الموضوع، لظهور الإطلاق، مضافا إلى صحيح ابن مسلم المتقدم. و الظاهر أنّ ذكر الجهل من باب المثال، فيشمل النسيان و عدم معرفة جهة القبلة، و يشهد له خبر دعائم الإسلام الوارد في الذبح لغير القبلة: «أن كان خطأ أو نسي أو جهل فلا شي ء عليه و تؤكل ذبيحته» (1).

(12) نصّا و إجماعا، ففي صحيح الحلبي: «في ثور تعاصى فابتدره قوم بأسيافهم و سموا فأتوا عليا (عليه السلام)، فقال: هذه ذكاة وحية، و لحمه حلال» (2).

و عن زرارة: «عن بعير تردى في بئر ذبح من قبل ذنبه فقال (عليه السلام): لا بأس إذا ذكر اسم اللّه تعالى عليه» (3).

و نحوهما غيرهما.

(13) لما تقدم في [مسألة 7] من مكروهات الدفن، و أما في صور الاستثناء فلأهمية حرمة المؤمن و عدم إيذاء الناس من استقباله في القبر، أو لعدم الموضوع.

ص: 227


1- مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب الذبائح حديث: 2.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الذبائح حديث: 1.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الذبائح حديث: 6.

فصل في الستر و الساتر

اشارة

(فصل في الستر و الساتر)

فصل في أنّ الستر قسمان

اشارة

اعلم أنّ الستر قسمان: ستر يلزم في نفسه، و ستر مخصوص بحالة الصلاة (1).

فالأول: يجب ستر العورتين
اشارة

فالأول: يجب ستر العورتين: القبل و الدّبر عن كلّ مكلّف من الرجل و المرأة، عن كلّ أحد من ذكر أو أنثى، و لو كان مماثلا محرما أو غير محرم (2). و يحرم على كلّ منهما أيضا النظر إلى عورة الآخر (3). و لا يستثنى من الحكمين إلا الزوج و الزوجة و السيد و الأمة (4) إذا لم تكن مزوّجة و لا محلّلة (5)، بل يجب الستر عن الطفل (فصل في الستر و الساتر)

______________________________

(1) هذا التقسيم شرعي بلحاظ حكم الستر في الموردين.

(2) إجماعا من المسلمين، بل ضرورة من الدين، بل كشف العورة عند الناس من المقبحات العقلائية النظامية، و لو مع قطع النظر عن الشرع و الشريعة و النظر إليها من أهمّ إثارة الشهوة الجنسية فلا يجوز في غير المأذون فيه شرعا.

(3) هذا الفرع كسابقه من حيث النص و الإجماع و الضرورة، و قد مرّ في أحكام التخلّي ما يتعلق بهما.

(4) بالضرورة من الدّين، و نصوصا يأتي التعرض لها في كتاب النكاح.

(5) لقاعدة «دوران حلية النظر مدار حلية الوطي» المتسالم عليها، و قد تعرّضنا لها في كتاب النكاح، فراجع.

ص: 228

المميّز. خصوصا المراهق (6) كما إنّه يحرم النظر إلى عورة المراهق بل الأحوط ترك النظر إلى عورة المميّز (7).

و يجب ستر المرأة تمام بدنها عمن عدا الزوج و المحارم (8). إلّا

______________________________

(6) لإطلاق معاقد الإجماعات، و النبوي المعمول به: «ملعون ملعون الناظر و المنظور إليه» (1) من غير دليل على الخلاف.

(7) مقتضى إطلاق الكلمات و النبوي المتقدم حرمته، و لم يعلم وجه التردد، مع أنّه (قدّس سرّه) جزم بالفتوى في [مسألة 1] من (فصل أحكام التخلّي).

(8) بضرورة المذهب، بل الدّين، و نصوص مستفيضة في أبواب متفرقة، و قال تعالى وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا لِبُعُولَتِهِنَّ (2).

و الخمر جمع الخمائر: و هي المقنعة الساترة للرأس و الرقبة و تلقى أطرافها على الظهر و الكتفين و الصدر و تعميم الستر مأخوذ في جميع مشتقاته، ففي الحديث: «لا تجد المؤمن إلا إحدى ثلاث: في مسجد يعمره أو بيت يخمره أو معيشة يدبرها» (3).

و منه سمّي الخمر خمرا لاستتار العقل به. و قد ورد في تفسيره عن الصادق (عليه السلام) في صحيح الفضيل: «إنّ الذراعين من الزينة» (4).

و الظاهر أنّ ذكر الذراعين من باب المثال لجميع البدن و المقطوع به من الآية الكريمة أنّها في مقام بيان ستر جميع البدن، لأنّ عامة البدن كان مستورا

ص: 229


1- الوسائل باب: 3 من أبواب آداب الحمام حديث: 5.
2- سورة النور: 31.
3- النهاية لابن الأثير باب الخاء مع الميم.
4- الوسائل باب: 109 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 1.

الوجه و الكفّين مع عدم التلذذ و الريبة (9). و أما معهما فيجب الستر.

______________________________

بالقميص خصوصا القمصان القديمة العربية التي كانت شاملة لجميع البدن، و محلّ الجيوب قد يظهر، فأمر اللّه تعالى بضرب الخمر- و هي المقانع- على الجيوب ليستر ما قد يظهر من البدن أيضا. فتكفي نفس هذه الآية الشريفة لوجوب ستر جميع بدنهنّ، لا سيّما مع ملاحظة التواريخ التي وردت في كيفية لباس النساء و كميته في القديم.

و أما الاستثناء بالنسبة إلى الزوج فهو من الضروريات، و يأتي ما يتعلق بالمحارم في النكاح إن شاء اللّه تعالى.

(9) التلذذ هو الالتذاذ بالنظر فعلا، و الريبة هو خوف الوقوع في الحرام، و قد يعبّر عنه بخوف الفتنة، و هو إمّا موجود فعلا، أو يحصل بعد ذلك و إن كان غافلا حين النظر. و الظاهر شمول الكلمات للقسمين و المراد أن يكون عدم ستر الوجه و الكفين معرضا لوقوع الناس في الالتذاذ و الريبة و لو بعد حين بأن يتصوّر ما رآه سابقا فيلتذ بما رآه.

ثمَّ إنّه قد اختلفت الأقوال في وجوب ستر الوجه و الكفين، فمن قائل بالجواز، و من قائل بالمنع، و عن بعض الاحتياط وجوبا، و عن آخر استحبابا، و من قائل بالتفصيل بين النظرة الأولى فتجوز و بين النظرة الثانية فلا تجوز، حتّى أنّ الفقيه الواحد ربما ذهب إلى الجواز في المقام و إلى المنع في النكاح أو بالعكس. و المسألة متكررة في الفقه، فمن الفقهاء من ختم القول فيها في أحكام التخلّي و أحال سائر المواضع عليها و منهم من تعرض للتفصيل هنا، و منهم من بسط القول فيها في النكاح.

و لا بد لنا أولا من تأسيس الأصل الفطري العقلائي ثمَّ التعرض لما ورد من الشرع من التقرير له، ثمَّ بيان بعض ما يستفاد منه الجواز و الخدشة فيه.

فنقول: إنّ مقتضى الأصل عدم الجواز مطلقا، و تأسيس هذا الأصل يستند إلى وجوه: الأول: الآيات الكريمة، كآية الجلباب، قال تعالى:

ص: 230

.....

______________________________

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَ بَناتِكَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ (1).

و آية الخمر (2)، و آية الغض (3) و ظهورها في عورتي المرأة مطلقا حتّى الوجه و الكفين مما لا ينكر. و المراد من الغض هو كسر العين و عدم النظر، و إطلاقه يشمل جميع البدن- الوجه و الكفين و غيرهما- و كلمة (من) أما بيانية يعني غضوا أبصاركم، أو بمعنى الباء، كما في قوله تعالى يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ (4)فالمعنى يغضوا ببصرهم، كما يقال: سمع بأذنه و رأى بعينيه فهو نحو تأكيد و اهتمام بذلك لئلا يتسامح الناس فيه، لأنّ النظر إلى الوجه و الكفين أخف مئونة من غيره، و لعلّ هذا هو السرّ في دخول كلمة (من) في الغض دون حفظ الفرج، لأنّ النظر إليه قليل الاتفاق بناء على أن يكون المراد من الحفظ هنا، الحفظ عن النظر، كما في بعض الأخبار (5).

و توهم: عدم الإطلاق في آية الغض و في دلالتها لأنّ المراد بكلمة (من) التبعيض، فلا يستفاد منها التعميم.

باطل: لتعلق الحكم بذات الطبيعة المهملة من كلّ قيد، مع أنّه لا فرق بين الغض و حفظ الفرج، و إطلاق الأخير مسلّم فلا بد و أن يكون الأول أيضا كذلك مع وحدة السياق، و التفكيك بلا دليل، بل على خلافه الدليل.

و أما كون (من) تبعيضية فهو احتمال مردود لتصريحهم بأنّها إمّا بيانية أو لابتداء الغاية أو زائدة، و على فرض كونها بمعنى التبعيض، كما عن الزمخشري فالمراد به- كما صرّح في كشافه- غض البصر عما يحرم الاقتصار على ما يحل، فلا تثبت به حلية النظر إلى الوجه و الكفين، مع أنّه متفرّد به و كم له من التفردات التي لا دليل عليها من عقل أو نقل أو عرف، فإطلاق الآية محكم

ص: 231


1- سورة الأحزاب: 59.
2- سورة النور: 31.
3- سورة النور: 30- 31.
4- سورة الشورى: 45.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

.....

______________________________

حتّى بالنسبة إلى الوجه و الكفّين.

الثاني: دعوى إطباق الفقهاء على عدم جواز النظر إلى الوجه و الكفّين من كنز العرفان، و ظاهر جميع المتقدمين (قدّس سرّهم) التطابق على الحرمة، و إنّما نسب الجواز إلى الشيخ في النهاية و التبيان، و الأول ليس كتابا للفتوى، بل هو متون الأخبار- كما في الجواهر و الحدائق-، و التبيان أيضا ليس موضوعا لها. و نسب الجواز أيضا إلى الكليني و في النسبة نظر، لأنّ نقل أخبار الجواز أعم من الفتوى به، فإجماع كنز العرفان معتبر.

الثالث: الوجدان فإنّ كلّ من رجع إلى وجدان كلّ ذي غيرة من العقلاء الذين يعتنون بعرضهم من جميع أرباب الملل و الأديان يجد في فطرة عقولهم أصالة العورتية في المرأة مطلقا إلّا ما نصت الشريعة المقدسة على الخلاف، و اللّه جلّ جلاله غيور و من غيرته أنّه حرّم الفواحش، كما في الحديث (1)، فأصالة الستر في النساء وجدانيّ لكلّ ذي فطرة سليمة يرجع إلى فطرته مع التفاته إلى تحفظ العرض، و هذا الأصل الفطري يكفي في اعتباره عدم ثبوت الردع عنه.

الرابع: الأخبار التي يمكن أن يستشهد بها لتقرير هذا الأصل، و هي واردة في مواضع شتّى.

منها: مفهوم قوله (عليه السلام) في صحيح البختري: «لا بأس بأن ينظر إلى وجهها و معاصمها إذا أراد أن يتزوجها» (2).

و نحوه غيره.

و منها: قول النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): «النساء عيّ و عورة، فاستروا عيّهنّ بالسكوت، و استروا عوراتهنّ بالبيوت» (3).

ص: 232


1- الوسائل باب: 77 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 2.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 3.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 4.

.....

______________________________

و منها: قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «لا تنزلوا النساء الغرف» (1).

و قوله (صلّى اللّه عليه و آله): ليس للنساء من سروات الطريق شي ء، و لكنّها تمشي في جانب الحائط و الطريق»(2).

و قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «من صافح امرأة تحرم عليه فقد باء بسخط من اللّه عزّ و جل» (3).

و عنه (عليه السلام) فيما أخذ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) البيعة على النساء: «أن لا يحتبين و لا يقعدن مع الرجال في الخلاء» (4).

و عنه (صلّى اللّه عليه و آله): «من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يبيت في موضع يسمع نفس امرأة ليست له بمحرم» (5).

و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «النظرة سهم من سهام إبليس مسموم» (6).

و قوله (عليه السلام): «ما من أحد إلّا و هو يصيب حظا من الزنا، فزنا العينين النظر، و زنا الفم القبلة، و زنا اليدين اللمس، صدق الفرج ذلك أو كذب» (7).

و كذا يشهد له كيفية بيعة النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) للنساء، فإنّه «لما بايع النساء و أخذ عليهنّ، دعا بإناء فملأه ثمَّ غمس يده في الإناء ثمَّ أخرجها ثمَّ أمرهنّ أن يدخلن أيديهنّ فيغمسن فيه» (8).

إلى غير ذلك مما لا يحصى، و هذه الأخبار و إن حملها الأصحاب على

ص: 233


1- الوسائل باب: 92 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 1.
2- الوسائل باب: 97 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 1.
3- الوسائل باب: 105 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 1.
4- الوسائل باب: 99 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 1.
5- الوسائل باب: 99 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 2.
6- راجع الوسائل باب: 104 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 1.
7- راجع الوسائل باب: 104 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 2.
8- الوسائل باب: 115 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 5.

.....

______________________________

الآداب في الجملة، و لكن لا شك في إمكان استفادة تقرير الأصل المزبور منها.

الخامس: الأدلة التي وردت في بيان موارد الاستثناء الواردة في القرآن الكريم و سنن المعصومين (عليهم السلام) قال تعالى وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ (1).

فيستفاد منها مسلّمية أصل الحرمة حيث اهتموا (عليهم السلام) بذكر موارد الاستثناء، سؤالا و جوابا عند توهم الإباحة أو عند الضرورات كالخصيّ (2)، و الأعمى(3) و من يريد التزوج (4)، و من تموت و ليس معها غيره، و نساء أهل الذمة، و من لا ينتهين إذا نهين (5) إلى غير ذلك مما لا يخفى على المتتبع جميع ذلك مما يؤيد الأصل الذي تعرضنا له.

و استدل المجوزون تارة: بمرسل مروك عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قلت له: ما يحل للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرما؟ قال:

الوجه و الكفان و القدمان» (6).

و صحيح مسعد بن زياد قال: «سمعت جعفرا (عليه السلام) و سئل عما تظهر المرأة من زينتها، قال: الوجه و الكفين» (7).

و في خبر زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قول اللّه عزّ و جل إِلّا ما ظَهَرَ مِنْها قال: «الزينة الظاهرة الكحل و الخاتم» (8).

و فيه: أنّه يمكن أن يكون المراد الظهور الاتفاقي لا الإظهار الاختياري،

ص: 234


1- سورة النور (24) الآية 60.
2- الوسائل باب: 125 من أبواب مقدمات النكاح.
3- راجع الوسائل باب: 129 من أبواب مقدمات النكاح.
4- راجع الوسائل باب: 36 من أبواب مقدمات النكاح.
5- راجع الوسائل باب: 113 من أبواب مقدمات النكاح.
6- الوسائل باب: 109 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 2.
7- الوسائل باب: 109 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 5.
8- الوسائل باب: 109 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 3.

.....

______________________________

مع أنّ المقطوع به من مذاق الشرع عدم الترخيص لهنّ في إبداء الوجه و الكفين فيما هو معرض عرفي للتلذذ و خوف الفتنة، و لا ريب في المعرضية القريبة مع وجود الناظرين من الأجانب. نعم، مع احتمال وجود الناظر و انتفاء وجوده بالفعل لا يجب. و يمكن أن يكون هذا هو المراد من الصحيح.

و أخرى: بخبر عليّ بن جعفر (1): «سألته (عليه السلام) عن الرجل ما يصلح له أن ينظر من المرأة التي لا تحلّ له؟ قال (عليه السلام): الوجه و الكفان و موضع السوار».

و في المرسل المزبور: «الوجه و الكفان و القدمان».

و فيه مضافا إلى قصور سندهما، و اشتمال الثاني على ما لا يقول به أحد من إباحة النظر إلى القدمين، أنّه يمكن أن يراد به النظر الاتفاقي، أي: لا يجب على الرجال التحفظ عن النظر بمقدار لا يقع النظر الاتفاقي أيضا، فإنّه من العسر و الحرج، مع أنّه يمكن أن يراد بالمحرم في قوله (عليه السلام): «إذا لم يكن محرما» غير الزوج من سائر المحارم، و كذا قوله (عليه السلام): «لا تحل له».

و ثالثة: بما ورد في تفسير قوله تعالى وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا ما ظَهَرَ مِنْها (2)، إنّ الزينة الظاهرة: الكحل و الخاتم و المسكة- أي السوار- و الثياب، و خضاب الكفين (3)، فيستفاد منها عرفا أنّ محلّ الكحل- أي الوجه- و الكفان لا بأس بإظهارهما.

و فيه: مضافا إلى قصور سند هذه الأخبار، إمكان أن يراد بها أيضا عدم وجوب التحفظ عليهنّ لهذه المواضع عند احتمال وجود الأجنبي، لكونه عسرا و حرجا، مع إمكان حملها على الظهور الاتفاقي لا تعمد الإظهار للأجانب

ص: 235


1- قرب الإسناد ج: 1 باب ما يجب على النساء في الصلاة.
2- سورة النور (24) الآية: 31.
3- راجع الوسائل باب: 109 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 3 و 4.

.....

______________________________

لمواضع الزينة الظاهرة، فإنّه بعيد جدا عن مذاق الشرع و المتشرعة.

و رابعة: بما ورد في تغسيل الرجل الأجنبي المرأة الأجنبية عند الضرورة، ففي خبر المفضّل بن عمر: «في المرأة تموت في السفر مع رجال ليس فيهم ذو محرم، قال (عليه السلام): و لا يكشف لها شي ء من محاسنها التي أمر اللّه سبحانه بسترها، قلت: فكيف يصنع بها؟ قال (عليه السلام): يغسل بطن كفيها، ثمَّ يغسل وجهها ثمَّ يغسل ظهر كفيها» (1).

و نحوه غيره.

و فيه: أنّه لم يعمل به في مورده فكيف يتعدّى إلى غيره، و نسبه بعض الفقهاء إلى الشذوذ، كما في الجواهر.

و خامسة: بصحيح عليّ بن سويد قال: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إنّي مبتلى بالنظر إلى المرأة الجميلة فيعجبني النظر إليها، فقال:

يا عليّ لا بأس إذا عرف اللّه من نيتك الصدق، و إياك و الزنا فإنّه يمحق البركة و يهلك الدّين» (2).

و فيه: أنّه ليس لنا العمل بإطلاقه فلا بد من الحمل على النظر الاتفاقي دون الاختياري العمدي.

و سادسة: برواية جابر (رضي اللّه عنه) حيث نظر إلى وجه الصديقة الطاهرة (عليها السلام) و قد اصفر من الجوع ثمَّ احمر بدعاء رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) (3) و ما روي عن سلمان أنّه رأى يدها دامية من كثرة الرحى.

و فيهما: مضافا إلى قصور السند أنّه من المستبعد جدّا النظر العمدي من جابر إلى وجهها (عليها السلام) بمحضر من رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله). نعم، يمكن أن يكون من الاتفاقي غير الاختياري، و كذا من سلمان (رضي اللّه عنه)،

ص: 236


1- الوسائل باب: 22 من أبواب غسل الميت حديث: 1، و الأحاديث: 2 و 8 و 10.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب مقدمات النكاح المحرم حديث: 3.
3- الوسائل باب: 120 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 3.

.....

______________________________

كيف و هي التي قالت لأبيها (صلّى اللّه عليه و آله): «خير النساء أن لا يرين الرجال، و لا يراهنّ الرجال، فقال (صلّى اللّه عليه و آله): «فاطمة منّي» (1).

و سابعة: بما ورد في الإحرام من عدم تغطية وجوههنّ (2).

و فيه: أنّه لا تدل على جواز النظر، بل و لا على الكشف و إنّما مفادها عدم وضع شي ء على وجوههنّ مما يتسترن به في غير حال الإحرام، فيجوز أن يتسترن بغير تلك الكيفية المعهودة عندهنّ في حال الإحلال.

و ثامنة: بأنّ في ستر الوجه عسر و حرج. و لا يخفى بطلان هذا الوجه.

و تاسعة: بأنّ عدم اهتمام الرواة بالسؤال عنهما يكشف عن عدم وجوب الستر، مع ورود الترخيص في الكشف في الصلاة (3).

و فيه: أنّ السؤال عن الشعر الذي هو بعض جمال المرأة و وجوب ستره عليها يدل بالأولى على ستر الوجه الذي فيه تمام جمالها و كمالها.

و عاشرة: بالسيرة. و فيه: أنّ سيرة المتشرعات على الخلاف. نعم، من لا تبالي منهنّ بالدّين تكشف عن غير الوجه، فضلا عن الوجه، هذا مضافا إلى إطلاق آية الغض (4) و قولهما (عليهما السلام): «زنا العين النظر، و زنا الفم القبلة، و زنا اليدين اللمس»(5).

و السيرة العملية بين المتدينين و المتدينات بترك النظر و الستر، و قوله (عليه السلام): «النظرة سهم من سهام إبليس»(6).

ص: 237


1- الوسائل باب: 129 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 3.
2- راجع الوسائل باب: 48 و 59 من أبواب تروك الإحرام.
3- راجع الوسائل باب: 28 من أبواب لباس المصلّي.
4- سورة النور (24) الآية: 31.
5- الوسائل باب: 104 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 4.
6- الوسائل باب: 104 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 1.

و يحرم النظر (10). حتّى بالنسبة إلى المحارم و بالنسبة إلى الوجه

______________________________

و قوله (عليه السلام) في مكاتبة الصفار في الشهادة على المرأة: «تتنقب و تظهر للشهود» (1).

و الملازمة الغالبة بين النظر و الريبة خصوصا في هذه الأعصار، و أصالة العورتية في المرأة إلّا ما خرج بالدليل، و لو رجعنا إلى فطرة النساء عند إرادة التوبة عما ارتكبن من المحرّمات يعدن ذلك منها و يتبن من كشف وجوههنّ و أيديهنّ أيضا، فلا يترك الاحتياط بالستر و ترك النظر.

و أما ما ورد من الروايات الدالة على النظرة الأولى لك و الثانية عليك لا لك (2)- التي استند إليها من فصّل في الجواز بين الأولى و الثانية- فلا بد من حملها على النظرات الاتفاقية، إذ يبعد من الشارع الإذن في الانتفاع بالنظرة الأولى، كما هو مفاد قوله (عليه السلام): «لك» أو الحمل على النظر في مقام الخطبة، فالمراد بها أنّك لا تعاقب، لكونها اتفاقية.

ثمَّ إنّ النظر إلى الوجه و الكفين على أقسام:

الأول: النظر الاتفاقي و لا ريب في عدم حرمته.

الثاني: النظر الإجمالي الالتفاتي من غير تكرار بحيث لا يكون مقام تمييز الجهات و الخصوصيات، كالنظر العبوري بالنسبة إلى سائر الأشياء، و يمكن دعوى انصراف الأدلة المانعة عنه.

الثالث: النظر التفصيلي الالتفاتي، كنظر المشتري إلى ما يريد شراءه، و الرجل إلى امرأة يريد أن يتزوجها و لا يجتزي أحد على القول بجوازه، و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات.

(10) نصّا و إجماعا، بل بضرورة من الدّين، ففي خبر شعيب بن واقد

ص: 238


1- الفقيه باب: 29 من أبواب القضاء حديث: 2.
2- الوسائل باب: 104 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 8 و 11 و 13 و 14 و 17.

و الكفّين (11). و الأحوط سترها عن المحارم من السرة إلى الركبة مطلقا (12)، كما أنّ الأحوط ستر الوجه و الكفّين عن غير المحارم مطلقا (13).

______________________________

عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام): «من ملأ عينيه من حرام ملأ اللّه عينيه يوم القيامة من النار إلّا أن يتوب و يرجع» (1).

و في خبر آخر عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «من اطلع في بيت جاره فنظر إلى عورة رجل أو شعر امرأة أو شي ء من جسدها كان حقا على اللّه أن يدخله النار- إلى أن قال- و من ملأ عينيه من امرأة حراما حشاهما اللّه يوم القيامة بمسامير من نار» (2).

و يدل على وجوب الستر عليهنّ جميع ما تقدّم في تأسيس الأصل بالفحوى.

(11) بضرورة من المذهب، بل الدّين، و لما تقدم من النصوص.

(12) لما تقدم في [مسألة 5] من (فصل أحكام التخلّي) ما يدل على أنّ العورة ما بين السرة و الركبة، بل إلى نصف الساق، و يأتي هنا في [مسألة 3] أيضا، و عن العلامة (قدّس سرّه): ليس للمحرم التطلع في العورة و الجسد عاريا، و عن التنقيح: «المنع عنه إلّا الثدي حال الإرضاع». و تقتضيه سيرة من يعتني بدينه من المؤمنين و المؤمنات.

(13) لما تقدم، و لا يترك هذا الاحتياط، و يأتي منه (رحمه اللّه) في النكاح الاحتياط الوجوبي في ذلك، بل لا مناص للفقيه من أن لا يجزم بالإباحة، لما يأتي في قول أبي الحسن (عليه السلام): «لما فيه من تهييج الرجال» و أي تهيج أشد من ذلك.

ص: 239


1- الوسائل باب: 105 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 1.
2- الوسائل باب: 104 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 16.
مسألة 1: الظاهر وجوب ستر الشعر الموصول بالشعر

(مسألة 1): الظاهر وجوب ستر الشعر الموصول بالشعر، سواء كان من الرجل أو المرأة، و حرمة النظر إليه (14).

______________________________

(14) أما وجوب ستر الشعر الأصلي على المرأة و حرمة النظر إليه فهو من المسلّمات نصّا (1) و إجماعا. و أما الوصلي فإن كان من غير المرأة فمقتضى الأصل عدم وجوب ستره و عدم حرمة النظر إليه، و إن كان منها- و كانت أجنبية- فمقتضى الأصل حرمة النظر إليها، و مقتضى أصالة البراءة عدم وجوب ستره على الواصلة، و لا يجري استصحاب وجوبه لتعدد الموضوع، و مع الشك في أنّه من الرجل أو المرأة لا يجري الأصل الموضوعي، للشك في الموضوع، و لا يصح التمسك بالإطلاق لذلك أيضا فيتعيّن الرجوع إلى البراءة سترا و نظرا.

هذا بحسب الأصل العملي. نعم، مقتضى عمومات الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر وجوب ستره لو شملت المقام و لكنّها لا تختص بالواصلة، بل تشمل عامة المكلّفين، كسائر موارد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. إلّا أن يقال: باختصاصه بها في الجملة كما في من نجس مسجدا أو مصحفا، انظر [مسألة 3 و 28] من (فصل يشترط في صحة الصلاة).

و أما الأدلة الخاصة فقد يدعى أنّ ما يدل على وجوب ستر الشعر الأصلي و حرمة النظر إليه يدل عليهما في الشعر الوصلي بالملازمة لشيوعه بين النساء في كلّ عصر و زمان، و عمدة ما استدل به عليهما قول مولانا الرضا (عليه السلام) في جواب مسائل ابن سنان: «و حرّم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج و إلى غيرهنّ من النساء لما فيه من تهييج الرجال و ما يدعو إليه التهييج من الفساد و الدخول فيما لا يحلّ و لا يحمل و كذلك ما أشبه الشعور، إلّا الذي قال اللّه تعالى وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ أي غير الجلباب، فلا بأس بالنظر إلى

ص: 240


1- راجع الوسائل باب: 104 من أبواب مقدمات النكاح و باب: 107 منها.

و أما القرامل من غير الشعر، و كذا الحليّ، ففي وجوب سترهما و حرمة النظر إليهما مع مستورية البشرة إشكال، و إن كان أحوط (15).

مسألة 2: الظاهر حرمة النظر إلى ما يحرم النظر إليه في المرآة، و الماء الصافي مع عدم التلذذ

(مسألة 2): الظاهر حرمة النظر إلى ما يحرم النظر إليه في المرآة، و الماء الصافي مع عدم التلذذ (16). و أما معه فلا إشكال في حرمته.

______________________________

شعور مثلهنّ» (1). فإن إطلاق قوله (عليه السلام): «شعور النساء .. و كذلك ما أشبه الشعور» يشمل الشعر الوصلي أيضا إن كان للمرأة و للتأمل فيه مجال.

(15) منشأ الإشكال إطلاق قوله تعالى وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا لِبُعُولَتِهِنَّ (2).

الشامل لجميع ما هو زينة لهنّ خصوصا مثل الحليّ الذي هو من أجلّ زينتهنّ و من مهيجات الشهوة، و إطلاق ما تقدم من قول الرضا (عليه السلام):

«و كذلك ما أشبه الشعور».

الشامل للحليّ أيضا.

و من احتمال أن يكون المراد بالأول مواضع الزينة من الجسد، كما فسّر به في بعض الأخبار (3)، و أن يكون المراد من الثاني مثل السنّ، و الظفر، و نحوهما مما هو جزء البشرة عرفا.

(16) لصدق الرؤية عرفا، فتشملها الأدلة، و احتمال الانصراف إلى الرؤية بلا واسطة شي ء- كما في المستند- لا وجه له، لأنّه من الانصرافات البدوية التي لا يعتنى بها. نعم، يصح دعوى الانصراف عن الصورة، و الأحوط فيه الاجتناب أيضا.

ص: 241


1- الوسائل باب: 104 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 12.
2- سورة النور (24) الآية 31.
3- الوسائل باب: 109 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه.
مسألة 3: لا يشترط في الستر الواجب في نفسه ساتر مخصوص

(مسألة 3): لا يشترط في الستر الواجب في نفسه ساتر مخصوص، و لا كيفية خاصة، بل المناط مجرد الستر و لو كان باليد و طلي الطين و نحوهما (17).

و أما الثاني:- أي الستر حال الصلاة
اشارة

(و أما الثاني):- أي الستر حال الصلاة فله كيفية خاصة.

و يشترط فيه ساتر خاص (18). و يجب مطلقا (19) سواء كان هناك ناظر

______________________________

(17) إذ المناط إبداء المانع عن الرؤية و لو بإطفاء الضوء و إيجاد الظلمة أو الجلوس بنحو لا ترى الصورة، و يكفي وضع اليد على القبل، و أما الدّبر فمستور بالأليتين، فلا يجب ستره بشي ء آخر، و كذا بالنسبة إلى المرأة في الستر الواجب نفسا، و يكفي فيه إيجاد المانع عن الرؤية بأيّ نحو حصل و لو بالابتعاد عن الرائي.

(18) لأنّه لا يكفي فيه وضع اليد لستر القبل، و لا الأليتين لستر الدّبر و لا الظلمة و نحوها، و يأتي بيان الساتر الخاص في الفصل اللاحق.

(19) للنص، و الإجماع، بل الضرورة، ففي صحيح محمد بن مسلم قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): الرجل يصلّي في قميص واحد؟ فقال:

إذا كان كثيفا فلا بأس به» (1).

و مثله خبر الأنصاري- في حديث- قال: «صلّى بنا أبو جعفر (عليه السلام) في قميص بلا إزار و لا رداء، فقال: إنّ قميصي كثيف، فهو يجزي أن لا يكون عليّ إزار و لا رداء» (2).

و المنساق من الكثيف عرفا ما كان مانعا عن الرؤية مطلقا- كان هناك ناظر أو لا- و قد فسّر الكثيف بالستر، فيما يأتي من أخبار ثوب المرأة حال الصلاة، فلا وجه للإشكال بأنّه لا يشمل ما إذا لم يكن هناك ناظر.

ص: 242


1- الوسائل باب: 21 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب لباس المصلّي حديث: 7.

محترم أو غيره أم لا، و يتفاوت بالنسبة إلى الرجل و المرأة.

أما الرجل: فيجب عليه ستر العورتين أي: القبل من القضيب و البيضتين و حلقة الدبر لا غير (20)، و إن كان الأحوط ستر العجان أي: ما بين حلقة الدبر إلى أصل القضيب (21) و أحوط من ذلك ستر ما بين السرة و الركبة (22)

______________________________

و استدل أيضا بما ورد في صلاة العاري من إبدال الركوع و السجود بالإيماء. و فيه: أنّها مختلفة، كما يأتي في [مسألة 43] من الفصل اللاحق، و أما قول الصادق (عليه السلام) في مرفوع حماد: «لا تصلّ فيما شفّ أو وصف» (1). فقصور سنده يمنع عن الاعتماد عليه، و كذا حديث الأربعمائة: «لا يقومن أحدكم بين يدي الربّ جلّ جلاله و عليه ثوب يشف» (2).

مع أنّ الشفيف من الثوب ما يرى تحته من ورائه، فلا يكون ساترا و لا يجوز حينئذ.

(20) للإجماع، و ظواهر الأدلة، و يشهد له العرف أيضا، و في مرسل الواسطي عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: «العورة عورتان: القبل و الدّبر، و الدّبر مستور بالأليتين، فإذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة» (3).

و مقتضى الأصل عدم وجوب ستر شي ء آخر، لأنّ المسألة من صغريات الأقلّ و الأكثر.

(21) من باب المقدمة العلمية، و عن الكركي جعله أولى، و هو المطابق للأصل، و لما مرّ من خبر الواسطي الحاصر لها بالعورتين.

(22) لا ريب في كونه من الآداب المستحسنة لدى المتشرعة، بل الذين

ص: 243


1- الوسائل باب: 21 من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب لباس المصلّي حديث: 5.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.

و الواجب ستر لون البشرة (23)، و الأحوط ستر الشبح (24) الذي يرى

______________________________

يعتنون بمثل هذه الأمور مطلقا، و عن عليّ (عليه السلام): «ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذيه و يجلس بين قوم»(1) و عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «العورة ما بين السرّة و الركبة»(2).

المحمول على مجرد الرجحان جمعا، و إجماعا، لما عن الصادق (عليه السلام): «الفخذ ليست من العورة» (3). و عنه (عليه السلام) أيضا:

«الركبة ليست من العورة».

كما في الجواهر.

(23) مقتضى الأصل عدم وجوب ستر شي ء مما شك في وجوب ستره إلّا فيما هو المعلوم من مفاد الأدلة، و المعلوم إنّما هو اللون فقط، فيرجع في وجوب ستر غيره إلى البراءة كما في كلّ شبهة وجوبية دائرة بين الأقلّ و الأكثر.

(24) إنّ عدّ الشبح من مراتب تمييز اللون عرفا، فيشمله ما دلّ على وجوب ستر اللون، و إن كان من مجرد ظلّ الشي ء، فمقتضى الأصل عدم وجوب ستره، و يظهر منه (رحمه اللّه) هذا التفصيل في أول فصل أحكام التخلّي فراجع، و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات.

و أما الحجم، فمقتضى الأصل و السّيرة عدم وجوب ستره، و لا مجال في المقام للرجوع إلى قاعدة الاشتغال، لما ثبت في محلّه من أنّ المرجع هو البراءة في الشبهة الوجوبية- نفسية كانت أو غيرية- كما لا وجه للتمسك بقول الصادق (عليه السلام): «لا تصلّ فيما شف أو وصف» (4). بناء على ضبطه (بواوين)، لقصور سنده و اضطراب متنه، لأنّه ضبط تارة: «فيما شفّ أو صفّ،

ص: 244


1- الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام الملابس حديث: 3.
2- الوسائل باب: 53 من أبواب نكاح العيد و الإماء حديث: 7 ج: 14.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب آداب الحمام حديث: 1 و 4.
4- الوسائل باب: 21 من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.

من خلف الثوب من غير تميز للونه، و أما الحجم- أي: الشكل- فلا يجب ستره.

و أما المرأة: فيجب عليها ستر جميع بدنها حتّى الرأس و الشعر (25). إلّا الوجه المقدار الذي يغسل في الوضوء، و إلا اليدين

______________________________

يعني الثوب الصقيل. و أخرى: بواوين، فراجع أخبار الباب.

(25) أما وجوب ستر جميع الجسد و الرأس، فبإجماع الفقهاء، و نصوص كثيرة يستفاد منها استفادة قطعية اشتراط ستر الرأس و البدن، إما بثلاثة أثواب، أو ثوبين، أو ملحفة واحدة، قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في موثق ابن أبي يعفور: «تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب: إزار، و درع و خمار، و لا يضرها بأن تقنع بالخمار، فإن لم تجد فثوبين تتزر بأحدهما و تقنع بالآخر قلت:

فإن كان درع و ملحفة ليس عليها مقنعة؟ فقال: لا بأس إذا تقنعت بملحفة، فإن لم تكفها فتلبسها طولا»(1).

و عن أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم قال: «المرأة تصلّي في الدرع، و المقنعة إذا كان كثيفا يعني ستيرا» (2).

و في صحيح زرارة قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أدنى ما تصلّي فيه المرأة، قال: درع و ملحفة فتنشرها على رأسها و تجلّل بها» (3).

و في صحيح ابن جعفر أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السلام):

«عن المرأة ليس لها إلّا ملحفة واحدة كيف تصلّي؟ قال: تلتف فيها و تغطي رأسها و تصلّي، فإن خرجت رجلها و ليس تقدر على غير ذلك فلا بأس» (4).

و لا ريب في أنّ الظاهر من بعضها، و المصرح في بعضها الآخر وجوب ستر رأسها أيضا، مضافا إلى قول الصادق (عليه السلام) في الموثق: «لا يصلح للحرة إذا حاضت إلّا الخمار إلّا أن لا تجده» (5).

ص: 245


1- الوسائل باب: 28 من أبواب لباس المصلّي حديث: 8.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب لباس المصلّي حديث: 3.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب لباس المصلّي حديث: 9.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
5- الوسائل باب: 28 من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.

.....

______________________________

و أما خبر ابن بكير- عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا بأس بالمسلمة الحرة أن تصلّي و هي مكشوفة الرأس» (1).

و مثله خبره الآخر(2)، فمحمول على غير البالغة، أو مردود، لهجر الأصحاب عن ظاهره، فلا وجه لما نسب إلى ابن الجنيد (رحمه اللّه) من عدم وجوب ستر الرأس عليها في الصلاة.

و أما الشعر، فاستدل على وجوب ستره تارة: بما دل على وجوب ستر الرأس، فإنّه يدل بالملازمة العرفية على ستر الشعر أيضا.

و فيه: أنّ الملازمة في الجملة مسلّمة، و بنحو الكلية باطلة، لأنّ الشعر الطويل من الامام و الخلف، أو منهما لا يستر بستر الرأس قطعا.

و أخرى: بقول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح فضيل قال: «صلّت فاطمة (عليها السلام) في درع و خمارها على رأسها، ليس عليها أكثر مما وارت به شعرها و أذنيها» (3).

بناء على أنّه في مقام بيان تحديد الواجب من الستر، و عنه (عليه السلام) أيضا في صحيح زرارة المتقدم: «درع و ملحفة فتنشرها على رأسها و تجلّل بها» (4).

و فيه: أنّ الأول ليس في مقام بيان تحديد ما يجب ستره في الصلاة، بل ظاهره أنّه في مقام بيان عدم كون ثيابها وسيعة، كما كانت متعارفة في تلك الأزمان. و الثاني: أنّه يدل على المطلوب لو كان التجلّل واجبا، و الظاهر عدم قائل بوجوبه، فلا يستفاد منه إلّا وجوب ستر الرأس و تقدم أنّه أخصّ من ستر تمام الشعر، و لذا حكي عن القاضي عدم وجوب ستره، و استظهره في المدارك عن عبارات أكثر الأصحاب، و عن البحار ليس في كلام الأكثر تعرّض لذلك.

و توقف فيه الشهيد في الألفية و صاحب الكفاية.

ص: 246


1- الوسائل باب: 29 من أبواب لباس المصلّي حديث: 5.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب لباس المصلّي حديث: 6.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب لباس المصلّي حديث: 9.

إلى الزندين، و القدمين إلى الساقين ظاهرهما و باطنهما (26)، و يجب

______________________________

و لكن التزام المتشرعات بالستر في كلّ عصر، و ظهور صحيح الفضيل في مسلّمية ستر الشعر، فكأنّه (عليه السلام) جعل أصل الستر الواجب ما استتر الشعر و الأذنان، و احتمال الملازمة بين الستر الواجب نفسا و الستر في الصلاة إلا ما خرج بالدليل، و فتوى جمع من الفقهاء بالوجوب مما يوجب الاطمئنان به، و لعلّ عدم تعرّض الأكثر له، لأجل أنّ الوجوب كان مفروغا عنه لديهم، أو لأجل اكتفائهم بذكر الرأس عنه. هذا في الشعر الأصلي، و أما الوصلي، فيأتي حكمه في المسألة اللاحقة.

(26) مقتضى الأصل عدم وجوب الستر الصلاتي لو شك في وجوبه بالنسبة إلى جزء من أجزاء البدن، لأنّ المقام من الشك في الشرطية، و من موارد الأقلّ و الأكثر و لا دليل على الملازمة بين الستر الواجب في نفسه و بين الستر الصلاتي، بل مقتضى الأصل العدم. نعم، هو من مجرد الاحتمال- خصوصا بعد ما ورد أنّها عورة، كما تقدم- و لا بأس به، لكن لا يثبت به الوجوب.

ثمَّ إنّ تفصيل هذه المسألة لا بد و أن يكون في ضمن فروع حتّى لا يختلط بعضها ببعض:

(الأول): لا يجب للمرأة ستر وجهها في الصلاة للأصل، و الإجماع، و السيرة، و ظهور الروايات- المتقدمة المشتملة على الدرع، و الإزار، و الخمار- في ذلك لأنّها لا تستر الوجه قطعا، و في موثق سماعة قال: «سألته عن المرأة تصلّي متنقبة؟ قال: إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به، و إن أسفرت فهو أفضل» (1).

(الثاني): لم يقع لفظ الوجه في أدلّة المقام، و إنّما ذكر في كلمات

ص: 247


1- الوسائل باب: 33 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

.....

______________________________

الفقهاء العظام، و المراد به عندهم الوجه الوضوئي، بل هو المراد في الإطلاق العرفي أيضا و هو المستفاد مما تقدم من الأخبار، لأنّها تدل على كفاية الملحفة و الخمار و هي لا تستر الوجه الوضوئي عادة. و مع الشك، فالمرجع البراءة، للشك في الشرطية. و احتمال- أن تكون الملحفة، و المقنعة و الخمار ملقاة من الطرف الإمامي كما تلقى من الطرف الخلفي- منفي بالأصل، و العرف، و السيرة في ألبستهنّ المتعارفة الاستعمال في المنزل.

(الثالث): لا يجب عليها ستر اليدين إلى الزندين، للأصل، و الإجماع، و لأنّ الدّرع و الخمار الوارد في الأدلة كفايتهما لصلواتها- لا يستران اليد. و ما يقال: من أنّ الأكمام كانت طويلة في الأزمنة القديمة لم يثبت بنحو يعتمد عليه، و على فرض ثبوته لم يثبت كونه في مطلق أكمامهنّ، و إنّما كان في الألبسة التجملية لا الألبسة المنزلية المتعارفة، مع أنّه يكفي الشك في عدم صحة التمسك بالإطلاق، فيرجع إلى البراءة لا محالة.

(الرابع): لا يجب عليها ستر القدمين إلى الساقين على المشهور، للأصل، و لعدم الملازمة بين لبس الدرع و الملحفة، و الإزار و ستر القدم و على فرض ثبوت كونها طويلة الذيل إنّما كان الطول من الخلف لا من الامام و إلا لتعسر عليهنّ المشي، مع أنّه يكفي عدم النص- في هذا الحكم الابتلائي و كون القدم في معرض البروز و الظهور- في عدم الوجوب، و أما مفهوم صحيح ابن جعفر: «فإن خرجت رجلها و ليس تقدر على غير ذلك، فلا بأس» (1)فلا يدل على وجوب ستر القدم، لأنّ الرجل أعم من القدم بلا إشكال، بل ظاهر في المقدار المعتنى به منه لا خصوص القدم.

(الخامس): لا فرق في القدم بين الظاهر و الباطن، لجريان ما تقدم من الأدلة فيها. و عن جمع التخصيص بالظاهر فقط و لا دليل على ذلك إلا إذا كان الدليل منحصرا بالإجماع. فيقتصر فيه على المتيقن.

ص: 248


1- الوسائل باب: 28 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.

ستر شي ء من أطراف هذه المستثنيات من باب المقدمة (27).

______________________________

و فيه أولا: منع انحصار الدليل فيه. و ثانيا: أنّ كون المتيقن هو الظاهر أول الدعوى.

أو أنّ الباطن مستور بالأرض في حال القيام و الركوع و في غيرهما بالثياب، فاكتفى الشارع بذلك و سكت عن حكمه، فلا بد من ستره في تمام الأحوال.

و فيه: أنّه وجه حسن ثبوتا، و لكن لا يصلح للاكتفاء به في مقام الإثبات و إن صلح للاحتياط ما لم يوجب الوسوسة.

تنبيه: يجب على الشارع بيان حدود المكلّف به و قيوده، خصوصا في الابتلائيّات العامة- كالقبلة و الطهارة و الستر الصلاتي و نحوها- و إذا بيّن ذلك للرجال يجري بالنسبة إلى النساء أيضا، لقاعدة الاشتراك المسلّمة نصّا و فتوى، كما تعرّضنا لها (1). هذا إذا كان الموضوع مشتركا بينهما، و أما مع الاختصاص بالنساء كالستر الصلاتي لهنّ، فلا بد له من تفصيله و شرحه، خصوصا مع اختلاف كيفية الستر في العالم بالنسبة إلى المسلمات من الأمة، و ليس لأحد أن يأخذ بما ورد في لباس المسلمات من أهل الحجاز حين تشريع الستر الصلاتي مع كثرة اختلافه أيضا بينهنّ فضلا عن ستر النساء في سائر أنحاء العالم، فاللازم الأخذ بالمعلوم من مفاد الأدلة اللفظية ثمَّ الأخذ بما دل عليه إجماع معتبر، أو شهرة معتبرة، و مع عدمهما، فالمرجع أصالة البراءة كما هو كذلك في جميع الأدلة الاجتهادية، و قد تعرّضنا للأدلة اللفظية و الإجماع و مورد جريان الأصل، فراجع و تأمّل.

(27) لأنّها جارية في جميع ما يتوقف العلم بتحقق حدود المكلّف به

ص: 249


1- راجع ج: 2 صفحة: 215.
مسألة 4: لا يجب على المرأة حال الصلاة ستر ما في باطن الفم من الأسنان و اللسان

(مسألة 4): لا يجب على المرأة حال الصلاة ستر ما في باطن الفم من الأسنان و اللسان، و لا ما على الوجه من الزينة- كالكحل و الحمرة و السواد و الحلي- و لا الشعر الموصول بشعرها و القرامل و غير ذلك و إن قلنا بوجوب سترها عن الناظر (28).

مسألة 5: إذا كان هناك ناظر ينظر بريبة إلى وجهها أو كفيها أو قدميها يجب عليها سترها

(مسألة 5): إذا كان هناك ناظر ينظر بريبة إلى وجهها أو كفيها أو قدميها يجب عليها سترها، لكن لا من حيث الصلاة، فإن أثمت و لم تسترها لم تبطل الصلاة. و كذا بالنسبة إلى حليّها و ما على وجهها من الزينة و كذا بالنسبة إلى الشعر الموصول و القرامل في صورة حرمة النظر إليها (29).

مسألة 6: يجب على المرأة ستر رقبتها حال الصلاة

(مسألة 6): يجب على المرأة ستر رقبتها حال الصلاة (30).

______________________________

عليه، كما تقدم في الغسلات الوضوئية، و مسحات التيمم، و يأتي في غيرهما و هي سيالة في الفقه.

(28) كلّ ذلك للأصل، و عدم الإشارة إلى وجوب ستر شي ء من ذلك في الأدلة مع كون الحكم ابتلائيا خصوصا بعد ما ورد من إطلاق: «لا تصلّي المرأة عطلاء» (1).

و لا دليل على الملازمة بين الستر في غير الصلاة و الستر فيها، بل مقتضى الأصل عدمها.

(29) أما وجوب الستر مع الناظر، فلإطلاق دليله الشامل لحال الصلاة أيضا. و أما عدم البطلان مع المخالفة، فلعدم كون هذا الستر شرطا في صحة الصلاة، و عدم اقتضاء الأمر بالشي ء النّهي عن ضده.

(30) للأخبار- المتقدمة- المشتملة على الخمار و الملحفة المستلزم لستر الرقبة.

ص: 250


1- الوسائل باب: 58 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

و كذا تحت ذقنها، حتّى المقدار الذي يرى منه عند اختمارها على الأحوط (31).

مسألة 7: الأمة كالحرّة في جميع ما ذكر من المستثنى و المستثنى منه

(مسألة 7): الأمة كالحرّة في جميع ما ذكر من المستثنى و المستثنى منه (32)، و لكن لا يجب عليها ستر رأسها و لا شعرها و لا عنقها (33) من غير فرق بين أقسامها من القنة، و المدبّرة و المكاتبة، و المستولدة (34). و أما المبعّضة: فكالحرّة مطلقا (35).

و لو أعتقت في أثناء الصلاة و علمت به و لم يتخلّل بين عتقها

______________________________

(31) مقتضى الأصل- كما تقدم- عدم وجوب ستره، و لكن يمكن أن يستفاد من الكلمات اشتراط ستر جميع جسدها إلّا ما خرج بالدليل و إثبات هذه الكلية بالدليل مشكل، و لكنه موافق للاحتياط.

(32) للإطلاق الشامل لهما.

(33) للنص، و الإجماع، قال أبو الحسن (عليه السلام) في صحيح ابن الحجاج: «ليس على الإماء أن يتقنعن في الصلاة» (1).

(34) لظهور الإطلاق، و الاتفاق، و صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)- في حديث: «و سألته عن الأمة إذا ولدت عليها الخمار؟ قال:

لو كان عليها لكان عليها إذا هي حاضت و ليس عليها التقنع في الصلاة» (2).

(35) للنصّ، و الإجماع، و في صحيح ابن حمران عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «سألته عن الرجل أعتق نصف جاريته- إلى أن قال:- قلت: فتغطي رأسها حين أعتق نصفها؟ قال: نعم، و تصلّي، هي مخمّرة الرأس» (3).

!

ص: 251


1- الوسائل باب: 29 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب لباس المصلّي حديث: 7.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب لباس المصلّي حديث: 12.

و ستر رأسها زمان صحت صلاتها (36)، بل و إن تخلّل زمان إذا بادرت إلى ستر رأسها للباقي من صلاتها بلا فعل مناف (37).

و أما إذا تركت سترها حينئذ بطلت (38). و كذا إذا لم تتمكن من

______________________________

(36) لوجوب المقتضي للصحة- فيما إذا أتت بها من الصلاة بلا ستر و مع الستر- و فقد المانع عنها، فتشملها الأدلة قهرا.

(37) لأصالة الصحة. هذا إذا لم تأت بشي ء من الأفعال حين الكشف أو أعادته رجاء بعد الستر إن لم يكن من الزيادة المبطلة و الصحة حينئذ لا إشكال فيها بناء على أنّ الستر شرط للأفعال الصلاتية إذ المفروض إتيانها مستجمعة للشرائط.

و أما لو كان شرطا للأكوان الصلاتية أيضا، فيشكل الصحة، لخلو بعض أكوانها عن الستر، و لكن مقتضى الأصل عدم اشتراط الأكوان الصلاتية به، إذ المسألة من صغريات الأقلّ و الأكثر، و استظهار الاشتراط من الأدلة مشكل، بل ممنوع، إذ المنساق منها خصوص الأفعال.

و أما التمسك للصحة بحديث «لا تعاد» (1) فمبني على شموله لغير الخلل السهوية مطلقا و هو مشكل، كما أنّ التمسك بصحيح ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل صلّى و فرجه خارج لا يعلم به هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال: لا إعادة عليه و قد تمت صلاته» (2).

بناء على تعميمه لكلّ ما وجب ستره في الصلاة مطلقا- لا وجه له، لأنّه في صورة الغفلة، فلا يشمل المقام.

(38) لترك الشرط عمدا. هذا إذا أتت بالأفعال و اكتفت بها، و أما إذا أتت بها و أعادتها بعد الستر رجاء و لم يكن الفعل مبطلا، فيمكن الحكم

ص: 252


1- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

الستر إلا بفعل المنافي (39)، و لكن الأحوط الإتمام ثمَّ الإعادة. نعم، لو لم تعلم بالعتق حتّى فرغت صحت صلاتها على الأقوى (40)، بل و كذا لو علمت لكن لم يكن عندها ساتر، أو كان الوقت ضيّقا (41) و أما إذا علمت عتقها، لكن كانت جاهلة بالحكم- و هو وجوب الستر- فالأحوط إعادتها (42).

______________________________

بالصحة، لما تقدم.

(39) لأنّ الإتيان بالمنافي يوجب البطلان لا محالة، و عن جمع- منهم الشيخ و المحقق- الصحة بناء على سقوط الستر الواجب حينئذ، لتوقفه على إتيان المنافي و هو محذور شرعيّ و العذر الشرعيّ كالعقليّ، فيسقط الوجوب حينئذ.

و فيه: أنّه كذلك لو كان في ضيق الوقت، و كان قطع الصلاة حتّى في مثل الفرض حراما. و الأول خلاف الفرض، و الثاني لا دليل عليه، بل مقتضى إطلاق دليل اشتراط الستر عدم الحرمة، و منه يعلم وجه الاحتياط بالإتمام و الإعادة.

(40) لما تقدم من صحيح ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام) الظاهر في اختصاص الاشتراط بصورة العلم و الالتفات، و ما تقدم من حديث «لا تعاد»(1) و حديث «الرفع» (2).

(41) أما في الأول فلعدم القدرة حينئذ على الستر، فيسقط الاشتراط قهرا، لكن مع استيعاب العذر لتمام الوقت. و أما في الأخير، فلأهمية الوقت عن الستر في المقام، على ما هو المتسالم عليه بين الأعلام.

(42) للإجماع على أنّ الجاهل بالحكم كالعامد في بطلان العمل

ص: 253


1- تقدّما في صفحة: 251.
2- تقدّما في صفحة: 251.
مسألة 8: الصبيّة الغير البالغة حكمها حكم الأمة في عدم وجوب ستر رأسها و رقبتها

(مسألة 8): الصبيّة الغير البالغة حكمها حكم الأمة في عدم وجوب ستر رأسها و رقبتها (43) بناء على المختار من صحة صلاتها و شرعيتها (44). و إذا بلغت في أثناء الصلاة، فحالها حال الأمة المعتقة

______________________________

المخالف للواقع إلّا في موارد خاصة ليس المقام منها. نعم، لو قلنا بشمول حديث «لا تعاد» لمورد الجهل يصح التعويل عليه، و لكنّه مشكل. و وجه الاحتياط بالإتمام المناقشة في كلية الإجماع، و احتمال شمول حديث «لا تعاد» (1) لصورة الجهل أيضا، فيجب الإتمام حينئذ، و يأتي تفصيل الحديث في محلّه.

(43) إجماعا محققا، و يدل عليه مفهوم قول أبي عبد اللّه (عليه السلام):

«و على الجارية إذا حاضت الصيام و الخمار» (2).

بناء على استفادة الشرطية للصلاة من الخمار.

و أما التمسك بحديث: «رفع القلم عن الصبيّ» (3).

فقالوا: إنّه لا ينفع للمقام، لأنّ المنساق منه رفع الإلزام لا الجزئية و الشرطية.

و فيه: أنّ سياقه الامتناني يقتضي التعميم مطلقا إلّا ما نصّ الشرع على الخلاف فكلّ ما كان تحت استيلاء الشارع وضعا يرفع بهذا الحديث إلا مع التصريح بعدمه.

(44) لوجود المقتضي للشرعية و هو عمومات الأدلة و إطلاقاتها و فقد المانع، لما تقدم من أنّ حديث «رفع القلم» لا يرفع إلّا الإلزام دون أصل التشريع، و تقدم ما يتعلق ببقية المسألة في المسألة السابقة.

ص: 254


1- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب لباس المصلّي حديث: 3.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمات العبادات حديث: 11.

في الأثناء في وجوب المبادرة إلى الستر، و البطلان مع عدمها إذا كانت عالمة بالبلوغ.

مسألة 9: لا فرق في وجوب الستر و شرطيته بين أنواع الصّلوات الواجبة و المستحبة

(مسألة 9): لا فرق في وجوب الستر و شرطيته بين أنواع الصّلوات الواجبة و المستحبة (45). و يجب أيضا في توابع الصلاة من قضاء الأجزاء المنسية، بل سجدتي السهو على الأحوط.

نعم، لا يجب في صلاة الجنازة و إن كان هو الأحوط فيها أيضا. و كذا لا يجب في سجدة التلاوة و سجدة الشكر (46).

مسألة 10: يشترط ستر العورة في الطواف أيضا

(مسألة 10): يشترط ستر العورة في الطواف أيضا (47).

______________________________

(45) لظهور الإطلاق، و الاتفاق على دخالة الشرائط في طبيعة الصلاة و ماهيتها مطلقا إلا ما خرج بالدليل، و قد تعرضنا لقاعدة اشتراك النوافل مع الفرائض المسلّمة نصّا، و إجماعا في غير ما نصّ على الخلاف (1).

(46) أما الأول، فلظهور أدلة قضائها في إتيانها بما لها من الأجزاء و الشرائط، مضافا إلى ظهور الإطلاق، و الاتفاق.

و أما الثاني، فلما يأتي في [مسألة 7] من (فصل موجبات سجود السهو و كيفيته).

و أما الثالث، فلما تقدم في [مسألة 1] من (فصل شرائط صلاة الميت).

و أما الأخير، فللأصل و الإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(47) نصّا، و إجماعا، ففي النبويّ المعمول به: «و لا يطوف بالبيت عريان»(2).

و المتيقن منه كشف العورة.

ص: 255


1- راجع صفحة: 212.
2- الوسائل باب: 53 من أبواب الطواف حديث: 1.
مسألة 11: إذا بدت العورة كلّا أو بعضا لريح أو غفلة لم تبطل الصلاة

(مسألة 11): إذا بدت العورة كلّا أو بعضا لريح أو غفلة لم تبطل الصلاة (48)، لكن إن علم به في أثناء الصلاة وجبت المبادرة إلى سترها و صحت أيضا، و إن كان الأحوط الإعادة بعد الإتمام، خصوصا إذا احتاج سترها إلى زمان معتدّ به.

مسألة 12: إذا نسي ستر العورة ابتداء أو بعد التكشف في الأثناء

(مسألة 12): إذا نسي ستر العورة ابتداء أو بعد التكشف في الأثناء، فالأقوى صحة الصلاة (49)، و إن كان الأحوط الإعادة (50).

و كذا لو تركه من أول الصلاة أو في الأثناء غفلة (51). و الجاهل

______________________________

(48) نصّا، و إجماعا، روى ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام):

عن الرجل صلّى و فرجه خارج لا يعلم به هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال: لا إعادة عليه و قد تمت صلاته» (1).

و يصح التمسك بحديث «الرفع» (2) لنفي الإعادة و القضاء، بل و نفي الشرطية أيضا في حال الغفلة، و النسيان و الاضطرار، و قد تقدم حكم البقية في المسألة السابعة، فراجع.

(49) لحديث «لا تعاد» (3)، و لحديث «الرفع»(4) على ما قلناه.

(50) لما عن بعض من دعوى الإجماع على البطلان، و لكن هذه الدعوى تصلح للاحتياط و لا تصلح للاعتماد.

(51) لما تقدم من صحيح ابن جعفر، و لحديث «لا تعاد»، و حديث «الرفع» (5) على ما اخترناه.

ص: 256


1- الوسائل باب: 27 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
5- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

بالحكم كالعامد على الأحوط (52).

مسألة 13: يجب الستر من جميع الجوانب بحيث لو كان هناك ناظر لم يرها

(مسألة 13): يجب الستر من جميع الجوانب بحيث لو كان هناك ناظر لم يرها، إلا من جهة التحت فلا يجب (53). نعم، إذا كان واقفا على طرف سطح أو على شباك بحيث ترى عورته لو كان هناك ناظر، فالأقوى و الأحوط وجوب الستر من تحت أيضا (54)، بخلاف ما إذا كان واقفا على طرف بئر و الفرق من حيث عدم تعارف وجود الناظر في البئر، فيصدق الستر عرفا.

______________________________

(52) و عن جمع أنّه الأقوى، للإجماع على أنّ الجاهل بالحكم بمنزلة العامد إلا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخروج في المقام، و لكن الكلام في تعميم معقده بحيث يكون كقاعدة كلية مع كثرة ما خرج عنه، و لعلّه احتاط (رحمه اللّه) لذلك.

(53) أما الأول، فلأنّه لا معنى لوجوب الستر إلا التحفظ عن وقوع النظر فيما يكون معرضا له، فكلّ ما كان معرضا له يشمله الدليل قهرا فيجب.

و أما الأخير، فللأصل، و الإجماع، و عدم المعرضية للنظر، مضافا إلى إطلاق النصوص الدالة على كفاية الدرع و القميص للصلاة (1).

(54) المدار كلّه على المعرضية العرفية لوقوع النظر حتّى يجب التستر عنه و هو مختلف باختلاف الموارد، فقد يكون البئر و السرداب كذلك و قد لا يكون كذلك، فيجب التستر مع المعرضية العرفية و لا يجب مع عدمها، و لا فرق فيه بين الستر الصلاتي و غيره، و المناط كلّه على صدق كونه مكشوف العورة في الصلاة، و هو يصدق مع المعرضية للنظر من جهة التحت و لا يصدق مع عدمها.

ص: 257


1- الوسائل باب: 28 من أبواب لباس المصلّي.

و أما الواقف على طرف السطح لا يصدق عليه الستر إذا كان بحيث يرى، فلو لم يستر من جهة التحت بطلت صلاته و إن لم يكن هناك ناظر، فالمدار على الصدق العرفي و مقتضاه ما ذكرنا.

مسألة 14: هل يجب الستر عن نفسه بمعنى أن يكون بحيث لا يرى نفسه أيضا

(مسألة 14): هل يجب الستر عن نفسه بمعنى أن يكون بحيث لا يرى نفسه أيضا، أم المدار على الغير؟ قولان الأحوط الأول، و إن كان الثاني لا يخلو من قوّة (55)، فلو صلّى في ثوب واسع الجيب بحيث يرى عورة نفسه عند الركوع لم تبطل على ما ذكرنا، و الأحوط البطلان. هذا إذا لم يكن بحيث قد يراها غيره أيضا، و إلا فلا إشكال في البطلان.

مسألة 15: هل اللازم أن يكون ساتريته في جميع الأحوط حاصلة من أول الصلاة إلى آخرها

(مسألة 15): هل اللازم أن يكون ساتريته في جميع الأحوط حاصلة من أول الصلاة إلى آخرها، أو يكفي الستر بالنسبة إلى كلّ حالة عند تحققها؟

مثلا إذا كان ثوبه مما يستر حال القيام لا حال الركوع، فهل تبطل الصلاة فيه و إن كان في حال الركوع يجعله على وجه يكون ساترا، أو يتستّر عنده بساتر آخر، أو لا تبطل؟ وجهان أقواهما الثاني (56)

______________________________

(55) للأصل بعد أن كان المنساق من أدلة وجوب الستر الستر عن الغير، و يشهد للجواز جواز مسّ المصلّي عورته في الصلاة، و لكن الاحتياط في الستر حتّى عن نفسه جمودا على بعض الإطلاقات، و تحفظا لشأن الصلاة فإنّها حالة تناسب ستر العورة حتّى عن نفسه مع اشتغاله بالقيام و الركوع و السجود عند اللّه تعالى فهذه الحالات تناسب ستر العورة عن نفسه أيضا.

(56) لصدق الستر الصلاتي عرفا، و الأصل البراءة عما زاد و المسألة من صغريات الأقل و الأكثر.

ص: 258

و أحوطهما الأول (57).

و على ما ذكرنا فلو كان ثوبه مخرّقا، بحيث تنكشف عورته في بعض الأحوال لم يضرّ إذا سدّ ذلك الخرق في تلك الحالة بجمعة أو بنحو آخر و لو بيده على إشكال في الستر بها (58).

مسألة 16: الستر الواجب في نفسه من حيث حرمة النظر يحصل بكلّ ما يمنع عن النظر

(مسألة 16): الستر الواجب في نفسه من حيث حرمة النظر يحصل بكلّ ما يمنع عن النظر، و لو كان بيده أو يد زوجته، أو أمته.

كما أنّه يكفي ستر الدّبر بالأليتين (59). و أما الستر الصّلاتي: فلا يكفي فيه ذلك و لو في حال الاضطرار (60)، بل لا يجزئ التستّر بالطّلي بالطّين. أيضا حال الاختيار (61).

______________________________

(57) جمودا على احتمال اعتبار الساترية في كلّ حال.

(58) من انسباق الستر بما هو خارج عن بدن المصلّي عرفا، فلا يجوز التستر باليد. و من أنّ هذا الانسباق إنّما هو فيما إذا كان الساتر منحصرا باليد و أما إن كان الساتر غيرها و ضمه بيده، فيصدق الستر بغير اليد لدى العرف، و لذا لا يشكل أحد فيما إذا أدخل قبله في علبة- مثلا- و أمسكها بيده.

(59) لأنّ الواجب إنّما هو إبداء المانع عن وقوع النظر عرفا و هو يحصل بأيّ شي ء اتفق، مع أنّ تحقق ستر الدبر بالأليتين منصوص (1) كما تقدم.

(60) لظهور الإجماع على عدم كفاية الستر بيده، أو يد زوجته، أو أمته، و كذا عدم كفاية ستر الدّبر بالألية في الجملة، و يأتي في [مسألة 43] من الفصل اللاحق ما يرتبط بالمقام.

(61) لانصراف أدلة التستر الصلاتي عن مثل الطّين في حال الاختيار بل الظاهر استنكار المتشرّعة لذلك عند الوقوف لدى اللّه عزّ و جل حين المخاطبة

ص: 259


1- الوسائل باب: 4 من أبواب آداب الحمام حديث: 2 و 3.

نعم، يجزئ حال الاضطرار على الأقوى (62) و إن كان الأحوط خلافه (63). و أما الستر بالورق و الحشيش: فالأقوى جوازه حتّى في

______________________________

معه تعالى مع التمكن من التستر بغيره هذا إذا كان رقيقا، و أما إن كان غليظا و كان له حجم بحيث كان كإدخال العورة في علبة- مثلا- فالظاهر تحقق التستر به عرفا، و مقتضى الأصل عدم اعتبار قيد زائد على أصل التستر بعد حمل ما ورد في الأدلة من لفظ القميص (1)و نحوه، على مجرد المثال لا الخصوصية من حيث المادة و الهيئة.

و أما استنكار المتشرعة، فهو من مجرد الاستحسان و لا يكون دليلا يصح الاعتماد عليه لأنّ الوقوف عاريا مع إزار ضيق لدى العظماء هتك، فكيف بأعظم العظماء مع أنّه تصح فيه الصلاة إجماعا حتّى في حال الاختيار.

(62) يظهر ذلك من المشهور في حال الاضطرار و لا إشكال فيه مع وجود الناظر، للعلم التفصيلي بوجوبه حينئذ إما من جهة النظر، أو من جهة الصلاة. و أما مع عدم وجوده، فلإطلاق صحيح ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام): «قال: سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه، عريانا و حضرت الصلاة كيف يصلّي؟ قال: إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع و السجود، و إن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ و هو قائم» (2).

فإنّ إطلاق قوله (عليه السلام): «و إن لم يصب شيئا يستر به عورته». يشمل الطّين، فإنّه شي ء يستر به العورة.

و دعوى اختصاصه بمثل الحشيش لا وجه له، و تقدم إمكان القول بإجزاء التستر في الصلاة ببعض مراتب الطّين السخين في حال الاختيار أيضا.

(63) خروجا عن خلاف مثل صاحب المدارك حيث لم يجعل الطّين

ص: 260


1- الوسائل باب: 50 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 50 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

حال الاختيار (64)، لكن الأحوط الاقتصار على حال الاضطرار (65) و كذا يجزئ مثل القطن و الصوف غير المنسوجين (66)، و إن كان الأولى المنسوج منهما أو من غيرهما مما يكون من الألبسة المتعارفة (67).

______________________________

ساترا حتّى مع الاضطرار، و ظهر مما مر أنّه لا دليل له عليه.

(64) لأصالة البراءة عن اشتراط مادة خاصة و هيئة مخصوصة في الستر الصلاتي بعد حمل ما ورد في النصوص من الثوب، و الدرع- الذي هو القميص- و نحوهما (1) على مجرد المثال. و لا يتوهم: أنّ التستّر به مشروط بفقد الثوب فيما تقدم من صحيح ابن جعفر. فإن فقد الثوب ذكر فيه في كلام السائل من باب الاتفاق لا أن يكون شرطا مذكورا في كلام الإمام (عليه السلام).

(65) خروجا عن خلاف بعض الفقهاء من اختصاصهم التستر في الصلاة بالورق و الحشيش بما إذا تعذر الثوب، و لكنّه قول بلا دليل.

(66) لأصالة البراءة عن اعتبار النسج و الخياطة بعد حمل الأدلة المشتملة على الثوب و القميص و نحوهما على الغالب.

(67) جمودا على ما في الأدلة مهما أمكن و خروجا عن شبهة الخلاف.

ص: 261


1- راجع الوسائل باب: 28 من أبواب لباس المصلّي.

فصل في شرائط لباس المصلّي

اشارة

(فصل في شرائط لباس المصلّي) و هي: أمور:

الأول: الطهارة في جميع لباسه

(الأول): الطهارة في جميع لباسه، عدا ما لا تتم فيه الصلاة منفردا، بل و كذا في محمولة على ما عرفت تفصيله في باب الطهارة (1).

الثاني: الإباحة
اشارة

(الثاني): الإباحة، و هي أيضا شرط في جميع لباسه من غير فرق بين الساتر و غيره (2)، (فصل في شرائط لباس المصلي)

______________________________

(1) لنصوص مستفيضة و إجماع الأمة تقدم جميع ذلك في كتاب الطهارة فراجع (فصل يشترط في صحة الصلاة واجبة كانت أو مندوبة).

(2) لما استدلوا عليه من أنّ التصرف في المغصوب متحد مع الأفعال الصلاتية- كالركوع و السجود و نحوهما- فتصير مبغوضة، فتبطل من هذه الجهة، و لا فرق في ذلك بين الساتر و غيره، لتحقق التصرف في الخيوط.

و أشكل عليه: بأنّ الحركات الصلاتية ليست محرمة مستقلة في مقابل أصل التصرف المحرّم، فكل من لبس المغصوب تصرف فيه، و هو حرام تحرّك أو لم يتحرّك، و الأفعال الصلاتية مقارنة للتصرف الحرام، و الحرمة لا تتعدّى من المقارن إلى ما يقارنه، فهي باقية على ما كانت عليه من الحكم و إن أثم المتصرّف بالتصرف، فهما عنوانان مختلفان و إن تقارنا في الوجود، و يصح اختلاف الحكم باختلاف العنوان كما ثبت بالبرهان.

ص: 262

و كذا في محموله (3)، فلو صلّى في المغصوب و لو كان خيطا منه

______________________________

نعم، لو استلزمت اندارس الثوب أو تلفه يكون هذا مبغوضا آخر للمالك قهرا، و المفروض عدمه، فالمبغوض في جميع الحالات شي ء واحد و هو أصل اللبس لا يختلف ذلك بالحركات، و ليس شيئين: أحدهما اللبس، و الثاني الركوع- مثلا- بل هو أصل اللبس الموجود في جميع الحالات، صلّى أو لا، تحرّك أو سكن.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ الأمر و إن كان كذلك بالدقة العقلية، و لكن العرف يرى الأفعال الصلاتية تصرفا في المغصوب و زائدا على أصل اللبس و هو المرجع في الشرعيات دون الدقيات العقلية.

و قد يستدل بالإجماع، و بأنّه مناف لقصد القربة، و بأنّه مأمور برده إلى مالكه، و الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضدّه فيبطل إن كان عبادة، و بقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لكميل: «يا كميل انظر في ما تصلّي، و على ما تصلّي إن لم يكن من وجهه و حلّه فلا قبول» (1).

و بقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر الجعفي: «لو أنّ الناس أخذوا ما أمرهم اللّه به فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم، و لو أخذوا ما نهاهم اللّه تعالى عنه فأنفقوه فيما أمرهم اللّه تعالى به ما قبله منهم» (2).

و الكل مخدوش: لعدم الاعتماد على مثل هذه الإجماعات، و لفرض حصول قصد القربة في أصل الصلاة، و الستر ليس عبادة حتّى تعتبر فيه القربة و الأمر بالشي ء لا يقتضي النّهي عن ضده كما ثبت في محلّه، و الخبران قاصران سندا و دلالة، لأنّ عدم القبول أعم من البطلان. ثمَّ إنّه و إن أمكنت المناقشة في كلّ ما ذكر إلّا أنّ المجموع مع تسالم الأصحاب يوجب الاطمئنان و هو يكفي، كما في سائر المسائل.

(3) لتحقق المناط فيه أيضا، و هو مصاحبة المصلّي مع المبغوض

ص: 263


1- الوسائل باب: 2 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.

عالما بالحرمة عامدا بطلت و إن كان جاهلا بكونه مفسدا (4)، بل الأحوط البطلان مع الجهل بالحرمة أيضا (5)، و إن كان الحكم بالصحة لا يخلو عن قوة (6).

و أما مع النسيان أو الجهل بالغصبية فصحيحة (7)، و الظاهر عدم

______________________________

و مقارنته إياه إذا تحرّك بحركاته، كما يأتي في [مسألة 5].

(4) أما البطلان فلأنّه لا وجه لمبغوضية العمل إلّا بطلانه، و كيف تحتمل الصحة مع استحقاق العقاب عليه، و لا فرق فيه بين كون المغصوب يسيرا أو كثيرا، لوجود مناط البطلان فيهما.

و أما التعميم بالنسبة إلى الجاهل بالحكم الوضعي فلفعلية الحكم التكليفي بالنسبة إليه فتتنجز الحرمة قطعا و تتحقق المبغوضية فيبطل العمل لا محالة.

(5) إن كان مقصّرا فالأقوى هو البطلان إن تمَّ إجماعهم على أنّه كالعالم العامد. نعم، يمكن الصحة في الجاهل القاصر إن كان معذورا شرعا في جهله بدعوى أنّ المتيقن بما دل على أنّه كالعامد هو المقصّر فقط. و أما القاصر فالمقتضي للصحة و هو الأمر بالصلاة و حصول قصد التقرب موجود و المانع مفقود، لأنّ مناط بطلان الصلاة في المغصوب فقدانها لقصد التقرب لا فقد شرط آخر من شرائط الصلاة، و المفروض حصوله عمن هو معذور في جهله.

(6) للمناقشة في الإجماع المدعى على أنّ الجاهل بالحكم كالعامد مطلقا، و لكن الظاهر تماميته في المقصر في الجملة ما لم يكن دليل على الخلاف.

(7) لوجود المقتضي للصحة- و هو تحقق قصد القربة- و فقد المانع عنها فلا بد من الإجزاء و عدم الإثم لمكان العذر، مضافا إلى حديث «الرفع» (1) الشامل للصورتين.

ص: 264


1- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

الفرق بين كون المصلّي الناسي هو الغاصب أو غيره (8)، لكن الأحوط الإعادة بالنسبة إلى الغاصب (9) خصوصا إذا كان بحيث لا يبالي على فرض تذكره أيضا (10).

مسألة 1: لا فرق في الغصب بين أن يكون من جهة كون عينه للغير أو كون منفعته له

(مسألة 1): لا فرق في الغصب بين أن يكون من جهة كون عينه للغير أو كون منفعته له، بل و كذا لو تعلّق به حقّ الغير بأن يكون مرهونا (11).

مسألة 2: إذا صبغ ثوب بصبغ مغصوب

(مسألة 2): إذا صبغ ثوب بصبغ مغصوب، فالظاهر أنّه لا يجري عليه حكم المغصوب (12)،

______________________________

(8) لتحقق مناط الصحة فيهما، و شمول حديث «الرفع»(1) لهما. و كون عذرهما في ظاهر الدليل على حدّ سواء، إلا أن يدّعى انصراف دليل العذرية عمن بنى على العدوان. و لكنه مخدوش. لأنّ عمدة دليل الصحة ليس دليلا لفظيا حتّى يصح فيه الانصراف، و إنّما هو عدم تحقق قصد القربة و المفروض تحققه من الغاصب أيضا، كتحققه من غيره.

(9) لإمكان أن يقال: إنّ بناءه الواقعي على الغصب و العدوان ينافي قصد القربة واقعا.

(10) لإمكان أن يقال: إنّه لا يليق بشمول الأدلة الامتنانية له.

(11) لأنّ المناط في الغصب هو الاستيلاء على ما يتعلق بالغير عينا كان أو منفعة أو انتفاعا أو حقا، و هذا المعنى ثابت في الجميع.

(12) للصبغ مراتب:

منها: ما يوجب زيادة قيمة المصبوغ و لا يصح إجراء حكم التلف عليه، بل يصير مالك الصبغ شريكا مع مالك المصبوغ.

ص: 265


1- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

لأنّ الصبغ يعدّ تالفا (13) فلا يكون اللون لمالكه، لكن لا يخلو عن إشكال أيضا (14).

نعم، لو كان الصبغ أيضا مباحا لكن أجبر شخصا على عمله و لم يعط أجرته لا إشكال فيه (15). بل و كذا لو أجبر على خياطة ثوب

______________________________

و منها: ما يشك في أنّه من التلف أو لا، و مقتضى الاستصحاب عدم زوال الملكية، فيجري عليه حكم الشركة أيضا.

و منها: ما يحكم العرف بأنّه من التلف، فلا موضوع للشركة حينئذ و يجري عليه حكم التلف و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات، فيصير النزاع لفظيا.

(13) ظهر مما ذكرنا أنّ إطلاق هذه العلة عليل و مردود.

(14) لا إشكال فيما إذا حكم العرف بالتلف و لم يوجب زيادة القيمة فيكون مثل ما يأتي في المسألة الثالثة، تجب قيمة الصبغ عليه لمالكه. و في غيره- أي: فيما إذا أوجب زيادة القيمة، أو شك فيها- فمقتضى الأصل بقاء حق المالك، فيجري عليه حكم الغصب.

(15) لا ريب في أنّ لكلّ عمل إضافتين إضافة إلى العامل. و أخرى إلى المعمول فيه، و الأخيرة إما أن تكون لها مالية عرفية توجب زيادة القيمة و الرغبة. و أخرى لا تكون كذلك، و ما أوجب زيادة القيمة و الرغبة يوجب ثبوت حق للعامل في مورد العمل بلا إشكال. و لو شك في عمل أنّه من أيّ القسمين، فمقتضى أصالة احترام العمل- التي هي من الأصول العقلائية النظامية الشاملة لأثره أيضا- عدم جواز التصرف إلا بإذن العامل، فقوله (رحمه اللّه) لا إشكال فيه يختص بما إذا لم يوجب العمل زيادة الرغبة و المالية. أما فيما إذا أوجب ذلك، أو شك فيه، فلا يجوز التصرف بدون رضاء العامل، للأصل بعد كون المعمول فيه طرف إضافة العمل عرفا، و شرعا و يأتي في كتاب الإجارة جملة من الفروع المناسبة للمقام إن شاء اللّه تعالى.

ص: 266

أو استأجر و لم يعط أجرته إذا كان الخيط له أيضا، و أما إذا كان للغير فمشكل (16)، و إن كان يمكن أن يقال: إنّه يعدّ تالفا فيستحق مالكه قيمته خصوصا إذا لم يمكن رده بفتقه. لكن الأحوط ترك الصلاة فيه قبل إرضاء مالك الخيط، خصوصا إذا أمكن رده بالفتق صحيحا، بل لا يترك في هذه الصورة (17).

______________________________

(16) الأقسام المتصورة خمسة:

الأول: ما إذا كان المغصوب ملكا و مالا عرفا و لا إشكال في جريان حكم الغصب عليه.

الثاني: ما إذا كان ملكا و لم يكن مالا، و يجري عليه حكم الغصب أيضا، لما يأتي في كتاب الغصب من أنّ الغصب إنّما هو بالاستيلاء على ما يتعلق بالغير مالا كان أو ملكا، أو منفعة، أو انتفاعا، أو حقا.

الثالث: ما إذا شك في أنّه ملك لمالكه، أو خرج عن ملكه، و مقتضى استصحاب بقاء الملكية جريان حكم الغصب عليه أيضا.

الرابع: ما إذا حكم العرف بزوال الملكية، و الانتقال إلى البدل و لا وجه لجريان حكم الغصب حينئذ لزوال موضوعه عن الخارج و إن اشتغلت الذمة قطعا.

الخامس: ما إذا كان مالا و لم يكن ملكا- كغصب بعض أجزاء الأوقاف العامة- و الظاهر جريان حكم الغصب عليه، لتحقق الإثم بلا إشكال. نعم، يظهر من جمع عدم الضمان في الأوقاف، و يأتي في كتاب الغصب الخدشة فيه، و منه يظهر أنّ الخيط المغصوب المخيط به الثوب أو الجرح و إن فرض زوال ماليته، و لكن لم تزل ملكية المالك بالنسبة إليه، فيتصوّر الغصب حينئذ.

(17) مقتضى أصالة الاحترام- لكلّ ما يتعلق بالغير- عدم جواز التصرف فيه بدون العلم برضاه إلا بدليل صحيح، أو نص صريح على الخلاف.

ص: 267

مسألة 3: إذا غسل الثوب الوسخ أو النجس بماء مغصوب

(مسألة 3): إذا غسل الثوب الوسخ أو النجس بماء مغصوب، فلا إشكال في جواز الصلاة فيه بعد الجفاف (18)، غاية الأمر أنّ ذمته تشتغل بعوض الماء. و أما مع رطوبته فالظاهر أنّه كذلك أيضا (19) و إن كان الأولى تركها حتّى يجف.

مسألة 4: إذا أذن المالك للغاصب أو لغيره في الصلاة فيه مع بقاء الغصبية صحت

(مسألة 4): إذا أذن المالك للغاصب أو لغيره في الصلاة فيه مع بقاء الغصبية صحت (20)، خصوصا بالنسبة إلى غير الغاصب، و إن أطلق الإذن ففي جوازه بالنسبة إلى الغاصب إشكال، لانصراف الإذن إلى غيره. نعم، مع الظهور في العموم لا إشكال (21).

مسألة 5: المحمول المغصوب إذا تحرّك بحركات الصلاة

(مسألة 5): المحمول المغصوب إذا تحرّك بحركات الصلاة

______________________________

(18) إذ لا عين و لا أثر في الثوب من المغصوب أصلا، و إنّما كان الماء بمنزلة الآلة المغصوبة التي عمل بها في شي ء و لا يصير صاحب الآلة ذا حق في مورد العمل و إنّما يستحق العوض في الماء و أجرة المثل في الآلة، و منه يظهر حكم الصابون المغصوب الذي يغسل به الثوب، و سائر الآلات و الأدوات التي تستعمل في تهيئة المقصود من الخياطة، و النجارة و البناء إذا كانت الآلات مغصوبة.

(19) إن كانت بحيث لم يعتبر العرف أثر الملكية بالنسبة إليها أصلا و إلّا فهي باقية على ملكه، و قد تقدم حكم صورة الشك، فراجع.

(20) لوجود المقتضي و فقد المانع، و تقدم ما يصلح للفرق بين الغاصب و غيره و الاحتياط بالنسبة إليه، و لا يجوز له التصرف مع وجود القرينة على التخصيص بغيره.

(21) بأن يستفاد منه التعميم حتّى للغاصب لا أن يكون المراد مجرّد العموم الاصطلاحي.

ص: 268

يوجب البطلان (22)، و إن كان شيئا يسيرا.

مسألة 6: إذا اضطر إلى لبس المغصوب

(مسألة 6): إذا اضطر إلى لبس المغصوب، لحفظ نفسه أو لحفظ المغصوب عن التلف صحت صلاته فيه (23).

مسألة 7: إذا جهل أو نسي الغصبية و علم أو تذكر في أثناء الصلاة

(مسألة 7): إذا جهل أو نسي الغصبية و علم أو تذكر في أثناء الصلاة، فإن أمكن نزعه فورا و كان له ساتر غيره صحت الصلاة (24)، و إلّا ففي سعة الوقت و لو بإدراك ركعة يقطع الصلاة (25)، و إلّا فيشتغل بها في حال النزع (26).

______________________________

(22) لصيرورة تلك الحركات الصلاتية مبغوضة حينئذ و لا يصح التعبّد بالمبغوض على ما تقدم و الظاهر أنّ المناط صدق التصرف فيه عرفا حال الصلاة و لو لم يتحرّك بحركات الصلاة كالوقوف على محلّ غصبي أو السجود عليه و يأتي التفصيل في (فصل المكان).

(23) لزوال النهي بالاضطرار، فلا حكم للغصب حينئذ حتّى لا يمكن جمعه مع التقرب، مضافا إلى الإجماع، و حديث «الرفع» (1).

(24) لوجود المقتضي لها و فقد المانع عنها، فتشملها إطلاقات الأدلة فتصح لا محالة.

(25) لعدم إمكان إتمامها جامعة للشرائط و إمكان ذلك بعد القطع في الوقت الحقيقي أو التنزيلي، بل الظاهر انقطاع الصلاة من غير حاجة إلى القطع.

(26) لأهمية إدراك الوقت عن شرطية إباحة ما مع المصلّي، على ما هو المتسالم بين الفقهاء. و ما قيل: من أنّه عند الدوران بين حق اللّه و حق الناس

ص: 269


1- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
مسألة 8: إذا استقرض ثوبا و كان من نيته عدم أداء عوضه

(مسألة 8): إذا استقرض ثوبا و كان من نيته عدم أداء عوضه، أو كان من نيته الأداء من الحرام، فعن بعض العلماء: أنّه يكون من المغصوب، بل عن بعضهم: أنّه لو لم ينو الأداء أصلا لا من الحلال و لا من الحرام أيضا كذلك. و لا يبعد ما ذكراه (27). و لا

______________________________

يقدم حق الناس لا دليل على كليته خصوصا في مثل الصلاة التي هي عمود الدين.

(27) لأنّ مقتضى المرتكزات أنّ المدار في رضاء المالك- الذي يوجب صحة التصرف في ماله- الرضاء المطلق و على كلّ تقدير، و هو المنساق عرفا من قوله (عليه السلام): «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا بطيبة نفس منه» (1).

و حينئذ فلا رضاء كذلك فيما إذا نوى عدم أداء القرض، أو نوى الأداء من الحرام، إذ المتشرّع لا يرضى الأداء من الحرام و لو رضي لا يكون رضاءه ممضى شرعا، فيكون كالعدم، و عن الصادق (عليه السلام): «أيّما رجل أتى رجلا، فاستقرض منه مالا و في نيته أن لا يؤديه فذاك اللص العادي» (2).

و عنه (عليه السلام) أيضا: «من استدان دينا فلم ينو قضاءه كان بمنزلة السارق» (3).

نعم، لو كان المدار على مطلق الرضا و لو كان ظاهريا فقط، و لم يكن واقعيا، و على كلّ تقدير لا وجه لما ذكراه لتحققه بلا إشكال.

و لكن لا دليل على كفاية مثل هذا الرضا. و مع الشك لا يصح التصرف للأصل. و لا يجوز التمسك بإطلاق قوله (عليه السلام): «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا بطيب نفسه» (4).

ص: 270


1- الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلّي حديث: 5.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الدّين و القرض حديث: 5.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب الدّين و القرض حديث: 5.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.

يختص بالقرض و لا بالثوب، بل لو اشترى أو استأجر، أو نحو ذلك و كان من نيته عدم أداء العوض أيضا كذلك (28).

مسألة 9: إذا اشترى ثوبا بعين مال تعلّق به الخمس أو الزكاة

(مسألة 9): إذا اشترى ثوبا بعين مال تعلّق به الخمس أو الزكاة مع عدم أدائهما من مال آخر حكمه حكم المغصوب (29).

______________________________

بدعوى: صدق الطيب في الجملة لفرض الشك في أنّ مثل هذا الطيب الظاهري يوجب حلية التصرف أو لا، فيكون من التمسك بالمطلق في الشبهة الموضوعية.

(28) لأنّه بناء على اعتبار الرّضا المطلق و على كلّ تقدير في التصرف في مال الغير يكون الحكم مطابقا للقاعدة و لا يختص بباب دون باب، و ما تقدم من الخبرين مطابق لها أيضا، فلا وجه للبحث عن سندهما، و عن عمل الأصحاب بهما و عدم عملهم. نعم، بناء على كفاية الرضاء الظاهري الاعتقادي و ثبوت الدليل عليه، فهما مخالفان له، و لكن لم يثبت الدليل على كفاية الرضا الظاهري.

إن قلت: قد جرت السيرة على ترتب الأثر بمجرد الرضا فهي دليل على كفاية مطلقه ظاهريا كان أو واقعيا و على كلّ تقدير.

قلت: الظاهر أنّ سيرة المتشرّعة على الخلاف، فإنّهم لو احتملوا عدم رضاء صاحب المال في الواقع بالتصرّف في ماله و إن رضي به ظاهرا لا يتصرّفون في ماله، و لذا اشتهر «أنّ المأخوذ حياء غصب» و كذا المالك لو أحرز أنّ المتصرّف في ماله بعوض لا يعطي العوض واقعا لا يرضى بالتصرّف في ماله، كذا لو أحرز أنّه يعطي من الحرام لا يرضى إلّا إذا كان غير مبال بدينه.

و يأتي في أحكام المعاملات بعض الكلام.

(29) لما يأتي من تعلّقهما بالعين راجع كتاب الزكاة [مسألة 31] من (فصل زكاة الغلات)، و [مسألة 75] من كتاب الخمس. هذا بناء على ما نسب

ص: 271

الثالث: أن لا يكون من أجزاء الميتة
اشارة

(الثالث): أن لا يكون من أجزاء الميتة (30) سواء كان حيوانه محلّل اللحم أو محرّمة (31)، بل لا فرق بين أن يكون مما ميتته نجسة أو لا، كميتة السمك و نحوه مما ليس له نفس سائلة على الأحوط (32).

______________________________

إلى المشهور، و لكن فيه تفصيل تعرّضنا له هناك. و خلاصته أنّ تعلّقهما بالعين نحو تعلّق حق خاص بمالية العين لا بالخصوصية الخارجية و بنحو الكليّ في المعين لا الإشاعة، فراجع.

(30) للإجماع، و لنصوص متواترة، فعن الصادق (عليه السلام) في موثق ابن أبي عمير في الميتة قال (عليه السلام): «لا تصلّ في شي ء منه و لا في شسع» (1).

و في صحيح ابن مسلم قال: «سألته عن الجلد الميّت أ يلبس في الصلاة إذا دبغ قال: لا، و لو دبغ سبعين مرة» (2).

(31) لإطلاق النصوص، و معاقد الإجماعات الشامل لهما.

(32) استدل على التعميم بإطلاق الأدلة الشامل لذي النفس و لغيره.

و أشكل عليه بانصرافه إلى ذي النفس، مع أنّ اشتمالها على الدبغ يخصها به إذ لا دبغ في غير ذي النفس، بل اشتمالها على الميتة، و المذكى أيضا قرينة على التخصيص، لظهور التذكية في الذبح و هو يختص بذي النفس.

و يرد الأول: بأنّه بدوي لا اعتبار به. و الثاني: بأنّه من باب الغالب لا التخصيص. و الأخير بأنّ التذكية أعمّ من الذبح بلا إشكال كما في ذكاة السمك و الجراد فإنّها فيهما عبارة عن أخذهما حيين. نعم، لا أثر للتذكية بالنسبة إلى غير المأكول مما لا نفس له لطهارته على كلّ حال و حرمة أكل لحمه في جميع الأحوال.

ص: 272


1- الوسائل باب: 1 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

و كذا لا فرق بين أن يكون مدبوغا أو لا (33). و المأخوذ من يد المسلم و ما عليه أثر استعماله بحكم المذكّى (34). بل و كذا المطروح

______________________________

و استدل على الاختصاص بذي النفس تارة: بالسيرة القطعية على عدم الاجتناب في الصلاة عن القمل، و البق، و البرغوث و نحوها. و أخرى: بدعوى الإجماع عن المعتبر على جواز الصلاة فيما لا نفس له. و ثالثة: بمكاتبة ابن مهزيار إلى أبي محمد (عليه السلام): «إنّ الصلاة تجوز في القرمز» (1).

و هو صبغ أرمنيّ من عصارة دود تكون في آجامهم.

و الكل مخدوش: أما الأول: فبلزوم الاقتصار على مورد السيرة فقط، فلا يتعدّى منه إلى غيره. و أما الثاني: فبعدم ثبوته و نسبه الشهيد الثاني (رحمه اللّه) إلى الوهم و الثالث: فبإمكان أن يراد به مجرد اللون فقط لا العين.

هذا كلّه إن ثبت الإطلاق بالنسبة إلى غير ذي النفس، و لكن الشأن في ثبوته و مع الشك لا يجوز التمسك به، لأنّه تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، فيرجع إلى أصالة البراءة عن الشرطية كما يأتي في [مسألة 13 و 18]، و من ذلك كلّه يظهر وجه الاحتياط.

(33) نصّا، و إجماعا، ففي صحيح ابن مسلم: «أنّه لا يصلّي فيه و لو دبغ سبعين مرّة» (2).

(34) لإجماع المسلمين، و نصوص من المعصومين (عليهم السلام)، ففي صحيح أبي نصر قال: «سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري أ ذكية هي أم غير ذكيّة أ يصلّي فيها؟ فقال: نعم، ليس عليكم المسألة إنّ أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: إنّ الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم

ص: 273


1- الوسائل باب: 44 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.

.....

______________________________

إن الدين أوسع من ذلك» (1).

فتكون يد المسلم أمارة ارتكازية معتبرة عند المسلمين على التذكية قررهم الشارع على هذا الارتكاز، فلا وجه حينئذ لجريان أصالة عدم التذكية، و الظاهر أنّ يد كلّ أهل مذهب و ملة أمارة معتبرة لمذهبهم على إحراز ما يعتبر في الذبيحة عندهم و لا اختصاص لذلك بخصوص المسلمين. نعم، لا بد من الإشارة إلى أمور:

الأول: المشهور أنّ الأصل في الحيوان عدم التذكية إلا أن تثبت بأمارة معتبرة تذكيته، لأنّها أمر وجودي سواء كانت عبارة عن الأفعال المخصوصة، أو شيئا بسيطا حاصلا منها، فيستصحب عدمها عند الشك فيها لا محالة.

و أشكل عليه أولا: باختصاصه بالشبهة البدوية و عدم جريانه فيما إذا علم بوجود المذكى و الميتة و اشتبه كلّ منهما بالآخر، للعلم التفصيلي حينئذ بوجود مذكى في البين، فيكون التمسك بحديث لا تنقض اليقين بالشك (2) في كلّ من الأطراف تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية، و حينئذ فإن خرج بعض الأطراف عن الابتلاء يرجع فيما هو المبتلى به إلى أصالة الحلية و الطهارة و إلّا فيؤثر العلم بوجود الميتة أثره.

و ثانيا: أنّ هذا الأصل مطلقا محكوم بالأخبار المعتبرة الظاهرة في أنّ حكم صورة الشك في التذكية هو الترخيص في الحلية و الطهارة مطلقا كانت هناك أمارة عليها أو لا، فيكون حكم الشك في تذكية الحيوان حكم الشك في الطهارة و الحلية في سائر الموارد، ففي موثق سماعة: «أنّه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن تقليد السيف في الصلاة و فيه الفراء و الكيمخت، فقال: لا بأس ما لم تعلم أنّه ميتة» (3).

و في صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الخفاف

ص: 274


1- الوسائل باب: 55 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 1.
3- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 12.

.....

______________________________

التي تباع في السوق، فقال: اشتر و صلّ فيها حتّى تعلم أنّه ميتة بعينه» (1).

و إطلاق السوق يشمل جميع الأسواق سواء كانت للمسلمين، أو لغيرهم خصوصا في الأزمنة القديمة التي كانت الأسواق مختلطة، و في خبر ابن حمزة عنه (عليه السلام) أيضا: «عن الرجل يتقلّد السيف و يصلّي فيه؟ قال: نعم، فقال الرجل: إنّ فيه الكيمخت قال: و ما الكيمخت؟ قال: جلود دواب منه ما يكون ذكيا و منه ما يكون ميتة، فقال: ما علمت أنّه ميتة فلا تصلّ فيه» (2).

و غيرها من الأخبار، و يشهد له التعليل في بعض أخبار الباب «إنّ الخوارج ضيقوا على أنفسهم و إنّ الدين أوسع من ذلك» (3).

إن قلت: نعم، و لكن بإزاء هذه الأخبار ما يظهر منها أنّ حكم المشكوك هو الاجتناب ما لم يكن أمارة معتبرة على الخلاف، كخبر ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل اشترى ثوبا من السوق للبس لا يدري لمن كان، هل تصلح الصلاة فيه؟ قال: إن كان اشتراه من مسلم فليصلّ فيه، و إن اشتراه من نصراني فلا يصلّ فيه حتّى يغسله» (4).

و خبر ابن عمار عن العبد الصالح (عليه السلام) أنّه قال: «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني و فيما صنع في أرض الإسلام، قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس» (5).

و خبر إسماعيل بن عيسى قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل، أ يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال: عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، و إذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه» (6).

و نحوها غيرها.

ص: 275


1- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 2.
2- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 4.
3- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 3.
4- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 1.
5- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 5.
6- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 7.

.....

______________________________

قلت: إنّ الخبر الأول لا ربط له بالمقام، لأنّ نجاسة عدم التذكية لا ترتفع بالغسل قطعا، فلا بد من حمله على الاستحباب من جهة احتمال النجاسة العرضية، و أما غيره، فمقتضى الجمع بينه و بين ما تقدم من الأخبار الحمل على كراهية الاستعمال قبل الفحص و السؤال.

و لباب القول: أنّ مقتضى الجمع بين الأخبار أنّ مشكوك التذكية من الحيوان طاهر و يصح استعماله كما في مشكوك الخمرية حيث إنّه طاهر و يصح استعماله على كراهة فيهما و لا فرق بينهما إلّا دعوى جريان أصالة عدم التذكية في المقام دون مسألة الخمر، و قد تقدم أنّها لا تجري إما للعلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة، أو لما تقدم من الأخبار، فلا فرق من هذه الجهة بين المسألتين.

إن قلت: إنّ الجمع بين الأخبار كما يحصل بما ذكر يحصل بحمل القسم الأول من الأخبار على صورة وجود الأمارة على التذكية، فلا يكون حكم مورد الشك هو الترخيص، و يؤيّد هذا الجمع الشهرة، بل دعوى الإجماع على ذلك.

قلت: هذا الجمع ممكن أيضا، و لكن الظاهر أنّ الجمع الأول أولى، لمطابقته، لسهولة الشريعة أولا، و لأنّه من الجمع الشائع في الفقه ثانيا و موافقته لقوله (عليه السلام): «كلّ شي ء فيه حلال و حرام، فهو لك حلال أبدا حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه» (1).

ثالثا: و لبعد الفرق بين حرمته و نجاستها و حرمة مثل الخمر و نجاسته رابعا، فيكون حكم المشكوك فيهما سواء، و الشهرة، و الإجماع على القسم الثاني من الأخبار لا يوجب ترجيحه على القسم الأول إلا إذا ثبت اعتبارهما على وجه يصح الاعتماد عليهما و هو مشكل، لقوة احتمال كونهما اجتهاديا، فلا أثر لهما، و لكن الأحوط هو الاجتناب و لا يترك.

الثاني: لا موضوعية ليد المسلم، و سوقه، و أرضه و إنّما يكون ذلك كلّه

ص: 276


1- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.

في أرضهم و سوقهم، و كان عليه أثر الاستعمال (35)، و إن كان

______________________________

طريقا لإحراز استعماله فيما يعتبر فيه الطهارة، و هو إما معلوم أو مشكوك أو معلوم العدم و لا وجه للاعتبار في الأخير كما لا إشكال في الأول، و في الوسط لا بد من الفحص و مع استقرار الشك يشكل الاعتبار إن لم تكن قرينة على الاستعمال في البين، و المراد بالاستعمال هو الاقتضائي و الاستعدادي منه لا الفعلي من كلّ جهة، فيكفي المعرضية العرفية له، فالجلود التي جعلت ظرفا لحمل القذارات إن كانت بحيث لو لم تجعل ظرفا لها تستعمل فيما تعتبر فيه الطهارة كفى ذلك في صحة الاستعمال، و يصح التمسك بالأصل العقلائي بأن يقال: إنّ كلّ ما يكون تحت استيلاء كلّ أحد يكون مورد استعماله مطلقا إلّا ما خرج بالدليل.

الثالث: لا يعتبر في مورد يد المسلم، و سوقه، و أرضه ضمان البائع، للأصل، و السيرة، و ما في خبر الأشعري: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ما تقول في الفرو يشترى من السوق؟ فقال (عليه السلام):

إذا كان مضمونا فلا بأس» (1).

ليس المراد به الضمان المعهود و إلّا لكان مخالفا للإجماع، و لا بد من حمله إما على النّدب، أو على مطلق ظهور أثر الاستعمال، أو على ما إذا كان المشتري يعلم بعدم اعتبار اليد و السوق لجهة من الجهات.

الرابع: لا فرق بين أنحاء أسواق المسلمين و فرق الإسلام مطلقا حتّى غير المبالين منهم إلا إذا كان عدم المبالاة بحيث يوجب سلب الاعتبار عنه مطلقا.

(35) لشمول الإطلاقات له أيضا مثل قول العبد الصالح (عليه السلام) في خبر ابن عمار: «لا بأس في الصلاة في الفراء اليماني و فيما صنع في أرض الإسلام قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها

ص: 277


1- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 10.

الأحوط اجتنابه (36)، كما أنّ الأحوط اجتناب ما في يد المسلم المستحلّ للميتة بالدبغ (37). و يستثنى من الميتة صوفها و شعرها

______________________________

المسلمين فلا بأس»(1).

و في خبر السكوني عن الصادق (عليه السلام): «إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها، و فيها سكين، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يقوّم ما فيها ثمَّ يؤكل لأنّه يفسد و ليس له بقاء، فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن. قيل له: يا أمير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ فقال (عليه السلام): هم في سعة حتّى يعلموا» (2).

و إطلاقه يشمل احتمال عدم التذكية و احتمال النجاسة العرضية أيضا، فيستفاد من مثل هذه الأخبار الامتنانية التسهيلية أنّ المناط كلّه صحة الإضافة إلى أرض الإسلام، أو سوق المسلمين، أو يدهم، فيكون ذلك كلّه حاكما على أصالة عدم التذكية.

(36) للخروج عن خلاف من أوجب الاجتناب عنه جمودا على الاقتصار على خصوص يد المسلمين و سوقهم. و فيه: أنّ اليد و السوق لا موضوعيّة لهما، بل طريق لاستظهار الاستعمال و المفروض وجوده في أرضهم أيضا.

(37) إطلاق الأدلة يشمل المسلم المجهول الحال و من استحلّ الميتة بالدبغ و لا ريب في أنّ الاستحلال بالدبغ أعمّ من عدم التذكية، فما نسب إلى العلامة من التوقف في الطهارة، و إلى المحقق الثاني من الجزم بالنجاسة إن كان لأجل أنّ الاستحلال أمارة لعدم التذكية. ففيه: أنّه أعمّ منه بلا إشكال، و إن كان لأجل خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصلاة في!

ص: 278


1- الوسائل باب: 55 من أبواب لباس المصلّي حديث: 3.
2- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 11.

و وبرها و غير ذلك مما مرّ في بحث النجاسات (38).

مسألة 10: اللحم أو الشحم أو الجلد المأخوذ من يد الكافر

(مسألة 10): اللحم أو الشحم أو الجلد المأخوذ من يد الكافر، أو المطروح في بلاد الكفار، أو المأخوذ من يد مجهول الحال في غير سوق المسلمين، أو المطروح في أرض المسلمين إذا لم يكن عليه أثر الاستعمال محكوم بعدم التذكية، و لا تجوز الصلاة فيه، بل و كذا المأخوذ من يد المسلم إذا علم أنّه أخذه من يد الكافر

______________________________

الفراء، فقال: كان عليّ بن الحسين (عليه السلام) رجلا صردا لا يدفئه فراء الحجاز لأنّ دباغها بالقرظ، فكان يبعث إلى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو، فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه و ألقى القميص الذي يليه، فكان يسأل عن ذلك؟ فقال: إنّ أهل العراق يستحلون لباس جلود الميتة و يزعمون أنّ دباغه ذكاته» (1).

ففيه أولا: قصور سنده. و ثانيا: أنّ فعله (عليه السلام) مجمل لعلّه كان لمجرد الرجحان و إلّا فالإمام أجلّ من أن يلبس جلد الميتة و قد ورد عنهم (عليهم السلام) عدم الانتفاع بشي ء منها مع أنّ الصلاة في صوف الميتة جائزة كما يأتي، فلا وجه لإلقاء قميصه إلّا مجرد التنزّه.

(38) راجع الرابع من النجاسات، و الأصل فيه قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة، إنّ الصوف ليس فيه روح» (2).

و من التعليل يستفاد حكم جميع ما ذكر و المراد بهذا الروح الحيواني دون النباتي الموجب للنمو، فإنّه موجود في جميع أجزاء الحيوان كما ثبت بالبرهان.

ص: 279


1- الوسائل باب: 61 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
2- الوسائل باب: 68 من أبواب النجاسات حديث: 1.

مع عدم مبالاته بكونه من ميتة أو مذكّى (39).

مسألة 11: استصحاب جزء من أجزاء الميتة في الصلاة موجب لبطلانها

(مسألة 11): استصحاب جزء من أجزاء الميتة في الصلاة موجب لبطلانها و إن لم يكن ملبوسا (40).

______________________________

(39) بعد الفحص و استقرار الشك، لأصالة عدم التذكية في جميع ذلك بلا أمارة حاكمة على الخلاف هذا بناء على ما نسب إلى المشهور من الرجوع إليها عند الشك. و أما بناء على الرجوع إلى أصالة الحلية و الطهارة و بملاحظة الجمع بين الأخبار (1)، فتصح الصلاة إلّا مع أمارة معتبرة على عدم التذكية، و قد تقدم التفصيل فراجع.

ثمَّ إنّ مجهول الحال إذا كان في أرض الإسلام، أو فيما يغلب عليه المسلمون، فهو بحكم المسلم، بل و كذا ما يؤخذ عن يد الكافر في أرض الإسلام تغليبا لجانب الإسلام، كما تقدم في خبر ابن عمار(2).

ثمَّ إنّ كون يد المسلم مسبوقة بيد الكافر على أقسام:

الأول: ما إذا علم إجمالا باشتمال ما في يد الكافر على المذكى و غيره.

الثاني: ما إذا لم يعلم به و لم يتفحص عنه، و لا وجه للحكم بالحرمة و النجاسة في القسم الأول، لعدم جريان أصالة عدم التذكية من جهة العلم الإجمالي بوجود المذكى في البين و لم يثبت كون يد الكافر أمارة على عدم التذكية، فالمرجع أصالة الحلية و الطهارة. نعم، في القسم الثاني تجري أصالة عدم التذكية بلا محذور على المشهور.

الثالث: ما إذا كانت في البين أمارة على تفحص المسلم، فيجوز الاعتماد عليه حينئذ، حملا لفعله على الصحة.

(40) لإطلاق قول الصادق (عليه السلام) في الموثق: «لا تصلّ في شي ء

ص: 280


1- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات.
2- الوسائل باب: 55 من أبواب لباس المصلّي حديث: 3.
مسألة 12: إذا صلّى في الميتة جهلا لم تجب الإعادة

(مسألة 12): إذا صلّى في الميتة جهلا لم تجب الإعادة (41)، نعم، مع الالتفات و الشك لا تجوز و لا تجزئ (42).

و أما إذا صلّى فيها نسيانا، فإن كانت ميتة ذي النفس أعاد في الوقت و خارجه (43) و إن كان من ميتة ما لا نفس له، فلا تجب الإعادة (44).

مسألة 13: المشكوك في كونه من جلد الحيوان

(مسألة 13): المشكوك في كونه من جلد الحيوان أو من

______________________________

منه و لا في شسع» (1).

هذا إذا صدق الصلاة فيه عرفا، و مع الشك فالمرجع أصالة الصحة و البراءة فضلا عما إذا صدق العدم، و يأتي فيما لا يؤكل لحمه ما ينفع المقام.

(41) إن قلنا بجريان حديث «لا تعاد» (2) في مورد الجهل بالموضوع، فالصحة واضحة، لشمول الحديث له، و كذا إن كان إجماع على الصحة، و إن قلنا بأنّ مانعية الميتة من حيث النجاسة، فالمسألة من صغريات ما تقدم في كتاب الطهارة في (فصل الصلاة في النجس)، فتصح مع الجهل بالموضوع و لكن الجزم بالأول مشكل و إن كان له وجه، لأنّ امتنانيته تقتضي التعميم و الأخير أشكل، و الوسط إثباته على عهدة مدعيه، فتصل النوبة قهرا إلى أصالة البراءة عن المانعية في الجهل بالموضوع مع غلبة كون الجهل به عذرا شرعا.

(42) لأصالة عدم التذكية بناء على المشهور إن لم تكن أمارة عليها في البين كما هو المفروض.

(43) لأنّه حينئذ من صغريات الصلاة في النجس نسيانا، فتشمله ما دل عليها في (فصل الصلاة في النجس).

(44) لأصالة البراءة عن المانعية.

ص: 281


1- الوسائل باب: 1 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة.

غيره لا مانع من الصلاة فيه (45).

الرابع: أن لا يكون من أجزاء ما لا يؤكل لحمه
اشارة

(الرابع): أن لا يكون من أجزاء ما لا يؤكل لحمه و إن كان مذكّى أو حيّا، جلدا كان أو غيره، فلا يجوز الصلاة في جلد غير المأكول، و لا شعره و صوفه و ريشه و وبره (46)، و لا شي ء من فضلاته، سواء كان ملبوسا أو مخلوطا به أو محمولا، حتّى شعرة واقعة على لباسه، بل حتّى عرقه و ريقه و إن كان طاهرا ما دام رطبا، بل و يابسا إذا كان له عين (47).

______________________________

(45) لأصالة عدم اعتبار التذكية، لأنّ اعتبار التذكية فيما أحرز أنّه حيوان، و مع الشك في الحيوانية، فلا موضوع لها، مضافا إلى أصالة البراءة عن المانعية.

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 5، ص: 282

(46) نصّا و إجماعا، بل ضرورة من مذهب الإمامية، ففي موثق ابن بكير: «إنّ الصلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله، فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كلّ شي ء منه فاسد- إلى أن قال- ذكاه الذبح أو لم يذكه» (1).

(47) لإطلاق قوله (عليه السلام)- فيما تقدم من موثق ابن بكير-:

«و كلّ شي ء منه» الشامل لجميع ذلك و ذكر البول و الروث قرينة على أنّ لفظ (في)- في قوله (عليه السلام): الصلاة في وبر كلّ شي ء- لمجرد الملابسة و المصاحبة كقوله تعالى ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ (2) و ليس للظرفية، و يشهد له مكاتبة الهمداني قال: «كتبت إليه: يسقط على ثوبي الوبر و الشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية و لا ضرورة، فكتب لا تجوز الصلاة فيه» (3).

مع احتمال أن تكون كلمة (في) قيدا للصلاة لا المصلّي، فيتعيّن أن تكون

ص: 282


1- الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
2- سورة الأعراف: 38.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.

.....

______________________________

للمصاحبة حينئذ، إذ اللباس ظرف للمصلّي لا الصلاة.

إلا أن يقال: إنّ ما كان ظرفا للمصلّي ظرف للصلاة اعتبارا أيضا فلا فرق من هذه الجهة، و لكن للمصاحبة مراتب متفاوتة:

منها: أن يكون لباسا.

و منها: أن يكون ملصقا باللباس.

منها: أن يكون محمولا بلا واسطة أو معها، و في الجميع تصدق المصاحبة و إن صدقت الظرفية في بعضها أيضا.

و أما صحيح محمد بن عبد الجبار: «كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله هل يصلّي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكّة حرير محض، أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب (عليه السلام) لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض، و إن كان الوبر ذكيّا حلّت الصلاة فيه إن شاء اللّه» (1).

فصدره لا ينافي مطلق المصاحبة، و أما قوله (عليه السلام): «و إن كان الوبر ذكيا حلّت الصلاة» ففيه إجمال، فإنّه إن كان المراد بذكاة الوبر طهارته، فقد تقدم أنّه لا تعتبر الطهارة فيما لا تتم فيه الصلاة، و إن كان المراد به تذكية الحيوان مع كونه مأكول اللحم، فقد تقدم أيضا أنّه لا تعتبر التذكية فيما لا تحلّه الحياة من مأكول اللحم، و إن كان المراد به من خصوص الأرنب، فهو متوقف على كون الأرنب قسمين مأكول اللحم و غير مأكول اللحم، و هو غير معهود، و يمكن حمله على التقية، لأنّ مذهب أحمد عدم صحة الصلاة في وبر ميتة مأكول اللحم.

فروع- (الأول): لو شك في أنّه هل لصق بثوبه أو بدنه شي ء مما لا يؤكل لحمه أو لا، فمقتضى الأصل عدم اللصوق، كما إنّه لو كان شي ء منه ملصقا بثوبه و شك في زواله، فمقتضى الأصل بقاؤه.

(الثاني): لا فرق بين كون الشعر- مثلا- بهيئته الأصلية، أو صار

ص: 283


1- الوسائل باب: 14 من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.

و لا فرق في الحيوان بين كونه ذا نفس أو لا، كالسمك الحرام أكله (48).

مسألة 14: لا بأس بالشمع، و العسل، و الحرير الممتزج و دم البق و البرغوث

(مسألة 14): لا بأس بالشمع، و العسل، و الحرير الممتزج و دم البق و البرغوث، و نحوها من فضلات أمثال هذه الحيوانات مما لا لحم لها (49).

______________________________

مسحوقا، نعم، لو استحيل إلى شي ء آخر كالرماد- مثلا- لا يترتب عليه الحكم.

(الثالث): لو حمل الهر أو الفار- مثلا- و صلّى تبطل صلاته لصدق الصلاة فيما لا يؤكل لحمه. و أما إذا كان الهرّ- مثلا- واقفا بجنبه و ملصقا به، ففي صحة الصلاة- لانصراف النصوص عنه، فيرجع إلى أصالة البراءة، و عدم المانعية، أو بطلانها جمودا على بعض الإطلاقات- وجهان، و كذا الصلاة على بساط كان مما لا يؤكل لحمه، أو كان من الميتة.

(48) لإطلاق النص، و الفتوى الشامل لجميع ما ذكر و للسمك أيضا مع عدم ذكره في المستثنيات التي تأتي في [مسألة 17]، و ذكر الذبح في موثق ابن بكير (1) لا يوجب التقييد بذي النفس، لأنّه من باب المثال لمطلق التذكية الشرعية.

و ما يقال: من أنّه لا أثر للتذكية الشرعية في غير ذي النفس، لطهارة ميتته. مدفوع: بأنّ لنفس غير المأكولية موضوعية خاصة في المانعية عن صحة الصلاة طهرت ميتته أو لا، و لذا لا تجوز الصلاة فيما طهر منه حال الحياة كشعره و ريقه و نحوهما.

(49) كلّ ذلك لانصراف الأدلة عنها، و لظهور الإجماع، و السيرة و ما

ص: 284


1- الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

و كذا الصدف (50)، لعدم معلومية كونه جزءا من الحيوان، و على تقديره لم يعلم كونه ذا لحم. و أما اللؤلؤ فلا إشكال فيه أصلا، لعدم كونه جزءا من الحيوان (51).

______________________________

ورد في صحة الصلاة في الحرير الممتزج (1)، و صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة؟ قال: لا و إن كثر» (2).

و في صحيح ابن مهزيار قال: «كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله عن الصلاة في القرمز و أنّ أصحابنا يتوقفون عن الصلاة فيه، فكتب لا بأس به مطلق و الحمد للّه» (3). و يشهد له قاعدة نفي العسر و الحرج، و كذا نفس هذه الحيوانات أيضا، لصحة دعوى الانصراف عنها أيضا، مع عموم الابتلاء و عدم التعرض لها في النصوص.

(50) الصدف: غلاف اللؤلؤ، و يطلق أيضا على الغطاء الخارجي الذي يكون لبعض الحيوانات التي لا عظام لها- كما عن بعض أهل اللغة- و ليس بنفسه حيوانا، و يشهد لما ذكر صحيح ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال:

«و سألته عن اللحم الذي يكون في أصداف البحر و الفرات أ يؤكل؟ قال: ذلك لحم الضفادع لا يحلّ أكله» (4)، و على فرض الشك، فهو من صغريات ما يأتي في [مسألة 18].

(51) بل هو من الجمادات و مادة خاصة، و ليس بذي روح، و إن قيل إنّه تفرزها ذو روح، و في قيام السيرة على الصلاة فيه كفاية، مضافا إلى الأصل.

ص: 285


1- الوسائل باب: 13 من أبواب لباس المصلّي.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب النجاسات حديث: 4.
3- الوسائل باب: 44 من أبواب لباس المصلّي.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 1.
مسألة 15: لا بأس بفضلات الإنسان و لو لغيره

(مسألة 15): لا بأس بفضلات الإنسان و لو لغيره، كعرقه، و وسخه، و شعره، و ريقه، و لبنه، فعلى هذا لا مانع في الشعر الموصول بالشعر، سواء كان من الرجل أو المرأة (52).

______________________________

(52) أما جواز صلاة الشخص في فضلات نفسه من شعره و ريقه و عرقه و نحوها، فتدل عليه السيرة القطعية، بل الضرورة الدينية، و يدل عليه خبر عليّ بن الريان: «أنّه سأل أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن الرجل يأخذ من شعره و أظفاره، ثمَّ يقوم إلى الصلاة من غير أن ينفضه من ثوبه، فقال: لا بأس»(1).

و فحوى بعض الأدلة الآتية. و أما فضلات غيره فاستدل له تارة: بالسيرة خصوصا بالنسبة إلى النساء حين الإرضاع، إذ لا تخلو ألبستهنّ عن فضلات الأطفال غالبا لا سيّما في الأزمنة القديمة.

و أخرى: بجواز الصلاة في ثوب الغير مع الإذن، و هو لا يخلو عن العرق غالبا خصوصا في الأعصار السابقة.

و ثالثة: بالصحيح كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) «هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الإنسان و أظفاره من قبل أن ينفضه و يلقيه عنه؟

فوقّع يجوز» (2).

و عن الحسين بن علوان أنّه: «سأل الصادق (عليه السلام) عن البزاق يصيب الثوب، قال (عليه السلام): لا بأس به» (3).

و حمل مثل هذه الأخبار على مورد الاضطرار أو على ما إذا كان من نفس المصلّي خلاف الظاهر.

ص: 286


1- راجع الوسائل باب: 18 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
2- راجع الوسائل باب: 18 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب النجاسات حديث: 6.

نعم، لو اتخذ لباسا من شعر الإنسان فيه إشكال، سواء كان ساترا أو غيره، بل المنع قويّ، خصوصا الساتر (53).

______________________________

و رابعة: بما دل على حمل المرأة ولدها في الصلاة و إرضاعه(1).

و خامسة: بخبر سعد الإسكاف: «إنّ أبا جعفر (عليه السلام) سئل عن القرامل التي تضعها النساء في رؤوسهنّ يصلنه بشعورهنّ، فقال (عليه السلام):

لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها» (2).

و عن زرارة عن الصادق (عليه السلام): «سأله أبي و أنا حاضر عن الرجل يسقط سنه، فيأخذ سنّ إنسان ميت فيجعله مكانه، قال (عليه السلام) لا بأس» (3).

و ما في بعض الأخبار من كراهة القرامل (4) إمّا مطلقا أو إذا كانت من غير صوف، لا ينافي الصحة في المقام.

و سادسة: بالعسر و الحرج، و بأنّ الخطاب مع الإنسان بالنسبة إلى سائر الحيوان فلا يشمل نفسه، لانصرافه عنه. و هذه الأدلة و إن أمكنت المناقشة في بعضها، إلّا أنّ جميعها يكفي في حصول الاطمئنان بالحكم، و الظاهر أنّ ما ذكر في هذه الأدلة من باب المورد و المثال لا الخصوصية، فيشمل جميع أنحاء التلبسات و إطلاقها يشمل ما إذا كان من الرجل للمرأة أو بالعكس.

(53) مقتضى الأصل الجواز مطلقا لباسا كان أو لا، ساترا كان أو غيره إلّا أن يدل دليل على المنع، و هو إمّا الإطلاقات و هي منصرفة عن نفس الإنسان، أو قاعدة الاشتغال في الشك في الشرطية، و هي ممنوعة، لما ثبت من أنّ المرجع

ص: 287


1- راجع الوسائل باب: 24 من أبواب قواطع الصلاة.
2- الوسائل باب: 101 من أبواب مقدمة النكاح حديث: 2.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.
4- راجع الوسائل باب: 101 من أبواب مقدمة النكاح.
مسألة 16: لا فرق في المنع بين أن يكون ملبوسا أو جزءا منه، أو واقعا عليه، أو كان في جيبه

(مسألة 16): لا فرق في المنع بين أن يكون ملبوسا أو جزءا منه، أو واقعا عليه، أو كان في جيبه، بل و لو في حقبة هي في جيبه (54).

مسألة 17: يستثنى مما لا يؤكل الخز الخالص

(مسألة 17): يستثنى مما لا يؤكل الخز الخالص (55) غير

______________________________

فيه البراءة دون الاحتياط، و المسألة من صغريات الصلاة في المشكوك، فلا وجه للجزم بالجواز في تلك المسألة و تقوية المنع هنا.

(54) كلّ ذلك لصدق الصلاة في غير المأكول بعد كون لفظ (في) لمطلق المصاحبة، كما تقدم، و مع الشك في الصدق، كما في الأخير لا يصح التمسك بالإطلاق، لكونه من التمسك بالدليل مع الشك في الموضوع، و المرجع حينئذ البراءة، و صور الشك في الصدق كثيرة تقدم بعضها.

(55) للنصوص و الإجماع، و عمل المعصومين (عليهم السلام) و المسلمين، فعن سليمان بن جعفر قال: «رأيت الرضا (عليه السلام) يصلّي في جبة خزّ»(1).

و عن ابن مهزيار: «رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) يصلّي الفريضة و غيرها في جبة خزّ طارويّ و كساني جبة خز و ذكر أنّه لبسها على بدنه و صلّى فيها و أمرني بالصلاة فيها» (2).

و في صحيح الحلبي قال: «سألته عن لبس الخز، فقال: لا بأس به، إنّ عليّ بن الحسين (عليه السلام) كان يلبس الكساء الخزفي الشتاء فإذا جاء الصيف باعه و تصدق بثمنه، و كان يقول: إنّي لأستحي من ربّي أن آكل ثمن ثوب قد عبدت اللّه فيه» (3).

و في حديث دعبل: «أنّ الرضا (عليه السلام) خلع عليه قميصا من خز

ص: 288


1- الوسائل باب: 8 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب لباس المصلّي حديث: 13.

المغشوش بوبر الأرانب و الثعالب (56)،

______________________________

و قال له: احتفظ بهذا القميص فقد صلّيت فيه ألف ليلة كلّ ليلة ألف ركعة» (1).

و في صحيح زرارة: «خرج أبو جعفر (عليه السلام) يصلّي على بعض أطفالهم و عليه جبة خز صفراء و مطرف خز أصفر» (2).

(56) للنص و الإجماع، ففي خبر أيوب بن نوح قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «الصلاة في الخز الخالص لا بأس به، فأما الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك مما يشبه هذا فلا تصلّ فيه»(3).

و أما خبر بشير بن بشار قال: «سألته عن الصلاة في الخز يغش بوبر الأرانب فكتب: يجوز ذلك» (4).

فموهون بقصور السند و هجر الأصحاب عنه، و لم يعمل به أحد منهم.

نعم، قال الصدوق (رحمه اللّه) في الفقيه بعد ذكره الخبر المزبور:

و هذه رخصة، الآخذ بها مأجور، و رادها مأثوم، و الأصل ما ذكره أبي في رسالته إليّ: و صلّ في الخز ما لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب».

و لا يظهر من هذه العبارة عمله (رحمه اللّه) بالخبر مع احتمال التقية في مثل هذا الخبر و على فرض عمل الصدوق به فهو من منفرداته لا يكون حجة لغيره.

ثمَّ إنّ الغش إمّا أن يعلم أنّه مما تجوز الصلاة فيه، كالقطن و نحوه أو يعلم أنّه مما لا تجوز الصلاة فيه، كوبر الأرانب و الثعالب، أو يشك في ذلك.

و حكم الأولين واضح، و الأخير من صغريات الصلاة في المشكوك و يأتي الجواز فيه إن شاء اللّه تعالى.

ص: 289


1- الوسائل باب: 8 من أبواب لباس المصلّي حديث: 6.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب لباس المصلّي حديث: 3.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.

.....

______________________________

فرعان- (الأول): المشهور صحة الصلاة في جلد الخز أيضا، لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر ابن أبي يعفور قال: «كنت عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من الخزازين، فقال له: جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال: لا بأس بالصلاة. إلى أن قال (عليه السلام): فإنّ اللّه تعالى أحلّه و جعل ذكاته موته كما أحلّ الحيتان و جعل ذكاتها موتها» (1).

و شموله للجلد مما لا ينكر، إذ لا تعتبر التذكية في الوبر قطعا و يشهد له إطلاق لفظ الخز في جملة من الأخبار كما في خبر الوشاء عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «كان عليّ بن الحسين يلبس في الشتاء الجبة الخز، و المطرف الخز، و القلنسوة فيشتو فيه و يبيع المطرف في الصيف و يتصدق بثمنه، ثمَّ يقول: مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ» (2).

و في خبر يوسف بن إبراهيم قال: «دخلت على أبي عبد اللّه و عليّ جبة خز و طيلسان خز فنظر إليّ، فقلت: جعلت فداك عليّ جبة خزّ و طيلساني هذا خزّ فما تقول فيه؟ فقال: و ما بأس بالخزّ» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار، و شمولها للجلد أيضا ليس قابلا للإنكار.

و ما قيل: من أنّ استعمال الجلد في اللباس لم يكن معهودا، من مجرد الدعوى، لشيوع جعل البطانة جلد الخزّ في الثياب، مع أنّه لا يضرّ بالإطلاق، و يدل عليه إطلاق صحيح سعد بن سعد قال: «سألت الرضا (عليه السلام) عن جلود الخزّ، فقال: هو ذا نحن نلبس، فقلت: ذاك الوبر جعلت فداك، قال:

إذا حلّ وبره حلّ جلده» (4).

و صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: «سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام)

ص: 290


1- الوسائل باب: 8 من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب لباس المصلّي حديث: 6.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب لباس المصلّي حديث: 7.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب لباس المصلّي حديث: 14.

و كذا السنجاب (57).

______________________________

رجل و أنا عنده عن جلود الخز، فقال (عليه السلام): ليس بها بأس، فقال الرجل: جعلت فداك إنّها علاجي (في بلادي) و إنّما هي كلاب تخرج من الماء، فقال أبو عبد اللّه (عليه السلام): إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء. فقال الرجل: لا، قال: ليس به بأس» (1).

مع كون الموضوع ابتلائيا لمن يلبسها، و لو لم يكن مثل هذه الإطلاقات كاشف عن صحة الصلاة في مثل هذا اللباس، يكون خلاف المستفاد منها في المحاورات.

و أما اقتصار بعض الفقهاء (قدّس سرّهم) على خصوص الوبر، فليس لأجل عدم صحة الصلاة في الجلد، بل لأجل شيوع استعمال الوبر، و أنّهم في مقام بيان الجواز في غير المغشوش و عدمه في المغشوش و ذلك يختص بخصوص الوبر كما هو واضح.

(الثاني): إن علم أنّ الخز الموجود في هذه الأعصار هو عين ما كان في عصر صدور الأخبار فلا إشكال فيه، و إلّا فهو من صغريات (الصلاة في المشكوك) و يأتي حكمه إن شاء اللّه تعالى. و إن علم أنّه غيرها مما لا يؤكل لحمه فلا ريب في عدم جواز الصلاة فيه.

(57) على المشهور، بل نسب إلى دين الإمامية، و تدل عليه جملة من الأخبار أيضا منها صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الفراء و السمّور، و السنجاب، و الثعالب و أشباهه، قال: لا بأس بالصلاة فيه» (2).

و صحيح ابن راشد قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما تقول في

ص: 291


1- الوسائل باب: 10 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.

.....

______________________________

الفراء أيّ شي ء يصلّى فيه؟ قال: أيّ الفراء؟ قلت: الفنك و السنجاب و السمّور، قال: فصلّ في الفنك و السنجاب، فأما السمور فلا تصلّ فيه» (1).

و في خبر بشير بن بشار قال: «سألته عن الصلاة في الفنك و الفراء و السنجاب و السمّور و الحواصل التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام أن أصلّي فيه لغير تقية؟ قال: فقال: صلّ في السنجاب و الحواصل الخوارزمية، و لا تصلّ في الثعالب و لا السمّور» (2).

و في خبر يحيى بن أبي عمران أنّه قال: «كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) في السنجاب و الفنك و الخز و قلت: جعلت فداك أحب أن لا تجيبني بالتقية في ذلك، فكتب بخطّه إليّ: صلّ فيها» (3).

و في خبر الديلمي قال (عليه السلام): لا بأس بالسنجاب فإنّه دابة لا تأكل اللحم و ليس هو مما نهى عنه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، إذ نهى عن كلّ ذي ناب و مخلب» (4).

إلى غير ذلك من الأخبار.

و عن جمع منهم الصدوق (رحمه اللّه) في الفقيه، و الشيخ و الحليّ و بعض المتأخرين عدم صحة الصلاة في السنجاب، لقصور ما دل على الجواز سندا، و إمكان حمله على التقية، و إنّ السنجاب ذكر في عرض السمور الذي لا تجوز الصلاة فيه، و لمعارضته لموثق ابن بكير.

و الكل مخدوش أما الأول: فبأنّ فيه الصحيح و غيره. و الثاني: بأنّه مخالف للأصل الذي لا يصار إليه إلّا مع الدليل و هو مفقود. و الثالث: بأنّ التفكيك بين أجزاء خبر واحد لدليل خارجيّ مما لا بأس به، بل هو واقع كثيرا في الفقه. و الأخير: بأنّ السنجاب إنّما ذكر في الموثق من باب المثال لا الخصوصية فيكون مثل صحيح الحلبي مقيّدا و مخصّصا له لا محالة، مع أنّه ذكر في السؤال لا أن يكون بيانا من المعصوم (عليه السلام).

ص: 292


1- الوسائل باب: 3 من أبواب لباس المصلّي حديث: 5.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب لباس المصلّي حديث: 6.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب لباس المصلّي حديث: 3.

و أما السمور، و القاقم، و الفنك، و الحواصل: فلا تجوز الصلاة في أجزائها على الأقوى (58).

______________________________

و دعوى: أنّ الموثق ورد مورد القاعدة الكلية و لا يصلح للتخصيص.

باطلة، لشيوع تخصيص العمومات و كثرته حتّى اشتهر أنّه ما من عام إلّا و قد خصّ و طريق الاحتياط واضح.

(58) السمّور كالسنّور لفظا و معنى، و القاقم على شكل الفأرة. و الفنك نوع من الثعلب، أو من جراء الثعلب التركي، و يطلق- أيضا- على فرخ ابن آوى. و الحواصل من الطيور الكبار لها حواصل عظيمة.

أمّا السمور فالمشهور عدم صحة الصلاة فيه، و عن المصابيح دعوى الإجماع عليه، و يدل عليه مضافا إلى العمومات، ما تقدم من صحيح ابن راشد، و صحيح سعد بن سعد عن الرضا (عليه السلام): «سألته عن جلود:

السمور، قال (عليه السلام): أيّ شي ء هو ذاك الأدبس؟ فقلت: هو الأسود فقال (عليه السلام): يصيد؟ فقلت: نعم، يأخذ الدجاج، فقال (عليه السلام):

لا» (1).

و يستفاد منه أنّه من السباع التي عدم جواز الصلاة فيها قطعيّ أو ضروريّ، كما في الجواهر.

و بإزاء هذه الأخبار جملة أخرى يظهر منها الجواز:

منها: صحيح الحلبي- المتقدم- الذي سأله (عليه السلام) عن الفراء و السمور و السنجاب و الثعالب و أشباهه قال (عليه السلام): «لا بأس بالصلاة فيه».

و لا بد من حمله في غير السنجاب على التقية، و في الجواهر: «يمكن

ص: 293


1- الوسائل باب: 4 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

.....

______________________________

تواتر رواية المنع في الثعالب، و فيها الصحيح و غيره».

و منها: خبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال:

«سألته عن لبس السمور و السنجاب و الفنك فقال: لا يلبس و لا يصلّي فيه إلّا أن يكون ذكيا» (1).

و أسقطه عن الاعتبار هجر الأصحاب له بالنسبة إلى غير السنجاب.

و منها: صحيح ابن يقطين قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن لباس الفراء و السمور و الفنك و الثعالب و جميع الجلود، قال (عليه السلام): لا بأس بذلك» (2).

و مثله صحيح الريان بن الصلت عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «سألته عن لبس فراء السمور و السنجاب و الحواصل و ما أشبهها ..

قال (عليه السلام): لا بأس بهذا كلّه إلّا بالثعالب» (3).

و فيه: أنّه في حكم اللبس تكليفا، و هو أعم من جواز الصلاة فيه وضعا.

و بالجملة: إنّه لم يخصص عموم قوله (عليه السلام): «إنّ الصلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله، فالصلاة في وبره، و شعره و جلده، و بوله، و روثه و كلّ شي ء منه فاسد (4). بمخصص يصح الاعتماد عليه.

و أما القاقم، فيظهر منهم التسالم على أنّه غير مأكول اللحم، فيشمله العموم الدال على عدم جواز الصلاة فيه و ليس ما يصلح للتخصيص إلّا ما نقله في المستند عن عليّ بن جعفر عن أخيه قال: «سألته عن لبس السمور و السنجاب و الفنك و القاقم، قال (عليه السلام): لا يلبس و لا يصلّى فيه إلّا أن يكون ذكيا» (5).

ص: 294


1- الوسائل باب: 4 من أبواب لباس المصلّي حديث: 6.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
5- مستدرك الوسائل باب: 3 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.

.....

______________________________

و رواه في الوسائل بدون ذكر القاقم (1)، و السند على كلتا الروايتين لا يخلو من ضعف، مع أنّها معارضة بخبر الدعائم عن الصادق (عليه السلام):

«عن فرو الثعلب و السنور و السمور و السنجاب و الفنك و القاقم قال: يلبس و لا يصلّى فيه» (2).

و هي معتضدة بعموم موثق ابن بكير، و حمله على غير المذكى خلاف ظاهر التفصيل بين اللبس و الصلاة، بناء على جواز استعمال غير المذكى فيما لا يشترط فيه الطهارة.

و أمّا الفنك، فالمشهور، بل المدعى عليه الإجماع فيه المنع أيضا.

و يقتضيه عموم موثق ابن بكير (3)، و بعض الأخبار الخاصة مثل ما تقدم من خبر ابن جعفر.

و بإزائه جملة من الأخبار التي يظهر منها الجواز، كما تقدم من خبر ابن جعفر، و في خبر وليد بن أبان قال: «قلت للرضا (عليه السلام): أصلّي في الفنك و السنجاب؟ قال: نعم» (4).

و في مكاتبة يحيى بن أبي عمران أنّه قال: «كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) في السنجاب و الفنك و الخز و قلت: جعلت فداك أحبّ أن لا تجيبني بالتقية في ذلك، فكتب بخطه إليّ: صلّ فيها» (5).

و لكن إعراض المشهور عنها، و موافقتها للتقية، و معارضتها بغيرها المؤيّد بعموم المنع أسقطها عن الاعتبار.

و أما الحواصل: فمقتضى عموم الموثق المنع و هو المشهور أيضا.

و استدل للجواز أولا: بدعوى الشيخ الإجماع عليه. و هو منه (رحمه اللّه)

ص: 295


1- الوسائل باب: 4 من أبواب لباس المصلّي حديث: 6.
2- مستدرك الوسائل باب: 4 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب لباس المصلّي حديث: 7.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب لباس المصلّي حديث: 6.

.....

______________________________

عجيب مع ذهاب المشهور إلى المنع و كم له من مثل هذه الإجماعات؟! و في الجواهر: «إنّه من سباع الطير و عدم جواز الصلاة فيها قطعي».

و ثانيا: بخبر بشير بن بشار: «قال: صلّ في السنجاب و الحواصل الخوارزمية» (1).

و فيه: مضافا إلى قصور سنده لجهالة بشير، و إضماره أنّ ظاهره الاختصاص ببعض أقسام الحواصل، فلا يكون دليلا لمطلق الحواصل.

و ثالثا: بالتوقيع المروي عن الخرائج: «و إن لم يكن لك بما تصلّي فيه فالحواصل جائز لك أن تصلّي فيه» (2).

و يرده: مضافا إلى قصور سنده أنّ ظاهره صورة الاضطرار، و يأتي في [مسألة 39] حكمه.

و رابعا: بصحيح ابن الحجاج على نسخة الاستبصار-: «سألته عن اللحاف (الخفاف) من الثعالب أو الخوارزمية أ يصلّي فيها أم لا؟ قال: إن كان ذكيا، فلا بأس به» (3).

و فيه: أنّ الشيخ (رحمه اللّه) ضبطه في التهذيب (الجرز منه) (4) و الجرز من ألبسه النسوان، و ضمير منه يرجع إلى الثعالب، و عدم جواز الصلاة في الثعالب من قطعيات الفقه إن لم يكن من ضرورياته، فكيف يعتمد عليه خصوصا مع اختلاف النسخة عن ناقل واحد.

فائدة: لا بد من اتباع المشهور فيما يتعلّق بما لا يؤكل لحمه، لأنّ المسألة كانت مورد التقية الشديدة، فالتفرّد بالفتوى- بما يظهر منه الجواز مع مخالفة المشهور و إن كان في البين نصّ صحيح- خلاف الطريقة المألوفة بين أساطين الفقه خصوصا مع تعارض الأدلة، و الاجتهاد و إن كان بابه مفتوحا

ص: 296


1- الوسائل باب: 3 من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.
2- مستدرك الوسائل باب: 3 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب لباس المصلّي حديث: 11.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب لباس المصلّي حديث: 11.
مسألة 18: الأقوى جواز الصلاة في المشكوك كونه من المأكول أو من غيره

(مسألة 18): الأقوى جواز الصلاة في المشكوك كونه من المأكول أو من غيره (59)، فعلى هذا لا بأس بالصلاة في الماهوت.

______________________________

و واسعا، و لكن خطره أعظم من سعة بابه.

(59) على المشهور بين متأخري المتأخرين، بل عن جمع من المتأخرين الفتوى به أيضا، و نسب إلى المشهور بين المتقدمين المنع، بل ادّعى الإجماع عليه. و قد أطيل البحث في هذه المسألة و لا تستحق الإطالة إذا خلصت عن الزوائد.

و لباب المقال فيها: أنّ البحث تارة: بحسب الأدلة. و أخرى: بحسب الأصول الموضوعية. و ثالثة: بحسب الأصول الحكمية.

و لا بد أولا: من بيان مقدمات واضحة حتى يتضح الحكم:

الأولي: النواهي المتعلّقة بما يكون له أفراد خارجية إنّما هي بنحو السريان الاستغراقي يعني أنّ كلّ فرد خارجي يكون فردا. للمنهيّ عنه مستقلا بلا فرق فيه بين النواهي النفسية و الغيرية، فالنهي عن لبس غير المأكول في الصلاة ينحلّ إلى نواه عديدة حسب تعدد أفراد غير المأكول، و كذا في النهي عن الحرير، و الذهب، و الميتة و نحوها، فيتحقق حينئذ أفراد معلومة في شمول النهي لها و أفراد مشكوكة، و لا ريب في شمول الدليل للأفراد المعلومة دون المشكوكة، مع أنّ تشريع القانون و جعله- خالقيا كان أم خلقيا- من القضايا الحقيقية التي تسير فعليتها مسير فعليه الموضوع فهما متلازمان من هذه الجهة، لا أن يكون من القضايا الذهنية أو الخارجية الجزئية أو الطبيعية، إذ الكلّ باطل، كما يظهر بأدنى تأمل، كما لا ريب عند العقلاء أنّ العلم بمجرد الكبرى لا يكون حجة على الصغريات المشكوكة الدخل فيها، و لذا أرسل إرسال المسلّمات أنّه لا يصح التمسك بالدليل مطلقا- لفظيا كان أو لبيا- في الشبهات المصداقية، فالأفراد المشكوكة الدخول تحت عنوان غير المأكول لا يشملها دليل النهي عن الصلاة فيه لفظيا كان كقوله (عليه السلام): «لا تصلّ في ما لا يؤكل لحمه»، أو

ص: 297

.....

______________________________

لبيا كالإجماع. و كذا بالنسبة إلى المشكوك من الحرير و الذهب و نحوهما، لأنّ المفروض أنّها مشكوكة الفردية، و الكبرى المعلومة لا تكون حجة في الصغريات المشكوكة، كما هو واضح.

الثانية: يمكن ثبوتا أن يكون عدم المأكولية و نحوه قيدا للصلاة أو في لباس المصلّي، و مرجعهما إلى واحد بعد ملازمتهما لدى العرف، و كلّما شك في الحرمة المعلومة بالنسبة إلى الموضوع الخارجي، فالمرجع فيه البراءة، سواء كانت الحرمة نفسية أو غيرية، لشمول ما ذكروه من الدليل العقليّ و النقليّ للبراءة لهما معا، و إن شئت قلت: إنّ الحجة تمت بالنسبة إلى الأفراد المعلومة و لم تتم بالنسبة إلى الأفراد المشكوكة، فالعقل و النقل و العرف يحكم حينئذ بصحة الرجوع فيها إلى البراءة.

الثالثة: الشقوق المتصوّرة في القيدية في المقام ثلاثة: شرطية كون الحيوان مأكول اللحم عند كون شي ء منه مع المصلّي، و مانعية غير المأكول كذلك، و شرطية مأكول اللحم و مانعية ضده. و يظهر الأول من العلامة (قدّس سرّه) و من تبعه. و الثاني من الأكثر، و يظهر الأخير من صاحب الجواهر (قدّس سرّه) و الكلّ ممكن ثبوتا و يمكن استظهاره من الأدلة.

و أشكل بعض مشايخنا (رحمهم اللّه) على الأخير فقال- ما تلخيصه بتوضيح منا-: «إنّ ذلك ممتنع، لأنّه من فروع الجمع بين الضدين، فإنّ الشرط عبارة عما له دخل في اقتضاء المقتضي و المانع ما يدفع أصل الاقتضاء فيرجع شرطية شي ء و مانعية ضده إلى ثبوت الاقتضاء و المنع عنه و هما لا يجتمعان، فيمتنع تحقق ذلك ثبوتا.

و فيه أولا: أنّ الشرطية و المانعية في الشرعيات من الاعتباريات، كما ثبت في محلّه. و ثانيا أنّ تمامية المقتضي نسبية و إضافية، فمن حيث نسبته و إضافته إلى نفسه فعليّ، و من الإضافة إلى وجود المانع تعليقيّ، و ليس مجرد تمامية المقتضي في حدّ نفسه علّة تامة منحصرة للوجود إلّا إذا كان مطلقا و من كلّ حيثية و جهة لا فيما إذا كان بالنسبة و الإضافة، و لا يصير مطلقا و من كلّ جهة إلّا مع فقد المانع.

ص: 298

.....

______________________________

إن قيل: عدم المانع من حيث كونه عدميا لا يصلح لاستناد الوجود إليه فكيف تصير علة الوجود به تامة؟

يقال: إنّ مرجعه إلى الوجود، لأنّه يرجع إما إلى تمام فاعلية الفاعل، أو قابلية المحلّ مضافا إلى ما ثبت في محلّه من أنّ عدم الملكة له حظّ من الوجود، و هذا المقدار يكفي في صحة الاستناد، إذ مقتضى الأصل عدم اعتبار الأزيد من ذلك.

إن قيل: مع كون أحد الضدّين شرطا يكون مانعية الآخر لغوا و العاقل منزّه عنه فضلا عن الحكيم.

يقال: لا ريب في ترتب غرض صحيح معتبر عليه، و هو التأكيد و التثبت، كما هو معلوم فلا وجه لاحتمال اللغوية هذا كلّه بحسب مقام الثبوت، و أما مقام الإثبات فيأتي بيانه في الأمر الخامس.

الرابعة: لا ريب في أنّ التقيّد بالنسبة إلى الأفراد المعلومة من غير مأكول اللحم متيقن، و بالنسبة إلى الأفراد المشكوكة منها مشكوك، و الشك في القيد من مجاري البراءة مطلقا بلا فرق فيه بين الشبهة الحكمية و الموضوعية لفرض انحلال دليل القيد إلى تقييدات عديدة، ففي الشبهة الموضوعية لا يصح التمسك بالدليل لما مرّ و لم تتم الحجة عليه فيرجع إلى البراءة. نعم، لو لم ينحل دليل القيد إلى التقييدات العديدة و كان متعلّقه شيئا واحدا بسيطا معيّنا مفهوما، و هو وجوب إحراز كون ما مع المصلّي من مأكول اللحم عند كونه من الحيوان لا وجه لصحة الصلاة في المشكوك فيه و كان الشك في الخروج عن عهدة امتثاله لكان ذلك من موارد الاشتغال بلا إشكال.

الخامسة: عمدة الدليل على بطلان الصلاة في غير المأكول موثق ابن بكير: «إنّ الصلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله، فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كلّ شي ء منه فاسدة» (1).

ص: 299


1- الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

.....

______________________________

و كذا ما سبق هذا من قولهم (عليهم السلام): «لا تجوز الصلاة فيه»، كما في مكاتبة الهمداني (1) و خبر محمد بن إسماعيل (2)، و خبر الأبهري (3): «و لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه» (4).

كما في وصية النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) لعليّ (عليه السلام)، «لا تصلّ فيها» كما في خبر وليد بن أبان (5) إلى غير ذلك من الأخبار، و لا ريب في ظهور هذه الجملات في الحرمة الغيرية و مانعية مصاحبة غير المأكول عن صحة الصلاة، كما لا ريب في انحلاله بالنسبة إلى الموضوعات المتعددة فالمشكوك خارج منها.

و أما قوله (عليه السلام) في ذيل الموثق: «لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّي في غيره مما أحلّ أكله» (6).

فقد يدعى ظهور مثله في شرطية كون اللباس من مأكول اللحم على تقدير كونه من الحيوان و حينئذ فالشك في الشرطية يوجب الشك في المشروط فيجب الاحتياط.

و فيه أولا: أنّه عبارة أخرى عما ذكر في صدر الموثق و ليس شيئا زائدا عليه و الشك في ذلك يكفي في عدم الثبوت. و ثانيا: على فرض الظهور في الشرطية يكون ظهور الصدر في المانعية المطلقة الاستغراقية أقوى من ظهور الذيل في الشرطية. و ثالثا: على فرض الشرطية أيضا يصح أن يقال: إنّ تقييد الصلاة بالمعلوم من غير المأكول معلوم و تقييده بالمشكوك منه غير معلوم فيدفع بالأصل، فلا ثمرة من هذه الجهة بين الشرطية و المانعية.

ص: 300


1- الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلّي حديث 4.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلّي حديث 7.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب لباس المصلّي حديث: 5.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلّي حديث: 6.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب لباس المصلّي حديث: 7.
6- الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

.....

______________________________

السادسة: مقتضى إطلاق حديث «الرفع» (1) الوارد مورد التسهيل و التوسعة و الامتنان، و مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام): «كلّ شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه» (2).

بناء على شمول الحلية و الحرمة للحلية و الحرمة النفسية و الغيرية، كما هو ظاهر الإطلاق الوارد في التسهيل و الامتنان جواز الصلاة في المشكوك بلا فرق بين المانعية و الشرطية، فهذا النزاع ساقط من هذه الجهة.

إذا تبيّن ذلك نقول: التمسك بالعمومات و الإطلاقات لبطلان الصلاة في المشكوك تمسك بالعام في الشبهة المصداقية على كلّ تقدير، سواء كان مأكول اللحم شرطا، أو حرمة أكل اللحم مانعا، أو هما معا شرط و مانع فتبقى الأصول الموضوعية و الحكمية. و الأولى إما نعتية أو أزلية و النعتي عبارة عن أصالة عدم مصاحبة المصلّي- أو الصلاة من حيث صدورها عنه- مع ما لا يؤكل لحمه و لا فرق فيه بين كون القيد قيدا للمصلّي أو للصلاة من حيث صدورها عنه، لاتحاد الجهتين عرفا. و الأزلية عبارة عن أصالة عدم تحقق ما لا يؤكل لحمه أو عدم الصلاة فيه، و هذا العدم متحد مع العدم الخاص المضاف اتحاد الكليّ مع الفرد و العام مع الخاص، فلا يكون من الأصل المثبت كما إنّه لا نحتاج إلى إثبات المأكولية حتّى يكون منه، بل يكفي في الصحة نفي عنوان غير المأكولية فقط و لو بالأصل، و كون اللباس مما أحلّ اللّه الصلاة فيه كذلك، و لا ريب في تحققه بالأصل.

هذا، مضافا إلى جريان قاعدة الحلية بناء على شمولها للحلية و الحرمة الغيرية أيضا كما هو الظاهر من إطلاق دليلها الوارد مورد الامتنان، و يشهد له قوله (عليه السلام): «لا تحل الصلاة في حرير محض» (3).

ص: 301


1- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.

.....

______________________________

و قوله (عليه السلام): «لا تجوز الصلاة في وبر الأرانب» (1). حيث استعملوا (عليهم السلام) الجواز، و الحلية في الغيرية منهما لا النفسية.

و أما الأصول الحكمية، فلا إشكال في شمول البراءة العقلية و النقلية بناء على المانعية، و انحلال النهي إلى نواه متعددة، و كون المقام من موارد الأقلّ و الأكثر في الشبهات الموضوعية، لأنّ تقييد التكليف بالأفراد المعلومة من غير المأكول معلوم و بالمشتبه منه مشكوك فيرجع فيه إلى البراءة- كما في سائر موارد الأقلّ و الأكثر في الشبهات الموضوعية- بل و كذا بناء على الشرطية أيضا، للشك في تقييد التكليف بالنسبة إلى أفراد المشكوك، فيكون من موارد الأقلّ و الأكثر أيضا.

إن قلت: فليكن كذلك في جميع موارد الشك في تحقق الشرط في الشبهات الموضوعية أيضا- كالطهارة، و الاستقبال، و أصل الستر و غير ذلك مما لا يحصى- مع أنّ ظاهرهم التسالم على الرجوع فيها إلى قاعدة الاشتغال.

قلت أولا: إنّه فرق بين المقام و سائر الموارد، لما تقدم من استظهار المانعية من الأدلة، و ليست ظاهرة في الشرطية بحيث يعتمد عليها. غاية الأمر الشك في أنّه من موارد المانعية أو الشرطية، و المرجع فيه أيضا البراءة لما تقدم.

و ثانيا: لا بأس به ما لم يكن دليل على الخلاف، و يشهد له كثرة القواعد التسهيلية الجارية في الشبهات الموضوعية- كالتجاوز و الفراغ و الحلية و الطهارة و الصحة و حديث «لا تعاد» (2) و نحوها- مما يخصص بها قاعدة أنّ الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط، مع أنّ التسالم الذي ذكر ليس من الإجماع التعبدي الذي يعتمد عليه و إنّما حصل من جعلهم (رحمهم اللّه) أمثال هذه الموارد من موارد الاشتغال، فلا وجه للاعتماد على هذا التسالم الذي يكون مبناه مخدوشا.

ص: 302


1- الوسائل باب: 7 من أبواب لباس المصلّي حديث: 3.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1.

و أما إذا شك في كون شي ء من أجزاء الحيوان أو من غير

______________________________

إن قيل: يمكن أن يستفاد من الأدلة أنّ المأمور به هو العنوان البسيط الحاصل من إحراز عدم تصاحب غير مأكول اللحم مع المصلّي و هو لا يتحقق إلّا بترك الصلاة في المشكوك منه.

يقال: إنّه من مجرد الاحتمال و على فرض صحته يكون المراد بالإحراز بحسب القواعد و الأصول المقرّرة الشرعية لا الإحراز بحسب الواقع و اللوح المحفوظ و إلّا لتعطّلت الأحكام و بطل النظام.

إن قيل: إنّ تعليق الجواز على أمر وجودي و هو عنوان مأكول اللحم يقتضي عدم صحة الاقتحام عند الشك فيه و هذا من المداليل السياقية المعتبرة عرفا.

يقال أولا: إنّ هذا عبارة أخرى عن أنّ القيد شرط لا أن يكون مانعا، و مع الإغماض عنه ليس هذا قاعدة معتبرة شرعا و لا عرفا و لا عقلا مع وجود الأصول المعتبرة في البين و إن رتب عليه بعض مشايخنا (رحمهم اللّه) أمورا في الفقه و تعرض في حاشية العروة من كتاب النكاح [مسألة 50]، فلا بد حينئذ من اتباع أصالة البراءة في كلّ مورد لم يكن فيه أصل موضوعيّ و لا دليل خارجيّ من إجماع أو غيره على خلافها في الشبهة الموضوعية المرددة بين الأقلّ و الأكثر و لو كان القيد معتبرا بعنوان الشرطية فتأمل و طريق الاحتياط واضح، و الظاهر أنّ التطويل في المسألة بأكثر من ذلك لا ينبغي و اللّه تعالى هو العاصم.

فرع: الشك في غير مأكول اللحم تارة: يكون من الوصف بحال الذات- كما إذا كانت شعرة على لباسه- مثلا- و لم يعلم بأنّها من السنّور أو من البعير مثلا- و أخرى: يكون من الشك في كونه مع المصلّي- كما إذا شد فأرة بخيط و أمسك الخيط بيده، فيشك في صدق المعية حينئذ و له نظائر كثيرة، فالمرجع فيها أيضا البراءة.

ص: 303

الحيوان فلا إشكال فيه (60).

مسألة 19: إذا صلّى في غير المأكول جاهلا أو ناسيا

(مسألة 19): إذا صلّى في غير المأكول جاهلا أو ناسيا فالأقوى صحة صلاته (61).

______________________________

(60) لأنّه إن علم بالمأكولية على تقدير الحيوانية، فوجه عدم الإشكال معلوم، للعلم التفصيلي بجواز الصلاة فيه حينئذ. و أما إن علم بعدم المأكولية على فرض الحيوانية، أو شك فيه فهو عين المسألة السابقة و إن كان الأخير أخفّ إشكالا بناء على المنع، لأنّه شك في شك. و الأول شك في أصل الموضوع. و كذا الكلام في جميع الأقمشة التي تجلب من بلاد الكفر التي تكون من الصوف أو الشعر أو الوبر.

(61) أما في الجهل بالموضوع، فهو المشهور، و استدل له بصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يصلّي و في ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب أ يعيد صلاته؟ قال (عليه السلام): إن كان لم يعلم فلا يعيد» (1).

و لا ريب في تخصيص مثل موثق ابن بكير (2) به و نفي الإعادة ليس لأجل النجاسة فقط، فإنّه خلاف ظاهر الإطلاق الوارد مورد البيان خصوصا مع ذكر الروث و البول في موثق ابن بكير، فيكون ذكر العذرة و نحوها من باب المثال لجميع ما مع المصلّي من أجزاء غير مأكول اللحم، و يشمله أيضا حديث «الرفع» (3)، بل حديث «لا تعاد» (4) بناء على شموله لصورة الجهل و ما هو معلوم من مذاق الشرع من اغتفار الجهل بالموضوع مطلقا إلّا ما خرج بالدليل

ص: 304


1- الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 5.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
3- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1.

.....

______________________________

بحيث يصح أن يجعل ذلك أصلا.

و أما الناسي، فنسب إلى المشهور وجوب الإعادة، لإطلاق مثل موثق ابن بكير الوارد لبيان الحكم الواقعي.

و فيه أولا: أنّ الظاهر، بل المقطوع به أنّ ذكر عدم العلم في الصحيح مثال لمطلق العذر الشرعي، فيشمل النسيان أيضا.

و ثانيا: لا قصور لشمول حديث «لا تعاد» للمقام.

و دعوى: تقديم الموثق عليه، لأنّ النسبة بينهما العموم من وجه إذ الحديث شامل لجميع أنواع الخلل سواء كانت من جهة ما لا يؤكل لحمه أو من غيره و لكنه مختص بالخلل النسياني و الموثق مختص بما لا يؤكل لحمه، و لكنه عام يشمل الجهل و النسيان و بعد خروج الجهل منه، لما تقدم من الصحيح تنقلب النسبة بينهما إلى العموم المطلق، لأنّ الحديث شامل للخلل الحاصل من جميع أنواع الخلل و الموثق يختص بالخلل النسياني من ناحية غير المأكول فيقدم على الحديث لا محالة، لتقديم الخاص على العام و عدم ملاحظة النسبة بينهما بلا كلام.

مردودة:

أما أولا: فلأنّ اختصاص الحديث بالناسي أول الكلام، و عن جمع التصريح بشموله للجاهل أيضا، و هو الذي تقتضيه الرأفة و التسهيل و الامتنان.

و ثانيا: قد جرت عادة الفقهاء (رحمهم اللّه)، بل و جميع أهل اللسان على عدم ملاحظة النسبة بين الأدلة الثانوية- الواردة في مقام التسهيل و الامتنان- و الأدلة الأولوية، فما الوجه في خصوص المقام حيث روعي فيه ذلك مع أنّه خلاف طريقتهم في سائر الموارد.

و ثالثا: يصح التمسك بحديث «الرفع» (1) أيضا بعد التردد في شمول الموثق لصورة النسيان.

ص: 305


1- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
مسألة 20: الظاهر عدم الفرق بين ما يحرم أكله بالأصالة أو بالعرض

(مسألة 20): الظاهر عدم الفرق بين ما يحرم أكله بالأصالة أو بالعرض كالموطوء و الجلال- و إن كان لا يخلو عن إشكال (62).

الخامس: أن لا يكون من الذهب للرجال
اشارة

(الخامس): أن لا يكون من الذهب للرجال (63). و لا يجوز

______________________________

(62) منشأ الإشكال احتمال الانصراف إلى ما هو حرام ذاتا، و لكن الاحتمال ضعيف و قد جزم (رحمه اللّه) بنجاسة البول و الروث من المحرم بالعرض كما تقدم في أول (فصل النجاسات).

ثمَّ إنّ المراد بمحرّم الأكل ما كان من قبيل الوصف بحال الذات لا الوصف بحال المتعلّق، فلا يشمل المغصوب و المنذور، و المتعيّن للهدي و نحوها كما لا يشمل حلال الأكل الحيوان المحرّم الذي حصل الاضطرار إلى أكله، لاضطرار و نحوه.

(63) نصّا، و إجماعا قال الصادق (عليه السلام) في موثق عمار: «لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلّي فيه، لأنّه من لباس أهل الجنة» (1).

و عنه (عليه السلام) في خبر النميري: «جعل اللّه الذهب في الدنيا زينة للنساء فحرّم على الرجل لبسه و الصلاة فيه» (2).

و يصح الاستدلال بما يدل على حرمة لبسه نفسا (3) بدعوى الملازمة بين الحرمة النفسية في الملابس و المانعية للصلاة إلّا ما خرج بالدليل، و يدل عليها في المقام قوله (عليه السلام): «و لا يصلّي فيه»، بل لا بأس بدعوى الملازمة بين كلّ واحد من الأحكام الخمسة التكليفية الواردة في الملابس مع اللبس الصلاتي ما لم يكن دليل على الخلاف، فما هو واجب لبسا واجب صلاة و ما هو مكروه لبسا مكروه كذلك و هكذا إلّا مع دليل معتبر على التفكيك بينهما و هذا باب يفتح منه أبواب، و لعلنا نتعرّض لإثباته فيما يأتي، فما نسب إلى

ص: 306


1- الوسائل باب: 30 من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب لباس المصلّي حديث: 5.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2 و 9.

.....

______________________________

المحقق (رحمه اللّه) في المعتبر من جواز الصلاة في خاتم الذهب للرجال لا وجه له.

فائدة: في رواية ابن عبد الرحيم عن الصادق (عليه السلام): «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): لا تختم بالذهب فإنّه زينتك في الآخرة» (1).

و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)- في حديث-: «لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلّي فيه لأنّه من لباس أهل الجنة» (2).

و عنه (عليه السلام) أيضا: «و الذهب حلية أهل الجنة، و جعل اللّه الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه و الصلاة فيه» (3).

أما إنّه من حلية أهل الجنة مطلقا، فمما لا ريب فيه، لإطلاق قوله تعالى وَ فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ (4). و لا ريب في أنّ لبس الذهب من همّ ما تشتهيه الأنفس و تلذ الأعين، و أما كون هذه العلة علة للتحريم ففيه خفاء و لعلّ عمدة الوجه فيه أنّه زينة النساء فحرم على الرجال من هذه الجهة و إنّما ذكر أنّه زينة أهل الجنة لئلّا يتوهم المؤمنون أنّهم محرومون عنه في الجنة أيضا التي هي دار التزيّن و الزينة فيكون الذهب كالخمر، فإنّهما محلّلان عليهم في الجنة مع كونهما محرمان عليهم في الدنيا.

ثمَّ إنّ في موثق ابن القداح عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): أنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) تختّم في يساره بخاتم من ذهب ثمَّ خرج على الناس، فطفق ينظرون إليه فوضع يده اليمنى على خنصره اليسرى حتّى رجع إلى البيت فرمى به فما لبسه»(5).

و يمكن حمله على أنّه (صلّى اللّه عليه و آله) فعل ذلك لتشريع الحرمة

ص: 307


1- الوسائل باب: 30 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب لباس المصلّي حديث: 5.
4- سورة الزخرف (43) الآية 71.
5- الوسائل باب: 30 من أبواب لباس المصلّي حديث: 3.

لبسه لهم في غير الصلاة أيضا (64). و لا فرق بين أن يكون خالصا أو ممزوجا (65)، بل الأقوى اجتناب الملحم به و المذهب بالتمويه و الطلي إذا صدق عليه لبس الذهب (66). و لا فرق بين ما تتم فيه الصلاة و ما لا تتم كالخاتم و الزر و نحوهما (67) نعم، لا بأس بالمحمول منه مسكوكا أو غيره (68)،

______________________________

فعلا كما شرّعها قولا.

(64) نصّا، و إجماعا، بل ضرورة و قد تقدم موثق عمار في وصية النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) لعليّ (عليه السلام): «لا تختم بالذهب».

(65) للإطلاق الشامل لهما مع أنّ الذهب ممزوج غالبا، بل دائما كما يشهد به أهل الخبرة.

(66) نسب ذلك إلى جمع- منهم العلامة و الشهيدين- لأنّ الصدق العرفي يوجب انطباق الإطلاق عليه قهرا. و يمكن المناقشة بصحة سلب الذهب عن المذهب، و هما عنوان متباينان ذاتا و عرفا، و لذا اختار الجواز جمع آخر، و مع الشك فمقتضى الأصل الجواز أيضا.

(67) لشمول الإطلاق للجميع. ثمَّ إنّه إن صدق اللبس و التزيين بالنسبة إلى ما لا تتم الصلاة فيه فلا ريب في الحرمة و بطلان الصلاة فيه و إن صدق التزيين و لم يصدق اللبس، فلا ريب في الحرمة النفسية، لما عن صاحب الجواهر (رحمه اللّه) في كتاب الشهادات من دعوى الإجماع بقسميه عليها، و كذا لا ريب في بطلان الصلاة، لإطلاق قولهم (عليهم السلام): «و لا يصلّي فيه»، و يمكن أن يقال: بالملازمة العرفية بين اللبس و الزينة، و كذا العكس.

(68) للسيرة المستمرة- خلفا عن سلف- بالنسبة إلى الدينار الذهبي و لإطلاق ما ورد في الإحرام من استصحاب النفقة و الهميان (1)، و عن الصادق

ص: 308


1- الوسائل باب: 47 من أبواب تروك الإحرام حديث: 1 و غيره من الأحاديث.

كما لا بأس بشد الأسنان به (69)، بل الأقوى أنّه لا بأس بالصلاة فيما جاز فعله فيه من السلاح- كالسيف و الخنجر و نحوهما (70)-

______________________________

(عليه السلام): «كان أبي يشد على بطنه المنطقة التي فيها نفقته يستوثق منها، فإنّها من تمام حجه» (1).

و لعدم صدق اللبس و الزينة بالنسبة إلى المحمول، فيرجع فيه إلى الأصل، و ليس المراد بقوله (عليه السلام): «و لا يصلّي فيه) مطلق المصاحبة كما في ما لا يؤكل لحمه، للسيرة المستمرة، و الإجماع على اختلاف حكمهما من هذه الجهة.

(69) للأصل، و صحيح ابن مسلم: «أنّ أسنان أبي جعفر (عليه السلام) استرخت فشدّها بالذهب» (2).

و يصح دعوى انصراف الأدلة عنه أيضا.

(70) لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان: «ليس بتحلية السيف بأس بالذهب و الفضة» (3).

و في خبر ابن سرحان: «ليس بتحلية المصاحف و السيوف بالذهب و الفضة بأس» (4).

و الظاهر أنّ ذكر السيف من باب المثال، فيشمل الخنجر أيضا، و إطلاقهما يشمل اللبس فيجوز لبس المحلّى منهما بالذهب، بل يمكن أن يقال: إنّه ليس من اللبس المعهود المحرّم، بل هو حمل، و لذا يصح أن يقال:

حمل السيف، أو أخذ السيف، و كذا العصا، فإنّه لا بأس بتحليتها بالذهب.

ص: 309


1- الوسائل باب: 47 من أبواب تروك الإحرام حديث: 1 و غيره من الأحاديث.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب لباس المصلي حديث: 1.
3- الوسائل باب: 64 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
4- الوسائل باب: 64 من أبواب أحكام الملابس حديث: 3.

و إن أطلق عليهما اسم اللبس (71)، و لأن الأحوط اجتنابه (72).

و أما النساء: فلا إشكال في جواز لبسهنّ و صلاتهنّ فيه (73).

و أما الصبيّ المميّز فلا يحرم عليه لبسه (74)،

______________________________

(71) و الشك في الصدق يكفي في عدمه، لأنّ مقتضى الأصل عدم تحقق موجب التحريم.

(72) إظهارا للتساوي بين الغني و الفقير مهما أمكن عند الحضور لدى الملك العدل الواقعي، و خروجا عن توهم الخلاف.

(73) للنص(1)، و الإجماع، و السيرة من المتدينات. خلفا عن سلف بل بضرورة الدّين في كلّ منهما، بل يستحب لها لبس القلادة حال الصلاة كما يأتي في (فصل ما يستحب من اللباس) فلا تجري في المقام قاعدة الاشتراك، لما قلناه، مع اشتمال نصوص التحريم على الرجل و هو قاطع للشركة، لما تقدم من أنّه: «جعل اللّه الذهب في الدنيا زينة النساء، فحرم على الرجال» (2)و إطلاقه يشمل حال الصلاة أيضا.

(74) لعدم التكليف بالنسبة إليه، بل يجوز الإلباس أيضا، ففي صحيح أبي الصباح قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الذهب هل يحلّى به الصبيان؟ فقال (عليه السلام) كان عليّ (عليه السلام) يحلّي ولده و نساءه بالذهب و الفضة» (3).

و عنه (عليه السلام) أيضا: «كان أبي ليحلّي ولده و نساءه الذهب و الفضة فلا بأس به»(4).

و إطلاقهما يشمل المميّز و غيره.

و أما خبر أبي بصير عنه (عليه السلام) أيضا قال: «سألته عن الرجل يحلّي أهله بالذهب؟ قال: نعم، النساء و الجواري، و أما الغلمان فلا»(5).

ص: 310


1- الوسائل باب: 58 من أبواب لباس المصلّي.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب لباس المصلّي حديث: 5.
3- الوسائل باب: 63 من أبواب أحكام المصلّي حديث: 1.
4- الوسائل باب: 63 من أبواب أحكام المصلّي حديث: 2.
5- الوسائل باب: 63 من أبواب أحكام المصلّي حديث: 5.

و لكن الأحوط له عدم الصلاة فيه (75).

مسألة 21: لا بأس بالمشكوك كونه ذهبا

(مسألة 21): لا بأس بالمشكوك كونه ذهبا في الصلاة و غيرها (76).

مسألة 22: إذا صلّى في الذهب جاهلا أو ناسيا

(مسألة 22): إذا صلّى في الذهب جاهلا أو ناسيا، فالظاهر صحتها (77).

______________________________

فيمكن حمله على ما بعد البلوغ و إلا فهو مطروح، للإعراض و المعارضة.

(75) هذه المسألة مبنية على أنّ المانعية تختص بصلاة الرجال في مقابل الصبيّ و النساء، أو أنّها تختص بالرجل في مقابل المرأة فقط، فعلى الأول تصح صلاة الصبيّ فيه، و على الأخير لا تصح، و يمكن أن يستفاد من إطلاق ما تقدم- من صحيح أبي الصباح الأول-، و يدل عليه أيضا أصالة عدم المانعية إلّا فيما هو المعلوم من مورد الدليل.

(76) لأصالة الحلية لبسا، و أصالة عدم المانعية صلاة.

(77) أما النسيان، فلحديث «لا تعاد» (1)، و كذا الجهل إن قلنا بشمول الحديث له أيضا و إن لم نقل بذلك، فلأصالة كون الجهل القصوري بالموضوع عذرا إلّا ما خرج بالدليل، و تقتضيه سهولة الشريعة و امتنان الشارع في جملة كثيرة من الموارد، مضافا إلى حديث «الرفع» (2). و أما التقصيري سواء كان بالحكم أم الموضوع، فإن تمَّ إجماعهم- على أنّ الجاهل المقصّر كالعامد مطلقا- فلا وجه للصحة و إلّا فيصح معه، لعموم حديث «الرفع» (3) الشامل له أيضا.

ص: 311


1- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
مسألة 23: لا بأس بكون قاب الساعة من الذهب

(مسألة 23): لا بأس بكون قاب الساعة من الذهب إذ لا يصدق عليه الآنية (78)، و لا بأس باستصحابها أيضا في الصلاة إذا كان في جيبه حيث أنّه يعدّ من المحمول.

نعم، إذا كان زنجير الساعة من الذهب و علّقه على رقبته أو وضعه في جيبه لكن علّق رأس الزنجير يحرم لأنّه تزيين بالذهب و لا تصح الصلاة فيه أيضا (79).

مسألة 24: لا فرق في حرمة لبس الذهب بين أن يكون ظاهرا مرئيا أو لم يكن ظاهرا

(مسألة 24): لا فرق في حرمة لبس الذهب بين أن يكون ظاهرا مرئيا أو لم يكن ظاهرا (80).

مسألة 25: لا بأس بافتراش الذهب

(مسألة 25): لا بأس بافتراش الذهب، و يشكل التدثر به (81).

______________________________

(78) و لو فرض الشك في صدقها عليه، فمقتضى الأصل الإباحة بعد عدم صحة التمسك بالأدلة، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

(79) الظاهر ملازمة لبس الذهب مع التزيين عرفا سواء كان التزيين قصديا أو انطباقيا قهريا.

(80) للإطلاق الشامل لها. هذا إذا صدق اللبس و التزيين عرفا. و أما مع عدم الصدق، أو الشك فيه، فمقتضى الأصل الإباحة و صحة الصلاة فيه كالأسنان الذهبية نعم، لو جعلت الثنايا منه، فالظاهر صدق التزيين به عرفا، و لكن يشكل من حيث صدق اللبس إذ يحتمل أن يكون من مجرد الوضع و الحمل.

(81) أمّا الأول، فلأنّه ليس من اللبس، فلا يحرم من هذه الجهة، و أمّا من جهة التزيين فليس كلّ تزيين حراما، للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق، بل خصوص ما يتعلق بالبدن و اللباس، فلا يحرم تزيين البيت، و الدار، و القلم

ص: 312

.....

______________________________

و الكتاب و التخت و نحوها به، و إنّما المحرّم اللبس و تزيين البدن و اللباس، و ما تقدم من آنية الذهب. و أما الإشكال في التدثر، فلإمكان صدق اللباس بالنسبة إليه إن لم نقل بظهوره في الألبسة المتعارفة.

فروع- (الأول): لا إشكال في حرمة لبس الخاتم من الذهب و بطلان الصلاة فيه للرجال، و أما لو أخذه بيده أو وضعه في جيبه، فلا يحرم و لا تبطل الصلاة، و كذا الشارات الذهبية العسكرية.

(الثاني): الظاهر أنّ ما يسمّى- في هذه الأعصار- بالبلاتين ليس من الذهب، بل هو معدن خاص على ما يشهد به أهل الخبرة، و لو شك في أنّه ذهب أو لا، فمقتضى الأصل إباحة لبسه و جواز الصلاة فيه.

(الثالث): لبس النظارات من الذهب حرام و تبطل الصلاة فيها، و كذا حزام الذهب للرجال كما أنّ القلم الذهبي لو علقه على جيبه و أبرزه فالظاهر أنّه كذلك، لأنّه تزيين بالذهب.

(الرابع): الساعة الذهبية اليدوية يحرم لبسها و تبطل الصلاة فيها، و كذا لو لم تكن نفس الساعة اليدوية منه، و لكن كان سيرها من الذهب و عقدها على يده، لأنّه تزيين. و لو كانت عنده ساعة ذهبية و صلّى ثمَّ شك في أنّه كان لابسا لها حين الصلاة أو لا تصح صلاته، لقاعدة الفراغ.

(الخامس): لو اعتقد أنّ خاتمه- مثلا- من الذهب و مع ذلك لبسه و صلّى فيه ثمَّ بان الخلاف تصح صلاته إن حصل منه قصد القربة و لا شي ء عليه بالنسبة إلى اللبس إلّا التجري. و لو اعتقد أنّه ليس من الذهب فلبسه و صلّى فيه ثمَّ بان الخلاف تصح صلاته و لا شي ء عليه، لأنّه من الجهل بالموضوع.

(السادس): لو جعل رأس السبحة من الذهب و أخذها بيده، فيمكن أن يكون من حمل الذهب فلا يحرم و يشكل كونه من التزيين بالذهب، و الشك فيه يكفي في الإباحة.

(السابع): الظاهر جواز الالتحاف باللحاف المحلّى بالذهب و إن كان الأحوط تركه.

ص: 313

(السادس): أن لا يكون حريرا محضا للرجال (82) سواء كان ساترا للعورة أو كان الساتر غيره (83)، و سواء كان مما تتم فيه الصلاة أو لا على الأقوى (84)، كالتكة و القلنسوة و نحوهما، بل يحرم لبسه

______________________________

(الثامن): لو اضطر إلى جعل مقاديم الأسنان من الذهب يجوز و تصح الصلاة فيه أيضا.

(التاسع): يجوز لبس الذهب تقية و تصح الصلاة فيه حينئذ.

(82) للإجماع، و النص ففي صحيح الأحوص- في حديث- قال:

«سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟

فقال: لا» (1)، و صحيح محمد بن عبد الجبار قال: «كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله هل يصلّي في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج فكتب (عليه السلام): لا تحلّ الصلاة في حرير محض» (2).

و أمّا صحيح ابن بزيع قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصلاة في الثوب الديباج، فقال: ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس» (3).

فمحمول على غير المحض بقرينة ذكر الديباج- فيما تقدم من صحيح محمد بن عبد الجبار- في قبال الحرير المحض.

(83) لإطلاق الأدلة، و إجماع الأجلة، كما عن مفتاح الكرامة.

(84) كما عن جمع منهم المفيد و الصدوق و العلامة (قدّس سرّهم) لما تقدم من صحيح محمد بن عبد الجبار و مثله صحيحه الآخر عنه (عليه السلام) أيضا: «هل يصلّي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه، أو تكة حرير محض أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب: لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض، و إن كان

ص: 314


1- الوسائل باب: 11 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب لباس المصلّي حديث: 10.

في غير حال الصلاة أيضا (85) إلّا مع الضرورة لبرد أو مرض، و في

______________________________

الوبر ذكيا حلّت الصلاة فيه إن شاء اللّه» (1).

و عن جمع آخر، بل نسب إلى المشهور الجواز، للأصل و الإطلاق، و لخبر الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه، مثل التكة الإبريسم و القلنسوة، و الخفّ و الزنار يكون في السراويل و يصلّى فيه» (2).

و نوقش فيه بضعف السند بأحمد بن هلال. و فيه: أنّ خبره هذا معتمد عليه عند العلماء، لأنّهم بين عامل به و متوقف فيه و مرجح لأخبار المنع عليه، و الكلّ دليل الاعتماد عليه، مع أنّ ابن الغضائري الذي قلّ من يخرج من طعنه اعتمد عليه في حديثه عن ابن أبي عمير و ابن محبوب، مضافا إلى أنّه في مقام القاعدة الكلية و اعتمد عليه المشهور و موافق للتسهيل، مع أنّه لا بد من تخصيص الصحيحين بالنسبة إلى النساء.

و جمع بين الأخبار تارة: بحمل قوله (عليه السلام): «لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض».

على الثوب، و هو بلا شاهد. و أخرى: بحمله على الكراهة- كما اختاره المحقق (رحمه اللّه) في الشرائع و جمع آخر- خصوصا مع احتمال عدم الإباحة المحضة فيما دل على المنع فلا ينافي الكراهة، مع كون الحمل على الكراهة شائعا و كثيرا في الفقه مع جواز الكف، كما يأتي.

و كيف كان فالجزم بالفتوى مشكل جدّا، فما نسب إلى المشهور مع الكراهة لعله الأقرب إلى الجمع بين الأخبار.

(85) بضرورة المذهب، بل الدّين و نصوص كثيرة من الطرفين، قال

ص: 315


1- الوسائل باب: 14 من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.

حال الحرب (86)، و حينئذ تجوز الصلاة فيه أيضا (87)، و إن كان

______________________________

رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) مشيرا إلى الحرير و الذهب: «هذان محرمان على ذكور أمتي» (1).

و قال أبو جعفر (عليه السلام): «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) لا تلبس الحرير فيحرق اللّه جلدك يوم تلقاه» (2).

و قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في موثق ابن بكير: «لا يلبس الرجل الحرير و الديباج إلا في الحرب» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار.

(86) أما الجواز في حال الضرورة، فبالضرورة. و أما في حال الحرب فلما تقدم من قول الصادق (عليه السلام)، و في موثق سماعة: «عن لباس الحرير و الديباج. فقال (عليه السلام): أما في الحرب فلا بأس به و إن كان فيه تماثيل» (4).

(87) بلا إشكال فيه إن كان مضطرا إلى لبسه حتّى في حال الصلاة أيضا، لما ارتكز في العقول من أنّ الضروريات تبيح المحظورات، و لحديث رفع التسعة التي منها الاضطرار (5). و أما إذا لم يكن مضطرا إلى الصلاة فيه و أمكنه نزعه حينها، و الصلاة في غيره، فإن كانت المانعية مستفادة من النهي النفسي و كان صرف وجود الاضطرار بنحو المسامحة العرفية كافيا في زوال الحرمة النفسية مع صدق الاضطرار عرفا فتصح الصلاة أيضا. و أما إن لم تكن المانعية مستفادة من النهي النفسي بأن كانت مستقلة في الجعل أو بنحو الوجود السعي

ص: 316


1- مستدرك الوسائل باب: 16 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب لباس المصلّي حديث: 5.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2 و 3.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2 و 3.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 6 و 7 و باب: 37 من القواطع.

الأحوط أن يجعل ساتره من غير الحرير (88) و لا بأس به للنساء (89)،

______________________________

و الطبيعة المنبسطة السارية الدقية العرفية فلا وجه لصحة الصلاة، لفرض تمكنه من إتيانها في غير الحرير حينئذ. و لو لم يعلم أنّه من أي منهما فالمرجع أصالة عدم المانعية.

و كذا في حال الحرب إلّا أن يستفاد من إطلاق الاستثناء فيه عدم اعتبار الاضطرار إلى اللبس فيه، و لكنه مشكل لعدم كونه متكفلا لبيان هذه الجهة. ثمَّ إنّ الظاهر أنّ الحرب من إحدى صغريات الضرورة و إن كانت دائرتها أوسع من سائر الضرورات بحسب الظاهر و لكن يظهر من الكلمات أنّها في عرض سائر الضرورات، لورود النص فيه بالخصوص، و هو مشكل.

(88) لاحتمال سقوط ساترية الحرير رأسا عند الشارع و لكنّه احتمال ضعيف لا تدل الأدلة عليه بوجه، لأنّ عدم الحريرية قيد خارجي في الساتر لا أن يكون من مقوّماته الذاتية بحيث ينتفي الستر عند انتفائه، فالستر شي ء و صفات الساتر شي ء آخر و هما مختلفان عقلا و عرفا و شرعا.

(89) للنص و الإجماع، و السيرة، بل الضرورة الدينية، ففي خبر أبي داود قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «إنّما يكره المصمت من الإبريسم للرجال و لا يكره للنساء»(1).

و في خبر ليث المرادي قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) كسا أسامة بن زيد حلّة حرير فخرج فيها، فقال: مهلا يا أسامة إنّما يلبسها من لا خلاق له فاقسمها بين نسائك» (2).

و في حديث المناهي قال جعفر بن محمد: «نهى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) عن لبس الحرير و الديباج و القز للرجال، فأما النساء فلا بأس» (3).

ص: 317


1- الوسائل باب: 16 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب لباس المصلّي حديث: 5.

بل تجوز صلاتهنّ فيه أيضا على الأقوى (90).

______________________________

و في خبر الجعفي قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: و يجوز للمرأة لبس الديباج و الحرير في غير صلاة و إحرام» (1).

و نحوها غيرها.

(90) للمشهور و عليه السيرة بين المتشرعات قديما و حديثا، و عن جمع بطلان صلاتهن فيه، لإطلاق أدلة المنع، و لما تقدم من خبر الجعفي، و لخبر زرارة قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) ينهى عن لباس الحرير للرجال و النساء إلّا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خز أو كتان أو قطن، و إنّما يكره الحرير المحض للرجال و النساء» (2).

و لما دل على أنّه لا يجوز للمرأة الإحرام في الحرير (3) بضميمة ما دل على أنّه كلّ ما يجوز الصلاة فيه يجوز الإحرام فيه (4).

و الكل مردود: أما الأول فلاختصاص الإطلاقات بالرجال، و عمدة الدليل على قاعدة اشتراك النساء مع الرجال في الأحكام إنّما هو الإجماع، و هو لا يجري هنا لذهاب المشهور إلى الخلاف و أما الثاني فلضعف سنده، و إعراض المشهور عنه. و أما الثالث فلا بد من حمل النهي فيه بالنسبة إلى النساء على الكراهة جمعا و إجماعا، مع أنّه لا يقول بمضمونه المستدل أيضا لظهوره- على فرض حمل النهي فيه على حقيقته- في حرمة لبسه عليهنّ نفسيا أيضا. و أما الرابع فيأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى الإشكال في عدم جواز إحرامهنّ فيه، و نسب إلى الأكثر الجواز، مع أنّ النافع للمستدل أن يكون هناك دليل على أنّ

ص: 318


1- الوسائل باب: 16 من لباس المصلّي حديث: 6.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب لباس المصلّي حديث: 5.
3- راجع الوسائل باب: 16 من أبواب لباس المصلّي حديث: 3.
4- راجع الوسائل باب: 26 من أبواب الإحرام.

بل و كذا الخنثى المشكل (91). و كذا لا بأس بالممتزج بغيره من قطن أو غيره مما يخرجه عن صدق الخلوص و المحوضة (92). و كذا

______________________________

كلّ ما لا يجوز الإحرام فيه لا تجوز الصلاة فيه لا العكس الذي هو عين المدعى، مع أنّ قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في مرسل ابن بكير: «النساء تلبس الحرير و الديباج إلّا في الإحرام» (1).

ظاهر في جواز صلاتهنّ فيه، فإنّ استثناء الصلاة لو لم تكن صحيحة فيه أهمّ من ذكر الإحرام، لكونها أعمّ ابتلاء من الإحرام قطعا. هذا كلّه مع أنّ أصالة عدم المانعية جارية و لا محذور فيه.

(91) لأصالة البراءة عن الحرمة النفسية، و أصالة عدم المانعية للصلاة بعد احتمال كونها طبيعة ثالثة، كما صرح به بعض مهرة الفن الحديث، فأثبتوا أنّها ذكر و أنثى لا أنّها إمّا ذكر أو أنثى فلا تشملها أدلة التكاليف المختصة بكلّ واحد منها.

إن قيل: بعد ثبوت كونها ذكرا و أنثى تشملها أدلة التكليفين.

يقال: الظاهر أنّ أدلة التكاليف الاختصاصية مختصة بالذكورة المحضة أو الأنوثة كذلك، و يكفي الاحتمال المعتد به في عدم الشمول، لأنّه حينئذ من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه. نعم، لو علم أنّها إما ذكر أو أنثى وجب الاحتياط بالجمع بين التكليفين، و أنّى لأحد من حصول هذا العلم له.

(92) للأصل، و النص، و الإجماع، و السيرة، ففي خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا بأس بلباس القز، إذا كان سداه أو لحمته من قطن أو كتان» (2).

و في صحيح ابن أبي نصر قال: «سأل الحسين بن قياما أبا

ص: 319


1- الوسائل باب: 16 من أبواب لباس المصلّي حديث: 3.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.

لا بأس بالكف به (93).

______________________________

الحسن (عليه السلام) عن الثوب الملحم بالقز و القطن و القز أكثر من النصف، أ يصلّي فيه؟ قال: لا بأس، قد كان لأبي الحسن (عليه السلام) منه جبات» (1).

و في خبر زرارة قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) ينهى عن لباس الحرير للرجال و النساء إلّا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خزّ أو كتان أو قطن، و إنّما يكره الحرير المحض للرجال و النساء» (2).

و في التوقيع الرفيع عنه (عج): «لا تجوز الصلاة إلّا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان» (3).

و لا بد من حمل القطن و الكتان فيها على المثال، إذ المقطوع به عدم الفرق بينهما و بين صوف ما يؤكل لحمه بقرينة إطلاق خبر يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا بأس بالثوب أن يكون سداه و زرّه و علمه حريرا» (4).

و خبر إسماعيل بن الفضل عنه (عليه السلام): «في الثوب يكون فيه الحرير، فقال: إن كان فيه خلط فلا بأس» (5).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الموافقة لسهولة الشريعة.

(93) على المشهور المدعى عليه الإجماع، لانصراف الأدلة عنه، و عدم صدق اللبس بالنسبة إليه، فيكون خروجه عن الأدلة المانعة تخصصا لا تخصيصا، و لخبر الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه- الحديث-» (6).

ص: 320


1- الوسائل باب: 13 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب لباس المصلّي حديث: 5.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب لباس المصلّي حديث: 8.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب لباس المصلّي حديث: 6.
5- الوسائل باب: 13 من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.
6- الوسائل باب: 14 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.

و إن زاد على أربع أصابع (94)، و إن كان الأحوط

______________________________

و لخبر صفوان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا بأس بالثوب أن يكون سداه و زرّه و علمه حريرا، و إنّما كره الحرير المبهم للرجال» (1).

و الظاهر أنّ الأخير إما هو الكف أو هو شامل له، و لأصالة البراءة عن الحرمة النفسية و الغيرية، و أصالة عدم المانعية. و في أخبار العامة عن أسماء:

«أنّه كان للنبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) جبة كسراوية لها لبنية ديباج، و فرجاها مكفوفان بالديباج» (2).

و رووا أيضا أنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): «نهى عن الحرير إلّا موضع إصبعين، أو ثلاث، أو أربع» (3).

و أما موثق عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «عن الثوب يكون عليه ديباجا، قال: لا يصلّي فيه» (4).

و خبر جراح المدائني عنه (عليه السلام) أيضا: «أنّه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج» (5).

فالأول ساقط لإعراض المشهور، و الكراهة في الأخير أعمّ من الحرمة، فلا وجه للاستناد إليهما، كما عن بعض.

(94) الكف عبارة عن حاشية الثوب، و الظاهر اختلافه باختلاف العادات و الثياب و البلاد و لم يرد تحديد شرعيّ فيه غير ما تقدم من الخبر العامي، و المسألة من صغريات الأقل و الأكثر بناء على التخصيص، و أما بناء على أنّ خروجه بالتخصيص من جهة عدم صدق اللبس بالنسبة إليه فلا وجه للتحديد إلّا إذا كان بحيث يصدق عليه لبس الحرير و يكون مما يأتي في [مسألة 37] و الشك في صدق اللبس يكفي في عدم الحرمة.

ص: 321


1- الوسائل باب: 13 من أبواب لباس المصلّي حديث: 6.
2- كنز العمال ج 8 حديث: 1157.
3- كنز العمال ج 8 حديث: 1157.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب لباس المصلّي حديث: 8.
5- الوسائل باب: 11 من أبواب لباس المصلّي حديث: 9.

ترك ما زاد عليها (95). و لا بأس بالمحمول منه أيضا و إن كان مما يتم فيه الصلاة (96).

مسألة 26: لا بأس بغير الملبوس من الحرير كالافتراش و الركوب عليه، و التدثر به

(مسألة 26): لا بأس بغير الملبوس من الحرير كالافتراش و الركوب عليه، و التدثر به، و نحو ذلك في حال الصلاة و غيرها، و لا بزرّ الثياب و أعلامها و السفائف و القياطين الموضوعة عليها و إن تعددت و كثرت (97).

______________________________

(95) خروجا عن خلاف من اقتصر على مقدار أربع أصابع، و جمودا على ما مرّ من النبويّ العامي.

(96) للأصل و ظهور الإجماع، و عدم صدق اللبس حتّى تشمله الأدلة المانعة، و يمكن استفادة الجواز مما دل على جواز لبس الحرير الممتزج، لأنّه يصدق عليه حمل الحرير في حال الصلاة في الجملة، إذ يصح أن يقال ضعفت قوتي حتّى لا أقدر على حمل ثيابي.

(97) كلّ ذلك للأصل، و ظهور الأدلة المانعة في اللبس و لا يصدق اللبس بالنسبة إلى الجميع، و لو فرض الشك في الصدق في البعض لا يصح التمسك بالإطلاق، بل لا بد من الرجوع إلى الأصل العملي و هو البراءة عن الحرمة النفسية و الغيرية، و عن عليّ بن جعفر في الصحيح قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الفراش الحرير، و مثله من الديباج و المصلّى الحرير هل يصلح للرجال النوم عليه و التكأة و الصلاة؟ قال (عليه السلام): يفترشه و يقوم عليه و لا يسجد عليه» (1).

و في خبر مسمع قال (عليه السلام): «لا بأس أن يأخذ من ديباج الكعبة فيجعله غلاف مصحف، أو يجعله مصلّى يصلّي عليه» (2).

ص: 322


1- الوسائل باب: 15 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
مسألة 27: لا يجوز جعل البطانة من الحرير للقميص و غيره و إن كان إلى نصفه

(مسألة 27): لا يجوز جعل البطانة من الحرير للقميص و غيره و إن كان إلى نصفه. و كذا لا يجوز لبس الثوب الذي أحد نصفيه حرير. و كذا إذا كان طرف العمامة منه (98) إذا كان زائدا على مقدار

______________________________

نعم، إن كان التدثر بحيث يصدق عليه اللبس عرفا، فالظاهر الحرمة نفسيا و غيريا، و من منع منه يمكن أن يكون نظره إلى هذه الصورة، فيكون النزاع لفظيا.

فروع- (الأول): هل يحرم لبس ما لا تتم الصلاة فيه من الحرير نفسيا- كالقلنسوة و الحزام و الجورب و ما يسمّى بالرباط الذي يعلق على العنق و نحو ذلك- أو لا؟ وجهان من صدق اللبس في الجملة، فتشملها الأدلة الدالة على الحرمة. و من احتمال الانصراف عنها و أنّ المراد من اللبس إنّما هو لبس الألبسة المتعارفة- كالقميص و الإزار و نحوهما- لا مثل التكة و الرباط و مثلهما و الشك في صدق اللبس المعهود يكفي في عدم جواز التمسك بالأدلة، مع أنّ استثناء الكف قرينة على استثناء ذلك أيضا، فالجواز متجه و الاحتياط مطلوب.

(الثاني): يجوز الالتحاف بلحاف الحرير و جعل الغطاء منه، و تزيين البيوت به.

(الثالث): لو شك في شي ء أنّه حرير أو لا يجوز لبسه و الصلاة فيه.

(الرابع): لو أخبر البائع بأنّ الثوب حرير و حصل الوثوق من قوله يقبل منه، و يشكل القبول مع عدم الوثوق.

(الخامس): يجوز لبس الحرير الصناعي للرجال و تصح الصلاة فيه، لأنّ المنساق من الأدلة الحرير الحيواني الطبيعي.

(98) لصدق لبس الحرير في الأولين، فتشملهما إطلاق دليل المنع و أما طرف العمامة فالشك في صدق اسم اللبس عليه، و استثناء الكف يوجب التشكيك في صدق الأدلة عليه، فيكون المرجع أصالة البراءة عن الحرمة

ص: 323

الكف، بل على أربع أصابع على الأحوط (99).

مسألة 28: لا بأس بما يرقع به الثوب من الحرير

(مسألة 28): لا بأس بما يرقع به الثوب من الحرير إذا لم يزد على مقدار الكف. و كذا الثوب المنسوج طرائق بعضها حرير و بعضها غير حرير إذا لم يزد عرض الطرائق من الحرير على مقدار الكف. و كذا لا بأس بالثوب الملفق من قطع بعضها حرير و بعضها غيره بالشرط المذكور (100).

مسألة 29: لا بأس بثوب جعل الإبريسم بين ظهارته و بطانته عوض القطن و نحوه

(مسألة 29): لا بأس بثوب جعل الإبريسم بين ظهارته و بطانته عوض القطن و نحوه (101). و أما إذا جعل وصلة من الحرير

______________________________

النفسية و عدم المانعية عن الغيرية. هذا إذا كان بقدر الكف، و أما مع الزيادة عليه، فتشمله الأدلة لو لا التشكيك في صدق اللبس.

(99) تقدم وجه الاحتياط في [مسألة 25].

(100) كلّ ذلك للأصل، و ما دل على جواز لبس الحرير غير المحض للرجال و الصلاة فيه. ثمَّ إنّه إن كان عرض كلّ واحد من الطرائق زائدا على مقدار الكف و كان بحيث يصدق عليه لبس الحرير عرفا، فلا إشكال في الحرمة النفسية و الغيرية و أما إن كان كذلك و لم يصدق لبس الحرير عرفا، أو كان جميع الطرائق زائدا عليه، ففي الحرمة و المانعية إشكال، أما الأولى، فلفرض عدم صدق لبس الحرير، بل و مع الشك أيضا يرجع إلى أصالة البراءة و أما الأخير، فلاحتمال كون المانع من الزائد عن الكف فيما إذا كان المقدار متصلا لا منفصلا و كان طرائق كثيرة، و مع الشك يرجع إلى أصالة عدم المانعية و الإباحة.

(101) للأصل، و إطلاق ما دل على لبس غير الحرير، و لجملة من الأخبار:

منها: صحيح ريان بن الصلت: «أنّه سأل الرضا (عليه السلام) عن أشياء

ص: 324

بينهما فلا يجوز لبسه و لا الصلاة فيه (102).

______________________________

منها: المحشو بالقز، فقال: لا بأس بهذا كلّه» (1).

و منها: صحيح حسين بن سعيد قال: «قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى الرضا (عليه السلام) يسأله عن الصلاة في ثوب حشوه قزّ، فكتب إليه و قرأته: لا بأس بالصلاة فيه» (2).

و نحوهما غيرهما، و القز هو الحرير الخام. هذا مع الشك في صدق اللبس بالنسبة إليه، بل هو نحو من الحمل. و عن جمع- منهم المحقق الثاني، و الشهيد الثاني- المنع، لعمومات المنع، و أنّ المراد بالقز فيما تقدم من الأخبار إنّما هو قز المعز كما عن الصدوق و على فرض أنّ المراد به القز الحريري، فهي محمولة على التقية، مع أنّ خبر محمد بن إبراهيم ضعيف مضافا إلى أنّ المشهور لم يعملوا بالأخبار المجوّزة.

و الكل مردود: أما الأول، فللشك في صدقها، بل الظاهر المنع عنه، لأنّ المنساق من الحرير المنسوج منه دون مثل القز غير المنسوج، بل غير المصفى بعد، مضافا إلى ما تقدم من الشك في صدق اللبس عليه، مع أنّها مخصصة بالأخبار الخاصة.

و أما الثاني: فهو مخالف للغة، و أهل الخبرة، بل مطلق العرف.

و أما الثالث: فهو خلاف الأصل لا يصار إليه إلا بدليل و هو مفقود.

و الرابع: من مجرد الادعاء، لتوثيق جمع محمد بن إبراهيم، مع عدم انحصار الدليل به. كما إنّ الأخير أيضا من مجرد الادعاء إذ لم يثبت الإعراض.

(102) إن كان من قبيل البطانة و صدق اللبس في الجملة. و أما إن كان من حمل الحرير، أو شك في أنّه لبس أو حمل، فمقتضى الأصل البراءة عن

ص: 325


1- الوسائل باب: 47 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
2- الوسائل باب: 47 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
مسألة 30: لا بأس بعصابة الجروح و القروح

(مسألة 30): لا بأس بعصابة الجروح و القروح، و خرق الجبيرة، و حفيظة المسلوس و المبطون إذا كانت من الحرير (103).

مسألة 31: يجوز لبس الحرير لمن كان قملا على خلاف العادة لدفعه

(مسألة 31): يجوز لبس الحرير لمن كان قملا على خلاف العادة لدفعه و الظاهر جواز الصلاة فيه حينئذ (104).

مسألة 32: إذا صلّى في الحرير جهلا أو نسيانا

(مسألة 32): إذا صلّى في الحرير جهلا أو نسيانا فالأقوى عدم وجوب الإعادة و إن كان أحوط (105).

______________________________

الحرمة النفسية و عن المانعية.

(103) للأصل، و عدم صدق اللبس، بل يصدق عدمه، مضافا إلى ظهور الإجماع على عدم الحرمة النفسية و الغيرية.

(104) أمّا زوال الحرمة النفسية، فلتحقق الضرورة العرفية و هي تبيح المحظورات نصّا (1) و إجماعا، و قد تقدم ترخيص النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) لعبد الرحمن ابن عوف لبس الحرير، لأنّه كان قملا (2).

و أما صحة الصلاة فيه حينئذ فإن كان مضطرا إلى لبسه حين الصلاة أيضا فلا إشكال فيها و إن لم يكن مضطرا إلى اللبس فيها فيشكل صحتها، بل الظاهر عدمها، لعدم كون الإطلاق متكفلا لهذه الجهة.

و خلاصة الكلام: أنّ ذكر القمل و الحرب في الأدلة من باب المثال لمطلق الاضطرار، و لو فرض إمكان دفع القمل بغير الحرير من الأدوية المباحة لا يجوز دفعه به لعدم الاضطرار حينئذ و كذا في الحرب.

(105) لما تقدم في [مسألة 22] فإنّ مثل المقام متحد معها و الكبرى واحدة و إن تعددت الصغريات.

ص: 326


1- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 6 و 7.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.
مسألة 33: يشترط في الخليط أن يكون مما تصح فيه الصلاة

(مسألة 33): يشترط في الخليط أن يكون مما تصح فيه الصلاة، كالقطن و الصوف مما يؤكل لحمه، فلو كان من صوف أو وبر ما لا يؤكل لحمه، لم يكف في صحة الصلاة و إن كان كافيا في رفع الحرمة (106). و يشترط أن يكون بمقدار يخرجه عن صدق المحوضة فإذا كان يسيرا مستهلكا بحيث يصدق عليه الحرير المحض لم يجز لبسه و لا الصلاة فيه، و لا يبعد كفاية العشر في الإخراج عن الصدق (107).

مسألة 34: الثوب الممتزج إذا ذهب جميع ما فيه من غير الإبريسم

(مسألة 34): الثوب الممتزج إذا ذهب جميع ما فيه من غير الإبريسم من القطن أو الصوف- لكثرة الاستعمال و بقي الإبريسم محضا لا يجوز لبسه بعد ذلك (108).

مسألة 35: إذا شك في ثوب أنّ خليطه من صوف ما يؤكل لحمه أو مما لا يؤكل

(مسألة 35): إذا شك في ثوب أنّ خليطه من صوف ما يؤكل لحمه أو مما لا يؤكل، فالأقوى جواز الصلاة فيه (109) و إن كان

(106) أما الكفاية في رفع الحرمة، فلصدق الخروج به عن المحوضة فلا يصدق أنّه حرير محض. و أما عدم الكفاية في صحة الصلاة، فلأنّ مصاحبة المصلّي لأجزاء ما لا يؤكل لحمه مانع مستقل عن صحة الصلاة، فكيف يجزي في رفع المنع عن الحرير.

(107) لا حدّ لذلك و ليس تعيين ذلك من شأن الفقيه، بل المدار على تصديق المعتمدين من أهل الخبرة، و الظاهر الاختلاف باختلاف الكيفيات و الخصوصيات.

(108) لصدق المحوضة حينئذ إلّا إذا كان الاندراس بحيث لا يصدق معه اللبس عرفا.

(109) لأصالة البراءة عن حرمة لبسه، و أصالة عدم المانعية عن الصلاة فيه، و قد تقدم التفصيل في المسألة الثامنة عشرة.

ص: 327

الأحوط الاجتناب عنه.

مسألة 36: إذا شك في ثوب أنّه حرير محض أو مخلوط

(مسألة 36): إذا شك في ثوب أنّه حرير محض أو مخلوط جاز لبسه و الصلاة فيه على الأقوى (110).

مسألة 37: الثوب من الإبريسم المفتول بالذهب لا يجوز لبسه

(مسألة 37): الثوب من الإبريسم المفتول بالذهب لا يجوز لبسه و لا الصلاة فيه (111).

مسألة 38: إذا انحصر ثوبه في الحرير

(مسألة 38): إذا انحصر ثوبه في الحرير، فإن كان مضطرا إلى لبسه لبرد أو غيره فلا بأس بالصلاة فيه (112)، و إلّا لزم نزعه و إن لم يكن له ساتر غيره فيصلّي حينئذ عاريا. و كذا إذا انحصر في الميتة أو المغصوب أو الذهب، و كذا إذا انحصر في غير المأكول (113).

______________________________

(110) لأصالة البراءة عن حرمة لبسه، و أصالة عدم المانعية عن الصلاة فيه، بعد عدم إمكان الاستدلال بالأدلة، لأنّه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه. و أما الأصول الموضوعية فليست لها حالة سابقة، و الأزلي منها يسقط بالمعارضة. و هذه المسائل كلّها داخلة تحت كبرى واحدة و إن تعددت مصاديقها.

(111) لصدق لبس الذهب، و لما تقدم من أنّه يعتبر في الخليط أن يكون مما تصح الصلاة فيه.

(112) لما تقدم من أنّ الضرورات تبيح المحظورات نفسية كانت أو غيرية، و «ليس مما حرّم اللّه إلّا و قد أحلّه لمن اضطر إليه» (1).

(113) كلّ ذلك لإطلاق أدلة المانعية، فيكون وجود هذا الساتر كالعدم مضافا إلى الإجماع. على أنّ فقد وصف الساتر، كفقد نفسه فيكون العذر الشرعي كالعقلي.

ص: 328


1- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 6 و 7.

و أما إذا انحصر في النجس فالأقوى جواز الصلاة فيه و إن لم يكن مضطرا إلى لبسه (114)، و الأحوط تكرار الصلاة (115)، بل و كذا في صورة الانحصار في غير المأكول فيصلّي فيه ثمَّ يصلّي عاريا.

مسألة 39: إذا اضطر إلى لبس أحد الممنوعات من النجس

(مسألة 39): إذا اضطر إلى لبس أحد الممنوعات من النجس، و غير المأكول، و الحرير، و الذهب، و الميتة، و المغصوب، قدم النجس على الجميع، ثمَّ غير المأكول، ثمَّ الذهب و الحرير، و يتخير بينهما، ثمَّ الميتة، فيتأخر المغصوب عن الجميع (116).

______________________________

إن قلت: إنّ مقتضى إطلاق أدلة الركوع و السجود الاختياريين الإتيان بهما أيضا، و هما يفوتان مع الصلاة عاريا، فما المرجح لتقديم فقد الستر على الركوع و السجود الاختياريين.

قلت أولا: يأتي تفصيل الصلاة عاريا في [مسألة 43] إن شاء اللّه تعالى.

و ثانيا: المرجح في المقام ظهور الإجماع و التسالم عليه، مع أنّ الركوع و السجود لهما البدل و هو الإيماء. و حيث إنّ جميع هذه المسائل داخلة تحت كبرى واحدة من حيث الاضطرار فيجوز معه، لما دل على أنّه «ما من شي ء ممّا حرّم اللّه إلّا و قد أحلّه لمن اضطر إليه» الشاملة للحرمة النفسية و الغيرية. و من حيث عدم جواز الصلاة فيه عند عدم الاضطرار، لعموم أدلة المنع فتجب الصلاة عاريا حينئذ فلا وجه بعد ذلك لتفصيل الكلام.

(114) راجع كتاب الطهارة [مسألة 4] من (فصل الصلاة في النجس).

(115) خروجا عن خلاف من أوجب الصلاة عاريا عند انحصار الثوب في النجس و غير المأكول.

(116) مقتضى القاعدة تقديم ما هو أخف منعا و أهون حرمة على غيره و هذه مسلّمة عند الكلّ، و النزاع لو كان فهو صغرويّ لا أن يكون كبرويا

ص: 329

مسألة 40: لا بأس بلبس الصبيّ الحرير

(مسألة 40): لا بأس بلبس الصبيّ الحرير (117)، فلا يحرم على الوليّ إلباسه إياه (118)،

______________________________

و الظاهر تقديم النجس لورود النص (1) في الجملة في الصلاة فيه مع الانحصار و لو لم يكن مضطرا إلى لبسه، و لورود النص في الصلاة فيه مع الجهل الذي هو عذر(2) فيكون الاضطرار مثله، لو لم يكن أشد منه، مع أنّ فيه جهة واحدة من الحرمة فقط، و بعده غير المأكول، لورود النص فيه في صورة الجهل (3)، و لأنّ فيه جهة واحدة من الحرمة أيضا و تأخيره عن النجس لأجل ما ورد من التأكيد في بطلان الصلاة فيه راجع موثق ابن بكير المتقدم (4).

و بعدهما الذهب و الحرير، و هما في عرض واحد من حيث الحرمة النفسية و الغيرية، و لا ترجيح لأحدهما على الآخر فلا بد من التخيير بينهما.

أمّا الميتة فلا ريب في ثبوت الحرمة الغيرية فيها و حينئذ فإن قلنا بثبوت الحرمة النفسية في لبسها أيضا، كما هو ظاهر المشهور، فتكون في عرض الذهب و الحرير، فلا وجه لتقديمهما عليها، و إن قلنا بثبوت الحرمة الغيرية فيها فقط فهي مقدمة عليها.

إلّا أن يقال: إنّ ما ورد من التشديد في الميتة موجب لاحتمال أهمية حرمتها بالنسبة إليهما حينئذ، و هذا المقدار يكفي في التقديم، و أما تأخر المغصوب عن الجميع فلما اجتمع فيه من حق اللّه تعالى و حق الناس مع كثرة ما ورد فيه من التشديد و التأكيد كما يأتي في كتاب الغصب.

(117) لعدم التكليف عليه فلا وجه للحرمة بالنسبة إليه.

(118) لأصالة البراءة عن الحرمة، و ما عن جابر: «كنا ننزع عن الصبيان

ص: 330


1- راجع الوسائل باب: 45 من أبواب النجاسات.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات.
3- راجع الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات.
4- تقدم في صفحة: 2- 2.

و تصح صلاته فيه (119)، بناء على المختار من كون عباداته شرعية.

مسألة 41: يجب تحصيل الساتر للصلاة

(مسألة 41): يجب تحصيل الساتر للصلاة (120) و لو بإجارة أو شراء، و لو كان بأزيد من عوض المثل ما لم يجحف بماله و لم يضرّ بحاله. و يجب قبول الهبة أو العارية (121) ما لم يكن فيه حرج، بل يجب الاستعارة و الاستيهاب كذلك.

مسألة 42: يحرم لباس الشهرة

(مسألة 42): يحرم لباس الشهرة (122) بأن يلبس خلاف زيه

______________________________

و نتركه على الجواري» (1)عامي لا يصلح إلّا للكراهة.

(119) لانتزاع المانعية عن النهي النفسي و المفروض عدمه بالنسبة إلى الصبيّ فتصح صلاته فيه قهرا، إذ لا مانعية بعد عدم النهي لعدم البلوغ و كون المانع مع النهي النفسي معلوم و غيره مشكوك و مقتضى الأصل عدمه إلّا مع النهي النفسي فتصح صلاته لا محالة، لعدم إحراز أصل المانعية الفعلية بالنسبة إليه مطلقا.

(120) لوجوب مقدمة الواجب المطلق مطلقا، مضافا إلى الإجماع، و السيرة. و أما موارد الاستثناء من الإجحاف و الحرج فلإجماع و سهولة الشريعة، و قاعدة نفي الضرر و الحرج.

(121) لشمول دليل الوجوب لذلك كلّه.

(122) لجملة من النصوص:

منها: صحيح أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إنّ اللّه يبغض شهرة اللباس» (2).

ص: 331


1- المعتبر: الفرع الثالث من المسألة الثامنة من المقدمة الرابعة في لباس المصلّي.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.

من حيث جنس اللباس، أو من حيث لونه، أو من حيث وضعه و تفصيله و خياطته، كأن يلبس العالم لباس الجندي أو بالعكس مثلا.

و كذا يحرم- على الأحوط- لبس الرجال ما يختص بالنساء و بالعكس (123)، و الأحوط ترك الصلاة فيهما و إن كان الأقوى عدم

______________________________

و عنه (عليه السلام) في مرسل ابن عيسى: «الشهرة خيرها و شرّها في النار» (1).

و في مرسل ابن مسكان عنه (عليه السلام): «كفى بالمرء خزيا أن يلبس ثوبا يشهره أو يركب دابة تشهره» (2).

و خبر أبي الجارود عن الحسين بن عليّ (عليه السلام): «من لبس ثوبا يشهره كساه اللّه سبحانه يوم القيامة ثوبا من النار» (3). و يقتضيه استنكار و استقباح المتشرّعة لذلك، مضافا إلى ظهور الإجماع عليها، هذا إذا قصد من اللبس الشهرة. و كذا إذا انطبقت عليه قهرا مع الالتفات إليه. و أما مع عدم القصد و عدم الالتفات فلا دليل على الحرمة للأصل بعد انسباق القصد و الالتفات من الأدلة.

(123) لقول النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): «لعن اللّه المحلّل و المحلّل له، و من تولّى غير مواليه، و من ادعى نسبا لا يعرف، و المتشبّهين من الرجال بالنساء، و المتشبهات من النساء بالرجال» (4).

و إطلاقه يشمل جميع مراتب التشبه التي أدناها التشبه اللباسي و أعلاها اللواط و المساحقة، فيكون خبر العلل من باب بيان إحدى المصاديق، روي فيه عن زيد بن عليّ، عن آبائه عن عليّ (عليه السلام): «أنّه رأى رجلا به تأنيث في مسجد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، فقال له: اخرج من مسجد رسول اللّه يا

ص: 332


1- الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام الملابس حديث: 3.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام الملابس حديث: 2.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام الملابس حديث: 4.
4- الوسائل باب: 87 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

.....

______________________________

لعنة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) ثمَّ قال عليّ (عليه السلام): سمعت رسول اللّه يقول: لعن اللّه المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال»(1).

و أما خبر سماعة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في الرجل يجر ثيابه قال: إنّي لأكره أن يتشبه بالنساء» (2).

و عنه (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: «كان رسول اللّه يزجر الرجل أن يتشبه بالنساء و ينهى المرأة أن تتشبه بالرجال في لباسها» (3).

فيمكن حملهما على الحرمة، و لكنّه مشكل مع إمكان الخدشة في أصل دليل الحرمة سندا و دلالة، لأنّ المسألة من موارد الأقلّ و الأكثر، لأنّ تأنث الذكر و خلافه محرّم بلا إشكال و الشك في غيره مانع عن التمسك بالإطلاق، لأنّه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و لكن نسب إلى المشهور الحرمة، و في الرياض أنّها مظنة الإجماع.

فروع- (الأول): لو صار لبس الرجل للباس المرأة و بالعكس متعارفا، بأن صار لباسهما واحدا، فيشكل الحرمة حينئذ، بل مقتضى الأصل عدمها مع أنّ الألبسة تختلف اختلافا فاحشا بحسب الأزمنة و الأمكنة مع إطلاق قوله (عليه السلام): «خير لباس كلّ زمان لباس أهله» (4).

(الثاني): لو صار لباس الزهد و التقوى من لباس الشهرة، فهل يحرم أو لا؟ يظهر من صاحب الجواهر الأول، و يشهد له قول الصادق (عليه السلام):

«إنّ عليا (عليه السلام) كان عندكم فأتى بني ديوان فاشترى ثلاثة أثواب بدينار، القميص إلى فوق الكعب، و الإزار إلى نصف الساق و الرداء من يديه إلى ثدييه و من خلفه إلى ألييه، ثمَّ رفع يديه إلى السماء فلم يزل يحمد اللّه على ما كساه حتّى دخل منزله ثمَّ قال: هذا اللباس الذي ينبغي للمسلمين أن يلبسوه. قال أبو

ص: 333


1- الوسائل باب: 87 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الملابس حديث: 2.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الملابس حديث: 2.

البطلان (124).

مسألة 43: إذا لم يجد المصلّي ساترا

(مسألة 43): إذا لم يجد المصلّي ساترا حتّى ورق الأشجار و الحشيش، فإنّ وجد الطّين، أو الوحل، أو الماء الكدر، أو حفرة يلج فيها و يتستر بها أو نحو ذلك مما يحصل به ستر العورة صلّى صلاة المختار (125) قائما مع الركوع و السجود. و إن لم يجد ما يستر

______________________________

عبد اللّه (عليه السلام): و لكن لا تقدرون أن تلبسوها هذا اليوم و لو فعلنا لقالوا:

مجنون، و لقالوا مراء و اللّه عزّ و جل يقول وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ، قال: و ثيابك ارفعها لا تجرها، فإذا قام قائمنا كان هذا اللباس» (1).

(الثالث): لو لبس الرجل لباس المرأة لا لقصد التشبيه، بل لغرض آخر فلا حرمة للأصل بعد انصراف الأدلة عنه.

(الرابع): الظاهر شمول الحكم للساعة الاختصاصية أيضا و إن أمكن دعوى الانصراف عنها. كما إنّ الظاهر شموله للألوان التي تستعملها المرأة في وجهها، فلا يجوز للرجل استعمالها في وجهه على الأحوط.

(124) لأنّ النهي النفسي لا يوجب بطلان الصلاة إلّا إذا كانت قرينة على المانعية و هي مفقودة. و أما الاحتياط، فلحسنة على كلّ حال، و احتمال كونه مانعا عنها أيضا.

(125) لأنّ المرجع في الساتر- مادة و هيئة و من سائر الجهات- هو العرف، فكل ما حكم العرف بتحقق الستر عن النظر يتحقق به الستر الصلاتي أيضا إلّا إذا ورد دليل على التقييد و تقدمت موارد التقييد من اعتبار عدم كونه من الميتة و الحرير و غيرهما مما مضى و لا ريب في تحقق الستر عن النظر بورق الشجر و الحشيش و الطين الغليظ، إذ المناط فيه عدم رؤية البشرة لا عدم تمييز

ص: 334


1- الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام الملابس حديث: 7.

.....

______________________________

الحجم، و الوجدان شاهد بعدم رؤية البشرة بالستر بما ذكر، فإذا اكتفى بذلك في الستر النظري مع الاختيار يكتفي به في الستر الصلاتي أيضا إلّا مع الدليل على الخلاف من إجماع أو غيره.

و ليس في البين شي ء إلّا دعوى الانصراف إلى الثياب المتعارفة.

و فيه: أنّه لا اعتماد عليه ما لم يكن موجبا لظهور اللفظ في المنصرف إليه. و إلّا دعوى أنّ المناط في الستر الصلاتي الخروج عن صدق العراء و الستر بما ذكر لا يمنع صدق العراء عليه.

و فيه: أنّه خلاف الوجدان، لصدق ستر العورة وجدانا كما إذا لبس ثوبا يستر العورتين فقط. نعم، يصدق العراء بالنسبة إلى سائر الجسد و لا بأس به في الرجل و مقتضى ما ذكر الاكتفاء بالستر بها في حال الاختيار أيضا، فكيف بالاضطرار.

إلّا أن يقال: إنّ المتعارف مع تمكنهم من الثياب المعهودة لا يتسترون بما ذكر و الأدلة منزلة على المتعارف.

و فيه: أنّ التعارف إنّما هو لأجل الجهات الخارجة عن ستر العورة من حر أو برد، أو تزيين، أو حياء أو سائر الجهات و لا ربط لها بالمقام الذي لا يعتبر فيه سوى ستر العورة فقط من دون شي ء آخر، و أما الوحل و الماء الكدر و الولوج في الحفرة فلا ريب في تحقق التستر بها، لكن العرف لا يتسترون بها إلّا عند الاضطرار و الضرورة، فيجوز في المقام مع الاضطرار أيضا. هذا ما يقتضيه طبع المسألة بحسب الأنظار العرفية.

و أما الأخبار الواردة في المقام: ففي صحيح ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا و حضرت الصلاة كيف يصلّي؟ قال: إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع و السجود، و إن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ و هو قائم»(1).

ص: 335


1- الوسائل باب: 50 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

به العورة أصلا، فإن أمن من الناظر، بأن لم يكن هناك ناظرا أصلا، أو كان و كان أعمى، أو في ظلمة أو علم بعدم نظره أصلا.

أو كان ممن لا يحرم نظره إليه كزوجته و أمته فالأحوط تكرار الصلاة بأن يصلّي صلاة المختار تارة و موميا للركوع و السجود أخرى قائما (126).

______________________________

و حيث إنّ فقد الثياب مفروض في كلام السائل، فلا يصلح أن يكون مقيدا لساترية الحشيش بهذه الصورة. نعم، هي المتيقنة منها و المرجع في غيرها أصالة عدم اعتبار هيئة و مادة خاصة كما تقدم، و في مرسل أيوب ابن نوح- المنجبر (1)- عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها و يسجد فيها و يركع».

و تقدم أنّ دخول الحفيرة أيضا ساتر عرفيّ عند الضرورة و الاضطرار، فلا يستفاد من الحديثين شي ء أزيد على ما هو المتعارف بحسب مراتب الضرورة و الاضطرار.

و أما الكلمات فهي كثيرة و مختلفة من أراد الاطلاع عليها فليراجع مظانّها من المفصّلات. و لكن لا اعتبار بها ما لم تستند إلى دليل معتبر تطمئنّ النفس إليه.

(126) البحث في المسألة تارة بحسب القاعدة. و أخرى بحسب الأخبار و ثالثة بحسب الكلمات.

أما الأولى فمقتضى القاعدة وجوب الاحتياط، لدوران الأمر بين سقوط شرطية أصل الستر فتجب صلاة المختار مع الركوع و السجود الاختياريين و بين بقائها في الجملة- و لو بستر الدبر بالأليتين و القبل باليدين- فتجب قائما مؤميا، و لا ترجيح في البين، فمقتضى العلم الإجمالي هو الجمع بينهما بعد احتمال أنّ

ص: 336


1- الوسائل باب: 50 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.

.....

______________________________

وجوب الجلوس مما لا وجه له مع التمكن من القيام و الستر بنحو ما مرّ. و أمّا مع الاعتناء باحتماله أيضا فيجب الاحتياط بين أمور ثلاثة: صلاة المختار، و قائما مؤميا، و جالسا كذلك، هذا بحسب القاعدة.

و أما الأخبار فأقسام ثلاثة:

الأول: ما يدل على أنّه يصلّي قائما مطلقا، كصحيح ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: «و إن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ و هو قائم».

و صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «و إن كان معه سيف و ليس معه ثوب فليتقلّد السيف و يصلّي قائما» (1).

و موثق سماعة على نسخة التهذيب قال: «سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض فأجنب و ليس عليه إلّا ثوب واحد فأجنب فيه و ليس يجد الماء قال (عليه السلام): يتيمم و يصلّي عريانا قائما يومئ إيماء» (2).

و ضبط في الكافي(3) (قاعدا) بدل (قائما) فلا اعتبار به من جهة اضطراب المتن، خصوصا بعد ما اشتهر أنّ الكافي أضبط، و لكن يظهر من الشيخ أنّه كان مطلعا على نسخة الكافي و مع ذلك ضبطه (قائما) فيشكل جريان الأضبطية حينئذ.

الثاني: ما يدل على أنّه يصلّي جالسا، كصحيح زرارة قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه و لم يجد شيئا يصلّي فيه، فقال (عليه السلام): يصلّي إيماء، و إن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها، و إن كان رجلا وضع يده على سوأته، ثمَّ يجلسان فيومئان و لا يسجدان و لا يركعان فيبدو ما خلفهما، تكون صلاتهما إيماء برؤوسهما- الحديث-» (4).

ص: 337


1- الوسائل باب: 53 من أبواب لباس المصلّي حديث: 3.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب النجاسات حديث: 3.
3- الوسائل باب: 46 من أبواب النجاسات حديث: 1.
4- الوسائل باب: 50 من أبواب لباس المصلّي حديث: 6.

.....

______________________________

و خبر قرب الاسناد عن جعفر بن محمد (عليه السلام): «من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتّى يخاف ذهاب الوقت، يبتغي ثيابا فإن لم يجد صلّى عريانا جالسا يومئ إيماء، يجعل سجوده أخفض من ركوعه» (1).

و خبر الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل أصابته جنابة و هو بالفلاة و ليس عليه إلّا ثوب واحد و أصاب ثوبه منّي، قال (عليه السلام) يتيمم و يطرح ثوبه و يجلس مجتمعا فيصلّي و يومئ إيماء» (2).

و يدل عليه ما ورد في كيفية صلاة العراة جماعة، كموثق إسحاق بن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): قوم قطع عليهم الطريق و أخذت ثيابهم فبقوا عراة و حضرت الصلاة كيف يصنعون؟ فقال: يتقدمهم إمامهم فيجلس و يجلسون خلفه فيومئ إيماء بالركوع و السجود، و هم يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم» (3).

و نحوه صحيح عبد اللّه بن سنان(4).

الثالث: ما يدل على التفصيل بين أمن المطلع فيصلّي قائما و عدمه فيصلّي جالسا، كصحيح ابن مسكان عن أبي جعفر (عليه السلام): «في رجل عريان ليس معه ثوب، قال (عليه السلام): إذا كان حيث لا يراه أحد فليصلّ قائما» (5).

و مرسله الآخر عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة. قال (عليه السلام): يصلّي عريانا قائما إن لم يره أحد فإن رآه أحد صلّى جالسا» (6).

و مثله مرسل الفقيه (7)، و في نوادر الراوندي قال عليّ (عليه السلام) في

ص: 338


1- الوسائل باب: 52 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب النجاسات حديث: 4.
3- الوسائل باب: 51 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
4- الوسائل باب: 51 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
5- الوسائل باب: 50 من أبواب لباس المصلّي حديث: 7.
6- الوسائل باب: 50 من أبواب لباس المصلّي حديث: 3.
7- الوسائل باب: 50 من أبواب لباس المصلّي حديث: 5.

.....

______________________________

العاري: «إذا رآه الناس صلّى قاعدا، و إذا كان لا يراه، الناس صلّى قائما»(1).

و نسب إلى المشهور أنّه مع أمن المطلع يصلّي قائما مؤميا للركوع و السجود و مع عدم الأمن يصلّي جالسا جمعا بين الأخبار المتقدمة.

و أشكل عليه بوجوه:

أولا: أنّ مفاد الأخبار فعلية الرائي كذلك لا إمكان وجوده، فهي أجنبية عما نسب إليهم. و يمكن الجواب عنه بأنّ المنساق من المجموع ملاحظة أهمية التحفظ على ستر العورة حتّى في موارد الاحتمال المعتد به.

و ثانيا: أنّه لا وجه معتد به لهذا التفصيل، لأنّ الدّبر مستور بالأليتين صلّى قائما أو جالسا، و القبل مستور باليدين أو بالفخذين، فلا وجه للفرق بين القيام و الجلوس و التعبد المحض في هذا التفصيل بعيد جدّا.

و ثالثا: أنّه يمكن الجمع بالتخيير مع أولوية القيام، كما في جملة من موارد تعارض الأخبار في غير المقام.

و رابعا: أنّ النسبة إلى الشهرة لا وجه لها، كما يأتي في مستقبل الكلام.

و أمّا كلمات الفقهاء فهي بين الإفراط و التفريط. فعن جمع منهم صاحب الجواهر: الصلاة قائما عند الأمن مع الإتيان بالركوع و السجود الاختياريين و بالغ في تأييد سقوط شرطية الستر من المصلّي عند الأمن، و أورد لذلك شواهد و مؤيدات، و هي كلّها مع ظهور خدشتها من الاجتهاد في مقابل النص، و عن ابن زهرة دعوى الإجماع عليه، و هو غريب مع ذهاب الأكثر إلى الخلاف.

و عن جمع من القدماء تعين الجلوس و الإيماء مطلقا. و عن ابن إدريس تعين القيام و الإيماء مطلقا. و نسب إلى الأكثر الإيماء في حال القيام مع الأمن، و في ثبوت الشهرة مع هذا الاختلاف إشكال فضلا عن الإجماع، و حينئذ فطريق الجمع بين الأخبار ما قلناه من التخيير مطلقا مع أفضلية القيام، و طريق الاحتياط ما ذكره في المتن.

ص: 339


1- مستدرك الوسائل باب: 33 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

و إن لم يأمن من الناظر المحترم صلّى جالسا (127) و ينحني للركوع و السجود بمقدار لا تبدو عورته، و إن لم يمكن فيومئ برأسه و الا فبعينيه، و يجعل الانحناء أو الإيماء للسجود أزيد من الركوع و يرفع ما يسجد عليه و يضع جبهته عليه (128). و في صورة القيام يجعل

______________________________

إن قيل: لا وجه للعمل بالاحتياط مع وجود الأخبار. يقال: يجوز الاحتياط حتى مع وجود أمارة معتبرة غير متعارضة فكيف بما إذا تعارضت، مع أنّ الاحتياط عمل بها في الجملة بناء على حملها على التخيير و أفضلية القيام.

(127) للإجماع، و لأهمية ستر العورة عن القيام الذي له بدل، و كذا بالنسبة إلى الركوع و السجود الحقيقي، لأنّ لهما بدل أيضا و هو الإيماء، مضافا إلى ما تقدم من صحيح ابن مسكان.

(128) كلّ ذلك لقاعدة الميسور الجارية بحسب مراتب اليسر و ظهور تسالم الأصحاب في الجملة على ما ذكر كلّه، و إن كان يظهر من بعضهم عدم الوجوب.

إن قيل: إنّ مقتضى الإطلاقات الواردة في المقام عدم وجوب ذلك كلّه.

يقال: ظاهرها أنّها ليست واردة في مقام البيان من هذه الجهة.

و أمّا الأخبار التي يمكن الاستيناس بها في المقام:

فمنها: قول الصادق (عليه السلام): «يصلّي المريض قائما، فإن لم يقدر على ذلك صلّى جالسا، فإن لم يقدر أن يصلّي جالسا صلّى مستلقيا، يكبّر ثمَّ يقرأ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه، ثمَّ سبّح، فإذا سبّح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثمَّ سبح، فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود ثمَّ يتشهّد و ينصرف» (1).

و يمكن أن يستفاد الإتيان بمراتب الأنحاء مع التمكن منها من هذا الخبر

ص: 340


1- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 13.

يده على قبله على الأحوط (129).

______________________________

بالأولوية، و في مرسل الفقيه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله): «المريض يصلّي قائما، فإن لم يستطع صلّى جالسا، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيمن، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيسر، فإن لم يستطع استلقى و أومأ إيماء و جعل وجهه نحو القبلة، و جعل سجوده أخفض من ركوعه (1).

و في خبر آخر عن عليّ (عليه السلام) عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله):

«و يجعل السجود أخفض من الركوع» (2).

و لكن قصور سندهما يمنع عن الاعتماد عليهما.

و منها: خبر الكرخي قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): «رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء و لا يمكنه الركوع و السجود، فقال: ليؤم برأسه إيماء، و إن كان له من يرفع الخمرة فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة إيماء» (3).

و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام و السجود، قال (عليه السلام) يومئ برأسه إيماء، و أن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليه» (4).

و مفاد مجموع هذه الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض ليس إلّا تقرير قاعدة الميسور بحسب مراتب اليسر، و لا يستفاد منها شي ء زائد على ذلك فيمكن الاستدلال بها لمثل المقام أيضا بعد كونها مطابقة للقاعدة، فيلغى خصوصية المورد قهرا.

(129) مقتضى صحيح زرارة- المتقدم-: «و إن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها، و إن كان رجلا وضع يده على سوأته- الحديث-».

وجوب وضع اليد، و يقتضيه مذاق الفقاهة أيضا، فلا وجه للاحتياط،

ص: 341


1- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 13 15 16 و 11 و 2.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 16.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 11.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 2.
مسألة 44: إذا وجد ساترا لإحدى عورتيه ففي وجوب تقديم القبل

(مسألة 44): إذا وجد ساترا لإحدى عورتيه ففي وجوب تقديم القبل، أو الدّبر، أو التخيير بينهما وجوه أوجهها:

الوسط (130).

مسألة 45: يجوز للعراة الصلاة متفرقين

(مسألة 45): يجوز للعراة الصلاة متفرقين (131) و يجوز، بل يستحب لهم الجماعة (132) و إن استلزمت الصلاة جلوسا و أمكنهم

______________________________

كما فعله (قدّس سرّه).

(130) أما وجه تقديم الأول، فلأنّ الدبر مستور بالأليتين في الجملة كما في الخبر (1). و أما وجه تقديم الوسط، فلأنّه مع ستره يتمكن من إتمام الركوع و السجود. و أما التخيير، فلاحتمال الأهمية في كلّ منهما و منه يظهر أنّ احتمال الأهمية في الوسط أشدّ. هذا، إذا لم يتمكن من تكرار الصلاة بستر الدّبر تارة و القبل أخرى.

(131) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و يؤيد ذلك خبر أبي البختري:

«فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثمَّ صلّوا كذلك فرادى» (2).

بعد حمل ذيله على الجواز لا الوجوب.

(132) للنص، و الإجماع ففي صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن قوم صلّوا جماعة و هم عراة قال: يتقدمهم الإمام بركبتيه و يصلّي بهم جلوسا و هو جالس» (3).

و في موثق ابن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) قوم قطع عليهم الطريق و أخذت ثيابهم فبقوا عراة و حضرت الصلاة كيف يصنعون؟ فقال:

يتقدمهم إمامهم فيجلس و يجلسون خلفه فيومئ إيماء بالركوع و السجود، و هم

ص: 342


1- الوسائل باب: 4 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
2- الوسائل باب: 52 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
3- الوسائل باب: 51 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

الصلاة مع الانفراد قياما (133)، فيجلسون و يجلس الإمام وسط الصف و يتقدمهم بركبتيه و يومئون للركوع و السجود (134) إلا إذا كانوا في

______________________________

يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم» (1).

و يدل على استحباب الجماعة عموماتها الشاملة للمقام أيضا.

ثمَّ إنّه إن قلنا باختصاص الجماعة بخصوص معلوم الوجوب و عدم صحتها في الصلوات الاحتياطية، فلا تصح الجماعة فيما يؤتى بها احتياطا و إن قلنا بصحتها في الصلوات الاحتياطية أيضا، فتصح الجماعة فيها أيضا و يأتي البحث عن ذلك في صلاة الجماعة [مسألة 2].

(133) لورود النص فيها بالخصوص في المقام كما مر.

(134) نسب ذلك إلى جمع و حكي عن السرائر الإجماع عليه، و عن جمع آخر الركوع و السجود الحقيقيان بالنسبة إلى المأمومين، لما مر من موثق ابن عمار، و احتمال أنّ المراد بقوله (عليه السلام): «و هم يركعون و يسجدون على وجوههم» الإيماء خلاف الظاهر، و كذا احتمال أنّ يراد به المبالغة في الإيماء، فهو أخص من جميع الأدلة الواردة في الباب، فلا بد من العمل به لو لم يكن ناظر محترم في البين بأن تكون الصفوف متعددة مثلا هذا ما قاله جمع- منهم الفقيه و الهمداني- و لكن يمكن أن يقال: إنّ المستفاد من الأدلة أهمية ستر العورة في الصلاة من كلّ شي ء و لو بنى على وجوب الركوع و السجود الحقيقي بالنسبة إليهم لا وجه لوجوب الجلوس عليهم، لفرض أنّ الدّبر مستور بالأليتين و القبل باليدين فلا معنى لوجوب الجلوس حينئذ، فلا بد و أن يحمل قوله (عليه السلام): «على وجوههم» على بعض المحامل، مع أنّه لا وجه لذكر قوله (عليه السلام)- على وجوههم بعد ذكر الركوع و السجود في مقابل إيماء الإمام لها، لظهورهما حينئذ في الحقيقي منها، فلا بد و أن يكون ذكر الوجوه لعناية خارجية غير بيان الركوع و السجود الحقيقي، و لعلّ السرّ في هذا التعبير أنّ

ص: 343


1- الوسائل باب: 51 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.

ظلمة آمنين من نظر بعضهم إلى بعض فيصلون قائمين صلاة المختار تارة و مع الإيماء أخرى على الأحوط (135).

مسألة 46: الأحوط بل الأقوى تأخير الصلاة عن أول الوقت إذا لم يكن عنده ساتر

(مسألة 46): الأحوط بل الأقوى تأخير الصلاة عن أول الوقت إذا لم يكن عنده ساتر و احتمل وجوده في آخر الوقت (136).

مسألة 47: إذا كان عنده ثوبان يعلم أنّ أحدهما حرير أو ذهب أو مغصوب

(مسألة 47): إذا كان عنده ثوبان يعلم أنّ أحدهما حرير أو ذهب أو مغصوب و الآخر مما تصح فيه الصلاة لا تجوز الصلاة في واحد منهما، بل يصلّي عاريا (137).

و إن علم أنّ أحدهما من غير المأكول و الآخر من المأكول، أو أنّ أحدهما نجس و الآخر طاهر صلّى صلاتين (138). و إذا ضاق الوقت

______________________________

ركوع المأمومين و سجودهم إنّما هو إلقاء وجوههم كثيرا إلى الأرض لئلّا يتفق نظرهم إلى شي ء من عورة الإمام أو بعضهم حين الحركة الإيمائية خصوصا من العوام، فإنّهم عند الإيماء يحرّكون جميع بدنهم كما نشاهدهم في الإيماء عند السلام على أحد المعصومين (عليهم السلام).

(135) لما تقدم وجهه في [مسألة 43] فراجعها.

(136) لأنّ المنساق من أدلة التكاليف العذرية إنّما هو إحراز استيعاب العذر لتمام الوقت إلّا ما خرج بالدليل، فلا يكفي مجرد وجود العذر في أدلة الموقتات كما لا يصح التمسك بإطلاقها- لعدم كونها واردة في مقام البيان من هذه الجهة.

(137) للحرمة النفسية في اللبس حينئذ و ظاهرهم التسالم على تغليب الحرمة النفسية على درك الواقع بالاحتياط، و للمسألة نظائر كثيرة من أول الطهارات إلى آخر الديات فيكون فاقد الثوب حينئذ، لتنجز العلم الإجمالي عليه فيصلّي عاريا لا محالة. نعم، لو صلّى في أحدهما ثمَّ بان أنّه غير ممنوع لبسه تصح صلاته إن حصل منه قصد القربة.

(138) لعدم الحرمة النفسية، بل الحرمة غيرية محضة، فيصح الاحتياط

ص: 344

و لم يكن إلا مقدار صلاة واحدة يصلّي عاريا في الصورة الأولى و يتخيّر بينهما في الثانية (139).

مسألة 48: المصلّي مستلقيا أو مضطجعا، لا بأس بكون فراشه أو لحافه نجسا أو حريرا

(مسألة 48): المصلّي مستلقيا أو مضطجعا، لا بأس بكون فراشه أو لحافه نجسا أو حريرا أو من غير المأكول إذا كان له ساتر غيرهما (140). و إن كان يتستّر بهما أو باللحاف فقط، فالأحوط كونهما مما تصح فيه الصلاة (141).

مسألة 49: إذا لبس ثوبا طويلا جدّا و كان طرفه الواقع على الأرض

(مسألة 49): إذا لبس ثوبا طويلا جدّا و كان طرفه الواقع على الأرض غير المتحرّك بحركات الصلاة نجسا أو حريرا أو مغصوبا أو مما لا يؤكل، فالظاهر عدم صحة الصلاة ما دام يصدق أنّه لابس

______________________________

حينئذ و يجب بلا محذور فيه و لا مانع عنه من إجماع أو غيره.

(139) أما الصلاة عاريا في مورد الاشتباه بغير المأكول، فلدعوى سقوط الستر حينئذ، لما ورد من الاهتمام بعدم لبس غير المأكول في الصلاة بعد فرض أنّ العلم الإجمالي كالتفصيلي.

و أما التخيير في مورد الاشتباه بالنجس، فلدعوى عدم الترجيح حينئذ بين لبس النجس و الصلاة عاريا فيتحقق التخيير لا محالة و ليس لبس النجس في الصلاة في الأهمية لدى الشارع كلبس غير المأكول، و لكنّه من مجرد الدعوى كما لا يخفى بعد ظهور تسالمهم على أنّ العلم الإجمالي كالتفصيلي في التنجيز، فيصلّي عاريا في الصورة الثانية أيضا و الأحوط القضاء في الصورتين في خارج الوقت.

(140) لأنّه لا يصدق عليه كون لباسه نجسا أو مما لا يؤكل لحمه، أو من الحرير و لو فرض الشك فيه، فالمرجع أصالة البراءة و عدم المانعية.

(141) المدار في ذلك كلّه صدق اللبس عرفا، فمع الصدق العرفي لا تصح الصلاة و مع عدمه أو الشك فيه تصح، و كذا فيما لا يؤكل لحمه فمع صدق الصلاة فيه لا تصح و مع عدمه أو الشك فيه تصح.

ص: 345

ثوبا كذائيا.

نعم، لو كان بحيث لا يصدق لبسه، بل يقال: لبس هذا الطرف منه- كما إذا كان طوله عشرين ذراعا و لبس بمقدار ذراعين منه أو ثلاثة و كان الطرف الآخر مما لا تجوز الصلاة فيه- فلا بأس به (142).

مسألة 50: الأقوى جواز الصلاة فيما يستر ظهر القدم و لا يغطّي الساق

(مسألة 50): الأقوى جواز الصلاة فيما يستر ظهر القدم و لا يغطّي الساق كالجورب و نحوه (143).

______________________________

(142) كما لا بأس به مع الشك في الصدق، لما تقدم من أصالة البراءة و عدم المانعية.

(143) للأصل، و لمكاتبة الحميري: «هل يجوز للرجل أن يصلّي و في رجليه بطيط لا يغطّي الكعبين أم لا يجوز؟ فكتب في الجواب جائز» (1).

و البطيط رأس الخف بلا ساق و قد اختار ذلك جمع منهم المحقق و الشهيدين و عن جمع- بل نسب إلى المشهور- المنع- و لكن فيهم من ذكر خصوص الشمشك و النعل السندية و استدلوا تارة: بالمرسل المروي في المختلف:

«و روي أنّ الصلاة محظورة في نعل السندي و الشمشك» (2).

و بخبر سيف بن عميرة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا يصلّى على جنازة بحذاء و لا بأس بالخف»(3).

فيكون الحكم في سائر الصلاة بالأولى، و بالتأسي بالنبيّ الأعظم (صلى اللّه عليه و آله). و يرد الأول بقصور السند، و إجمال المتن. و الثاني: بالإعراض عن متنه، مضافا إلى قصور سنده. و الأخير: بأنّه لم يعلم منه (صلّى اللّه عليه و آله) عدم صلاته فيه، و على فرضه، فلم يعلم أنّه كان لعدم الجواز أو مطلق المرجوحية لإجمال الفعل و لا بأس بالكراهة تسامحا.

ص: 346


1- الوسائل باب: 38 من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب لباس المصلّي حديث: 7.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

فصل فيما يكره من اللباس حال الصلاة

(فصل فيما يكره من اللباس حال الصلاة) و هي أمور:

(أحدها): الثوب الأسود (1)، حتّى للنساء (2) عدا الخف (فصل فيما يكره من اللباس حال الصلاة)

______________________________

(1) للنص و الإجماع، قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «يكره السواد إلّا في ثلاثة: الخف، و العمامة، و الكساء»(1).

و في المرسل: «لا تصلّ في ثوب أسود، فأما الخف أو الكساء أو العمامة فلا بأس» (2).

و في مرسل محسن بن أحمد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قلت له أصلّي في القلنسوة السوداء؟ فقال: لا تصلّ فيها فإنّها لباس أهل النار» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار. و لا يخفى أنّ الاستثناء لا يدل على استحباب الصلاة في العباءة أو العمامة السوداوين، لأنّ رفع الكراهة أعم من ثبوت الاستحباب.

(2) للإطلاق، و الإجماع، و قاعدة الاشتراك التي تعرضنا لها سابقا و ذكر العمامة فيما مرّ من النصوص لا يوجب الاختصاص، لأنّها من مصاديق إحدى

ص: 347


1- الوسائل باب: 19 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

و العمامة و الكساء (3)، و منه العباءة (4)، و المشبع منه أشدّ كراهة. و كذا المصبوغ بالزعفران أو العصفر (5)،

______________________________

موارد الاستثناء- و لو كانت مختصة بالرجل- مع أنّ الاختصاص أول الكلام، فإنّ بعض النساء يلبسن العمامة، كما هو مشاهد عند نساء الأكراد و بعض القرى.

(3) للإجماع و ما تقدم من النص.

(4) لما قاله في المجمع و النهاية الأثيرية و غيرها: أنّ العباءة نوع من الأكسية. و قد تكرّر ذلك في الحديث، كما في النهاية، و ورد في الشعر أيضا:

للبس عباءة و تقر عيني أحبّ إليّ من لبس الشفوف

(5) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح حماد: «تكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم» (1).

و عنه (عليه السلام). أيضا: «أنّه كره الصلاة في المشبع بالعصفر، و المضرّج بالزعفران» (2).

و لا يخفى أنّ ما ورد في المعصفر و الزعفران أخص من تعبيرات الفقهاء (قدّس سرّهم)، و لكن المقام مقام المسامحة. و المفدم- بالفاء و الدال المهملة المشددة-: الحمرة و هو من المبالغة في الإشباع. و مقتضى الإطلاق، و قاعدة الاشتراك عدم الفرق في هذه الألوان بين الرجال و النساء.

ثمَّ إنّه كما تكره الصلاة في اللباس الأسود، يكره لبس السواد أيضا لما ورد في ذمه و قد تقدم بعض الأخبار الدالة عليها. و قال في الحدائق: لا يبعد استثناء لبس السواد في مأتم الحسين (عليه السلام) من هذه الأخبار لما

ص: 348


1- الوسائل باب: 59 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2 و 3. و (المفدم) بالفاء هو الثوب المصبوغ بالحمرة صبغا مشبعا.
2- الوسائل باب: 59 من أبواب لباس المصلّي حديث: 3.

بل الأولى اجتناب مطلق المصبوغ (6).

(الثاني): الساتر الواحد الرقيق (7).

______________________________

استفاضت به الأخبار من الأمر بإظهار شعائر الأحزان، و يشهد له تقرير الإمام (عليه السلام)، ففي خبر عمر بن عليّ بن الحسين قال: «لما قتل الحسين بن عليّ (عليه السلام) لبس نساء بني هاشم السواد و المسوح، و كنّ لا يشتكين من حرّ و لا برد، و كان عليّ بن الحسين (عليه السلام) يعمل لهنّ الطعام للمأتم» (1).

أقول: في بعض التواريخ (2): إنّ لبس السواد كان حدادا لقتل آل محمد من الحسين بن عليّ (عليه السلام)، و زيد، و يحيى، بل يظهر من بعضها أنّ الشيعة في تلك الأزمنة كانوا كذلك، و على هذا يمكن القول بأنّ ما ورد كراهة لبس السواد لم يرد لبيان حكم اللّه الواقعي، بل ورد لبعض المصالح، كبيان أنّ حداد لبس السواد بين بني هاشم و الشيعة لم يكن بتسبب من الأئمة (عليهم السلام) حتّى يصير ذلك منشأ للظلم و الجور من الأعداء عليهم، و يشهد لما قلناه خبر الرقيّ قال: «كانت الشيعة تسأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن لبس السواد. قال: فوجدناه قاعدا عليه جبة سوداء و قلنسوة سوداء، و خف أسود مبطن بسواد، ثمَّ فتق ناحية منه و قال: أما إنّ قطنه أسود و أخرج منه قطنا أسود، ثمَّ قال: بيض قلبك و البس ما شئت»(3).

و إن أمكن حمله على التقية.

(6) لما يأتي من استحباب كون ثياب المصلّي بيضا، بناء على أنّ تركه مكروه، مع البناء على المسامحة فيهما.

(7) لقول عليّ (عليه السلام): «عليكم بالصفيق من الثياب فإنّ من رق

ص: 349


1- الوسائل باب: 67 من أبواب الدفن حديث: 10.
2- راجع المحبر- محمد بن حبيب البغدادي- ص: 484.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب لباس المصلّي حديث: 9.

(الثالث): الصلاة في السروال وحده و إن لم يكن رقيقا (8). كما أنّه يكره للنساء الصلاة في ثوب واحد و إن لم يكن رقيقا (9).

(الرابع): الاتزار فوق القميص (10).

(الخامس): التوشح، و تتأكد كراهته للإمام (11)، و هو إدخال

______________________________

ثوبه رق دينه، لا يقومنّ أحدكم بين يدي الرب جلّ جلاله و عليه ثوب يشف» (1).

و في مرفوعة أحمد بن يحيى قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «لا تصلّ فيما شف أو صف- يعني الثوب الصقيل-» (2).

(8) لخبر ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في سراويل واحد و هو يصيب ثوبا؟

قال (عليه السلام): لا يصلح» (3).

(9) لجملة من الأخبار:

منها: قول أبي الحسن في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «لا ينبغي للمرأة أن تصلّي إلّا في ثوبين» (4).

(10) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح أبي بصير: «لا ينبغي أن تتوشح بإزار فوق القميص و أنت تصلّي، و لا تتزر بإزار فوق القميص إذا أنت صلّيت فإنّه من زيّ الجاهلية» (5).

(11) لخبر يونس بن عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «أنّه سئل ما العلة التي من أجلها لا يصلّي الرجل و هو متوشح فوق القميص؟ فقال:

ص: 350


1- الوسائل باب: 21 من أبواب لباس المصلّي حديث: 5.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب لباس المصلّي حديث: 3.
3- الوسائل باب: 53 من أبواب لباس المصلّي حديث: 7.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب لباس المصلّي حديث: 10.
5- الوسائل باب: 24 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

الثوب تحت اليد اليمنى و إلقاؤه على المنكب الأيسر، بل أو الأيمن (12).

(السادس): في العمامة المجردة عن السدل و عن التحنك (13) أي: التلحي. و يكفي في حصوله ميل المسدول إلى جهة الذقن، و لا يعتبر إدارته تحت الذقن و غرزه في الطرف الآخر، و إن كان هذا أيضا

______________________________

لعلة الكبر في موضع الاستكانة و الذل» (1).

و في خبر الهيثم بن واقد عنه (عليه السلام) أيضا قال: «إنّما كره التوشح فوق القميص لأنّه من فعل الجبابرة»(2).

و في موثق عمار عنه (عليه السلام): «سئل عن الرجل يؤم بقوم يجوز له أن يتوشح؟ قال (عليه السلام): لا يصلّي الرجل بقوم و هو متوشح فوق ثيابه، و إن كانت عليه ثياب كثيرة، لأنّ الإمام لا يجوز له الصلاة و هو متوشح» (3).

(12) كما عن جمع من أهل اللغة منهم ابن الأثير في النهاية.

(13) للنبويّ: «من صلّى مقتطعا فأصابه داء لا دواء له فلا يلومنّ إلّا نفسه» (4).

و الاقتعاط: عمامة لا حنك لها مضافا إلى ظهور الإجماع، و قاعدة: «إنّ ما هو ممنوع في نفسه حرمة أو كراهة ممنوع في حال الصلاة أيضا» و المشهور المنصوص كراهة ما لا حنك لها من العمامة، ففي خبر ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «من تعمم و لم يحنك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومنّ إلّا نفسه» (5).

ص: 351


1- الوسائل باب: 24 من أبواب لباس المصلّي حديث: 11.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب لباس المصلّي حديث: 10.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
4- مستدرك الوسائل باب: 21 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
5- الوسائل باب: 26 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

إحدى الكيفيات له (14).

(السابع): اشتمال الصماء (15) بأن يجعل الرداء على كتفه و إدارة

______________________________

(14) لصدق الحنك في جميع ذلك، و الخروج بكلّ من هذه الأقسام عما لا حنك لها المسمّى بالاقتعاط تارة، و الطابقية أخرى الواردة في كراهتهما الأخبار.

ثمَّ إنّه لم يرد نص في تحديد التعمم كيفية و كمية إلّا من جهة الحنك فقط، فيكون المرجع في سائر جهاته العرف، فيكفي في طوله كلّ ما أدير على الرأس و لو مرة واحدة، و في عرضه كلّ ما كان في عرض أربع أصابع مثلا أو أكثر، كما تقدم في عمامة الميت.

ثمَّ إنّ في استحباب التحنك بحث و هو أنّ ظاهر قول النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): «الفرق بين المسلمين و المشركين التلحي بالعمائم»(1).

و مثله عن الصادق (عليه السلام) (2) فيظهر منهما: أنّ هذا الشعار كان في أول الإسلام و حين كان المشركون يعتمون، و مع زوال هذه العادة عن المشركين لا وجه للاستحباب بالنسبة إلى المسلمين، كما ورد مثل ذلك في الخضاب (3).

إن قيل: إنّه يمكن أن يكون ذلك من حكمة الجعل لا علة المجعول يقال: إنّه خلاف الظاهر، و مع الشك ليس لنا التمسك بإطلاقات الأدلة، و كذا الإجماع. و نظير ذلك كثير نتعرض له في موارده.

(15) لصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: «إياك و التحاف الصمّاء، قلت: و ما التحاف الصماء؟ قال: أن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحدة» (4).

ص: 352


1- الوسائل باب: 26 من أبواب لباس المصلّي حديث: 8.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب لباس المصلّي حديث: 10.
3- راجع الوسائل باب: 41 و باب: 44 من أبواب آداب الحمام.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

طرفه تحت إبطه و إلقاءه على الكتف.

(الثامن): التحزّم للرجل (16).

(التاسع): النقاب للمرأة إذا لم يمنع من القراءة و الا أبطل (17).

(العاشر): اللثام للرجل (18)

______________________________

و في مرسل الصدوق قال الصادق (عليه السلام): «التحاف الصماء هو أن يدخل الرجل رداءه تحت إبطه ثمَّ يجعل طرفيه على منكب واحد» (1).

ثمَّ إنّ كلام أهل اللغة مختلف في تفسيره أشد الاختلاف، و المتجه ما في الخبر.

(16) للنبوي- على ما في الجواهر-: «لا يصلّي أحدكم و هو محزّم».

و عن الخلاف دعوى الإجماع على الكراهة، و هو العمدة و إلّا فقد روي عنه (صلّى اللّه عليه و آله) أيضا: «لا يصلّي أحدكم و هو غير متحزم» (2).

(17) أما الأول فلخبر سماعة في المرأة تصلّي متنقبة، قال (عليه السلام): «إن كشفت عن موضع السجود فلا بأس به، و إن أسفرت فهو أفضل» (3).

و أما الأخير فلأنّ الإخلال بالقراءة و الأذكار الواجبة يوجب البطلان، سواء كان بالمباشرة أو بالتسبيب، كالنقاب و نحوه، بل يحرم إن كان إبطال الصلاة حراما حتّى بهذا النحو من الإبطال.

(18) لظهور الإجماع و خبر سماعة: «عن الرجل يصلّي فيتلو القرآن و هو

ص: 353


1- الوسائل باب: 25 من أبواب لباس المصلّي حديث: 6.
2- سنن البيهقي ج 2 صفحة 240.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

إذا لم يمنع من القراءة (19).

(الحادي عشر): الخاتم الذي عليه صورة (20).

(الثاني عشر): استصحاب الحديد البارز (21).

______________________________

متلثم، فقال (عليه السلام): «لا بأس به و إن كشف عن فيه فهو أفضل» (1).

و في خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قلت له:

أ يصلّي الرجل و هو متلثّم؟ فقال (عليه السلام): أما على الأرض فلا، و أما على الدابة فلا بأس» (2).

و ذكر اللثام على الدابة محمول على الضرورة العرفية.

(19) فيبطل حينئذ، لما تقدم في نقاب المرأة.

(20) لموثق عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطّير أو غير ذلك، قال (عليه السلام): لا تجوز الصلاة فيه» (3).

المحمول على الكراهة جمعا و إجماعا لخبر قرب الإسناد عن موسى بن جعفر (عليه السلام): «في الخاتم يكون فيه نقش تماثيل سبع أو طير يصلّى فيه؟

قال (عليه السلام): لا بأس» (4).

(21) لخبر السكوني عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «لا يصلّي الرجل و في يده خاتم حديد» (5).

و موثق عمار عنه (عليه السلام) «في الرجل يصلّي و عليه خاتم حديد؟ قال (عليه السلام) لا، و لا يتختم به الرجل فإنّه من لباس أهل النار» (6).

ص: 354


1- الوسائل باب: 35 من أبواب لباس المصلّي حديث: 6.
2- الوسائل باب: 35 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
3- الوسائل باب: 45 من أبواب لباس المصلّي حديث: 15.
4- الوسائل باب: 45 من أبواب لباس المصلّي حديث: 23.
5- الوسائل باب: 32 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
6- الوسائل باب: 32 من أبواب لباس المصلّي حديث: 5.

(الثالث عشر): لبس النساء الخلخال الذي له صوت (22).

(الرابع عشر): القباء المشدود بالزرور الكثيرة أو بالحزام (23).

______________________________

و في خبر ابن أكيل النميري عنه (عليه السلام): «و جعل اللّه الحديد في الدنيا زينة الجنّ و الشياطين فحرّم على الرجل المسلم أن يلبسه في الصلاة- الحديث» (1).

المحمول على الكراهة إجماعا، و في خبر النميري قال (عليه السلام):

«لا تجوز الصلاة في شي ء من الحديد، فإنّه نجس ممسوخ» (2).

و إطلاق مثل هذه الأخبار يشمل الأزرار أيضا، و أما التقييد بالبارز فيدل عليه مضافا إلى ظهور الإجماع، خبر الكافي: «إذا كان المفتاح في غلاف فلا بأس» (3).

و منه يظهر أنّ ما كان منه في الجيب لا يصدق عليه البارز أيضا.

(22) للإجماع، و لصحيح ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: «سألته عن الخلاخل هل يصلح للنساء و الصبيان لبسها؟ فقال: إذا كانت صماء فلا بأس، و إن كان لها صوت فلا» (4).

و دلالته على الكراهة في حال الصلاة مبنية على أنّ كلّ ما هو مكروه لبسه تكره الصلاة فيه أيضا. و كيف كان ففي الإجماع كفاية على الكراهة.

(23) على المشهور بين الفقهاء، و لم نعثر على نص فيه بالخصوص، قال في الخلاف: «يكره أن يصلّي و هو مشدود الوسط دليلنا: إجماع الفرقة».

و لا بد من تقييده بما ذكر في المتن، لأنّه المتيقن من الإجماع، و لما يأتي بعد ذلك.

ص: 355


1- الوسائل باب: 32 من أبواب لباس المصلّي حديث: 6.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب لباس المصلّي حديث: 3.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب لباس المصلّي حديث: 6.
4- الوسائل باب: 62 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

(الخامس عشر): الصلاة محلول الأزرار (24).

(السادس عشر): لباس الشهرة (25) إذا لم يصل إلى حدّ الحرمة، أو قلنا بعدم حرمته.

(السابع عشر): ثوب من لا يتوقّى من النجاسة خصوصا شارب الخمر. و كذا المتهم بالغصب (26).

______________________________

(24) لخبر الأحمر قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل يصلّي و أزراره محلّلة. قال (عليه السلام): لا ينبغي ذلك» (1).

و في رواية غياث، عن أبيه (عليه السلام) قال: «لا يصلّي الرجل محلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار» (2).

و هو محمول على تأكد الكراهة حينئذ لا التقييد كما هو عادة الفقهاء في نظائر المقام.

(25) لقاعدة أنّ ما هو مرجوح ذاتا في الملابس و الأزياء مرجوح في الصلاة أيضا المستفادة من ظهور التسالم، و من أنّ الحضور لدى المولى لا ينبغي أن يكون بما يكرهه مطلقا.

(26) لصحيح العيص عن الصادق (عليه السلام): «في الرجل يصلّي في إزار المرأة و في ثوبها و يعتم بخمارها قال: نعم، إذا كانت مأمونة» (3).

و يستفاد من ذيله التعميم لكلّ غير مأمون حتّى بالنسبة إلى الغصب خصوصا في الكراهة التي يتسامح فيها، و في صحيح ابن سنان قال: «سأل أبي أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يعير ثوبه لمن يعلم أنّه يأكل الجرّي و يشرب

ص: 356


1- الوسائل باب: 23 من أبواب لباس المصلّي حديث: 5.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب لباس المصلّي حديث: 3.
3- الوسائل باب: 49 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

(الثامن عشر): ثوب ذو تماثيل (27).

(التاسع عشر): الثوب الممتزج بالإبريسم (28).

(العشرون): ألبسه الكفار و أعداء الدّين (29).

______________________________

الخمر فيرده أ يصلّي فيه قبل أن يغسله؟ قال: لا يصلّي فيه حتّى يغسله» (1).

المحمول على الكراهة، إجماعا.

(27) لصحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «أنّه كره أن يصلّي و عليه ثوب فيه تماثيل»(2).

و المنساق منه تمثال الحيوان، و لكن نسب إلى الأكثر، بل عن المختلف دعوى الإجماع على التعميم و هذا المقدار يكفي في الكراهة بناء على التسامح فيها، و لكن المتحصّل من مجموع النصوص الاختصاص بذي الروح مثل ما ورد بزوال الكراهة بتغيير الرأس (3)، و ما ورد من تكليف المصوّرين بنفخ الروح فيه (4)، و ما ورد من جواز نقش غير ذي الروح (5)و هو المراد من الكلمات، و يقتضيه سيرة المتدينين و المتدينات في الصلاة على الثياب التي لها أوراد و أزهار و نحوهما من صور النباتات.

(28) لا دليل على الكراهة فيه إلّا الخروج عن شبهة مخالفة الصدوق (رحمه اللّه).

(29) لكراهته في غير حال الصلاة، لقوله تعالى: لا تلبسوا لباس أعدائي- إلى أن قال- فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي (6).

فيشمله قاعدة كلّ ما هو مرجوح نفسي مرجوح في الصلاة أيضا، و لأنّ

ص: 357


1- الوسائل باب: 74 من أبواب النجاسات حديث: 2.
2- الوسائل باب: 45 من أبواب لباس المصلّي حديث: 12.
3- الوسائل باب: 45 من أبواب لباس المصلّي حديث: 18.
4- الوسائل باب: 94 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6.
5- الوسائل باب: 94 من أبواب ما يكتسب به حديث: 7 و 9.
6- الوسائل باب: 19 من أبواب لباس المصلّي حديث: 8.

(الحادي و العشرون): الثوب الوسخ (30).

(الثاني و العشرون): السنجاب (31).

(الثالث و العشرون): ما يستر ظهر القدم من غير أن يغطّي الساق (32).

(الرابع و العشرون): الثوب الذي يوجب التكبر (33).

(الخامس و العشرون): لبس الشائب ما يلبسه الشبان (34).

(السادس و العشرون): الجلد المأخوذ ممن يستحل الميتة

______________________________

الحضور لدى المولى مع التلبس بلباس أعدائه ليس من دأب من يحب المولى، بل لا بد و أن تكون الخطرات القلبية و الحركات الجوارحية و اللباس و غيرها محبوبة عنده.

(30) لأنّ لبسه مرجوح نفسا، فتشمله القاعدة المتقدمة، مضافا إلى أنّ القيام لدى مالك الملوك مع الوساخة ظاهرية كانت أو باطنية مرجوح بالفطرة.

(31) للخروج عن شبهة الخلاف.

(32) لما تقدم من قصور الدليل عن إثبات الحرمة، فيحمل على الكراهة لأنّها قابلة للمسامحة.

(33) إذ المقام مقام التذلل و الاستكانة، فلا يناسب التكبر و قد تقدم فيما ورد في التوشح فوق القميص تصريح بذلك أيضا.

(34) لأنّه مرجوح نفسيّ و كلّ مرجوح نفسي مرجوح صلاتي أيضا قال الصادق (عليه السلام): «خير شبابكم من تشبه بكهولكم، و شرّ كهولكم من تشبه بشبابكم» (1).

ص: 358


1- الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الملابس حديث: 3.

بالدباغ (35).

(السابع و العشرون): الصلاة في النعل من جلد الحمار (36).

(الثامن و العشرون): الثوب الضيّق اللاصق بالجلد (37).

(التاسع و العشرون): الصلاة مع الخضاب قبل أن يغسل (38).

(الثلاثون): استصحاب الدرهم الذي عليه صورة (39).

______________________________

(35) لحمل بعض النصوص الذي يظهر منه المنع على الكراهة (1)و قد تقدم فراجع.

(36) لخبر ابن جعفر قال: «و سألته عن الرجل صلّى و معه دبة من جلد الحمار و عليه نعل من جلد الحمار هل تجزيه صلاته؟ أو عليه إعادة؟ قال: لا يصلح له أن يصلّي و هي معه- الحديث-» (2).

(37) على المشهور، و يمكن استفادته مما ذكروه في القباء المشدود، و ظاهرهم التسالم على كراهة كلّ ما يشغل القلب و يمكن أن يكون هذا منه بل من أشدّه و أقواه.

(38) لخبر الحضرمي قال: «سألت أبا عبد اللّه عن الرجل يصلّي و عليه خضابه؟ قال: لا يصلّي و هو عليه و لكن ينزعه إذا أراد أن يصلّي، قلت: إنّ حناءه و خرقته نظيفة، فقال: لا يصلّي و هو عليه و المرأة أيضا لا تصلّي و عليها خضابها» (3).

المحمول على الكراهة جمعا و إجماعا، و يشهد لها أنّ تلك الحالة لا تناسب الحضور لدى العظماء، فكيف بالحضور لدى الأعظم من كلّ عظيم.

(39) لقول الصادق (عليه السلام): «ما اشتهى أن يصلّي و معه هذه

ص: 359


1- تقدم في صفحة: 260.
2- الوسائل باب: 60 من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.
3- الوسائل باب: 39 من أبواب لباس المصلّي حديث: 5.

(الواحد و الثلاثون): إدخال اليد تحت الثوب إذا لاصقت البدن (40).

(الثاني و الثلاثون): الصلاة مع نجاسة ما لا تتم فيه الصلاة كالخاتم و التكة و القلنسوة و نحوها (41).

(الثالث و الثلاثون): (1) الصلاة للرجل معقوص الشعر (43).

______________________________

الدراهم التي فيها التماثيل، ثمَّ قال (عليه السلام): ما للناس بدّ من حفظ بضائعهم، فإن صلّى و هي معه فلتكن من خلفه و لا يجعل شيئا منها بينه و بين القبلة» (2).

(40) لموثق عمار عن الصادق (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يصلّي فيدخل يده في ثوبه، قال: إن كان عليه ثوب آخر إزار أو سراويل فلا بأس و إن لم يكن فلا يجوز له ذلك، و إن أدخل يدا واحدة و لم يدخل الأخرى فلا بأس» (3).

المحمول على الكراهة جمعا و إجماعا.

(41) لما أرسلها في الذخيرة إرسال المسلّمات و قرّرها جميع المحشين، و نسب إلى الشيخ في النهاية و ابن زهرة استحباب التطهير فيما لا تتمم الصلاة فيه.

(42) لما تقدم في سابقة.

(43) لخبر مصادف عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في الرجل صلّى

ص: 360


1- من إضافات سيدنا الوالد- دام ظلّه.
2- الوسائل باب: 45 من أبواب لباس المصلّي حديث: 3.
3- الوسائل باب: 40 من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.

(الخامس و الثلاثون): الصلاة في ثوب فيه بول الفرس أو الحمار أو البغل و كذا أرواثها (44).

(السادس و الثلاثون): أن تصلّي المرأة عطلاء (45).

______________________________

بصلاة الفريضة و هو معقص الشعر قال: يعيد صلاته»(1).

المحمول على الكراهة إجماعا.

(44) لخبر أبي مريم قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) ما تقول في أبوال الدواب و أرواثها؟ قال: أما أبوالها فاغسل ما أصاب ثوبك، و أما أرواثها فهي أكثر من ذلك» (2).

(45) لجملة من الأخبار منها قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «لا تصلينّ امرأة إلّا عليها من الحليّ أدناها حرض فما فوقه إلّا أن لا تجدوه» (3) و عن عليّ (عليه السلام): «لا تصلّي المرأة عطلاء» (4).

ص: 361


1- الوسائل باب: 36 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 8.
3- مستدرك الوسائل باب: 40 من أبواب لباس المصلّي.
4- الوسائل باب: 58 من أبواب لباس المصلّي.

فصل فيما يستحب من اللباس

(فصل فيما يستحب من اللباس) و هي أيضا أمور:

(أحدها): العمامة مع التحنك (1).

(الثاني): الرداء خصوصا للإمام، بل يكره له تركه (2).

(فصل فيما يستحب من اللباس)

______________________________

(1) لما روي: «ركعتان مع العمامة خير من أربع ركعات بغير العمامة» (1).

و التحنك من مظاهر التخضع و التخشع، فيناسب حال الصلاة، مضافا إلى ما تقدم من أنّ ما هو مندوب حال الصلاة أيضا و الظاهر أنّهما مندوبان مستقلان، فمن ترك التعمم و التحنك في الصلاة ترك مندوبين و من تعمم فيها و لم يتحنك ترك مندوبا واحدا و كذا لو ترك العمامة و ألقى شيئا بعنوان التحنك على أحد طرفي رأسه و إن أمكن دعوى الانصراف عن هذا القسم.

(2) لخبر جميل قال: «سأل مرازم أبا عبد اللّه (عليه السلام) و أنا معه حاضر عن الرجل الحاضر يصلّي في إزار مؤتزرا به؟ قال: يجعل على رقبته منديلا أو عمامة يرتدي به» (2).

و عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «أدنى ما يجزيك أن تصلّي فيه بقدر

ص: 362


1- الوسائل باب: 64 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 53 من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.

(الثالث): تعدد الثياب (3)، بل يكره في الثوب الواحد للمرأة كما مرّ (4).

(الرابع): لبس السراويل (5).

(الخامس): أن يكون اللباس من القطن، أو الكتان (6).

______________________________

ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف» (1).

و المستفاد من المجموع استحباب الرداء، مع عدم إمكانه فيجعل كلّ ما تيسر على العاتق و خبر ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال:

سألته عن الرجل هل يصلح له أن يؤم في سراويل و قلنسوة؟ قال: لا يصلح» (2).

و في صحيح ابن خالد عن الصادق (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل أمّ قوما في قميص ليس عليه رداء فقال: لا ينبغي إلّا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها (3).

(3) لما عن أبي جعفر (عليه السلام): «إنّ لكلّ شي ء عليك تصلّي فيه يسبح معك» (4).

(4) تقدم في الثالث من الفصل السابق.

(5) لما روي من أنّ: «ركعة بسراويل تعدل أربعا بغيره» (5).

(6) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «البسوا ثياب القطن فإنّه لباس رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و هو لباسنا»(6).

ص: 363


1- الوسائل باب: 53 من أبواب لباس المصلّي حديث: 6.
2- الوسائل باب: 53 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
3- الوسائل باب: 53 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
4- الوسائل باب: 63 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
5- الوسائل باب: 64 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
6- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.

(السادس): أن يكون أبيض (7).

(السابع): لبس الخاتم من العقيق (8).

(الثامن): لبس النعل العربية (9).

______________________________

و عنه (عليه السلام): «الكتان من لباس الأنبياء و هو ينبت اللحم» (1).

و ظاهرهما الاختصاص بخصوص الصلاة، و مقتضى ما تقدم- ما أنّ كلّ ما هو مندوب في نفسه من الألبسة و الأزياء مندوب صلاتي أيضا- ثبوت الاستحباب حال الصلاة أيضا.

(7) لقول الصادق (عليه السلام): «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله):

ألبسوا البياض فإنّه أطيب و أطهر، و كفنوا فيه موتاكم» (2).

و لا يختص ذلك أيضا بحال الصلاة إلّا بناء على ما مرّ».

(8) لقول الصادق (عليه السلام): «صلاة ركعتين بفص عقيق تعدل ألف ركعة بغيره» (3). و عنه (عليه السلام) أيضا: «ما رفعت كفّ إلى اللّه أحبّ إليه من كفّ فيها عقيق (4).

(9) لأنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) كان يلبس نعليه عند الصلاة كما في الحديث (5) و عن الصادق (عليه السلام): «إذا صلّيت فصلّ في نعليك إذا كانت طاهرة فإنّ ذلك من السنة» (6).

و مثل هذه الأخبار و إن كانت مطلقة إلّا أنّ المشهور قيدوها بالعربية.

ص: 364


1- الوسائل باب: 16 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
3- الوسائل باب: 53 من أبواب أحكام الملابس حديث: 10.
4- الوسائل باب: 51 من أبواب أحكام الملابس حديث: 9.
5- الوسائل باب: 63 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
6- الوسائل باب: 37 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

(التاسع): ستر القدمين للمرأة (10).

(العاشر): ستر الرأس في الأمة و الصبية و أما غيرهما من الإناث فيجب كما مرّ (11).

(الحادي عشر): لبس أنظف ثيابه (12).

(الثاني عشر): استعمال الطّيب، ففي الخبر ما مضمونه:

الصلاة مع الطّيب تعادل سبعين صلاة.

______________________________

(10) خروجا عن شبهة الخلاف، و لأنّه من الاحتياط الراجح مطلقا.

(11) أما بالنسبة إلى الصبية، فالاستحباب تمرينيّ. و أمّا بالنسبة إلى الأمة فلم أظفر على نص يقتضي الاستحباب فراجع و تفحص. نعم، نسب ذلك إلى جمع من الفقهاء- منهم المحقق في المعتبر و النافع و العلامة في المنتهى و التذكرة- لما فيه من الستر و الحياء و هما مندوبان مطلقا خصوصا بالنسبة إلى النساء حتّى فيما نصّ فيه على عدم الوجوب.

(12) لما رواه العياشي عن الحسين بن عليّ (عليهما السلام): «أنّه كان إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه، فقيل له: يا ابن رسول اللّه لم تلبس أجود ثيابك؟ فقال: إنّ اللّه جميل يحب الجمال فأتجمّل لربّي، و هو يقول: خذوا زينتكم عند كلّ مسجد فأحبّ أن ألبس أجمل ثيابي» (1).

و يستفاد من التعليل استحباب لبس الأنظف أيضا و أما في بعض الأخبار من أنّهم (عليهم السلام) يلبسون أغلظ الثياب عند الصلاة (2) فيمكن أن يكون ذلك في الصلوات التي تصلّى للحوائج العظام و التظلم و الاشتكاء إلى اللّه تعالى فيتظاهرون بمظهر المظلومية من كلّ جهة.

ص: 365


1- الوسائل باب: 54 من أبواب لباس المصلّي حديث: 6.
2- الوسائل باب: 54 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

(الثالث عشر): ستر ما بين السرة و الركبة (13).

(الرابع عشر): لبس المرأة قلادتها (14).

______________________________

(13) تقدم وجهه في كتاب الطهارة في [مسألة 5] من أحكام التخلّي، و تقدم في [مسألة 3] من (فصل في الستر و الساتر في الصلاة) فراجع.

(14) لما يظهر منهم التسالم على الاستحباب، بل و يكره تركه، لما عن عليّ (عليه السلام) أنّه قال: «لا تصلّي المرأة عطلاء» (1).

تنبيه: النواهي الواردة في الفصل السابق و الأوامر الواردة في هذا الفصل و إن كانت ظاهرة في الحرمة و الوجوب إلّا أنّها محمولة على الكراهة و الندب، جمعا و إجماعا.

ص: 366


1- الوسائل باب: 58 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

فصل في بعض ما يتعلق باللباس في غير الصلاة

(فصل في بعض ما يتعلق باللباس في غير الصلاة)(1) و هي أمور:

(الأول): يستحب التجميل باللباس بشرط أن يكون من الحلال (1).

(الثاني): يستحب إظهار النعمة و كون الإنسان في أحسن زيّ قومه، بل يكره كتمان النعمة (2).

(فصل في بعض ما يتعلق باللباس في غير الصلاة)

______________________________

(1) لقول الصادق (عليه السلام): «البس و تجمّل فإنّ اللّه جميل و يحب الجمال و ليكن من حلال» (2).

و عنه (عليه السلام) أيضا: «ثلاثة أشياء لا يحاسب اللّه عليها المؤمن:

طعام يأكله، و ثوب يلبسه، و زوجة صالحة تعاونه و يحصّن بها فرجه» (3).

(2) لقول الصادق (عليه السلام): «إظهار النعمة أحبّ إلى اللّه من صيانتها، فإياك أن تزين إلّا في أحسن زيّ قومك» (4).

و عنه (عليه السلام): «إذا أنعم اللّه على عبده بنعمة فظهرت عليه سمّي حبيب اللّه محدّث بنعمة اللّه، و إذا أنعم اللّه على عبد بنعمة فلم تظهر عليه سمّي بغيظ اللّه مكذّب بنعمة اللّه» (5).

ص: 367


1- من إضافات سيدنا الوالد دام ظلّه العالي.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام الملابس حديث: 4.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام الملابس حديث: 7.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الملابس حديث: 3.

(الثالث): يستحب تزيين المسلم للمسلم و للغريب و الأهل و الأصحاب (3).

(الرابع): أن يواظب على نظافة الثياب (4).

(الخامس): خير لباس كلّ زمان لباس أهله (5).

______________________________

و عنه (عليه السلام): «إنّي لأكره للرجل أن يكون عليه من اللّه نعمة فلا يظهرها» (1).

(3) لقول الصادق: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ليتزين أحدكم لأخيه المسلم كما يتزين للغريب الذي يحب أن يراه في أحسن الهيئة» (2).

و عن النبيّ (3) (صلّى اللّه عليه و آله): «و لقد كان يتجمل لأصحابه فضلا عن تجمله لأهله و قال: إنّ اللّه يحب من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيّأ لهم و يتجمل».

(4) لقول عليّ (عليه السلام): «النظيف من الثياب يذهب الهمّ و الحزن و هو طهور للصلاة» (4).

(5) لما رواه حماد بن عثمان قال: «كنت حاضرا عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) إذ قال له رجل: أصلحك اللّه ذكرت أنّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) كان يلبس الخشن يلبس القميص بأربعة دراهم و ما أشبه ذلك، و نرى عليك اللباس الجيد؟ قال: فقال (عليه السلام) له: إنّ عليّ بن أبي طالب (صلوات اللّه عليه) كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر، و لو لبس مثل ذلك اليوم لشهّر به، فخير لباس كلّ زمان لباس أهله غير أنّ قائمنا إذا قام لبس لباس عليّ و سار بسيرته» (5).

ص: 368


1- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الملابس حديث: 4.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب أحكام الملابس حديث: 2.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام الملابس حديث: 7.

(السادس): لا بأس بتعدد الثياب من كلّ صنف و ليس ذلك من الإسراف (6).

(السابع): يستحب أن يكون اللباس أبيض، و أن يكون من القطن أو الكتان (7)

______________________________

و خبر مسعدة بن صدقة قال: «دخل سفيان الثوري على أبي عبد اللّه (عليه السلام) فرأى عليه ثيابا بيضا كأنّها غرقئ البيض فقال له: إنّ هذا اللباس ليس من لباسك، فقال له: اسمع منّي و ع ما أقول لك، فإنّه خير لك عاجلا و آجلا، إن أنت متّ على السنة و لم تمت على بدعة، أخبرك أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) كان في زمان مقفر جدب، فأما إذا أقبلت الدنيا فأحق أهلها بها أبرارها لا فجارها، و مؤمنوها لا منافقوها، و مسلموها لا كفارها، فما أنكرت يا ثوري فو اللّه إنّي لمع ما ترى ما أتى عليّ مذ عقلت صباح و لا مساء و للّه في مالي حق أمرني أن أضعه موضعا إلّا وضعته- الحديث-» (1).

أقول: لا بد و أن تحمل مثل هذه الأخبار على بعض الجهات لا مثل أن يلبس العالم- مثلا لباس الجندي أو بالعكس، و يمكن أن تكون في البين جهات خارجية مانعة عن الأخذ بإطلاق مثل هذه الأخبار.

(6) للأصل و السيرة، و موثق ابن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) يكون لي ثلاثة أقمصة، قال: لا بأس، فلم أزل حتّى بلغت عشرة قال: أ ليس يودع بعضها بعضا؟ قلت: بلى و لو كنت إنّما ألبس واحدا كان أقلّ بقاء قال: لا بأس» (2).

(7) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «قال رسول اللّه البسوا البياض فإنّه أطيب و أطهر و كفّنوا فيه موتاكم» (3).

ص: 369


1- الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام الملابس حديث: 10.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الملابس حديث: 2.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.

و يكره لبس الصوف و الشعر إلا من علة (8).

(الثامن): يستحب التواضع في الملابس و تقصير الثوب، بل يكره أسباله و الاختيال و التبختر بالثوب (9)، بل قد يحرمان و يكره

______________________________

و عنه (عليه السلام) أيضا قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) البسوا ثياب القطن فإنّه لباس رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و هو لباسنا» (1).

و عنه (عليه السلام): «الكتان من لباس الأنبياء و هو ينبت اللحم» (2).

(8) لقول الصادق (عليه السلام): «لا يلبس الصوف و الشعر إلّا من علة» (3).

و أنّ رسول اللّه لم يلبس الصوف و الشعر إلّا من علة (4)، و أما ما ورد من:

«أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) كان يلبس الصوف ليكون سنة من بعده» (5).

فيمكن أن يكون من المفتعلات كما يمكن أن يكون المراد بلبس الصوف و الشعر النهي عما كان في شعار الصوفية لا مطلق الصوف و الشعر.

(9) لأنّ التواضع مطلوب على كلّ حال، قال أبو عبد اللّه (عليه السلام):

«إنّ عليّ بن الحسين (عليه السلام) خرج في ثياب حسان فرجع مسرعا، فقال:

يا جارية ردي ثيابي فقد مشيت في ثيابي، فإنّي لست عليّ بن الحسين» (6).

و هو محمول على عدم مناسبة اللباس للتواضع الذي ينبغي له (عليه السلام) لا على الخيلاء، لأنّه (عليه السلام) منزّه عنه، و عن الصادق (عليه السلام): «في قوله تعالى وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ. قال (عليه السلام): معناه ثيابك فقصّر» (7).

ص: 370


1- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
4- الوسائل باب: 19 من أبواب أحكام الملابس حديث: 4.
5- الوسائل باب: 19 من أبواب أحكام الملابس حديث: 6.
6- الوسائل باب: 21 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
7- الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام الملابس حديث: 10.

ابتذال ثوب الصون (10).

(التاسع): يستحب استجادة الحذاء (11) و إدمانه صيفا و شتاء (12).

(العاشر): يستحب أن يبتدئ في لبسه باليمين و في خلعه

______________________________

و فسرت في جملة من الأخبار بالتشمير أيضا (1)، و عن عليّ (عليه السلام) قال: «ستة في هذه الأمة من أخلاق قوم لوط: الجلاهق، البندق، و الخذف، و مضغ العلك، و إرخاء الإزار خيلاء، و حلّ الأزرار من القباء و القميص» (2).

(10) لموثق ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «أدنى الإسراف هراقة فضل الإناء، و ابتذال ثوب الصون، و إلقاء النّوى» (3).

(11) لقول عليّ (عليه السلام): «استجادة الحذاء وقاية للبدن، و عون على الصلاة و الطهور» (4).

و عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال: «من اتخذ نعلا فليستجدها، و من اتخذ ثوبا فليستنظفه، و من اتخذ دابة فليستفرهها، و من اتخذ امرأة فليكرمها فإنّما امرأة أحدكم لعبته فمن اتخذها فلا يضيعها، و من اتخذ شعرا فليحسن إليه و من اتخذ شعرا فلم يفرقه فرقه اللّه يوم القيامة بمنشار من نار» (5).

(12) لقول الصادق (عليه السلام): «إدمان لبس الخف أمان من السل» (6).

ص: 371


1- الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1 و 8.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام الملابس حديث: 9.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
4- الوسائل باب: 32 من أبواب أحكام الملابس حديث: 3.
5- الوسائل باب: 32 من أبواب أحكام الملابس حديث: 4.
6- الوسائل باب: 41 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.

باليسار (13)، و يكره المشي في حذاء واحد (14).

(الحادي عشر): يستحب لبس السراويل من قعود و يكره لبسه و لبس النعل من قيام (15).

(الثاني عشر): يستحب الدعاء بالمأثور عند لبس الثوب الجديد

______________________________

(13) لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «من السنة خلع الخف اليسار قبل اليمين، و لبس اليمين قبل اليسار» (1).

(14) لجملة من الأخبار:

منها: ما عن الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): قال: «لا تمش في حذاء واحد قلت لم؟ قال: لأنّ إن أصابك مسّ من الشيطان لم يكد يفارقك إلّا ما شاء اللّه» (2).

و عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: «ثلاث يتخوف منهنّ الجنون: المشي في خف واحد- الحديث-» (3).

(15) لما عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «من لبس السراويل من قعود وقي وجع الخاصرة» (4).

و قال (عليه السلام): «من لبس سراويله من قيام لم تقض له حاجة ثلاثة أيام» (5).

و قال (عليه السلام): «نهى النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) أن يتنعل الرجل و هو قائم» (6).

ص: 372


1- الوسائل باب: 43 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
2- الوسائل باب: 44 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
3- الوسائل باب: 44 من أبواب أحكام الملابس حديث: 5.
4- الوسائل باب: 68 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
5- الوسائل باب: 68 من أبواب أحكام الملابس حديث: 5.
6- الوسائل باب: 69 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.

و التسمية عند خلع الثوب مطلقا (16).

(الثالث عشر): يستحب التبرع بكسوة المؤمن غنيا كان أو فقيرا و إن كان في الثاني آكد (17).

______________________________

(16) لصحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يلبس الثوب الجديد، قال: يقول: اللهم اجعله ثوب يمن و تقى و بركة، اللهم ارزقني فيه حسن عبادتك، و عملا بطاعتك، و أداء شكر نعمتك، الحمد للّه الذي كساني ما أواري به عورتي، و أتجمل به في الناس» (1).

و غيره من الأدعية الواردة في أخبار أخر. و أما التسمية، فلقول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «إذا خلع أحدكم ثيابه فليسمّ لئلا يلبسها الجنّ فإنّه إذا لم يسمّ عليها لبسها الجنّ حتّى يصبح»(2).

(17) لقول الصادق (عليه السلام): «من كسا أخاه كسوة شتاء أو صيف كان حقا على اللّه أن يكسوه من ثياب الجنة، و أن يهوّن عليه من سكرات الموت، و أن يوسع عليه في قبره، و أن يلقى الملائكة إذا خرج من قبره بالبشرى، و هو قول اللّه عزّ و جلّ في كتابه وَ تَتَلَقّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (3).

و قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «من كسا أحدا من فقراء المسلمين ثوبا من عرى أو أعانه بشي ء مما يقوّيه على معيشته و كل اللّه عزّ و جل به سبعين ألف من الملائكة يستغفرون لكلّ ذنب عمله إلى أن ينفخ في الصور» (4).

و عن الصادق (عليه السلام): «و من كسا مؤمنا ثوبا من غنى لم يزل في ستر من اللّه ما بقي من الثوب خرقة» (5).

ص: 373


1- الوسائل باب: 27 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
2- الوسائل باب: 67 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
3- الوسائل باب: 73 من أبواب أحكام الملابس حديث: 5.
4- الوسائل باب: 73 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
5- الوسائل باب: 73 من أبواب أحكام الملابس حديث: 4.

(الرابع عشر): يستحب لبس الخاتم (18) و أن تكون حلقته من الفضة (19).

(الخامس عشر): يستحب أن يكون الخاتم في اليمين و أن يكون فصّه العقيق الأحمر (20) و لا بأس بالتختم في اليسار أيضا (21).

______________________________

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة.

(18) للإجماع، و النصوص المستفيضة:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «من السنة لبس الخاتم» (1).

(19) لقول عليّ (عليه السلام): «لا تختموا بغير الفضة فإنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) قال: ما طهرت كف فيها خاتم حديد» (2).

(20) لنصوص كثيرة:

منها: قول النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) لعليّ (عليه السلام): «يا عليّ تختّم باليمين تكن من المقرّبين، قال: يا رسول اللّه و من المقرّبون؟ قال: جبرئيل و ميكائيل، قال: بم أتختّم يا رسول اللّه؟ قال بالعقيق، فإنّه أول جبل أقرّ للّه عزّ و جل بالوحدانية، و لي بالنبوة، و لك يا عليّ بالوصية، و لولدك بالإمامة، و لمحبيك بالجنة، و لشيعة ولدك بالفردوس» (3).

و عن العسكري عدّه من علامات المؤمن (4).

(21) لرواية عليّ بن جعفر قال: «سألت أخي موسى (عليه السلام) عن الخاتم يلبس في اليمين؟ فقال: إن شئت في اليمين و إن شئت في اليسار» (5).

و عن ابن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «أنّه سأله عن التختم

ص: 374


1- الوسائل باب: 45 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب أحكام الملابس حديث: 3.
3- الوسائل باب: 49 من أبواب أحكام الملابس حديث: 5.
4- الوسائل باب: 49 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
5- الوسائل باب: 48 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.

(السادس عشر): لا فرق في العقيق بين جميع أصنافه الطبيعية و ألوانه (22).

(السابع عشر): يستحب التختم بالياقوت و الزمرد و الفيروزج أيضا، و الجزع اليماني (23).

______________________________

في اليمين و قلت: إنّي رأيت بني هاشم يتختمون في أيمانهم، فقال: كان أبي يتختم في يساره و كان أفضلهم و أفقههم» (1).

(22) لخبر الدهان قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) «أي الفصوص أركب على خاتمي؟ فقال: يا بشير أين أنت عن العقيق الأحمر، و العقيق الأصفر و العقيق الأبيض، فإنّها ثلاثة جبال في الجنة- إلى أن قال- فمن تختم بشي ء منها من شيعة آل محمد لم ير إلّا الخير و الحسنى، و السعة في الرزق و السلامة من جميع أنواع البلاء، و هو أمان من السلطان الجائر، و من كلّ ما يخاف الإنسان و يحذره» (2).

و عن فاطمة (عليها السلام) قالت: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله):

من تختّم بالعقيق لم يزل يرى خيرا»(3).

و مقتضى الإطلاقات عدم الفرق بين اليماني و غيره مطلقا بعد أن كان طبيعيا. نعم، الظاهر انصراف الأدلة عن المصنوع منه.

(23) لما عن أبي الحسن، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) تختم باليواقيت فإنّها تنفي الفقر»(4).

و عن أبي الحسن (عليه السلام): «التختم بالزمرد يسر لا عسر فيه» (5).

ص: 375


1- الوسائل باب: 48 من أبواب أحكام الملابس حديث: 2.
2- الوسائل باب: 52 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
3- الوسائل باب: 52 من أبواب أحكام الملابس حديث: 2.
4- الوسائل باب: 54 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
5- الوسائل باب: 55 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.

(الثامن عشر): يتأكد استصحاب العقيق في حال السفر، و الخوف و الدعاء (24)، و الفص مطلقا من باب تعدد المطلوب و يجزي في أصل التختم لبس حلقة فضة (25).

(التاسع عشر): يكره التختم في السبابة و الوسطى (26).

(العشرون): لا يجوز أن يمسح الإنسان يده بثوب غيره إلا مع

______________________________

و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «ما افتقرت كف تختمت بالفيروزج» (1).

و عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «قال اللّه سبحانه و تعالى: إنّي لأستحيي من عبد يرفع يده و فيها خاتم فصه فيروزج فأردها خائبة» (2).

و عن عليّ (عليه السلام): «تختموا بالجزع اليماني فإنّه يرد كيد مردة الشياطين»(3).

(24) قوله (عليه السلام): «العقيق أمان في السفر» (4).

و قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «العقيق يحرس من كلّ سوء» (5).

(25) لظهور الأدلة في ذلك، و يدل عليه صحيح ابن وهب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كان خاتم رسول اللّه من ورق، قال: قلت له: كان فيه فص؟ قال: لا» (6).

(26) لقول النبيّ (صلّ اللّه عليه و آله): «يا عليّ لا تختم في السبابة و الوسطى فإنّه كان يتختم قوم لوط فيهما و لا تعر الخنصر» (7).

ص: 376


1- الوسائل باب: 56 من أبواب أحكام الملابس حديث: 3.
2- الوسائل باب: 56 من أبواب أحكام الملابس حديث: 5.
3- الوسائل باب: 57 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
4- الوسائل باب: 53 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
5- الوسائل باب: 53 من أبواب أحكام الملابس حديث: 3.
6- الوسائل باب: 46 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1.
7- الوسائل باب: 59 من أبواب أحكام الملابس حديث: 2.

العلم برضاه مطلقا (27).

______________________________

(27) لأنّه لا يجوز التصرف في مال الغير إلّا برضاه، و عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) قال: «ألا لا تحقرنّ شيئا و إن صغر في أعينكم فإنّه لا صغيرة بصغيرة مع الإصرار و لا كبيرة بكبيرة مع الاستغفار، ألا و إنّ اللّه يسألكم عن أعمالكم حتّى مسّ أحدكم ثوب أخيه بين إصبعيه»(1).

هذا يسير من كثير مما يتعلق بأحكام الملابس وفقنا اللّه تعالى للعمل بها و يأتي جملة منها في الأبواب المناسبة إن شاء اللّه تعالى.

ص: 377


1- الوسائل باب: 70 من أبواب أحكام الملابس حديث: 2.

فصل في مكان المصلّي

اشارة

(فصل في مكان المصلّي)

فصل في أمور يشترط في مكان المصلي

اشارة

و المراد به ما استقر عليه و لو بوسائط، و ما شغله من الفضاء في قيامه، و قعوده، و ركوعه و سجوده، و نحوها (1).

و يشترط فيه أمور:

أحدها: إباحته
اشارة

(أحدها): إباحته، فالصلاة في المكان المغصوب باطلة (2)، (فصل في مكان المصلّي)

______________________________

(1) لأنّ المراد بالمكان مطلق قرار الشي ء و إشغاله له أعمّ من الفضاء و غيره، و أعمّ من كونه بلا واسطة أو معها، و هذا هو مراد الجميع و إن اختلفوا في التعبير، و هو المنساق منه عرفا و المراد عند اللغويين، بل الحكماء و المتكلمين أيضا و إن قصرت عباراتهم عن تأدية المراد، فلا وقع للإشكال عليها، لأنّ الجميع من الشروح اللفظية.

و توهم أنّ له عند الفقهاء معنيين: باعتبار الإباحة، و باعتبار الطهارة.

فاسد، لأنّ اعتبار طهارة مكان المصلّي من باب الوصف بحال المتعلق فما لم يوجب نجاسة بدنه أو لباسه لا يوجب البطلان و لا اعتبار بها قطعا. و لا ثمرة عملية في تحقيق ذلك بعد وضوح المراد، و لذا لم يتعرض جمع من الفقهاء لتعريفه أصلا. ثمَّ إنّ المراد بمحل القرار أعم من الحقيقي و الاعتباري.

(2) إجماعا من المسلمين، بل ضرورة من الدّين، لتقوم العبادة

ص: 378

سواء تعلق الغصب بعينه أو بمنافعه، كما إذا كان مستأجرا و صلّى فيه شخص من غير إذن المستأجر و إن كان مأذونا من قبل المالك، أو تعلق به حق، كحق الرهن و حق غرماء الميت، و حق الميت إذا أوصى بثلثه و لم يفرز بعد و لم يخرج منه (3).

______________________________

بالتقرب، و لا يمكن التقرب بما يعاقب به المكلّف، و يكون مبغوضا عند من يتقرب لديه، و التفكيك بين جهة التقرب و جهة المبغوضية و إن أمكن بحسب الدقة العقلية، لأنّ المكان من لوازم الجسم و لا ربط له بأفعال الصلاة و أذكارها و لكن الأحكام الشرعية ليست مبنية عليها، بل على العرفيات، و مقتضاها كون الصلاة في المغصوب مبغوض لا يصح التقرب بها إلى اللّه عزّ و جل فيرون شخص هذا العمل مخالفة و عصيانا لا عبادة و إطاعة له تعالى، و يأتي في المسائل الآتية ما ينفع المقام.

ثمَّ إنّ ظاهرهم أنّ مسألة الصلاة في المكان المغصوب من صغريات اجتماع الأمر و النهي، و الصحة و الفساد مبنية على تلك المسألة جوازا أو منعا و لكنّه باطل، لظهور إجماعهم على بطلانها في المكان المغصوب في سعة الوقت و إمكان الخروج، سواء قيل بالجواز بالامتناع، كإجماعهم على الصحة فيه فيما إذا كان مضطرا و لم يكن الاضطرار بسوء الاختيار و عدم استلزام الصلاة تصرفا زائدا على أصل الكون، و كذا في ضيق الوقت إن أمكنه الخروج و صلّى في حال خروجه، و قد أثبتنا أنّه لا ثمرة عملية لهذا النزاع، فراجع ما كتبناه في (تهذيب الأصول).

(3) لتحقق حرمة التصرف في الجميع فيكون مبغوضا و يعاقب المكلّف عليه فلا يصح أن يكون مقرّبا، فكما يكون التصرف في مال الغير حراما عقلا و شرعا- عينا كان أو منفعة يكون التصرف في متعلق حقه كذلك أيضا، لأصالة احترام ما يتعلق بالغير ما لا كان أو حقا، و هي من الأصول العقلائية النظامية التي تحكم الفطرة بها، و تطابقت الشرائع الإلهية عليها. أمّا حق الرهن فللإجماع،

ص: 379

و حق السبق كمن سبق إلى مكان من المسجد أو غيره فغصبه منه غاصب على الأقوى (4)، و نحو ذلك. و إنّما تبطل الصلاة إذا كان

______________________________

و قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف» (1).

و أما حق الغرماء و حق الميت المتعلق بالثلث فلجريان القاعدة الارتكازية و هي أنّه ليس لأحد أن يتصرّف في متعلق حق الغير إلّا بإذنه في جميع الحقوق إلّا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخلاف في المقام بل يظهر منهم الإجماع على عدم الصحة في أمثال هذه الحقوق إلّا بإذن من له الحق، و لا فرق في ذلك بين القول ببقاء التركة على حكم مال الميت متعلقا لحق الغير أو انتقالها إلى الورثة كذلك، و كلّ منهما ممكن ثبوتا و لا دليل على استحالته من عقل أو نقل، كما يأتي التفصيل في محلّه إن شاء اللّه تعالى، لأنّه بعد كون المال متعلقا لحق الغرماء في الدّين أو حق الميت في مورد الوصية، لا يصح التصرف فيه على كلّ تقدير.

نعم، تعلق الحق تارة: على نحو الإشاعة، و أخرى: على نحو الكليّ في المعين، و في الأول لا يصح التصرف في جميع مورد الحق، و في الثاني يصح إلّا في مورد مقدار الحق، و مع الشك في أنّه من أيّهما يكون من الثاني، لأنّ المسألة من الأقل و الأكثر. و لا يخفى أنّ حق الغرماء و حق ثلث الميت فيما إذا أوصى إنّما يوجب حرمة التصرف إذا لم يضمن ضمانا شرعيا، و إلّا فلا بأس به.

(4) لا ريب في أنّ العرف يرى حق السبق حقا من الحقوق المعتبرة في جميع المشتركات، و تقتضيه السيرة على عدم إزعاج السابق عما سبق إليه و يعد ذلك ظلما و عدوانا، و يدل عليه بعض النصوص، كمرسل محمد بن إسماعيل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «قلت له: نكون بمكة أو بالمدينة أو الحيرة أو

ص: 380


1- مستدرك الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام الرهن حديث: 6 إلّا أنّ المذكور فيه (المرهون) بدل المرتهن. و هو خطأ.

.....

______________________________

المواضع التي يرجى فيها الفضل فربما خرج الرجل يتوضأ فيجي ء آخر فيصير مكانه. قال (عليه السلام): من سبق إلى موضع فهو أحق به يومه و ليلته» (1).

و خبر طلحة بن زيد: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل» (2).

و الأحق فيهما بمعنى ثبوت أصل الحق، كما في قوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ (3).

و أشكل في الجواهر في كتاب الإحياء بأنّ مثل هذا الحق ليس كحق التحجير و لا يدخل في موضع الغصب- إلى آخر كلامه بطوله- و لكن قال في ذيل كلامه «ألا إنّه مع ذلك يمكن أن يقال: إنّ الأحقية تحصل أيضا ما دام يصدق كون الشي ء في يد المستحق و في تصرفه و تحت قبضته، فأخذه منه كدفعة الحسي ظلم».

أقول: و ذيل كلامه حق جدّا موافق للعرف و الاعتبار.

إن قلت: الأحقية لها مراتب شدة و ضعفا و أصل ثبوت الحق المجاملي في الجملة معلوم و وصوله إلى مرتبة حرمة التصرف بدون إذن السابق و رضاؤه مشكوك فيه فيدفع بالأصل، مع قصور الخبرين سندا.

قلت: استنكار المتشرعة، بل مطلق العرف لإزعاج السابق عن محلّه قرينة معتبرة على أنّ هذا الحق إلزامي لا أن يكون من مجرد المجامليات، على أنّه لنا أن نقول إنّ الأصل في كلّ حق ثابت أن يكون إلزاميا إلّا ما نص الشارع على عدمه فإنّه مرتبة ضعيفة من الملكية و الاستيلاء. و ذات الاستيلاء يقتضي ذلك.

و أما قصور السند في الخبرين فلا وجه له بعد اعتماد الكلّ عليهما في

ص: 381


1- الوسائل باب: 56 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.
2- الوسائل باب: 56 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.
3- سورة الأنفال: 75.

عالما عامدا، و أما إذا كان غافلا أو جاهلا أو ناسيا (5) فلا تبطل. نعم،

______________________________

المشتركات و إنّما الخلاف في مقدار الدلالة. و يأتي تتمة الكلام في كتاب إحياء الموات و المشتركات.

فرعان- (الأول): قد قيد حق السبق فيما تقدم من الخبرين بدخول الليل، و باليوم و الليلة، و الظاهر أنّه من التقييد الحقيقي بالغالب في تلك الأزمان لا التقييد الحقيقي الشرعي، فلو فرض أنّ أحدا اعتكف في محلّ خاص من المسجد لا يجوز مزاحمته و لو بعد يومين مثلا. و كذا لو أشغل محلا من السوق و وضع متاعه فيه في أيام ليس لأحد مزاحمته بعد اليوم و الليلة، و يأتي التفصيل في كتاب إحياء الموات و في المشتركات.

(الثاني): مقتضى أنّ لكلّ ذي حق إسقاط حقه و رفع اليد عنه صحة إسقاط حق السبق و المصالحة عنه بمال أو حق آخر قابل للنقل و الانتقال، بل و يصح جعله عوضا في المعاوضات و في صحة جعله مبيعا إشكال من جهة دعوى الإجماع على أنّه يعتبر في المبيع أن يكون عينا خارجيا أو ذميا و لا يكون منفعة و لا حقا و قد تعرضنا للبحث عنه في كتاب البيع، فراجع.

(5) أمّا البطلان في مورد العلم و العمد فلتنجز النهي حينئذ فلا يصلح للتقرب به إلى المولى، لصيرورته مبغوضا. و أما الصحة في البقية فلعدم فعلية النهي لأجل العذر فلا مبغوضية فعلية فيه حتّى تمنع عن صلاحيته للتقرب فيمكن التقرب بالعمل حينئذ، فيصح لا محالة، لوجود المقتضي و هو الأمر و الملاك و فقد المانع و هو فعلية النهي.

إن قلت: فعلية النهي و إن كانت تسقط للعذر، و لكن ملاك المبغوضية باق و يكفي ذلك في عدم صحة التقرب به.

قلت أولا: لا نسلّم بقاء الملاك مع سقوط الفعلية لإمكان دورانه مدارها وجودا و عدما و لا طريق لنا لكشف بقائه بعد سقوط النهي.

ص: 382

لا يعتبر العلم بالفساد فلو كان جاهلا بالفساد مع علمه بالحرمة و الغصبية كفى في البطلان (6). و لا فرق بين النافلة و الفريضة في ذلك على الأصح (7).

مسألة 1: إذا كان المكان مباحا و لكن فرش عليه فراش مغصوب فصلّى على ذلك الفراش بطلت صلاته

(مسألة 1): إذا كان المكان مباحا و لكن فرش عليه فراش مغصوب فصلّى على ذلك الفراش بطلت صلاته، و كذا العكس (8).

مسألة 2: إذا صلّى على سقف مباح و كان ما تحته من الأرض مغصوبا

(مسألة 2): إذا صلّى على سقف مباح و كان ما تحته من الأرض مغصوبا، فإن كان السقف معتمدا على تلك الأرض تبطل

______________________________

و ثانيا: إنّ الملاك ليس إلّا من مجرد الاقتضاء فقط و لا ريب في كونه موجبا لحسن التجنب و الاحتياط. و أما فعلية المبغوضية مع سقوط النهي فلا وجه لها، كما تقتضيه سيرة العقلاء في النواهي العرفية عند سقوطها عن الفعلية لأجل العذر. ثمَّ إنّه لا فرق في مورد العذر بين الغاصب و غيره، و لكن تقدم الاحتياط بالنسبة إلى الغاصب، فراجع.

(6) لفعلية المبغوضية بالعلم بالحرمة فتبطل لا محالة، علم بالفساد أو لا، لأنّ المبغوضية تدور مدار العلم بالحكم التكليفي دون الوضعي.

(7) لتحقق مناط البطلان فيهما و هو عدم صلاحية المبغوض للتقرب به، و لقاعدة إلحاق النافلة بالفرضية إلّا ما خرج بالدليل، فلا وجه لما عن المحقق (قدّس سرّه) من الصحة في النافلة، لعدم اعتبار القرار و السكون فيهما لوضوح عدم إمكان انفكاك النافلة عن الكون و إن صح انفكاكها عن القرار و السكون و لا يصح التقرب بالصلاة المصاحب للكون في المبغوض فلا وجه لتعبير الماتن (رحمه اللّه) بالأصح إن أراد به معنى أفعل التفضيل. نعم، لو أراد به المعنى الثلاثي المجرد، فهو صحيح.

(8) لأنّ المناط كلّه صدق التصرف في المغصوب عرفا حال الصلاة و هو متحقق فيهما.

ص: 383

الصلاة عليه (9)، و الا فلا (10)، لكن إذا كان الفضاء الواقع فيه السقف مغصوبا أو كان الفضاء الفوقاني الذي يقع فيه بدن المصلّي مغصوبا بطلت في الصورتين (11).

______________________________

(9) لصدق التصرف في المغصوب، إذ لا فرق في صدقه بين ما إذا كان بلا واسطة أو معها. نعم، لو لم يصدق ذلك عرفا فلا ريب في الصحة و لو، شك فيه، فالمرجع أصالة البراءة عن تقيد الصلاة بهذا التصرف المشكوك.

(10) الأقسام المتصوّرة في نظائر المقام أربعة:

الأول: التصرف، و المرجع فيه هو العرف و لا ريب في الحرمة و بطلان الصلاة مع صدقه عرفا و عدم البطلان مع صدق العدم كذلك.

الثاني: استيفاء المنفعة التي لها مالية عرفية، كما إذا هيّأ محلا في الأرض المباحة و وضع فيها ما يدفع به الحرّ في أوانه أو البرد في فصله و جعل لكلّ من جلس فيه زمانا مخصوصا مقدارا خاصّا و هذا القسم يرجع إلى القسم الأول إمّا موضوعا أو حكما.

الثالث: مجرد الانتفاع بمال الغير بلا تصرف و لا استيفاء منفعة جعل لها عوض- كالاستضاءة بنور الغير و ناره و الاستظلال بجداره في محلّ مباح و مقتضى الأصل، و السيرة أنّه لا بأس به، بل لو منع المالك عن ذلك يعدّ مستنكرا عند العرف و المتشرّعة.

الرابع: الشك في أنّه من أيّهما، و مقتضى الأصل عدم الحرمة و عدم البطلان كما تقدم في الثوب المشكوك و المرجع في صدق التصرف متعارف الناس لا أهل الشك و الوسواس، و نزاع الفقهاء (رحمهم اللّه) في مثل هذه الفروع صغرويّ لا أن يكون كبرويا بعد تسالمهم على أحكام كلّ واحد من الأقسام الأربعة التي تعرضنا لها.

(11) لصدق التصرف في الغصب في الصورة الأولى مع الواسطة، و في الأخيرة بدونها، فتحرم و تبطل الصلاة فيهما.

ص: 384

مسألة 3: إذا كان المكان مباحا و كان عليه سقف مغصوب

(مسألة 3): إذا كان المكان مباحا و كان عليه سقف مغصوب، فإن كان التصرف في ذلك المكان يعدّ تصرفا في السقف بطلت الصلاة فيه (12)، و إلا فلا، فلو صلّى في قبة سقفها أو جدرانها مغصوبة و كان بحيث لا يمكنه الصلاة فيها إن لم يكن سقف أو جدار، أو كان عسرا و حرجا- كما في شدة الحر أو شدة البرد- بطلت الصلاة، و إن لم يعد تصرفا فيه فلا.

و مما ذكرنا ظهر حال الصلاة تحت الخيمة المغصوبة فإنّها تبطل إذا عدّت تصرفا في الخيمة، بل تبطل على هذا إذا كانت أطنابها أو مساميرها غصبا كما هو الغالب إذ في الغالب يعدّ تصرفا فيها، و إلا فلا.

مسألة 4: تبطل الصلاة على الدابة المغصوبة

(مسألة 4): تبطل الصلاة على الدابة المغصوبة، بل و كذا إذا كان رحلها أو سرجها أو وطاؤها غصبا، بل و لو كان المغصوب نعلها (13).

مسألة 5: قد يقال 14 ببطلان الصلاة على الأرض التي تحتها تراب مغصوب

(مسألة 5): قد يقال (14) ببطلان الصلاة على الأرض التي تحتها تراب مغصوب

______________________________

(12) النزاع في مثل هذه المسألة أيضا صغرويّ لا أن يكون كبرويا فمع صدق التصرف تبطل عند الكلّ، و مع عدم صدقه، أو الشك فيه لا وجه للبطلان، و ليس في صدق التصرف و عدمه تعبد خاص في البين حتّى يكون المرجع فيه النص و الإجماع، كما إنّه ليس ذلك من الموضوعات المستنبطة حتّى يكون نظر الفقيه و قوله متبعا فيه، بل هو من العرفيات الشائعة بينهم في عامة التصرفات الملكية و الحقية، فراجع و تأمل.

(13) كلّ ذلك لصدق التصرف في المغصوب إمّا بلا واسطة أو معها.

(14) هذه المسألة بفروعها إمّا من موارد عدم صدق التصرف، أو من

ص: 385

و لو بفصل عشرين ذراعا، و عدم بطلانها إذا كان شي ء آخر مدفونا فيها، و الفرق بين الصورتين مشكل، و كذا الحكم بالبطلان، لعدم صدق التصرف في ذلك التراب أو الشي ء المدفون.

نعم، لو توقف الاستقرار و الوقوف في ذلك المكان على ذلك التراب أو غيره يصدق التصرف و يوجب البطلان (15).

مسألة 6: إذا صلّى في سفينة مغصوبة بطلت

(مسألة 6): إذا صلّى في سفينة مغصوبة بطلت (16)، و قد يقال بالبطلان إذا كان لوح منها غصبا. و هو مشكل على إطلاقه، بل يختص البطلان بما إذا توقف الانتفاع بالسفينة على ذلك اللوح.

مسألة 7: ربما يقال ببطلان الصلاة على دابة خيّط جرحها بخيط مغصوب

(مسألة 7): ربما يقال ببطلان الصلاة على دابة خيّط جرحها بخيط مغصوب. و هذا أيضا مشكل، لأنّ الخيط يعد تالفا و يشتغل ذمة الغاصب بالعوض، إلا إذا أمكن رد الخيط (17) إلى مالكه مع بقاء ماليته.

______________________________

موارد الشك في صدقه و تقدم فيهما الحرمة و عدم البطلان، فلا وجه لما قيل فيهما من الحرمة و البطلان.

(15) لأنّه مع صدق التصرف عرفا تثبت الحرمة فعلا، فيوجب البطلان قهرا.

(16) أمّا البطلان فيما إذا كانت السفينة مغصوبة، فلصدق التصرف فيحرم و تبطل الصلاة فيها. و أمّا عدم البطلان في غيره، فلما تقدم من أنّ مجرد الانتفاع بمال الغير بلا تصرف فيه لا حرمة فيه و لا يوجب بطلان الصلاة إلّا إذا كان من القسم الثاني الذي تقدم في المسألة الخامسة عند بيان الأقسام الأربعة.

(17) بل و إن أمكن ردها ما لم يعدّ من التصرف في المغصوب عرفا، و مع الشك فيه لا حرمة و لا بطلان كما تقدم، و كذلك فيما إذا التحمت السيارة و نحوها بشي ء غصبيّ كما إنّه مع صدق التصرف فيه توجب الحرمة و البطلان

ص: 386

مسألة 8: المحبوس في المكان المغصوب يصلّي فيه قائما مع الركوع و السجود

(مسألة 8): المحبوس في المكان المغصوب يصلّي فيه قائما مع الركوع و السجود (18) إذا لم يستلزم تصرفا زائدا على الكون فيه على الوجه المتعارف كما هو الغالب. و أما إذا استلزم تصرفا زائدا فيترك ذلك الزائد و يصلّي بما أمكن من غير استلزام. و أما المضطر إلى الصلاة في المكان المغصوب فلا إشكال في صحة صلاته.

مسألة 9: إذا اعتقد الغصبية و صلّى فتبيّن الخلاف

(مسألة 9): إذا اعتقد الغصبية و صلّى فتبيّن الخلاف فإن لم يحصل منه قصد القربة بطلت و إلا صحت. و أما إذا اعتقد الإباحة فتبيّن الغصبية فهي صحيحة من غير إشكال (19).

مسألة 10: الأقوى صحة صلاة الجاهل بالحكم الشرعي

(مسألة 10): الأقوى صحة صلاة الجاهل بالحكم الشرعي

______________________________

سواء كانت له مالية أو لا، ما دام يصح اعتبار الملكية فيه بالنسبة إلى مالكه عرفا.

(18) لا ريب في سقوط النهي لأجل الاضطرار- إذ ما من شي ء حرّمه اللّه تعالى إلّا و قد أحلّه لمن اضطر إليه- و يدل عليه الإجماع، بل الضرورة الفقهية و حيث لا حرمة فلا بطلان قهرا، و لا فرق بين كون منشأ الاضطرار الحبس أو شي ء آخر، هذا إذا لم تستلزم الصلاة تصرفا زائدا على مطلق الكون كما هو الغالب إذ الجسم يشغل حيّزا خاصا لا محالة بأيّ وضع كان. و أمّا مع التصرف الزائد فلا ريب في فعلية النهي بالنسبة إلى الزائد لوجود المقتضي و فقد المانع، فيحرم و تبطل الصلاة كما إذا توقفت الصلاة عن قيام على تخريب شي ء منه- مثلا- ينتقل إلى القعود حينئذ و هكذا.

(19) أما البطلان في الأول، فلفقد قصد القربة و أما الصحة في الثاني، فلوجود المقتضي لها و فقد المانع عنها. و أمّا عدم الإشكال في الأخير فلسقوط النهي لأجل الجهل بالموضوع، لأنّ من شرائط تنجز التكليف عقلا العلم بالموضوع و لو إجمالا، فلا موجب للبطلان أصلا.

ص: 387

و هي الحرمة، و إن كان الأحوط البطلان خصوصا في الجاهل المقصّر (20).

مسألة 11: الأرض المغصوبة المجهول مالكها لا يجوز التصرف فيها و لو بالصلاة

(مسألة 11): الأرض المغصوبة المجهول مالكها لا يجوز التصرف فيها و لو بالصلاة، و يرجع أمرها إلى الحاكم الشرعي و كذا إذا غصب آلات و أدوات- من الآجر و نحوه- و عمّر بها دارا أو غيرها ثمَّ جهل المالك، فإنّه لا يجوز التصرف و يجب الرجوع إلى الحاكم الشرعي (21).

مسألة 12: الدار المشتركة لا يجوز لواحد من الشركاء التصرف فيها

(مسألة 12): الدار المشتركة لا يجوز لواحد من الشركاء التصرف فيها إلا بإذن الباقين (22).

______________________________

(20) أمّا الصحة في الجاهل القاصر بالحكم، فلعدم فعلية النهي بالنسبة إليه، لأجل الجهل المعذور فيه، و أمّا المقصّر- فمقتضى إجماعهم على أنّه كالعالم العامد إلّا ما خرج بالدليل هو البطلان فيه- و لا وجه للتردد في الحكم بالنسبة إليه مع الإجماع على أنّه كالعالم إلّا أن يناقش في عموم معقده، فيصير المورد مشكوكا حينئذ و مقتضى الأصل عدم المانعية كما إنّ مقتضى البراءة عدم وجوب الإعادة و القضاء. و الاحتياط حسن على كلّ حال حتّى في الجاهل القاصر.

(21) لأصالة عدم جواز التصرف فيما يتعلق بالغير مطلقا- عينا كان أو منفعة، أو حقا- إلّا برضاء مالكه أو من له حق النظر فيه و هو الحاكم الشرعي و هذا الأصل من الأصول العقلائية النظامية المعتبرة عند الكلّ، و يأتي في كتاب الخمس، و اللقطة بعض الكلام إن شاء اللّه تعالى و لا فرق في ذلك بين غير المنقول- كالأراضي- و غيره كالآلات و الأدوات و نحوها.

(22) لقاعدة سلطنة الناس على أموالهم بعد عدم الفرق في المالك بين الواحد و المتعدد عقلا و شرعا.

ص: 388

مسألة 13: إذا اشترى دارا من المال غير المزكّى أو غير المخمّس

(مسألة 13): إذا اشترى دارا من المال غير المزكّى أو غير المخمّس يكون بالنسبة إلى مقدار الزكاة أو الخمس فضوليا (23)، فإن أمضاه الحاكم ولاية على الطائفتين (24) من الفقراء و السادات يكون لهم، فيجب عليه أن يشتري هذا المقدار من الحاكم، و إذا لم يمض بطل (25)، و تكون باقية على ملك المالك الأول (26).

______________________________

(23) هذه المسألة مكرّرة في هذا الكتاب و هي مبنية على أنّ تعلق الخمس و الزكاة بنحو الإشاعة العينية الحقيقية في تمام المال، أو الحقية كذلك، فلا يصح التصرف فيه حينئذ قبل إخراجهما بدون إذن الحاكم الشرعي الذي هو وليّ الطائفتين.

و أمّا إن كان تعلقهما بالمال بنحو الكلّي في المعين حقا أو عينا فيصح التصرف فيه ما بقي مقدارهما في الخارج و يأتي في [مسألة 31] من زكاة الأنعام، و [مسألة 75] من خمس الأرباح تفصيل ذلك فلا وجه للتعرض هنا.

(24) للإجماع على ثبوت هذه الولاية عليهما و الظاهر أنّ ذلك من الأمور الحسبية التي يرجع الناس فيها بحسب فطرتهم إلى زعيمهم الروحاني و يكفي عدم الردع في مثل ذلك في ثبوته مع أنّه ورد التقرير كما يأتي في محلّه.

(25) لأصالة عدم ترتب الأثر على المعاملة الواقعة على متعلق حق الغير إلّا برضاه أو برضاء من له الولاية عليه و هذا الأصل- مضافا إلى أنّه من الاستصحاب المعتبر- أصل نظامي تطابقت على اعتباره الأدلة الأربعة كما سيأتي في المعاملات. و لا فرق في ذلك بين الحقوق المتعلقة بالعين كالزكاة و الخمس و الحقوق المتعلقة بالذمة كالكفارات و الديون و نحوهما لأنّ الذميات المالية تتعلق بالتركة بواسطة الموت.

(26) المراد به بالنسبة إلى المبيع و السادة و الفقراء بالنسبة إلى الثمن، فيصح إطلاق المالك الأول بالنسبة إلى كلّ واحد منهما.

ص: 389

مسألة 14: من مات و عليه من حقوق الناس

(مسألة 14): من مات و عليه من حقوق الناس كالمظالم أو الزكاة أو الخمس- لا يجوز لورثته التصرف في تركته- و لو بالصلاة في داره- قبل أداء ما عليه من الحقوق (27).

مسألة 15: إذا مات و عليه دين مستغرق

(مسألة 15): إذا مات و عليه دين مستغرق للتركة لا يجوز للورثة و لا لغيرهم التصرف في تركته قبل أداء الدّين، بل و كذا في الدّين غير المستغرق (28)، إلا إذا علم رضاء الديان بأن كان الدّين قليلا

______________________________

(27) لفرض تعلق حق الإمام و السادة و الفقراء بالمال و لا يصح التصرف فيما تعلق به حق الغير بدون رضائه بالضرورة و في حكم الأداء التسبب لبراءته منها بالضمان الشرعي و يأتي في المسألة التالية ما ينفع المقام.

(28) دين الميت على أقسام خمسة:

الأول: من لا مال له أصلا و لا ريب في سقوط الخطاب التكليفي بالنسبة إليه و إلى ورثته. و أما اشتغال ذمة الميت، فيمكن اعتباره له فيقال في العرف:

مات مديونا و مشغول الذمة بمال الغير خصوصا إن كان متسامحا في الأداء و هو اعتبار صحيح لا دليل على امتناعه من عقل أو شرع، و يصح صيرورته مورد الشفاعة مع المسامحة. و أمّا الخطاب التكليفي بالنسبة إلى ورثته لأداء دين مورثهم فلا دليل عليه، و مقتضى الأصل عدمه، و لكن حق الديان لا يسقط إلّا بالأداء من الزكاة أو بالإسقاط و الإبراء.

الثاني: من له مال و دينه مستغرق لماله، و لا ريب في توجه الخطاب التكليفي بأداء الدّين إلى الورثة لأولويتهم به من غيرهم، و لأنّهم المسؤولون عما يتعلق بالميت عرفا و شرعا.

و أما المال ففيه احتمالات، بل أقوال:

أولها: الانتقال إلى الديان بحسب حصص دينهم و يجب على الورثة تسليمه إليهم، و هذا من مجرد الاحتمال و لا قائل به منا، بل ادعي الإجماع

ص: 390

.....

______________________________

بقسميه على خلافه، و مقتضى عموم ما تركه الميّت فلوارثه عدمه أيضا.

ثانيها: أن يبقى على حكم مال الميت يؤدّى منه دينه، و هو احتمال حسن ثبوتا و لا مانع منه عقلا و لا نقلا، لأنّ الملكية أمر اعتباري يصح اعتبارها للميت أيضا إن ترتب عليه ثمرة صحيحة، كما في المقام، و في دية الميت إن قطعت بعض أعضائه بعد موته فإنّها بحكم ماله يؤدّى منه دينه كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

و قد يستدل عليه مضافا إلى الأصل، بجملة من الأخبار:

منها: خبر السكوني عن الصادق (عليه السلام): «أول شي ء يبدأ به من المال الكفن، ثمَّ الدّين، ثمَّ الوصية، ثمَّ الميراث» (1).

حيث أضاف المال إلى الميت، و يستفاد منه بقاء ملكيته لتمام ماله.

و فيه: أنّه في مقام بيان وجوب هذا الترتيب، و تقديم الأهمّ فالأهمّ، و لا يستفاد منه حكم مالك المال بعد صاحبه، و مثله قول عليّ (عليه السلام) في خبر محمد بن قيس: «الدّين قبل الوصية، ثمَّ الوصية على أثر الدّين، ثمَّ الميراث بعد الوصية، فإنّ أول القضاء كتاب اللّه» (2).

بل هو أظهر في ما ذكرناه من سابقة، كما لا يخفى.

و منها: خبر عباد بن صهيب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل فرط في إخراج زكاته في حياته، فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما فرط فيه مما لزمه من الزكاة، ثمَّ أوصى به أن يخرج ذلك فيدفع إلى من يجب له، قال:

فقال (عليه السلام): جائز يخرج ذلك من جميع المال إنّما هو بمنزلة الدّين لو كان عليه ليس للورثة شي ء حتّى يؤدّوا ما أوصى به من الزكاة» (3).

و فيه: أنّ المراد بقوله (عليه السلام): «ليس للورثة شي ء» أي ليس لهم التغيير و لا التصرف في المال لتعلق حق الغير به حتّى يؤدوا ما أوصى به و ليس في

ص: 391


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الوصايا حديث: 1.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب الوصايا حديث: 2.
3- الوسائل باب: 40 من أبواب الوصايا حديث: 1.

.....

______________________________

مقام بيان بقاء المال على ملك الميت، و لا ظهور له فيه حتّى يصح الاستدلال به لذلك في مقابل المرتكزات من انتقال المال إلى الوارث و انقطاع علاقة الميت عن ماله بموته، و غير ذلك من الأخبار التي لا تكون في الدلالة مثل ما ذكر.

ثالثها: انتقال المال إلى الورثة متعلقا بحق الغير و هو المطابق للمرتكزات، لأنّ العرف و العقلاء و المتشرعة يرون لصاحب الحق أخذ حقه من التركة مع امتناع الورثة عن الأداء، فيكون المال بعد موت صاحبه، كوثيقة الدين، مضافا إلى أنّه ادعى عليه الإجماع، و تدل عليه العمومات و الإطلاقات الدالة على أنّ ما تركه الميت فلوارثه، مع أنّ الورثة بعد موت مورثهم يرون أنفسهم واجدين لشي ء من المال بعد أن كانوا فاقدين له، لكنّه ملك طلق مع عدم الدّين، و متعلق لحق الغير مع الدّين و لا ثمرة عملية معتنى بها بين القولين، لعدم جواز تصرف الوارثة في المال قبل أداء الحق على كلّ منهما و جوازه بعده على كلا القولين.

ثمَّ إنّ ظاهر المشهور أنّ تعلق حق الديان بمال الميت كتعلق حق الرهانة و هو متين و مطابق للمرتكزات أيضا، فيكون الرهن على قسمين: رهن اختياري حاصل في حال الحياة، و رهن عرفي غير اختياري حاصل بعد الممات، و كما لا يجوز للورثة التصرف إلّا برضاء من له الحق كذلك لا يجوز لغيرهم أيضا، لوحدة المناط فيهما.

الثالث من أقسام دين الميت: ما إذا كان أقلّ من التركة، و ظاهر ما تقدم من الأخبار- كظاهر الكلمات- عدم جواز التصرف فيها للورثة إلّا مع الأداء أو الضمان الشرعي، و نسب إلى المحقق الثاني (رحمه اللّه) الجواز في هذا القسم، لإطلاق صحيح البزنطي: «في من مات و ترك عيالا و عليه دين، قال (عليه السلام): إن استيقن أنّ الذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق عليهم، و إن لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال» (1).

و مثله صحيح ابن الحجاج (2)، فإذا كان الإنفاق الذي هو إتلاف المال

ص: 392


1- الوسائل باب: 29 من أبواب الوصايا حديث: 1.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب الوصايا حديث: 2.

و التركة كثيرة و الورثة بانين على أداء الدّين غير متسامحين، و الا فيشكل حتّى الصلاة في داره و لا فرق في ذلك بين الورثة و غيرهم.

و كذا إذا لم يكن عليه دين و لكن كان بعض الورثة قاصرا أو غائبا أو نحو ذلك (29).

______________________________

جائزا يجوز التصرف بغيره بالأولى.

و فيه: أنّ ذلك من باب إحراز الرضا في الدين غير المستغرق خصوصا بالنسبة إلى الإنفاق لعيال الميت الذي يرضى به نوع المدينين و يستنكرون ممن لا يرضى بذلك، فلا ربط له بالمقام. نعم، لو كان تعلق الحق بنحو الكليّ في المعين يصح للورثة التصرف فيها ما بقي مقدار الدّين فلا يجوز بعد ذلك، و لكنه خلاف ظاهر إطلاق الأخبار و الكلمات.

إلّا أن يقال: بانصرافها عن هذا القسم خصوصا إن كان الدّين قليلا، و التركة كثيرة فيعمل حينئذ بحسب القاعدة، و هي أنّ التعلق بنحو الكليّ في المعيّن معلوم، و بنحو آخر مشكوك و مقتضى الأصل عدمه.

الرابع: أن يكون الدّين أكثر من التركة و حكمه من حيث عدم جواز تصرف الورثة في التركة حكم القسم الثاني، و من حيث التقسيم أن يقسم المال بين الغرماء بالحصص.

الخامس: ما إذا وجد الغريم عين ماله في التركة، و فيه تفصيل يأتي في كتاب المفلّس في أحكام الدّين و الحجر إن شاء اللّه تعالى.

فرعان- (الأول): لو تصرف الورثة في المال ثمَّ أدوا الدّين يكون من صغريات الفضولي، و كذا لو أجاز الديان.

(الثاني): لا فرق بين أقسام الدّين من ثمن المبيع، أو عوض الإجارة، أو مهر الزوجة، و عوض المتلفات، و الكفارات، و القرض و نحوها.

(29) لأنّ المال المشترك لا يجوز التصرف فيه إلّا بإذن جميع الشركاء أو

ص: 393

مسألة 16: لا يجوز التصرف- حتّى الصلاة- في ملك الغير

(مسألة 16): لا يجوز التصرف- حتّى الصلاة- في ملك الغير إلا بإذنه الصريح (30) أو الفحوى أو شاهد الحال (31).

______________________________

وليهم مع قصورهم، للإجماع، و لقاعدة السلطنة، و يأتي التفصيل في كتاب الشركة إن شاء اللّه تعالى.

(30) للضرورة الدينية، بل العقلائية غير المختصة بمذهب و ملة، و قال (عليه السلام): «لا يحل مال امرئ مسلم إلّا بطيبة نفس منه» (1).

(31) لأنّ طرق إحراز الإذن و الرضا من الأمور المتعارفة بين جميع الناس في أمور معاشهم و معادهم و ليس للشارع فيها تعبد خاص، و يكفي في اعتبارها لديه عدم ثبوت الردع و هي ثلاثة:

الأول: الإذن الحاصل من ظواهر الألفاظ في خصوص الصلاة أو في الأعم منها سواء حصل منه الظن أو لا، لأنّ ظواهر الألفاظ حجة معتبرة لدى العقلاء كافة و لم يردع عنه الشرع، بل لا يمكنه ذلك لاختلال النظام.

الثاني: الإذن الحاصل من الفحوى و هو أيضا من الأمور المعتبرة و هو يكون عبارة عن الإذن في شي ء يستلزم عرفا الإذن في الصلاة بالطريق الأولى و يختلف ذلك حسب اختلاف الموارد و الأشخاص و هي إمّا أولوية قطعية أو ظنية و كلاهما معتبران لدى العرف و لو لم يحصل الظنّ منها، لا دليل على اعتبارها، بل مقتضى الأصل عدمه، و لا تعارف على الاعتماد على الأولوية مطلقا حتّى مع عدم حصول القطع أو الظن.

الثالث: شاهد الحال و هو عبارة عن ظهور الفعل و هو أيضا حجة متعارفة كظهور القول، فكلّ فعل له ظهور عرفيّ في الإذن و الرضاء- بحيث يصح الاحتجاج به لدى العقلاء- يجوز الاعتماد عليه شرعا أيضا و إن لم يحصل منه القطع كما في ظواهر الألفاظ. نعم، لا بد من كشفه و لو ظنا بالظنّ النوعيّ عن

ص: 394


1- الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.

و الأول: كأن يقول:- أذنت لك بالتصرف في داري- بالصلاة فقط، أو بالصلاة و غيرها و الظاهر عدم اشتراط حصول العلم برضاه.

بل يكفي الظن (32) الحاصل بالقول المزبور، لأنّ ظواهر الألفاظ معتبرة عند العقلاء.

و الثاني: كأن يأذن في التصرف بالقيام و القعود و النوم و الأكل من ماله، ففي الصلاة بالأولى يكون راضيا. و هذا أيضا يكفي فيه الظنّ على الظاهر، لأنّه مستند إلى ظاهر اللفظ إذا استفيد منه عرفا (33) و الا

______________________________

الرضا، إذ ليست في البين سيرة متبعة على حجية ظواهر الأفعال مطلقا حتّى في صورة عدم حصول الظنّ منها بالرضاء الفعليّ.

ثمَّ إنّه نسب إلى الذخيرة، و البحار جواز الصلاة في كلّ مكان و إن لم يرض المالك به ما لم يتضرّر، و استدل بقول النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله):

«جعلت لي الأرض مسجدا و ترابها طهورا أينما أدركتني الصلاة صلّيت» (1).

و فيه: أنّه في مقام الاقتضاء لا بيان الحكم الفعليّ من كلّ جهة، مع إعراض المشهور عن ظاهره، و مخالفته للقاعدة العقلية من عدم جواز التصرف فيما يتعلق بالغير إلّا برضاه، و مخالفته أيضا لإطلاق قوله (عليه السلام): «لا يحل مال امرئ مسلم إلّا بطيبة نفس منه» (2).

(32) لا دليل على اعتبار حصول الظنّ الشخصي في حجية الظواهر.

نعم، النوعي منه حكمة الاعتبار لا قيد المعتبر.

(33) إن عدّ من المداليل اللفظية، فلا دليل على اعتبار حصول الظن الشخصي، بل يكفي النوعي منه من باب حكمة الاعتبار لا العلية الفعلية.

ص: 395


1- الوسائل باب: 1 من أبواب مكان المصلّي حديث: 5.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.

فلا بد من العلم بالرضا، بل الأحوط اعتبار العلم مطلقا (34).

و الثالث: كأن يكون هناك قرائن و شواهد تدل على رضاه كالمضايف المفتوحة الأبواب، و الحمامات، و الخانات، و نحو ذلك.

و لا بد في هذا القسم من حصول القطع بالرضا (35)، لعدم استناد الإذن في هذا القسم إلى اللفظ، و لا دليل على حجية الظن غير الحاصل منه (36).

مسألة 17: يجوز الصلاة في الأراضي المتسعة اتساعا عظيما

(مسألة 17): يجوز الصلاة في الأراضي المتسعة اتساعا عظيما بحيث يتعذر أو يتعسر على الناس اجتنابها و إن لم يكن إذن من ملاكها، بل و إن كان فيهم الصغار و المجانين (37)، بل لا يبعد ذلك

______________________________

(34) خروجا عن خلاف من أوجب اعتبار العلم، و جمودا على أصالة عدم جواز التصرف التي هي من الأصول النظامية.

(35) ظواهر الأفعال كظهور الألفاظ حجة معتبرة لدى العقلاء بعد إحراز الظهور و سقوط احتمال الخلاف و كما لا يعتبر حصول القطع في الثانية لديهم، فكذا في الأولى و لا دليل على التفكيك بين الظهورين بعد استقرار الظهور، و يصح الاحتجاج بهما من حيث نفس الظهور لا حصول القطع بالواقع.

(36) الدليل على اعتبار ظواهر الأفعال بعد تحقق الظهور الفعلي، السيرة، و بناء العقلاء. نعم، الفرق بينهما أنّ استقرار الظهور في الأفعال يحتاج إلى تثبت أزيد من استقراره في الألفاظ، و أمّا بعد الاستقرار فلا فرق بينهما من هذه الجهة. و بالجملة فكلّ ما يصح الاحتجاج به في المتعارف يصح الاعتماد عليه في مثل المقام أيضا.

(37) للسيرة القطعية ما لم يكن ضرر، و للحرج في الاستيذان غالبا مع رضا الناس و أولياء القاصرين نوعا في الصلاة في تلك الأراضي إن لم يكن ضرر في البين، و الظاهر صحة التعدّي إلى جميع الأعمال الخيرية ما لم يتضرر

ص: 396

و إن علم كراهة الملاك (38)، و إن كان الأحوط التجنب حينئذ مع الإمكان (39).

مسألة 18: تجوز الصلاة في بيوت من تضمنت الآية جواز الأكل فيها

(مسألة 18): تجوز الصلاة في بيوت من تضمنت الآية جواز الأكل فيها (40) مع عدم العلم بالكراهة- كالأب و الأم و الأخ

______________________________

به المالك- كقراءة القرآن، و الدعاء، و مباحثة الفقه، و ذكر المراثي للأئمة (عليهم السلام) و نحوها، إذ المناط كلّه إحراز رضاء الملاك به و هو حاصل، و لكن الأحوط الاقتصار على المتيقن من السيرة و قد تقدم في [مسألة 7] من (فصل شرائط الوضوء) ما ينفع المقام.

(38) بناء على جريان السيرة حتّى مع كراهة الملاك، و إنّ الناس يوبخون الملاك على كراهتهم لذلك لا أن يوبخوا المتصرف فيها بمثل هذه التصرفات مع عدم ضرر في البين، و لكن الشأن في ثبوت السيرة حتّى مع إحراز الكراهة.

و الشك فيه يكفي في عدم الصحة.

(39) و لا يترك هذا الاحتياط اقتصارا في الحكم المخالف للأصل على المتيقن.

(40) جواز الصلاة في موارد الآية الكريمة (1) من القسم الثاني الذي تقدم في [مسألة 16]، لأنّه إذا كان الأكل جائزا، لظهور الحال يكون جواز الصلاة بالأولى و تقدم أنّ الأولوية لا بد و أن تكون قطعية أو ظنية، و أما مع العدم، فلا يجوز و ليست الآية (2) في مقام الجعل التعبدي الشرعي حتّى يتمسك بإطلاقها، لإثبات الأولوية مطلقا، بل إرشاد إلى المتعارف و مقتضاه ما ذكرناه، و لكن الأحوط في أصل الأكل تركه أيضا إلّا مع شهادة الحال بالرضا- خصوصا في هذه الأزمان التي قلت الأخوة و الصفاء- و مع ذلك لا يصح التمسك بالإطلاق، و لا بالسيرة كما لا يخفى، لأنّ الأول تمسك بالدليل في الموضوع المشتبه،

ص: 397


1- سورة النور (24) الآية: 61.
2- سورة النور (24) الآية: 61.

و العم و الخال و العمة و الخالة و من ملك الشخص مفتاح بيته و الصديق- و أما مع العلم بالكراهة فلا يجوز، بل يشكل مع ظنّها أيضا (41).

مسألة 19: يجب على الغاصب الخروج من المكان المغصوب

(مسألة 19): يجب على الغاصب الخروج من المكان المغصوب (42)، و إن اشتغل بالصلاة في سعة الوقت يجب

______________________________

و الثاني خلاف ما تسالموا عليه من أنّه لا بد من الاقتصار على المتيقن عند الشك في مفاد الأدلة اللبية.

(41) لأصالة عدم جواز التصرف إلّا مع إحراز الرضا بوجه معتبر.

(42) لحكم العقل بلزوم اختيار أخفّ القبحين و أقلّ المحذورين. هذا إذا كان الوجوب بمعنى اللابدية العقلية. و أما إن كان بمعنى الإلزام الشرعي المولوي، فإن أريد به الوجوب من باب التسامح و المجاز من جهة الملازمة في الجملة بين الكون في المباح و ترك الكون في المغصوب، فلا بأس به و يصح إطلاقه حينئذ بحسب العرف إطلاقا تسامحيا مجازيا، و إن أريد به الصدق الحقيقي، فلا وجه له أصلا، لأنّه إمّا نفسي أو غيريّ. و الأول خلاف المرتكزات من كون الخروج مقدمة لترك الغصب و تفريغ مال المالك و الثاني لا موضوع له، لأنّ المطلوب النفسي إنّما هو ترك الغصب و الحركات الخروجية غصب و قد ثبت في محلّه عدم مقدمية أحد الضدين لترك الآخر و لا العكس، و على فرض صحة تصوير المقدمية، فلا وجه للوجوب الشرعي، إذ لا وجه للوجوب الغيري المولوي لما هو مبغوض فعليّ كما لا وجه لحرمة الخروج شرعا، لمكان الاضطرار إليه، فكيف تثبت الحرمة المولوية لما اضطر إليه مع ورود قوله (صلّى اللّه عليه و آله): رفع ما اضطرّوا إليه»(1).

ص: 398


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الخلل حديث: 2.

قطعها (43). و إن كان في ضيق الوقت يجب الاشتغال بها حال

______________________________

الشامل لما إذا حصل الاضطرار بسوء الاختيار أيضا كما في جميع أبواب الفقه.

و منه يظهر أنّه لا وجه للوجوب و الحرمة معا كما نسب إلى بعض، لأنّه إذا لم يمكن أحد الإلزامين مولويا، فكيف يجمع بينهما و هل هو إلّا من الجمع بين الباطلين كما لا وجه للوجوب الفعلي مع ثبوت العقاب للنهي السابق، لما مر من عدم تصور الوجوب المولوي لا نفسيا و لا غيريّا فلا وجه للإلزام المولوي لا بالنسبة إلى الفعل و لا بالنسبة إلى الترك و ليس في البين إلّا حكم العقل فقط باختيار أقلّ المحذورين، و لعلّ من قال: بالوجوب، أو الحرمة، أو هما معا أراد ذلك بالتوسع و العناية لا الواقع و الحقيقة، و له وجه إتماما للحجة، و بذلك يمكن أن يجمع بين الأقوال و يرفع النزاع عن هذه العويصة التي أطيل فيها الكلام.

(43) الصلاة في سعة الوقت في المكان المغصوب لها أقسام:

الأول: أن يكون قد نسي المعصية و شرع في الصلاة و تذكر في الأثناء و كان الخروج من المحلّ الغصبيّ غير متوقف على إتيان المنافي و خرج فورا، فتصح صلاته، لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها، و لحديث «لا تعاد» (1).

الثاني: أن يكون ملتفتا إلى الغصبية و مع ذلك شرع في الصلاة في سعة الوقت و لا إشكال في بطلان صلاته و لا يحتاج إلى القطع.

الثالث: أن يكون ناسيا و شرع فيها و تذكر في الأثناء و توقف الخروج على إتيان المنافي، فتبطل قهرا حينئذ أيضا، فلا موضوع لوجوب القطع في هذه الأقسام إلّا أن يراد الوجوب بالعرض و المسامحة من جهة لا بدية الخروج و هو

ص: 399


1- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1.

الخروج (44) مع الإيماء للركوع و السجود (45)، و لكن يجب عليه قضاؤها أيضا إذا لم يكن الخروج عن توبة و ندم (46)، بل الأحوط

______________________________

قطع للصلاة أيضا، فيصح انتسابه إليه مجازا.

الرابع: أن يشك في أنّه كان شروعه فيها نسيانا عن الغصبية أو ملتفتا إليها، فمع التمكن من الخروج بلا فعل المنافي تصح صلاته و لا شي ء عليه، لحديث «لا تعاد» (1)، و إن توقف على فعل المنافي، فلا صلاة له، لما مر.

(44) أمّا بناء على جواز اجتماع الأمر و النهي، أو الامتناع و تغليب جانب الأمر. فلا ريب في صحة الصلاة حينئذ، بل مقتضى القاعدة بناء عليهما الصحة مع الاختيار أيضا إلّا أنّهم ادعوا الإجماع على العدم معه و أمّا بناء على الامتناع و تغليب جانب النّهي كما نسب إلى المشهور- و إن لم يكن لهم دليل يصح الاعتماد عليه كما أثبتناه في الأصول- فمقتضى القاعدة البطلان حينئذ مطلقا، لعدم إمكان التقرب بالمبغوض، و لكنّهم أجمعوا على عدم سقوط وجوب الصلاة على كلّ حال، و أرسلوا إرسال المسلّمات قضية لا تسقط الصلاة بحال، فيجب الاشتغال بها حال الخروج إجماعا.

(45) إن لم يكن الركوع و السجود الاختياريين مستلزما لتصرف زائد على أصل التصرفات الخروجية وجب الإتيان بهما كذلك و إلّا وجب الإتيان ببدلهما و هو الإيماء، لأنّ الزائد عليه تصرف زائد على التصرفات الخروجية و هو مبغوض لا يصح أن يقع جزء العبادة.

(46) لقاعدة الاشتغال، لأنّ الدخول بعد أن كان بسوء الاختيار لا يوجب سقوط العقاب بالنسبة إلى التصرفات الخروجية و إن كان مضطرا إليها، إذ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا، مضافا إلى احتمال عدم شمول أدلة

ص: 400


1- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1.

القضاء و إن كان من ندم و بقصد التفريغ للمالك (47).

______________________________

الأبدال الاضطرارية لما إذا أوجدها المكلّف بسوء اختياره مثل المقام و إن كان ظاهرهم (رحمهم اللّه) الإطلاق في سائر الموارد، لكنّه يوجب حسن الاحتياط بلا ارتياب.

(47) لاحتمال عدم الأثر للتوبة مع التلبس الفعلي بما فيه ملاك المبغوضية فإنّ مورد التوبة أقسام:

الأول: التوبة عما مضى و انقضى- كمن كذب ثمَّ تاب و ندم عنه- مع عدم تلبسه بالمعصية فعلا بوجه و لا ريب في زوال العصيان بذلك، لتطابق النص (1) و الفتوى على أنّ «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» و هو الذي يقتضيه كمال عناية اللّه تعالى بالمذنبين من عباده.

الثاني: التوبة عما مضى مع التلبس بالمعصية فعلا- كمن يمشي في الأرض المغصوبة عمدا و اختيارا مع تمكنه من تركه و المشي في غيرها و يتوب عن كلّ قدم يرفع عنها ثمَّ يضع قدما أخرى- و مقتضى عمومات التوبة صحتها لو لم يصدق عليها العبث و اللعب بالتوبة، و الظاهر عدم صدقهما لأنّ كلا منهما إمّا قصدي أو انطباقي، و المفروض عدم صدق الأول، لعدم القصد، و الشك في الأخير يكفي في عدم صدقه، و يدل على صحة التوبة إطلاق صحيح ابن سالم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «ما من مؤمن يقترف في كلّ يوم و ليلة أربعين كبيرة فيقول و هو نادم: أستغفر اللّه الذي لا إله إلّا هو الحيّ القيوم بديع السماوات و الأرض ذا الجلال و الإكرام و أسأله أن يتوب عليّ، إلّا غفرها اللّه له، ثمَّ قال: و لا خير فيمن يقارف كلّ يوم و ليلة أربعين كبيرة» (2).

و مثله خبر عمار بن مروان قال: «قال أبو عبد اللّه: من قال أستغفر اللّه مائة

ص: 401


1- الوسائل باب: 86 من أبواب جهاد النفس حديث: 14.
2- الوسائل باب: 85 من أبواب جهاد النفس حديث: 9.

.....

______________________________

مرة في يوم غفر اللّه له سبعمائة ذنب و لا خير في عبد يذنب في يوم سبعمائة ذنب» (1).

و إطلاق صحيح أبي بصير قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً قال: هو الذنب الذي لا يعود فيه أبدا قلت: و أينا لم يعد؟ فقال: يا أبا محمد إنّ اللّه يحب من عباده المفتن التواب» (2).

و أما خبر جابر- عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سمعته يقول: التائب من الذنب كما لا ذنب له، و المقيم على الذنب و هو مستغفر منه كالمستهزئ» (3). فمضافا إلى قصور سنده يمكن حمله على عدم حصول الندم.

الثالث: هذا القسم بعينه مع عدم التمكن من المشي في غيرها و مع القول ببقاء خطاب النية عن التصرف فعلا في حال الاضطرار أيضا، لأنّه كان بسوء الاختيار و حكمه حكم القسم الثالث بلا فرق بينهما أبدا.

الرابع: هذا القسم بعينه مع القول بسقوط خطاب النهي لأجل الاضطرار و بقاء ملاك المبغوضية مع القول بأنّ ملاك المبغوضية كالمبغوضية المصحوبة بالخطاب الفعليّ، و حكمه أيضا حكم القسم الثالث بلا فرق.

الخامس: هذا القسم بعينه مع القول بسقوط الخطاب و الملاك لأجل الاضطرار و حكمه صحة العبادة الواقعة في حال الخروج، لعدم المبغوضية في الحركات الخروجية لا خطابا و لا ملاكا، فلا إثم و لا معصية فيها، و مقتضى إطلاق قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (4).

و سعة فضل اللّه تعالى الصحة في المقام، و طريق الاحتياط واضح.

ص: 402


1- الوسائل باب: 92 من أبواب جهاد النفس حديث: 3.
2- الوسائل باب: 86 من أبواب جهاد النفس حديث: 3.
3- الوسائل باب: 86 من أبواب جهاد النفس حديث: 8.
4- الوسائل باب: 86 من أبواب جهاد النفس حديث: 14.
مسألة 20: إذا دخل في المكان المغصوب جهلا أو نسيانا

(مسألة 20): إذا دخل في المكان المغصوب جهلا أو نسيانا أو بتخيل الإذن ثمَّ التفت و بان الخلاف، فإن كان في سعة الوقت لا يجوز له التشاغل بالصلاة (48) و إن كان مشتغلا بها وجب القطع و الخروج (49)، و إن كان في ضيق الوقت اشتغل بها حال الخروج (50) سالكا أقرب الطرق (51)، مراعيا للاستقبال بقدر الإمكان (52)، و لا يجب قضاؤها (53) و إن كان أحوط (54)، لكن هذا إذا لم يعلم برضاء

______________________________

(48) لفقد شرط الصحة و هو إباحة المكان فلا يمكن قصد الصلاة المأمور بها مع الالتفات، مضافا إلى الإجماع على البطلان.

(49) لما مر- في المسألة السابقة- من بطلان الصلاة، فلا وجه لوجوب القطع إلّا من باب المسامحة و المجاز إذ لا فرق في الشرائط بين الحدوث و البقاء، فإذا علم بانتفاء الشرط في الأثناء يقع باطلا لا محالة قطعها في سعة الوقت أو لم يقطعها.

(50) لعدم سقوط الصلاة بحال، فيجب الإتيان بها على كلّ حال.

(51) لأن لا يلزم التصرف الزائد على أصل التصرف الخروجي مهما أمكن، فيصير باطلا.

(52) لقاعدة الميسور، و ظهور الإجماع عليه.

(53) لقاعدة الإجزاء، و كون تكليفه هذا النحو من الصلاة، و عدم كون أصل التصرفات الخروجية مبغوضة، لعدم كون الدخول بسوء الاختيار فتكون التصرفات واجبة شرعا و لا محذور فيه.

(54) للخروج عن شبهة الخلاف، و لأنّ الاحتياط حسن على كلّ حال.

هذا كلّه إذا لم يمكنه الخروج و إتيان الصلاة بلا إتيان المنافي. و إلّا يتعيّن عليه ذلك.

ص: 403

المالك بالبقاء بمقدار الصلاة و إلا فيصلّي ثمَّ يخرج (55).

و كذا الحال إذا كان مأذونا من المالك في الدخول ثمَّ ارتفع الإذن برجوعه عن إذنه، أو بموته و الانتقال إلى غيره (56).

مسألة 21: إذا أذن المالك بالصلاة خصوصا أو عموما ثمَّ رجع عن إذنه

(مسألة 21): إذا أذن المالك بالصلاة خصوصا أو عموما ثمَّ رجع عن إذنه قبل الشروع فيها وجب الخروج في سعة الوقت و في الضيق يصلّي حال الخروج على ما مر (57). و إن كان ذلك بعد الشروع فيها فقد يقال بوجوب إتمامها مستقرا و عدم الالتفات إلى نهيه (58)،

______________________________

(55) و تصح صلاته، لوجود المقتضي لها و فقد المانع عنها، فلا بد من الصحة و الإجزاء.

(56) لأنّه بالرجوع عن الإذن يثبت موضوع الغصبية، فتجري عليه أحكام الغصب، و كذا بعد الانتقال إلى مالك آخر، فلا بد من إحراز رضاه و يجري فيه جميع ما تقدم من الفروع السابقة.

(57) و تقدم الوجه فيما مر، فلا وجه للإعادة.

(58) نسب هذا القول إلى جمع- منهم الشهيد الثاني- و استدل لهم بأمور:

منها: استصحاب وجوب الإتمام. و يرده: أنّ رجوع المالك عن إذنه بمنزلة الدليل المقدم على الأصل، فلا يبقى موضوع له.

و منها: إطلاق قوله (عليه السلام): «الصلاة على ما افتتحت»(1).

و يرده أنّه لا ربط له بالمقام، بل في مورد النية بأن يرى المكلّف نفسه في صلاة و شك في أنّه نواها من الأول أو لا، و يدل عليه خبر معاوية قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل قام في الصلاة المكتوبة، فظنّ أنّها نافلة أو

ص: 404


1- لم نعثر عليه في كتب الأحاديث إلّا أنّه موجود في الكتب الفقهية.

.....

______________________________

قام في النافلة، فظنّ أنّها مكتوبة قال: هي على ما افتتح الصلاة عليه» (1).

و منها: أنّ المانع الشرعي و هو حرمة قطع الصلاة كالمانع العقلي مثل الاضطرار إلى البقاء فيه لحفظ نفس أو نحوه، فكما تصح الصلاة في الثاني فكذا في الأول. و يرده أنّ هذه الصلاة مرددة بين البطلان و عدمه، و لا دليل على حرمة قطع مثل هذه الصلاة، لأنّ عمدة الدليل الإجماع و شموله للمقام ممنوع.

و منها: أنّ رجوع المالك عن إذنه مع علمه باشتغال المصلّي بالصلاة أمر بالمنكر و هو غير جائز. و يرده: أنّه لا دليل على حرمة إبطال صلاة الغير، و على فرض وجوده فشموله للمقام أول الدعوى.

و منها: أنّ المالك- بإذنه في الصلاة في داره- أقدم على سلب قدرته عن ما له ما دام المصلّي مشغولا بالصلاة. و يرده أولا: أنّه عين الدعوى.

و ثانيا: أنّه خلاف قاعدة السلطنة المتفق عليها بين جميع العقلاء، فليس شي ء في البين يعتمد عليه في مقابل قاعدة السلطنة و هي مقدمة على حرمة إبطال الصلاة و وجوب الاستقرار فيها و الإتيان بصلاة المختار، فلا وجه لملاحظة التزاحم بينها و احتمال ترجيح الأخيرين عليها. نعم، قد يدل دليل خاص على سقوط اعتبار إذنه في بعض الموارد، ما إذا أذن في دفن الميت في ملكه ثمَّ رجع عن إذنه و قد تقدم في [مسألة 11] من (فصل مكروهات الدفن) و هذه المسألة سيالة في موارد من الفقه:

منها: ما إذا أذن المالك لغيره في رهن ماله لدينه.

و منها: ما إذا أذن في الزرع في ملكه.

و منها: ما إذا رجع الباذل عن بذله في الحج إلى غير ذلك من الموارد و في الجميع قاعدة السلطنة محكّمة إلّا أن يدل دليل على الخلاف و قد تعرضنا للجميع في محالّها المناسبة فراجع و تأمل.

ص: 405


1- الوسائل باب: 2 من أبواب النية حديث: 2.

و إن كان في سعة الوقت إلا إذا كان موجبا لضرر عظيم على المالك (59)، لكنه مشكل (60)، بل الأقوى وجوب القطع في السعة (61) و التشاغل بها خارجا في الضيق (62) خصوصا في فرض الضرر على المالك (63).

مسألة 22: إذا أذن المالك في الصلاة، و لكن هناك قرائن تدل على عدم رضاه

(مسألة 22): إذا أذن المالك في الصلاة، و لكن هناك قرائن تدل على عدم رضاه، و أنّ إذنه من باب الخوف أو غيره لا يجوز أن يصلّي، كما إنّ العكس بالعكس (64).

مسألة 23: إذا دار الأمر بين الصلاة حال الخروج من المكان الغصبيّ بتمامها

(مسألة 23): إذا دار الأمر بين الصلاة حال الخروج من المكان الغصبيّ بتمامها في الوقت أو الصلاة بعد الخروج و إدراك ركعة أو أزيد، فالظاهر وجوب الصلاة في حال الخروج، لأنّ مراعاة الوقت أولى من مراعاة الاستقرار و الاستقبال و الركوع و السجود الاختياريين (65).

______________________________

(59) لأنّه لم يصرح أحد بالصحة في هذه الصورة.

(60) لما مرّ من الإشكال الوارد على أدلتهم.

(61) كما عن جمع كثير من الفقهاء- منهم الشهيد الثاني- و المحقق الثاني- لفقد الشرط، فتصير باطلة و لا يحتاج إلى الإبطال و يجب عليه أن يأتي بصلاة المختار في خارج ذلك المحلّ.

(62) لما مر من عدم سقوط الصلاة بحال مطلقا و لا بد من الإيماء للركوع و السجود إن استلزم الاختياري منهما التصرف الزائد على الخروج.

(63) لما تقدم من عدم تصريح القائلين بالجواز بهذه الصورة.

(64) لأنّ المدار على الواقع و الإذن طريق إليه و لا أثر له مع المخالفة للواقع.

(65) أرسل ذلك إرسال المسلّمات الفقهية. و ما يقال: من أنّ قاعدة من

ص: 406

الثاني: من شروط المكان كونه قارا
اشارة

الثاني: من شروط المكان كونه قارا (66)، فلا تجوز الصلاة على الدابة أو الأرجوحة أو في السفينة و نحوها مما يفوت معه استقرار المصلّي (67).

______________________________

أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت توسع الوقت تنزيلا، فيأتي بالصلاة الاختيارية مع إدراك ركعة من الوقت. مردود، لعدم شمول القاعدة لمورد التفويت و المنساق منها إنّما هو مورد الفوات و تقدم في فصل الأوقات ما ينفع المقام (1).

(66) القرار إن كان بمعنى عدم الحركة أصلا، فلا دليل على اعتباره بل مقتضى الأصل و ما يأتي من أخبار الصلاة في السفينة عدم الاعتبار. و إن كان بمعنى استقرار المصلّي و طمأنينته، فدليل اعتبارهما في الصلاة يكون دليلا لاعتبار القرار في المكان بهذا المعنى، فليس هذا الشرط في المكان شرطا مستقلا في مقابل شرطية الاستقرار و الطمأنينة، و ليس لاعتبار قرار المكان موضوعية خاصة و إنّما هو طريق لشرطية الاستقرار و الاستقبال و الطمأنينة مما تكون معتبرة في الصلاة و حينئذ فلو صلّى في محلّ كان متحرّكا مع تحقق الاستقرار و الاستقبال و الطمأنينة تصح صلاته و لا شي ء عليه، و يشهد لما قلنا خبر ابن جعفر قال: «سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي على الرف المعلّق بين نخلتين؟ فقال: إن كان مستويا يقدر على الصلاة فيه فلا بأس- الحديث-»(2).

لظهوره في أنّ قرار المكان له طريقية لا أن يكون موضوعية و يأتي في مسائل القيام ما ينفع المقام.

(67) لما مر أنّه لا موضوعية لهذا الشرط، بل هو طريق لفقد بعض الشرائط المعتبرة في الصلاة.

ص: 407


1- تقدم في صفحة: 90.
2- الوسائل باب: 35 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.

نعم، مع الاضطرار- و لو لضيق الوقت عن الخروج من السفينة مثلا- لا مانع (68)، و يجب عليه حينئذ مراعاة الاستقبال و الاستقرار بقدر الإمكان (69)، فيدور حيثما دارت الدابة أو السفينة.

و إن أمكنه الاستقرار في حال القراءة و الأذكار و السكوت خلالها حين الاضطراب وجب ذلك (70) مع عدم الفصل الطويل الماحي للصورة، و إلا فهو مشكل (71).

مسألة 24: يجوز في حال الاختيار الصلاة في السفينة

(مسألة 24): يجوز في حال الاختيار الصلاة في السفينة، أو على الدابة الواقفتين مع إمكان مراعاة جميع الشروط من الاستقرار و الاستقبال و نحوهما (72)، بل الأقوى جوازها مع كونهما سائرتين (73)

______________________________

(68) للإجماع، و النص و يأتي في المسألة التالية بعض النصوص.

(69) لإطلاق أدلة اعتبارهما في كلّ جزء من أجزاء الصلاة، مضافا إلى الإجماع، و قاعدة الميسور.

(70) لقاعدة الميسور، و الإجماع، و ظهور بعض الأخبار(1).

(71) لاحتمال أهمية حفظ الصورة عن الاستقرار و نحوه.

(72) لوجود المقتضي للصحة حينئذ و فقد المانع عنها، فتصح و تجزي لا محالة.

(73) أما مع وقوفهما، فللإطلاقات و العمومات، و أصالة عدم اعتبار شرط خاص في مكان المصلّي غير ما تقدم و يأتي من الشرائط و منه يظهر جواز الصلاة في السفينة و على الدابة مع سيرهما إن لم يستلزم خلل في شرائط الصلاة من الاستقرار و الطمأنينة، و الاستقبال، للأصل بعد عدم دليل على اعتبار قرار المكان في مقابل الاستقرار و الطمأنينة و الاستقبال. هذا بحسب الأصل و الإطلاق.

ص: 408


1- راجع الوسائل باب: 13 و 14 من أبواب القبلة.

.....

______________________________

و أما الأخبار الواردة في الصلاة في مثل السفينة فأقسام أربعة:

الأول: ما هو ظاهر في الجواز كصحيح جميل: «أنّه قال لأبي عبد اللّه (عليه السلام): تكون السفينة قريبة من الجدد فأخرج و أصلّي؟

قال (عليه السلام): صلّ فيها أ ما ترضى بصلاة نوح؟!» (1).

و عنه (عليه السلام) أيضا: «لا بأس بالصلاة في جماعة في السفينة» (2).

الثاني: ما يظهر منه أنّ اعتباره طريقيّ لا أن يكون له موضوعية خاصة كصحيح عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي على الرف المعلّق بين نخلتين؟ فقال: إن كان مستويا يقدر على الصلاة فيه فلا بأس» (3).

و موثق مفضل بن صالح قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصلاة في الفرات و ما هو أضعف منه من الأنهار في السفينة قال: إن صلّيت فحسن و إن خرجت فحسن» (4).

الثالث: ما يظهر منه عدم الجواز إلّا مع الضرورة كخبر عليّ بن إبراهيم قال: «سألته عن الصلاة في السفينة قال: يصلّي و هو جالس إذا لم يمكنه القيام في السفينة، و لا يصلّي في السفينة و هو يقدر على الشط- الحديث-» (5).

و قوله (عليه السلام) في الصحيح: «لا يصلّي على الدابة الفريضة إلّا مريض» (6).

و في صحيح ابن سنان قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) أ يصلّي شيئا من المفروض راكبا؟ فقال: لا إلّا من ضرورة»(7).

ص: 409


1- الوسائل باب: 13 من أبواب القبلة حديث: 3 و 9.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب القبلة حديث: 3 و 9.
3- الوسائل باب: 35 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب القبلة حديث: 11.
5- الوسائل باب: 13 من أبواب القبلة حديث: 8.
6- الوسائل باب: 14 من أبواب القبلة حديث: 1.
7- الوسائل باب: 14 من أبواب القبلة حديث: 4.

إذا أمكن مراعاة الشروط و لو بأن يسكت حين الاضطراب عن القراءة و الذكر مع الشرط المتقدم، و يدور إلى القبلة إذا انحرفتا عنها، و لا تضر الحركة التبعية بتحركهما (74)، و إن كان الأحوط القصر على حال

______________________________

الرابع: ما ورد لبيان التفصيل كصحيح حماد بن عيسى قال: «سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يسأل عن الصلاة في السفينة، فيقول: إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فاخرجوا فإن لم تقدروا فصلّوا قياما فإن لم تستطيعوا فصلّوا قعودا و تحرّوا القبلة» (1).

و مثله غيره.

و مقتضى الجمع العرفي بين هذه الأخبار هو أنّه مع التمكن من إتيان الصلاة جامعة للشرائط لا بأس بالصلاة في السفينة و نحوها، لما مرّ في صحيح ابن جعفر، و القسم الأول من الأخبار و إلّا فإن أمكنه الخروج منها و إتيان الصلاة جامعة للشرائط يجب ذلك، لما في القسم الأخير و إلّا فيصلّي فيها و يراعي الشرائط مهما أمكن، و هذا هو الذي تقتضيه الإطلاقات و العمومات، مع ما ارتكز في الأذهان من قاعدة الميسور، فليس في أخبار السفينة شي ء يخالفها.

و لكن نسب إلى المشهور عدم الجواز إلّا مع الاضطرار، بل ادعي عليه الإجماع، و الظاهر أنّه على فرض الثبوت اجتهادي حصل مما ظهر لهم مما مرّ من الأخبار لا أن تكون من الشهرة، أو الإجماع المعتبر.

(74) كلّ ذلك لأصالة عدم المانعية بعد فقد الدليل على مانعية مثل هذه الحركة التبعية، و كذا بالنسبة إلى الدوران حيث ما دارت إلى القبلة و السكون حين الاضطراب، لأنّ كلّ ذلك من الشك في المانعية، و المرجع فيه البراءة كما ثبت في محلّه.

ص: 410


1- الوسائل باب: 13 من أبواب القبلة حديث: 14.

الضيق و الاضطرار (75).

مسألة 25: لا يجوز الصلاة على صبرة الحنطة

(مسألة 25): لا يجوز الصلاة على صبرة الحنطة و بيدر التبن و كومة الرمل مع عدم الاستقرار، و كذا ما كان مثلها (76).

الثالث: أن لا يكون معرضا لعدم إمكان الإتمام

(الثالث): أن لا يكون معرضا لعدم إمكان الإتمام و التزلزل في البقاء إلى آخر الصلاة (77)- كالصلاة في الزحام المعرض لإبطال

______________________________

(75) خروجا عن خلاف ما نسب إلى المشهور، و ادعي عليه الإجماع على فرض الصحة.

فروع- (الأول): لو لم يتمكن فيها من الصلاة جامعة للشرائط و تمكن من الخروج و الإتيان بها جامعة للشرائط و مع ذلك صلّى فيها وجب الإعادة، أو القضاء.

(الثاني): لو صلّى ركعتين- مثلا- فيها مستجمعا للشرائط و صلّى الركعتين الآخرتين في الخارج، الظاهر صحة الصلاة مع عدم المنافي.

(الثالث): لا فرق فيما ذكر بين المسافر و الحاضر، لكون الحكم موافقا للقاعدة و الأخبار وردت على طبقها كما لا فرق بين السفينة و السيارة و القطار و الطائرة.

(الرابع): مقتضى الإطلاقات و العمومات جواز إيجاد موضوع الحكم اختيارا في السفر، و تقتضيه السيرة أيضا.

(76) لأنّ المناط في الجميع واحد و هو الصحة مع تحقق الشرائط، و البطلان مع فقدها أو بعضها إلّا مع الضرورة و الحكم في الجميع موافق للقاعدة.

(77) لا موضوعية لاعتبار هذا الشرط أيضا، بل هو طريق محض لحصول القصد و النية للصلاة، فإن حصل القصد إليها لا أثر لهذا الشرط و إلّا

ص: 411

صلاته و كذا في معرض الريح أو المطر الشديد أو نحوها- فمع عدم الاطمئنان بإمكان الإتمام لا يجوز الشروع فيها على الأحوط. نعم، لا يضر مجرد احتمال عروض المبطل.

الرابع: أن لا يكون مما يحرم البقاء فيه

(الرابع): أن لا يكون مما يحرم البقاء فيه كما بين الصفين من القتال، أو تحت السقف، أو الحائط المنهدم، أو في المسبعة أو نحو ذلك- مما هو محلّ للخطر على النفس (78).

الخامس: أن لا يكون مما يحرم الوقوف، و القيام، و القعود عليه

(الخامس): أن لا يكون مما يحرم الوقوف، و القيام، و القعود عليه كما إذا كتب عليه القرآن، و كذا على قبر المعصوم (عليه السلام) أو غيره- ممن يكون الوقوف عليه هتكا لحرمته (79).

______________________________

فتبطل الصلاة من حيث عدم حصول قصد القربة. و أما الجزم بالنية فلا دليل على اعتباره، بل مقتضى الأصل عدمه و يمكن أن يكون بعض مراتب عدم الجزم مساويا لعدم حصول أصل النية و القصد، فيعتبر الجزم حينئذ مقدمة لحصول أصل النية و القصد، و يمكن أن يكون مراد ما نسب إلى المشهور من اعتبار الجزم بالنية ذلك أيضا، فيصير النزاع بينهم و بين ما عن محققي المتأخرين من عدم الاعتبار لفظيا.

(78) لأنّ الصلاة عبارة عن أفعال و أكوان خاصة مع فرض النهي عن الأكوان الخاصة لا تقع جزء للعبادة، لعدم إمكان التقرب بالمبغوض هذا إذا كانت الأكوان في ضمن الأفعال أو القراءة و الأذكار. و أما لو تحقق كون منفصلا عنها و حرم نفس هذا الكون الخاص من هذه الجهة ففي بطلان أصل الصلاة حينئذ إشكال و إن كان موافقا للاحتياط.

(79) يجري فيه عين ما تقدم في الشرط الرابع من غير فرق بينهما أبدا، فيجري فيه عين ما جرى في سابقة.

ص: 412

السادس: أن يكون مما يمكن أداء الأفعال فيه بحسب حال المصلّي

(السادس): أن يكون مما يمكن أداء الأفعال فيه بحسب حال المصلّي (80)، فلا يجوز الصلاة في بيت سقفه نازل بحيث لا يقدر فيه على الانتصاب، أو بيت يكون ضيقا لا يمكن فيه الركوع و السجود على الوجه المعتبر.

نعم، في الضيق و الاضطرار يجوز و يجب مراعاتها بقدر الإمكان (81). و لو دار الأمر بين مكانين في أحدهما قادر على القيام، لكن لا يقدر على الركوع و السجود إلا موميا و في الآخر لا يقدر عليه و يقدر عليهما جالسا، فالأحوط الجمع بتكرار الصلاة و في الضيق لا يبعد التخيير (82).

السابع: أن لا يكون متقدما على قبر معصوم و لا مساويا

(السابع): أن لا يكون متقدما على قبر معصوم (83) و لا مساويا

______________________________

(80) هذا الشرط أيضا لا موضوعية له، بل هو طريق لإتيان الأفعال الصلاتية بحسب التكليف الفعلي، فدليل اعتبار هذا الشرط عين أدلة اعتبار تلك الأفعال. و القاعدة الكلية في جميع ذلك مراعاة أدلة تلك الأفعال و الشرائط فمع تحققها لا دليل على اعتبار هذه الشروط في المكان و مع عدم تحققها تعتبر هذه الشروط لتحققها.

(81) لقاعدة الميسور بعد عدم سقوط الصلاة إجماعا.

(82) يأتي التفصيل في [مسألة 17] من مسائل القيام، فلا وجه للتكرار.

(83) كما عن جمع من المتأخرين- منهم المجلسي، و البهائي، و الكاشاني- لصحيح الحميري قال: «كتبت إلى الفقيه (عليه السلام) أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة (عليهم السلام)- إلى أن قال:- و هل يجوز أن يتقدم القبر و يصلّي و يجعله خلفه أم لا؟ فأجاب و قرأت التوقيع و منه نسخت- إلى أن قال:- و أمّا الصلاة فإنّها خلفه و يجعله الإمام، و لا يجوز أن يصلّي بين يديه لأنّ

ص: 413

.....

______________________________

الإمام لا يتقدم و يصلّي عن يمينه و شماله» (1).

و لكن نسب إلى المشهور الجواز على كراهة، لقصور الخبرين عن إثبات الحرمة، لوجوه:

منها: قصور السند.

و فيه: أنّه معتبر، كما لا يخفى على من راجع كتب الرجال.

و منها: إعراض المشهور عنه. و فيه: أنّ إعراضهم اجتهادي لا أثر له.

و منها: أنّ الفقيه من ألقاب الكاظم (عليه السلام) و الحميري متأخر عنه زمانا و لم يدركه.

و فيه: أنّ المراد به في المقام صاحب الأمر (عليه السلام) و لا محذور.

و منها: اضطرابها لما عن الحميري أيضا: «و لا يجوز أن يصلّي بين يديه، و لا عن يمينه، و لا عن شماله، لأنّ الإمام لا يتقدم و لا يساوى» (2).

و فيه: أنّهما روايتان، كما صرح به في الوسائل، و لا اضطراب حينئذ. و لا تعارض بينهما بالنسبة إلى التقدم. و أما بالنسبة إلى اليمين و الشمال فيمكن الجمع، كما يأتي.

و منها: أنّها في مقام بيان الآداب لا الأحكام.

و فيه: أنّ هذا الاحتمال خلاف الظاهر، كما هو ظاهر. فلا قصور فيه لا من حيث السند و لا من جهة الدلالة، سواء قرئ قوله (عليه السلام): «و يجعله الإمام» بكسر الهمزة أو بفتحها، لأنّه على كلا التقديرين عبارة أخرى عن الجملة السابقة عليه و الجملة اللاحقة له، و يدل عليه أيضا خبر هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في زيارة والده (عليه السلام): «و يصلّي خلفه و لا يتقدم عليه» (3).

ثمَّ إنّ التقدم تارة: يكون بالخط المستقيم بحيث يكون القبر الشريف خلفه حقيقة، و لا ريب في شمول الصحيح له، و أخرى يكون عن يمينه و شماله

ص: 414


1- الوسائل باب: 26 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب مكان المصلّي حديث: 7.

له (84)

______________________________

بحيث يصدق التقدم مسامحة عرفا لا حقيقة و هل يشمل ذلك أيضا أو لا؟

وجهان هذا بالنسبة إلى القبر الشريف، و أمّا بالنسبة إلى الصندوق الذي هو أوسع من القبر بمراتب، كما إنّ الضريح أوسع من الصندوق كذلك- و لم يكونا كذلك في زمان صدور الحديث- فهل التقدم عليهما أيضا ممنوع، أمّا بالنسبة إلى جعل نفس القبر خلفه فلا ريب في المنع كراهة أو حرمة. و أمّا بالنسبة إلى اليمين أو اليسار، فيجري ما ذكرناه آنفا بالنسبة إلى القبر.

(84) لما تقدم في خبر الحميري من قوله (عليه السلام): «لأنّ الإمام لا يتقدم و لا يساوى» و قوله (عليه السلام): «و أمّا الصلاة فإنّها خلفه» المستفاد منه الحصر.

و أشكل عليه أولا: بمخالفة المشهور لذهابهم إلى الجواز. و فيه: أنّ الظاهر أنّ الشهرة اجتهادية لا أن تكون مستندة إلى ما لم يصل إلينا.

و ثانيا: بمعارضته بما تقدم في خبره الآخر: «و يصلّي عن يمينه و شماله».

و فيه: أنّ اليمين و الشمال أعم من المساواة فيحملان على غير المساوي بقرينة هذا الخبر، و تقتضي المنع عن التقدم و المساواة مرتكزات المؤمنين أيضا خلفا عن سلف، كما أشكل على الحصر بأنّه لا يستفاد منه إلّا مجرد الفضل الإضافي بالنسبة إلى التقدم بقرينة ذيل الحديث، و لكن مع ذلك كلّه الجزم بالفتوى مشكل، لأنّ الخبرين كانا بمرأى المشهور و فيهم الأساطين و مع ذلك لم يذهبوا إلى المنع في هذا الحكم العام البلوى و قال في المستند: «أما فيه- أي في قبر المعصوم- فلا ريب في مرجوحية استدباره، بل الظاهر عدم الخلاف فيها، و هو فيها الحجة، مضافا إلى صحيح الحميري- ثمَّ ذكر الصحيحين- ثمَّ قال: و هل هي على وجه الكراهة أو الحرمة؟ المشهور هو الأول، بل ظاهر المنتهى عدم الخلاف فيه، و قال بعض مشايخنا المحققين: الظاهر اتفاقهم على ترك العمل بظاهر الصحيحين من عدم جواز الصلاة مقدّما على قبره، و صرّح بعض مشايخنا المعاصرين بعدم وجدان القائل به، و اختار بعض مشايخنا المحدثين الثاني

ص: 415

.....

______________________________

و نسبه إلى المعتبر و شيخنا البهائي و المحدّث المجلسي و لا دلالة لكلام الأوليين عليه، بل لا يفيد أزيد من الكراهة».

أقول: فإذا تحقق الاتفاق على ترك العمل بالصحيح فلا وجه لاعتباره حينئذ، مع أنّ جلّ ما ورد بالنسبة إلى قبور المعصومين (عليهم السلام) بل كلّه إنّما هو من الآداب و السنن مع اشتمالها على مثل هذه التعبيرات فأيّ موجب لحمل ما ورد في المقام على الحرمة، و البقية على مجرد الآداب و السنة فالجزم بالاحتياط الوجوبي أيضا مشكل، فإذا كان هذا حال التقدم فيسقط البطلان بالنسبة إلى التساوي بالأولى.

ثمَّ إنّه يظهر عن جمع جواز المساواة و عدم الكراهة فيها، لإطلاق قوله (عليه السلام) في الصحيح الأول: «و يصلّي عن يمينه و شماله».

و إطلاق جملة من النصوص:

منها: خبر ابن فضال في وداع أبي الحسن (عليه السلام) لقبر النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «فقام إلى جانبه يصلّي فألزق منكبه الأيسر بالقبر قريبا من الأسطوانة المخلقة التي عند رأس النبي (صلّى اللّه عليه و آله)» (1).

و خبر جعفر بن ناجية: «صلّ عند رأس الحسين (عليه السلام)» (2).

و خبر صفوان: «فصلّ ركعتين عند الرأس» (3).

و في خبر الثمالي: «ثمَّ تدور من خلفه إلى عند رأس الحسين و صلّ عند رأسه ركعتين، و إن شئت صلّيت خلف القبر و عند رأسه أفضل»(4).

و نحو ذلك من الأخبار.

و فيه: أنّ ذلك كلّه أعم من المحاذاة العرفية، لأنّ إلصاق المنكب الأيسر

ص: 416


1- الوسائل باب: 26 من أبواب مكان المصلّي حديث: 4.
2- الوسائل باب: 69 من أبواب المزار حديث: 5.
3- الوسائل باب: 54 من أبواب المزار حديث: 2.
4- الوسائل باب: 52 من أبواب المزار حديث: 31.

مع عدم الحائل (85) المانع الرافع لسوء الأدب على الأحوط.

و لا يكفي في الحائل الشبابيك و الصندوق الشريف و ثوبه (86).

الثامن: أن لا يكون نجسا نجاسة متعدية إلى الثوب أو البدن

(الثامن): أن لا يكون نجسا نجاسة متعدية إلى الثوب أو البدن (87)، و أما إذا لم تكن متعدية فلا مانع (88) إلا مكان الجبهة فإنّه

______________________________

بالقبر يمكن أن يكون بمؤخر القبر، فيقع القبر في القدام، و كذا الصلاة عند الرأس، فإنّها أعم من المحاذاة قطعا. و كذا قوله (عليه السلام): «يصلّي عن يمينه و شماله» أعم من المحاذاة، فقوله (عليه السلام) في الصحيح الآخر للحميري: «لا يساوي» محكّم بعد حمله على الكراهة خصوصا بعد المسامحة فيها.

ثمَّ إنّه لا يخفى أنّ التساوي مع ضلع الضريح المقدس مستقبلا للقبلة لا يكون تساويا مع القبر، لأوسعية الضريح من القبر الشريف بكثير.

(85) للأصل في صورة وجود الحائل بعد صحة انصراف الدليل عنه.

(86) لأنّهما من توابع القبر الشريف عرفا، بخلاف الجدار مثلا.

(87) لما دل على اعتبار طهارة الثوب و البدن، و لا بد من تقييدها بغير المعفو عنه، و قد تقدم التفصيل في كتاب الطهارة، فراجع. و هذا الشرط أيضا له طريقية لا أن تكون له موضوعية.

(88) للنص و الإجماع، ففي صحيح ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام):

«عن البيت و الدار لا تصيبهما الشمس و يصيبهما البول و يغتسل فيهما من الجنابة، أ يصلّي فيهما إذا جفّا؟ قال: نعم» (1).

و قريب منه صحيحاه الآخران (2) و موثق عمار الساباطي (3)، و يأتي تتمة الكلام في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

ص: 417


1- الوسائل باب: 30 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب النجاسات حديث: 2.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب النجاسات حديث: 7.

يجب طهارته و إن لم تكن نجاسته متعدية (89)، لكن الأحوط طهارة ما عدا مكان الجبهة أيضا مطلقا (90)، خصوصا إذا كانت عليه عين النجاسة (91).

التاسع: أن لا يكون محلّ السجدة أعلى أو أسفل من موضع القدم بأزيد من أربع أصابع مضمومات

(التاسع): أن لا يكون محلّ السجدة أعلى أو أسفل من موضع القدم بأزيد من أربع أصابع مضمومات على ما سيجي ء في باب السجدة (92).

العاشر: أن لا يصلّي الرجل و المرأة في مكان واحد
اشارة

(العاشر): أن لا يصلّي الرجل و المرأة في مكان واحد (93)،

______________________________

(89) إجماعا من المسلمين في الأعصار و الأمصار، و يأتي في التاسع من واجبات السجود إن شاء اللّه تعالى ما يدل عليه أيضا.

(90) خروجا عن خلاف من أوجب طهارة ما يلاقيه المصلّي حين الصلاة، كالسيد لقوله تعالى وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ (1).

و طهارة محلّ المساجد مطلقا، كالحلبي، لقوله (صلّى اللّه عليه و آله):

«جنبوا مساجدكم النجاسة»(2).

و فيهما ما لا يخفى، و كذا في باقي أدلتهما غير الصالحة للوجوب، و إن صلحت للكراهة و الاحتياط.

(91) لأنّه مع التمكن من الصلاة في غيره يكون ذلك نحو تسامح بالنسبة إلى الصلاة، و خلاف المحافظة عليها.

(92) راجع السابع من واجبات السجود، فقد ذكرنا هناك دليله و لا وجه للتعرض هنا.

(93) نسب المنع إلى المشهور و ادعى عليه الإجماع. و عن عامة

ص: 418


1- سورة المدثر: 5.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.

.....

______________________________

المتأخرين الجواز مع الكراهة، بل عليه إجماعهم. و البحث فيها تارة: بحسب الأصل و أخرى: بحسب الإطلاقات، و ثالثة: بحسب الأدلة الخاصة.

أمّا الأولان: فمقتضاهما عدم اعتبار هذا الشرط أصلا. و أمّا الأخير فاستدل للمنع بجملة من الأخبار- و هي كثيرة-:

منها: صحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) «أصلّي و المرأة إلى جانبي و هي تصلّي. قال (عليه السلام): لا، إلّا أن تقدم هي أو أنت، و لا بأس أن تصلّي و هي بحذاك جالسة أو قائمة» (1).

بناء على أنّ المراد بالتقدم التقدم الصلاتي لا المكاني.

و منها: صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال:

«سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعا، قال (عليه السلام) لا، و لكن يصلّي الرجل فإذا فرغ صلّت المرأة» (2).

و منها: صحيح إدريس بن عبد اللّه القمّي قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يصلّي و بحياله امرأة قائمة على فراشها جنبا، فقال (عليه السلام): إن كانت قاعدة فلا يضرك و إن كانت تصلّي فلا» (3).

و منها: خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل و المرأة يصليان معا في المحمل؟ قال (عليه السلام): لا و لكن يصلّي الرجل و تصلّي المرأة بعده» (4).

و منها موثق عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «أنّه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلّي و بين يديه امرأة تصلّي؟ قال (عليه السلام): إن كانت تصلّي خلفه فلا بأس و إن كانت تصيب ثوبه» (5).

ص: 419


1- الوسائل باب: 5 من أبواب مكان المصلّي حديث: 5.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب مكان المصلّي حديث: 4.

.....

______________________________

و منها: صحيح ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: «سألته عن إمام كان في الظهر فقامت امرأته بحياله تصلّي و هي تحسب أنّها العصر، هل يفسد ذلك على القوم و ما حال المرأة في صلاتها معهم و قد كانت صلّت الظهر؟ قال: لا يفسد ذلك على القوم و تعيد المرأة» (1).

و بإزاء هذه الأخبار: أخبار أخرى ظاهرة، بل صريحة في الجواز، كصحيح جميل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «لا بأس أن تصلّي المرأة بحذاء الرجل و هو يصلّي، فإنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) كان يصلّي و عائشة مضطجعة بين يديه و هي حائض، و كان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتّى يسجد» (2).

و عدم انطباق التعليل على المورد لا يضر بالاستدلال، مع أنّه يمكن أن يكون مورد العلة حكما آخر، و هو عدم كون المرأة غير مصلية، و ذكر بهذا النحو كما يظهر من روايات أخرى. و خبر ابن فضال عمن أخبره عن جميل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في الرجل يصلّي و المرأة تصلّي بحذاه، قال (عليه السلام): لا بأس» (3).

و صحيح فضيل عن أبي جعفر (عليه السلام): «إنّما سميت مكة بكة لأنّه يبك فيها الرجال و النساء، و المرأة تصلّي بين يديك و عن يمينك و عن يسارك و معك و لا بأس بذلك، و إنّما يكره في سائر البلدان» (4).

بناء على أنّ المراد بالكراهة الاصطلاحية، و في خبر عيسى بن عبد اللّه القمي: «سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن امرأة صلّت مع الرجال و خلفها صفوف و قدامها صفوف، قال (عليه السلام): مضت صلاتها و لم تفسد على أحد و لا تعيد» (5).

ص: 420


1- الوسائل باب: 9 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب مكان المصلّي حديث: 4.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب مكان المصلّي حديث: 6.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب مكان المصلّي حديث: 10.
5- لم نعثر عليه في كتب الأحاديث إلّا أنّها موجودة في الكتب الفقهية.

.....

______________________________

فيحمل القسم الأول من الأخبار على الكراهة بقرينة هذه الأخبار، مع أنّ في الأخبار المانعة قرائن دالة على الكراهة أيضا. ففي صحيح الحلبي قال:

«سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة و ابنته أو امرأته تصلّي بحذائه في الزاوية الأخرى، قال (عليه السلام): لا ينبغي ذلك إلّا إن يكون بينهما ستر، فإن كان بينهما ستر أجزأه» (1).

فإنّ لفظ لا ينبغي يناسب الكراهة. مع أنّ التأمل في مجموع الأخبار المانعة يشهد بالكرهة أيضا، و هو حمل شائع عرفي متعارف في الفقه. كما أنّ كثرة الاختلاف في التحديد الرافع للمنع، كما يأتي من أمارات الكراهة أيضا.

و حمل الاختلاف على الاختلاف بحسب الطول خلاف ظاهر الإطلاق.

و مما يؤكد الكراهة اشتمال بعض الأخبار المانعة على لفظ «لا ينبغي» فراجع.

إن قلت: إنّ الأخبار الدالة على الجواز قاصرة عن إثباته، أمّا الأول:

فلعدم انطباق التعليل فيه على الحكم. و أمّا الثاني: فلإرساله. و أما الثالث:

فلإمكان أن تحمل الكراهة فيه على الحرمة بقرينة الأخبار المانعة. و أمّا الأخير:

فلعدم أثر له في كتب الأحاديث. نعم، هو مذكور في كتب الفقه، هذا مع إمكان حمل هذه الأخبار على مورد تحقق الفصل الرافع للمنع.

قلت: أمّا عدم مناسبة التعليل للمورد فقد تقدم الجواب عنه، و إنّه لا يوجب سقوط حجية الظهور، بل النص و أمّا خبر ابن فضال فالظاهر أنّه عين الخبر الأول، و على فرض المغايرة يصح الأخذ بمراسيل ابن فضال، لإطلاق قوله (عليه السلام): «خذوا ما رووا و ذروا ما رأوا» (2).

و أما الكراهة، فهي ظاهرة في الكراهة الاصطلاحية أو تكون أعمّ منهما، و على أيّ تقدير توجب سقوط الأخبار المانعة عن الظهور في الحرمة مع اشتمال

ص: 421


1- الوسائل باب: 8 من أبواب مكان المصلّي حديث: 3.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب القضاء حديث: 3.

بحيث تكون المرأة مقدمة على الرجل أو مساوية (94) إلا مع الحائل (95)،

______________________________

بعضها على لفظ «لا ينبغي» (1). و أما عدم وجدان الأخير في كتب الأحاديث، فلا يوجب سقوط اعتباره بعد اعتناء الفقهاء بنقله، كما إنّ حملها على مورد حصول الفضل بعيد عن مساقها جدا مضافا إلى أنّ التصرف في الهيئة أهون من التصرف في مادة المطلقات الواردة في مقام البيان، و يمكن منع قيام الشهرة على المنع فضلا عن الإجماع، إذ لم يصرّح بالمنع إلّا الشيخان، و ابن حمزة، و قيل أكثر القدماء و لو ثبت الشهرة و الإجماع بمثل ذلك لاختل النظام و بطلت جملة من الأحكام.

(94) لما تقدم في صحيح ابن أبي يعفور- من قوله: «و المرأة إلى جنبي»- الظاهر في التساوي، و لاتفاق النص و الفتوى على الصحة مع تأخرها كما تقدم.

(95) للإجماع، و النصوص:

منها: صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «في المرأة تصلّي عند الرجل، قال: إذا كان بينهما حاجز فلا بأس» (2).

و في خبر الحلبي قال: «لا ينبغي ذلك إلّا أن يكون بينهما ستر، فإن كان بينهما ستر أجزأه» (3).

و في خبر ابن جعفر: «إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس» (4).

و قريب منه خبره الآخر.

فروع- (الأول): المدار على صدق الحائل بينهما عرفا طويلا كان أو قصيرا مستقرا كان أو غير مستقر- كالستر يجعل حين الصلاة فقط- كما لا فرق في مادته سواء كانت من الآجر أو الخشب أو القماش أو شي ء آخر، و كذا لا

ص: 422


1- الوسائل باب: 8 من أبواب مكان المصلّي حديث: 3.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب مكان المصلّي حديث: 3.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.

أو البعد عشرة أذرع (96)

______________________________

فرق بين كونه غليظا أو رقيقا كما لا فرق بين كون نجسا أو طاهرا و بين كونه مباحا أو غصبا كلّ ذلك لصدق الحائل عرفا، فتشمله الإطلاقات قهرا.

(الثاني): لا فرق في ارتفاع المنع مع الحائل بين كون المرأة متقدمة، أو إلى أحد الجانبين، لظهور الإطلاق.

(الثالث): لو وقف بينهما شخص و هو لا يصلّي، ففي صدق الحائل عليه جمودا على الإطلاق أو عدمه، لاحتمال الانصراف عنه وجهان و الأوجه الأول.

(96) اختلفت الأخبار في التحديد الرافع للمنع، ففي بعضها: «إذا كان بينهما شبر» (1).

و كخبر ابن مسلم، و في بعضها: «إلّا أن يكون بينهما شبر أو ذراع» (2).

و كخبر أبي بصير، و في بعضها: «شبر أو ذراع أو نحوه» (3).

و كخبر آخر لأبي بصير، و في بعضها: «قدر ما لا يتخطّى أو قدر عظم الذراع فصاعدا» (4).

و كخبر زرارة، و في بعضها: «موضع رحل» (5).

و كخبر حريز، و في بعضها: «عشرة أذرع» (6).

و كصحيح ابن جعفر، و في بعضها: «أكثر من عشرة أذرع» (7).

و مقتضى الصناعة كفاية الأقل و حمل الأكثر على مراتب الفضل.

ثمَّ إنّ العناوين الواردة في أدلة المنع أربعة: «الحذاء» و «الحيال» و «الجنب» و «الإزاء» (8)، و المنساق منها عرفا في مثل المقام المماسة العرفية

ص: 423


1- الوسائل باب: 5 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب مكان المصلّي حديث: 3.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب مكان المصلّي حديث: 4.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب مكان المصلّي حديث: 8.
5- الوسائل باب: 5 من أبواب مكان المصلّي حديث: 11.
6- الوسائل باب: 7 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.
7- الوسائل باب: 7 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.
8- راجع الوسائل باب: 5 من أبواب مكان المصلّي.

.....

______________________________

فبكلّ ما يصدق عليه الخروج- عن هذه العناوين- يرتفع المنع حرمة أو كراهة، و يدل عليه إطلاق ما ورد في الستر، و الحاجز، و قدر الشبر لأنّ هذه العناوين من الأمور التشكيكية و المتيقن منها هو أنّ المماسة ممنوعة و اعتبار الزائد عليها مشكوك، فيرجع فيه إلى الأصل.

هذا محصّل ما يستفاد من مجموع أخبار الباب على كثرتها و اختلافها بعد رد بعضهما إلى البعض و أمّا الكلمات فهي مضطربة كما لا يخفى على من راجعها في المفصّلات.

فروع- (الأول): سقوط المنع ببعد عشرة أذرع متفق عليه فتوى، و نصّا كما تقدم في خبر ابن جعفر. و أما موثق عمار المتقدّم، فمحمول على عشرة و أكثر كما في قوله تعالى فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ(1).

و هل يستفاد من هذا الإجماع إعراضهم عن سائر التحديدات الواردة في الأخبار المتقدمة- حتّى لا يصح التمسك بها من هذه الجهة، الظاهر العدم، لعدم الاعتماد على مثل هذه الإجماعات، و على فرض الاعتبار لا أن يكون مثله مضرّا، لأنّه إثباتيّ لا يكون الإجماع على عدم اعتبار سائر التحديدات و سقوطها رأسا.

(الثاني): هل يلاحظ التحديد بين الموقفين، أو المسجدين، أو بين موقف أحدهما و مسجد الآخر، المنساق من الأخبار هو الأول، و مقتضى الأصل هو الأخير، لأنّ اعتبار الزائد عليه مشكوك فيرجع فيه إلى البراءة.

(الثالث): الظلمة، و تغميض العين و العمى ليس من الحاجز و الستر عرفا، فلا وجه لما نسب إلى الشهيد الثاني في الأولين، و إلى التحرير في الأخير من عدم المنع حرمة، أو كراهة.

(الرابع): لا فرق بين كون الحائط، و الحاجز ذات ثقب أو لا، للإطلاق، و لصحيح ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يصلّي في

ص: 424


1- سورة النساء: 11.

بذراع اليد (97) على الأحوط و إن كان الأقوى كراهته، إلا مع أحد الأمرين (98).

و المدار على الصلاة الصحيحة- لو لا المحاذاة أو التقدم- دون الفاسدة، لفقد شرط أو وجود مانع (99). و الأولى في الحائل كونه مانعا عن المشاهدة (100) و إن كان لا يبعد كفايته مطلقا (101).

______________________________

مسجد حيطانه كوى كلّه قبلته و جانباه، و امرأته تصلّي حياله يراها و لا تراه قال:

لا بأس» (1).

و الكوى جمع الكوّة و هي الثقبة و على هذا لا بأس بالشباك سواء كان من حديد أو غيره.

(الخامس): هل يكون هذا الشرط واقعيا أو ذكريا، مقتضى الإطلاق هو الأول، و مقتضى التسهيل هو الأخير و طريق الاحتياط واضح.

(97) لأنّ المنساق من الذراع في الأخبار مطلقا هو ذراع اليد إلّا مع قرينة معتبرة على الخلاف و هي مفقودة.

(98) لما مرّ من عدم تمامية الأدلة لإثبات الحرمة. و الكراهة خفيفة المؤنة يكفي فيها ذلك، مع أنّ أصل المرجوحية متفق عليها بين الكلّ.

(99) لانسباق الصحيحة، و الإتيان بالوظيفة الفعلية من أدلة المقام، مع أنّه مقتضى أصالة عدم المانعية في غير المعلوم من موارد الأدلة.

(100) للجمود على لفظ الستر الوارد في بعض الأخبار (2)، و لأنّه أنسب إلى الستر الذي أكد الشارع فيه بالنسبة إلى النساء.

(101) لظهور الإطلاق بعد كون الستر من باب المثال، و اشتمال صحيح

ص: 425


1- الوسائل باب: 8 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب مكان المصلّي حديث: 3.

كما إنّ الكراهة، أو الحرمة مختصة بمن شرع في الصلاة لاحقا إذا كانا مختلفين في الشروع، و مع تقارنهما تعمهما (102). و ترتفع

______________________________

ابن جعفر على الكوى كما مرّ، و في خبره الآخر قال: «سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في مسجد قصير الحائط و امرأة قائمة تصلّي و هو يراها و تراه قال: إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس» (1).

و مقتضاهما الجزم بالفتوى، فلا وجه لقوله (لا يبعد).

(102) لظهور الأدلة في المنع عن صلاة من تستند المحاذاة إليه و تتحقق بفعله و هي في مورد السبق و اللحوق تستند إلى اللاحق، و في مورد المقارنة تستند إليهما.

و ما يقال في الأول: من أنّ المحاذاة من الأمور الإضافية القائمة بالطرفين، فلا وجه لبطلان خصوص اللاحقة. و في الثاني: بأنّ المدار في إبطال المحاذاة على الصلاة الصحيحة، فما تنعقد من حين الحدوث باطلا كيف تكون مبطلا، فلا وجه للإبطال حينئذ، بل هو من الانبطال بالذات كصلاة المحدث و نحوه.

مردود، أمّا الأول: فلأنّ المحاذاة و إن كانت من الأمور الإضافية، لكن تقدم أنّ المستفاد من الأدلة بطلان صلاة من حدثت بفعله المحاذاة و هي اللاحقة فقط، فتجري أصالة الصحة في الأولى بلا مزاحم.

و أما الثاني، فإنّ المراد الصحة من تمام الجهات لو لا المحاذاة و هي متحققة في كلتا الصلاتين مع المقارنة و حدثت المحاذاة بفعلها فتبطل الصلاتان لا محالة، فالمراد بالصحة التعليقية منها لا الفعلية من كلّ جهة- كما في جميع موارد تعلق النهي بالعبادات- فإنّه يتعلق بالصحيح الاقتضائي، فتفسد من هذه الجهة لا أن يكون المراد الصحيح الفعلي من كلّ جهة، إذ لا وجه له مع النهي.

ص: 426


1- الوسائل باب: 8 من أبواب مكان المصلّي حديث: 4.

أيضا بتأخر المرأة مكانا بمجرد الصدق (103)، و إن كان الأولى تأخرها عنه في جميع حالات الصلاة بأن يكون مسجدها وراء موقفه (104)، كما إنّ الظاهر ارتفاعها أيضا بكون أحدهما في موضع عال على وجه لا يصدق معه التقدم و المحاذاة و إن لم يبلغ عشرة أذرع (105).

______________________________

(103) لأنّه المتيقن المعلوم من مفاد الأدلة و الزائد عليه مشكوك، فيرجع فيه إلى البراءة و المانع المذكور في الأخبار صلاة المرأة بحذاء الرجل، أو بإزائه أو بحياله، أو بجنبه و لا ريب في الخروج عن هذه العناوين بمجرد تأخر المرأة عرفا.

(104) حملا لقوله (عليه السلام) في موثق عمار: «إن كانت تصلّي خلفه فلا بأس» (1).

على مجرد الأولوية جمعا بينه و بين صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «لا تصلّي المرأة بحيال الرجل إلّا أن يكون قدامها و لو بصدره» (2).

و خبر ابن فضال (3): «إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس».

(105) للخروج بذلك أيضا عن صدق الحذاء، و الحيال، و الجنب، و الإزاء الوارد في الأخبار.

و لباب القول: أنّ الأقسام ثلاثة: فتارة: نعلم بعدم صدق العناوين المذكورة عرفا و لا ريب في عدم المنع حينئذ:

و أخرى: نعلم بصدقها و لا ريب في المنع حينئذ.

و ثالثة: يشك في الصدق و عدمه و المرجع فيه أصالة البراءة عن المانعية

ص: 427


1- الوسائل باب: 6 من أبواب مكان المصلّي حديث: 4.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب مكان المصلّي حديث: 5.
مسألة 26: لا فرق في الحكم المذكور- كراهة أو حرمة بين المحارم و غيرهم

(مسألة 26): لا فرق في الحكم المذكور- كراهة أو حرمة بين المحارم و غيرهم، و الزوج و الزوجة و غيرهما، و كونهما بالغين أو غير بالغين، أو مختلفين (106)، بناء على المختار من صحة عبادات الصبيّ و الصبية.

مسألة 27: الظاهر عدم الفرق أيضا بين النافلة و الفريضة

(مسألة 27): الظاهر عدم الفرق أيضا بين النافلة و الفريضة (107).

______________________________

بعد عدم جواز التمسك بالأدلة، لأنّه من التمسك بالدليل فيما لم يحرز موضوعه.

(106) لأنّ هذه القيود للصلاة أو للمصلّي باعتبار الصلاة، فتشمل كلّ ما تكون صلاة شرعا، و ذكر الرجل و المرأة من باب الغالب و المثال لا لموضوعية خاصة، مع ذكر امرأته و بنته في صحيح محمد بن مسلم قال: «سألته عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة و امرأته أو ابنته تصلّي بحذاه في الزاوية الأخرى قال:

لا ينبغي ذلك- الحديث-» (1).

و الابنة تشمل الصغيرة و الكبيرة. و أما احتمال انصراف الأدلة إلى البالغين، فلا وجه له كما إنّ عدم شرعية عبادات الصبيان لا وجه له بعد شمول الإطلاقات و العمومات لهم، و حديث «رفع القلم» (2) لا يرفع إلّا الوجوب و العقاب على المخالفة دون أصل الشرعية و الصحة، و قد تكررت صحة عباداتهم كثيرا في هذا الكتاب فيما مضى و يأتي.

(107) لقاعدة إلحاق النافلة بالفريضة في جميع الأجزاء و الشرائط و الموانع إلّا ما خرج بالدليل، و يدل عليها مضافا إلى ظهور الإجماع، قول

ص: 428


1- الوسائل باب: 5 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات.
مسألة 28: الحكم المذكور مختص بحال الاختيار

(مسألة 28): الحكم المذكور مختص بحال الاختيار، ففي الضيق و الاضطرار لا مانع و لا كراهة (108). نعم، إذا كان الوقت واسعا يؤخر أحدهما صلاته (109) و الأولى تأخير المرأة صلاتها (110).

مسألة 29: إذا كان الرجل يصلّي و بحذائه أو قدامه امرأة من غير أن تكون مشغولة بالصلاة

(مسألة 29): إذا كان الرجل يصلّي و بحذائه أو قدامه امرأة من غير أن تكون مشغولة بالصلاة لا كراهة و لا إشكال و كذا العكس، فالاحتياط أو الكراهة مختص بصورة اشتغالهما بالصلاة (111).

______________________________

الرضا (عليه السلام) في مقام بيان القاعدة الكلية: «و كلّ سنة إنّما تؤدى على جهة الفرض» (1).

(108) أمّا في الضيق، فلأهمية إدراك الوقت عن مثل هذا المانع قطعا و أما في الاضطرار، فلقاعدة ما من شي ء حرّمه اللّه إلّا و قد أحلّه لمن اضطر إليه.

(109) لعدم ما يصلح لوجوب تقديم أحدهما بالخصوص، فمقتضى الأصل و الإطلاق هو التخيير.

(110) لقوله (عليه السلام): «يصلّي الرجل فإذا فرغ صلّت المرأة» (2).

و قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «أخروهنّ حيث أخرهنّ اللّه» (3).

المحمول على الندب في المقام إجماعا.

(111) للأصل، و النص، و الإجماع، و قد تقدم صحيح جميل (4) فراجع.

فروع- (الأول): لو صلّيا مع المحاذاة جهلا بالموضوع، أو نسيانا،

ص: 429


1- الوسائل باب: 19 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 11.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.
3- مستدرك الوسائل باب: 5 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب مكان المصلّي حديث: 4.
مسألة 30: الأحوط ترك الفريضة على سطح الكعبة

(مسألة 30): الأحوط ترك الفريضة على سطح الكعبة، و في جوفها اختيارا (112)

______________________________

فمقتضى حديث «لا تعاد» (1)الصحة في الثاني بلا إشكال. و أمّا في الأول، فمبنيّ على شموله لصورة الجهل أيضا، و يأتي التحقيق إن شاء اللّه و إن قلنا بأنّ ذلك من الشرائط العلمية فلا ريب في الصحة.

(الثاني): لو شك في تحقق المحاذاة و عدمها، فمع سبق عدمها يجري الأصل و تصح الصلاة، و مع عدمه يصح جريان أصالة عدم المحاذاة بالعدم الأزلي، و أصالة عدم تقييد الصلاة بهذا القيد المشكوك.

(الثالث): لو علم بأنّه صلّى مع المرأة المصلية في الجملة و شك في التقديم و التأخير الزماني، فمقتضى أصالة الصحة صحة الصلاة.

(الرابع): لو صلّيا محاذيا و بعد الفراغ من الصلاة أخبرت المرأة ببطلان صلاتها، لعدم الطهارة- مثلا- تصح صلاة الرجل إن حصل منه قصد القربة، و كذا بالعكس.

(الخامس): لا فرق في المنع بين الحدوث و الاستدامة، فلو صلّيا و كان بينهما عشرة أذرع و في أثناء الصلاة تقاربا تبطل صلاة كلّ منهما و إن قرب أحدهما إلى الآخر تبطل صلاة من حصل بفعله المحاذاة كما مرّ.

(112) استدل لعدم صحة الفريضة على سطح الكعبة، أولا: بانصراف أدلة الاستقبال عن سطح الكعبة. و فيه: أنّها قبلة من تخوم الأرض إلى عنان السماء نصّا (2) و إجماعا، فيكون سطحها كجوفها من هذه الجهة و ثانيا: بحديث المناهي: «و نهى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) عن الصلاة على ظهر الكعبة» (3).

ص: 430


1- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 89 من أبواب القبلة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب القبلة حديث: 1.

و لا بأس بالنافلة (113)، بل يستحب أن يصلّي فيها

______________________________

و فيه: أنّه قاصر سندا.

و ثالثا: بقاعدة الاشتغال. و فيه: أنّ المقام من الشك في أصل المانعية و المرجع فيه البراءة، كما ثبت في محلّه، فلم يتم دليل على المنع. نعم، هو الأحوط.

و استدل على المنع عن إتيان الفريضة في جوفها تارة: بإجماع الخلاف.

و فيه: أنّه موهون خصوصا مع مخالفة ناقله و شهرة الخلاف.

و أخرى: بصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «قال: لا تصلّ المكتوبة في الكعبة» (1).

و بموثق عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «قال: لا تصلّ المكتوبة في جوف الكعبة، فإنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) لم يدخل الكعبة في حج و لا عمرة و لكنه دخلها في الفتح فتح مكة فصلّى ركعتين بين العمودين و معه أسامة بن زيد» (2).

و فيه: مضافا إلى أنّ الأول ضبطه الشيخ (رحمه اللّه) «لا تصلح» (3) و هو أعمّ من الحرمة، معارضتهما بموثق يونس قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): حضرت الصلاة المكتوبة و أنا في الكعبة أ فأصلّي فيها؟ قال (عليه السلام): صلّ» (4).

و ظاهره سعة الوقت و عدم الاضطرار.

و ثالثة: بانصراف أدلة الاستقبال عنه. و فيه: ما تقدم في الصلاة على سطحها، فلم يقم دليل على المنع عنها في جوفها أيضا. نعم، لا بأس بالاحتياط.

(113) للأصل و الإطلاق، و الإجماع، بعد تقييد دليل المنع عنها في

ص: 431


1- الوسائل باب: 17 من أبواب القبلة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب القبلة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب القبلة حديث: 4.
4- الوسائل باب: 17 من أبواب القبلة حديث: 6.

قبال كلّ ركن ركعتين (114).

و كذا لا بأس بالفريضة حال الضرورة (115). و إذا صلّى على سطحها فاللازم أن يكون قباله في جميع حالاته شي ء من فضائها و يصلّي قائما (116). و القول بأنّه يصلّي مستلقيا متوجها إلى البيت المعمور أو يصلّي مضطجعا ضعيف (117).

______________________________

جوفها بالمكتوبة.

(114) لجملة من الأخبار:

منها: صحيح ابن عمار قال (عليه السلام): «و تصلّي في زواياها» (1).

و صحيح ابن همام قال أبو الحسن (عليه السلام): دخل النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) الكعبة فصلّى في زواياها الأربع و صلّى في كلّ زاوية ركعتين» (2).

و يأتي في كتاب الحج تفصيل ذلك.

(115) لإجماع الأعلام، و لعدم سقوط الصلاة بحال، كما هو المتسالم عليه في غير مقام.

(116) أمّا إبقاء مقدار من الفضاء فلتحقق الاستقبال، لأنّ الكعبة قبلة من تخوم الأرض إلى عنان السماء. و أما القيام فلعموم أدلة اعتباره و عدم دليل في المقام على سقوطه.

(117) نسب هذا القول إلى الصدوق (رحمه اللّه) في الفقيه، و إلى الشيخ (رحمه اللّه) في النهاية، لخبر عبد السلام عن الرضا (عليه السلام): «في الذي تدركه الصلاة و هو فوق الكعبة قال (عليه السلام): إن قام لم يكن له قبلة و لكن يستلقي على قفاه و يفتح عينيه إلى السماء و يعقد بقلبه القبلة التي في السماء

ص: 432


1- الوسائل باب: 36 من أبواب مقدمات الطواف حديث: 1.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب مقدمات الطواف حديث: 2.

.....

______________________________

البيت المعمور و يقرأ، فإذا أراد أن يركع غمّض عينيه. و إذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع فتح عينيه، و السجود على نحو ذلك» (1).

و فيه: أنّه محمول على الضرورة و عدم إمكان إبقاء الفضاء قباله، و قد ورد عنه (عليه السلام) قريب منه في الصلاة في جوف الكعبة أيضا (2). مع أنّهما (قدّس سرّهما) لا يقولان به في جوفها، فمثل هذه الأخبار من الشواذ التي لا بد و أن يرد علمه إلى أهله، مضافا إلى كثرة مخالفة فتوى الشيخ (رحمه اللّه) في سائر كتبه لنهايته، كما يظهر عن الجواهر و الحدائق. قال (قدّس سرّه) في كتاب النكاح من الحدائق عند البحث عن إسلام زوجة الكافر ما هذا لفظه:

أقول: من يعرف حال الشيخ و طريقته في دعوى الإجماع و اختلاف أقواله و فتاواه في كتبه لا يتعجب منه فإنّه في بعض كتبه، كالخلاف و المبسوط من رؤوس المجتهدين، و في بعض آخر، كالنهاية و كتابي الأخبار من رؤوس الأخباريين و شتان ما بين الحالتين.

فرع: لو صلّى الفريضة في جوف الكعبة أو في سطحها و في كلّ ركعة توجه إلى جانب منها تصح صلاته و لا شي ء عليه فضلا عن النوافل.

ص: 433


1- الوسائل باب: 19 من أبواب القبلة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب القبلة حديث: 7.

فصل في مسجد الجبهة من مكان المصلّي

اشارة

(فصل في مسجد الجبهة من مكان المصلّي) يشترط فيه- مضافا إلى طهارته- أن يكون من الأرض أو ما أنبتته غير المأكول و الملبوس (1).

(فصل في مسجد الجبهة)

______________________________

(1) للنص و الإجماع، بل ضرورة من المذهب، ففي صحيح هشام بن الحكم: «أنّه قال لأبي عبد اللّه (عليه السلام): أخبرني عما يجوز السجود عليه و عمّا لا يجوز؟ قال (عليه السلام): لا يجوز السجود إلّا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلّا ما أكل أو لبس. فقال له: جعلت فداك ما العلة في ذلك؟

قال (عليه السلام): لأنّ السجود خضوع للّه عزّ و جل فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل و يلبس، لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون و يلبسون و الساجد في سجوده في عبادة اللّه عزّ و جل فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها» (1).

و في صحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنّه قال:

«السجود على ما أنبتت الأرض إلّا ما أكل أو لبس»(2).

و في خبر الأعمش عن جعفر بن محمد (عليه السلام): «لا يسجد إلّا على الأرض، أو ما أنبتت الأرض إلّا المأكول و القطن و الكتان» (3).

و نحوه في صحيح الفضل بن عبد الملك قال أبو عبد اللّه (عليه السلام):

«لا يسجد إلّا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلّا القطن و الكتان» (4).

ص: 434


1- الوسائل باب: 1 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 3.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 5.

نعم، يجوز على القرطاس (2) أيضا. فلا يصح على ما خرج عن اسم الأرض كالمعادن مثل الذهب و الفضة و العقيق و الفيروزج و القير و الزفت. و كذا ما خرج عن اسم النبات كالرماد و الفحم و نحوهما (3).

______________________________

و غير ذلك من الأخبار، و يأتي في [مسألة 19] التفصيل إن شاء اللّه تعالى.

(2) للنص و الإجماع، ففي صحيح صفوان الجمال قال: «رأيت أبا عبد اللّه (عليه السلام) في المحمل يسجد على القرطاس و أكثر ذلك يومئ إيماء»(1).

و في صحيح عليّ بن مهزيار قال: «سأل داود بن فرقد أبا الحسن (عليه السلام) عن القراطيس و الكواغذ المكتوبة عليها هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب (عليه السلام): يجوز» (2).

و في صحيح جميل عنه (عليه السلام): «أنّه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابه» (3).

و ظهوره في صحة السجود على ما لا كتابة فيه مما لا ينكر. و يأتي في [مسألة 22] ما يتعلق بالمقام.

(3) كلّ ذلك للإجماع، و ما تقدم من صحيح هشام، و قول أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في خبر محمد بن عمرو بن سعيد: «لا يسجد على القير، و لا على القفر، و لا على الصاروج» (4).

و قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة: «قلت له: أ يسجد على الزفت يعني: القير؟ قال (عليه السلام): لا» (5).

ص: 435


1- الوسائل باب: 7 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 2.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 3.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 3.

و لا على المأكول و الملبوس كالخبز و القطن و الكتان و نحوهما (4)، و يجوز السجود على جميع الأحجار (5)

______________________________

و ما يظهر منه الجواز، كخبر ابن عمار قال: سأل المعلّى بن خنيس أبا عبد اللّه (عليه السلام)- و أنا عنده- عن السجود على القفر و على القير؟ فقال (عليه السلام): لا بأس به» (1).

و نحوه خبره الآخر(2)، و خبر إبراهيم بن ميمون، و في خبر منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «القير من نبات الأرض»(3).

فكلّ ذلك موافق للعامة، و مخالف للإجماع.

إن قيل: إنّ مقتضى الاستصحاب الجواز في الرماد و الفحم. يقال: مع كونهما متباينان فعلا مع الأرض و ما يخرج منها، و عدم صدق نبات الأرض عليهما فعلا كيف يجري الاستصحاب، هذا مع ظهور إجماعهم على المنع.

(4) يأتي في [مسألة 19] ما يتعلق بها. ثمَّ إنّ المأكولية و الملبوسية من الأمور التشكيكية الإضافية و لها مراتب مختلفة، فمن بعض مراتبها الفعلية من كلّ حيثية و جهة، و من بعض مراتبها الاقتضاء و ما بينهما متوسطات، و ليس المراد بهما القسم الأول من مراتبهما، و إلّا لعمّ جواز السجود على ما لا يصح نصوصا و إجماعا من المسلمين، كما إنّه ليس المراد بالقسم الثاني من مراتبهما الاقتضاء العقلي، و إلّا لعمّ منع السجود على جملة من الأشياء التي اتفقت النصوص و الفتاوى على صحة السجود عليها، بل المناط كلّه ما أعدت بحسب متعارف أهل الدنيا على التغذي و التلبس به، كما يأتي التفصيل في المستقبل.

(5) لكونها من الأرض، فيشملها ما تقدم من صحيح هشام و المراد بالأرض مثل التراب و الحجر و الرمل و الحصى، فالمراد من الأرض هنا أرض

ص: 436


1- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 4.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 7.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 8.

إذ لم تكن من المعادن (6).

______________________________

التيمم في مقابل الطهارة بالماء، لا الأرض في مقابل السماء بالضرورة من المذهب، و إلّا لجاز السجود على كلّ شي ء عدى المأكول و الملبوس حتّى المعادن بجميع أصنافها.

ثمَّ إنّ صدق الأرضية إمّا معلوم، أو معلوم عدمه، أو مشكوك. و لا ريب في الجواز في الأول و عدمه في الثاني، و أما الأخير فلا يجوز التمسك فيه بإطلاق الدليل، لأنّه من التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية و حينئذ فإن كان في البين أصل موضوعي يرجع إليه لا محالة جوازا أو منعا، و إلّا فالمرجع أصالة عدم مانعية مشكوك المانعية، بناء على مانعية غير الأرض، و أصالة عدم شرطية مشكوك الشرطية بناء على شرطية الأرض، و هذا الأصل مقدم على قاعدة الاشتغال فيجوز السجود على المشكوك مطلقا.

و إن شئت قلت: إنّ المسألة من موارد الأقلّ و الأكثر، لأنّ تقييد مسجد الجبهة بالأفراد المعلومة معلوم، و بالنسبة إلى الأفراد المشكوكة مشكوك فيرجع فيه إلى البراءة، كما في جميع موارد الأقلّ و الأكثر.

و بالجملة: المقام مثل ما تقدم في اللباس المشكوك و المكان المشكوك فكلّ من قال بجواز الصلاة فيهما يلزمه القول بالجواز هنا أيضا و كلّ من منع لا بد له من المنع في الموردين لوحدة الدليل في الجميع، و منه يعلم حكم الأحجار المفروشة في المسجد الحرام و المسجد النبوي و المشاهد المشرّفة فإنّه يجوز السجود عليها ما لم يعلم بعدم الجواز، و طريق الاحتياط واضح.

(6) لم يرد لفظ المعدن في الأخبار المانعة عن صحة السجود، و إنّما ورد النهي عن السجود على الذهب (1)، و الفضة (2)، و القير و القفر و الزجاج (3)و الظاهر أنّها من باب المثال لكلّ ما خرج عن عنوان الأرض و قد ورد في حكمة عدم صحة السجود على الزجاج أنّه من الملح و الرمل و هما ممسوخان (4). أي:

ص: 437


1- الوسائل باب: 12 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 2.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 2.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 2.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.
مسألة 1: لا يجوز السجود في حال الاختيار على الخزف و الآجر

(مسألة 1): لا يجوز السجود في حال الاختيار على الخزف و الآجر، و النورة و الجص المطبوخين (7)

______________________________

خارجان عن صدق الأرض عليهما بعد صيرورتهما زجاجا، فيكون المدار كلّه على ما خرج عن صدق اسم الأرض عليه عرفا سواء صدق عليه اسم معدن أو لا، و لا فرق بين أقسام الأرض و أقسام الأحجار مطلقا إلّا إذا لم يصدق عليه الأرض، أو صدق عليه عنوان آخر ملازم لعدم صدق الأرض.

(7) حكم هذه المسألة تارة: بحسب الأدلة اللفظية، و أخرى: بحسب الإجماع، و ثالثة: بحسب الأصل الموضوعي، و رابعة: بحسب الأصل الحكمي و لا خامس في البين.

أما الأول: فليس في المقام إلّا إطلاق ما دل على السجود على الأرض، و الظاهر صدق الأرض عليها و عدم الخروج بالطبخ عن صدق اسمها، كما إنّ اللحم لا يخرج بالطبخ عن صدق اللحم عليه، فلا يصح سلب اسم اللحم عن الكباب قطعا، و الشك في الاستحالة يجزي في عدمها. و ما ورد عن مولانا الرضا (عليه السلام) في النّهي عن الصاروج (1)- و هو عبارة عن النورة و الرماد كان يستعمل قديما بدل الإسمنت حديثا- فيمكن أن يكون النهي عنه لمكان الرماد دون نفس النورة، فلا يصح أن يتمسك به لعدم جواز السجود على النورة. و ما في صحيح ابن محبوب عن أبي الحسن (عليه السلام): «عن الجص توقد عليه العذرة و عظام الموتى ثمَّ يجصص به المسجد أ يسجد عليه، فكتب: إنّ الماء و النار قد طهراه»(2).

و هو ظاهر في جواز السجود على الجص و إجمال الجواب من جهة لا ينافي ظهوره في جواز السجود عليه، و يمكن أن يحمل قوله (عليه السلام): «إنّ

ص: 438


1- تقدم في صفحة: 435.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.

و قبل الطبخ لا بأس به (8).

مسألة 2: لا يجوز السجود على البلور

(مسألة 2): لا يجوز السجود على البلور و الزجاجة (9).

______________________________

الماء و النار قد طهراه» على أنّ شأن الماء و النار التطهير لا النجاسة فلا يوجب الوقود النجاسة مع عدم مس الجص للعذرة و عظام الموتى، كما هو معلوم، فالجواب اقتضائي تقريبي لا أن يكون تعليليا فعليا من كلّ جهة، و لا يستفاد من الأدلة اللفظية بمطلقاتها و غيرها المنع.

و أما الثاني فنسب في المدارك جواز السجود على الخزف إلى قطع الأصحاب، و في البحار في جواز السجود على الآجر: أنّهم لم ينقلوا فيه خلافا، و ظاهرهم الاكتفاء بمثل هذه التعبيرات في الإجماع و عدم الخلاف ما لم تكن قرينة على الخلاف.

و أمّا الثالث فمقتضى الأصل بقاء الموضوع و الحكم بعد كون الطبخ من الحالات الموجبة للشك في زوال الموضوع لا مما يوجب التبدل فيه.

و أما الأخير فمقتضى الأصل الجواز بعد عدم صحة التمسك بما دل على المنع، لأنّه من التمسك بدليل في الموضوع المشتبه إذ الأصل عدم تقييد مسجد الجبهة بهذا القيد المشكوك، كما تقدم في اللباس و المكان المشكوكين، فكلّ من قال فيهما بصحة الصلاة يلزمه القول بالصحة في المقام أيضا، سواء قيل بشرطية الأرض أو مانعية غيرها.

و من ذلك كلّه يظهر أنّ الفروع الأربعة الراجعة إلى الجص و الآجر و الخزف و النورة من الاستحالة، و في جواز التيمم، و السجود، و كونها مطهرة للرجل بالمشي عليها داخلة تحت دليل واحد، لا وجه للجزم بالفتوى في بعضها و التردد في الآخر.

(8) لوجود المقتضي و هو صدق الأرض و فقد محتمل المانعية و هو الطبخ.

(9) لعدم صدق الأرض، مع ورود النهي عن الأخير في خبر محمد بن

ص: 439

مسألة 3: يجوز على الطّين الأرمني

(مسألة 3): يجوز على الطّين الأرمني و المختوم (10).

مسألة 4: في جواز السجدة على العقاقير و الأدوية

(مسألة 4): في جواز السجدة على العقاقير و الأدوية مثل

______________________________

الحسين أنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي (عليه السلام): «يسأله عن الصلاة على الزجاج؟ قال: فلما نفذ كتابي إليه تفكرت، و قلت: هو مما أنبتت الأرض، و ما كان لي أن أسأل عنه، قال: فكتب (عليه السلام) إليّ: لا تصلّ على الزجاج و إن حدّثتك نفسك أنّه مما أنبتت الأرض، و لكنه من الملح و الرمل و هما ممسوخان» (1).

و تقدم معنى المسخ فيهما. و في رواية الصدوق: «فإنّه من الرمل و الملح سبخ».

أي من الأرض السبخة.

(10) لكونهما أرضا و مجرد أنّ لهما محلا خاصا لا يوجب سلب اسم الأرض عنهما، و إلّا فلتراب الجص و الخزف قبل الطبخ محلّ خاص، إذ ليس كلّ تراب صالح لذلك، و يشهد له المرسل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) عن طين الأرمني يؤخذ للكسير و المبطون أ يحلّ أخذه؟ قال (عليه السلام): لا بأس به إمّا إنّه طين قبر ذي القرنين و طين قبر الحسين (عليه السلام) خير منه»(2).

قال الأنطاكي في تذكرته:

«ثمَّ من الطّين ما له اسم مخصوص، و أشرف ذلك الطّين المختوم المعروف بطين الكاهن و شاموس و البحيراء، و هو طين يؤخذ من تل أحمر بأطراف الروم عند هيكل أو طيمس ثمَّ ذكر قصة تسميته بالمختوم- إلى أن قال-: و الذي أراه من أمر هذا الطين أنّه كالمعادن اللطيفة. ثمَّ قال: و أمّا

ص: 440


1- الوسائل باب: 12 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 2.
2- الوسائل باب: 60 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 3.

لسان الثور و عنب الثعلب و الخبة و أصل السوس و أصل الهندباء- إشكال، بل المنع لا يخلو عن قوّة (11).

نعم، لا بأس بما لا يؤكل منها شائعا و لو في حال المرض و إن كان يؤكل نادرا عند المخمصة أو مثلها (12).

______________________________

الأرمني المجلوب من الأرمنية فهو أقرب الأطيان إلى المختوم» (1).

(11) أكل الشي ء تارة: لا يتوقف على مقدمات مثل الخبز و العنب و نحوهما و أخرى: يتوقف على مقدمات متعارفة كالحنطة تصير دقيقا ثمَّ خبزا، و اللحم يطبخ و نحو ذلك مما لا يحصى في التبدلات التي تحوّل المأكول بالقوة مأكولا فعليا للإنسان. و ثالثة: يتوقف على مقدمات طبيعية، كعلف الدواب يستحيل لبنا، و التراب يستحيل ثمرا إلى غير ذلك من التبدلات الطبيعية، و لا ريب في شمول دليل المنع للأولين، كما لا ريب في عدم شموله للأخير و إلّا لعم المنع السجود على الأرض، لأنّ غالب مأكولات الإنسان من تبدلاتها الطبيعية.

ثمَّ إنّ المأكول تارة: نوعي كالخبز مثلا، و أخرى: يكون في حالة خاصة تكون تلك الحالة نوعية أيضا، كالأدوية المأكولة في حالة المرض. و ثالثة:

يكون في حالة نادرة كحالة المجاعة و الضرورات الخارقة للعادة أعاذنا اللّه تعالى منها و لا ريب في شمول دليل المنع للأول و الظاهر شموله للثاني أيضا كما لا إشكال في عدم الشمول للأخير و إلّا لعمّ المنع علف الدواب أيضا، مع أنّه لا يقول به أحد و يأتي تقسيم آخر للمأكول. و لعلّ وجه الإشكال التأمل في شمول المأكول للقسم الثاني الذي يختص بحالات خاصة. و أمّا الفتوى بالمنع فلشمول إطلاق المأكول بالنسبة إليها لدى المتعارف أيضا و إن كان في حالات خاصة.

(12) لما تقدم من أنّه لا اعتبار بالمأكول نادرا، فلا وجه للإعادة.

ص: 441


1- التذكرة ص: 214، ج: 1.
مسألة 5: لا بأس بالسجود على مأكولات الحيوانات

(مسألة 5): لا بأس بالسجود على مأكولات الحيوانات كالتبن و العلف (13).

مسألة 6: لا يجوز السجود على ورق الشاي و لا على القهوة

(مسألة 6): لا يجوز السجود على ورق الشاي و لا على القهوة (14)، و في جوازها على الترياك إشكال (15).

مسألة 7: لا يجوز على الجوز و اللوز

(مسألة 7): لا يجوز على الجوز و اللوز. نعم، يجوز على قشرهما بعد الانفصال. و كذا نوى المشمش و البندق و الفستق (16).

مسألة 8: يجوز على نخالة الحنطة و الشعير

(مسألة 8): يجوز على نخالة الحنطة و الشعير و قشر

______________________________

(13) لإطلاق قوله (عليه السلام): «أو ما أنبتت الأرض» (1) بعد كون المتبادر من المأكول ما كان بالنسبة إلى الإنسان فقط خصوصا بقرينة المقابلة مع الملبوس، مضافا إلى استصحاب صحة الصلاة، و أصالة عدم المانعية، و أصالة البراءة على فرض الشك، و تقدم أنّ المراد بمأكول اللحم فيما مرّ من شرائط اللباس هو ذلك أيضا.

(14) لكونهما من المأكول عرفا.

(15) الظاهر كونه من الأدوية، و قد تقدم حكمها في [مسألة 4].

(16) أمّا قبل الانفصال، فلصدق السجود على المأكول عرفا، و أما بعده فلعدم الصدق، بل يصدق السجود على غير المأكول و لا وجه لاستصحاب المنع لتغير الموضوع عرفا، و يصح التمسك بإطلاق ما أنبتت الأرض بعد عدم صدق المأكول عليه وجدانا. و على فرض الشك فالمرجع أصالتي البراءة و عدم المانعية، هذا في القشر الغليظ الظاهر. و أمّا القشر الرقيق لها فلا إشكال في عدم جواز السجود عليه مع الاتصال، و أمّا بعد الانفصال فلا يبعد إجراء حكم الغليظ عليه إذ يصدق كونه من نبات الأرض و غير مأكول الإنسان.

ص: 442


1- الوسائل باب: 1 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 3 و 5.

الأرز (17).

مسألة 9: لا بأس بالسجدة على نوى التمر

(مسألة 9): لا بأس بالسجدة على نوى التمر، و كذا على ورق الأشجار و قشورها، و كذا سعف النخل (18).

مسألة 10: لا بأس بالسجدة على ورق العنب بعد اليبس

(مسألة 10): لا بأس بالسجدة على ورق العنب بعد اليبس (19) و قبله مشكل (20).

مسألة 11: الذي يؤكل في بعض الأوقات دون بعض

(مسألة 11): الذي يؤكل في بعض الأوقات دون بعض لا يجوز السجود عليه مطلقا. و كذا إذا كان مأكولا في بعض البلدان دون بعض (21).

______________________________

(17) لنخالة الحنطة مراتب يمكن أن يكون بعض مراتبها من المأكول و بعضها ليس منه عرفا و لا يجوز على الأولى و يجوز على الثانية و بذلك يمكن أن يكون النزاع لفظيا. و أما قشر الأرز، فالظاهر عدم كونه مأكولا و إن كان له مراتب يجري عليه حكم النخالة أيضا، و مع فرض الشك فالمرجع هو الأصل الذي تكرر ذكره.

(18) للإطلاق، و الاتفاق، و الأصل بعد عدم كون جميع ما ذكر من مأكول الإنسان.

(19) للإطلاق بعد عدم كونه مأكول الإنسان حينئذ.

(20) لا يخفى أنّ له مراتب بعضها مأكول و بعضها غير مأكول فلا يجوز في الأول و يجوز في الأخير، و يأتي في المسألة اللاحقة ما ينفع المقام.

(21) المأكول تارة: نوعي للبشر في جميع الأمكنة. و أخرى: مأكول في مكان دون مكان. و ثالثة: يكون مأكولا في حالة دون أخرى سواء كانت حالة غير المأكولية متقدمة على المأكولية أو متأخرة عنها، أو كانت المأكولية متوسطة بين الحالتين. و رابعة: يكون مأكولا في حالة نوعية كالعقاقير القديمة التي نسخ العلاج بها في هذه الأعصار رأسا. و خامسة: يشك في أنّه من أيّ الأقسام.

ص: 443

مسألة 12: يجوز السجود على الأوراد

(مسألة 12): يجوز السجود على الأوراد غير المأكولة (22).

مسألة 13: لا يجوز السجود على الثمرة قبل أوان أكلها

(مسألة 13): لا يجوز السجود على الثمرة قبل أوان أكلها (23).

______________________________

و مقتضى الإطلاق في الثلاثة الأول عدم جواز السجود عليها، إذ ليس المراد بالمأكول المأكول بالفعل قطعا و إلّا لجاز السجود على الحنطة، لعدم كونه مأكولا بالفعل و نحتاج إلى العلاج بل المراد به كلّ ما صدق عليه عرفا أنّه مأكول الإنسان و يكون هذا الصدق صدقا حقيقيا من باب الوصف بحال الذات في المحاورات.

إن قيل فكما يصدق المأكولية يصدق عدمها أيضا في الجملة.

يقال: المناط صدق المأكولية صدقا حقيقيا عرفا لا دوام الصدق في تمام الحالات و لا تعميمه بالنسبة إلى جميع أفراد الإنسان و إلّا لجاز السجود على جملة من المأكولات في مقابل ما يصدق عليه عرفا أنّه مأكول الدواب.

و منه يظهر عدم الجواز على الصورة الرابعة أيضا. و أما الصورة الخامسة، فمع تردد الشك بين الصور الأربعة و عدم الخروج عنها لا يجوز و مع تردده بين ما هو خارج عنها يجوز للأصل كما تقدم مكررا.

(22) لإطلاق قوله (عليه السلام): «السجود لا يجوز إلّا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلّا ما أكل أو لبس»(1).

و المفروض أنّها غير مأكولة و تقدم حكم ما أعد منها للتداوي بها في [مسألة 4].

(23) لصدق أنّها مأكول الإنسان في مقابل الحيوان، و في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قلت له أسجد على الزفت يعني القير فقال:

ص: 444


1- الوسائل باب: 1 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.
مسألة 14: يجوز السجود على الثمار غير المأكولة أصلا

(مسألة 14): يجوز السجود على الثمار غير المأكولة أصلا كالحنظل و نحوه (24).

______________________________

لا، و لا على الثوب الكرسف و لا على الصوف، و لا على شي ء من الحيوان، و لا على طعام، و لا على شي ء من ثمار الأرض، و لا على شي ء من الرياش» (1).

ثمَّ إنّ الثمرة أقسام: الأول: ما كانت مأكول الإنسان و كان ذلك متعارفا كالأثمار المعروفة.

الثاني: ما كانت تستعمل للتداوي كالحنظل- مثلا- و تقدم حكمه في [مسألة 4].

الثالث: ما كان مستعملا للتداوي و كان علف الدواب أيضا و حكمه حكم سابقة في عدم جواز السجود عليه.

الرابع: ما اختص بعلف الدواب.

الخامس: ما لم يعد لأكل الإنسان و أعدّ لأكل الحيوان، و لكن يأكله الإنسان أيضا نادرا. و يجوز السجود على الأخيرين، لأنّه من نبات الأرض و لم يعد لأكل الإنسان عرفا، و الأكل النادر لا اعتبار به كما مرّ، و من ذلك يظهر حكم الكلاء و العشب و الحشيش و سائر النباتات، فيجوز السجود عليها، لوجود المقتضي و فقد المانع.

(24) ظهر مما تقدم وجهه.

فروع- (الأول): لا يجوز السجود على قرن الحيوان، و عظمه و شعره، لما مرّ من قوله (عليه السلام): «و لا شي ء من الحيوان»(2)، مع أنّه ليس من الأرض و لا من نباتها.

ص: 445


1- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.
مسألة 15: لا بأس بالسجود على التنباك

(مسألة 15): لا بأس بالسجود على التنباك (25).

مسألة 16: لا يجوز السجود على النبات الذي ينبت على وجه الماء

(مسألة 16): لا يجوز السجود على النبات الذي ينبت على وجه الماء (26).

مسألة 17: يجوز السجود على القبقاب و النعل المتخذ من الخشب

(مسألة 17): يجوز السجود على القبقاب و النعل المتخذ من الخشب مما ليس من الملابس المتعارفة، و إن كان لا يخلو عن إشكال. و كذا الثوب المتخذ من الخوص (27).

______________________________

(الثاني): يجوز السجود على الأحجار المتكوّنة في البحر إذا لم تعنون بعنوان يخرجها عن اسم الحجرية عرفا.

(الثالث): يجوز السجود على الموزائيك المصنوعة من الحصى إذا لم يصبغ ظاهر الحصيات بما لا يصح السجود عليه، كما يجوز السجود على الإسمنت و على السبحة من الطّين غير المطبوخ و غير المصبوغ بما يمنع عن السجود على ما يصح السجود عليه. و أما المطبوخ، فحكمه حكم الخزف.

(الرابع): لو كان شي ء مما لا يصح السجود عليه، و لكن كان عليه غبار غليظ يجوز السجود عليه إن صدق السجود على التراب أيضا عرفا.

(25) لأنّه من نبات الأرض غير المأكول و الملبوس. و ما يستعمله بعض الناس من خلطه ببعض الأشياء و جعله في الفم ليس من الأكل عرفا هذا إذا لم يكن من الأدوية و إلّا فقد تقدم حكمه في [مسألة 4]، فراجع و قد ذكر في بعض الكتب الطبية خواص و آثار خاصة للحنظل، و لكن الظاهر عدم عدّه من الأدوية عرفا، و مجرد وجود خواص و آثار للشي ء لا يوجب كونه من الأدوية المتعارفة إذ ما من شي ء إلّا و له خاصية و أثر.

(26) لأنّه ليس بأرض و لا ما تنبته الأرض و حمل الأرض- في قوله (عليه السلام): «أو ما أنبتت الأرض»- على الغالب خلاف الظاهر.

(27) وجه الجواز في الجميع إطلاق ما دل على جواز السجود على ما

ص: 446

مسألة 18: الأحوط ترك السجود على القنب

(مسألة 18): الأحوط ترك السجود على القنب (28).

مسألة 19: لا يجوز السجود على القطن

(مسألة 19): لا يجوز السجود على القطن (29)، لكن يجوز

______________________________

أنبتت الأرض و وجه الإشكال الجمود على صدق الملبوس عليها في الجملة مع احتمال انصرافه إلى الألبسة المتعارفة القطنية أو الكتانية و نحوهما لا مثل الخشب و نحوه. و منه يظهر حكم ما لو جعل قميصا أو قباء من الخشب مثلا و مع الشك يصير من صغريات مسألة السجود على المشكوك و تقدم الجواز فيه غير مرة.

(28) الظاهر عدم الجواز في هذه الأعصار، لشيوع صنع الثياب المتعارفة منه، فيجري عليه حكم القطن و الكتان و هو نوع من الأخير على ما قيل.

(29) على المشهور المدعى عليه الإجماع، لكونه من الملبوس- بالقوة القريبة- عرفا كما إنّ الحنطة من المأكول مع توقفها على مقدمات تصير بها مأكولا.

و أما الأخبار الواردة فهي على قسمين:

الأول: ما يدل على المنع، كحديث شرائع الدّين: «لا يسجد إلّا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلّا المأكول، و القطن، و الكتان» (1).

و في رواية فضل قال: «قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): لا يسجد إلّا على الأرض أو ما أنبتت إلّا القطن و الكتان» (2).

الثاني: ما يظهر منه الجواز كخبر داود الصرمي قال: «سألت أبا الحسن الثالث (عليه السلام) هل يجوز السجود على القطن و الكتان من غير تقية فقال:

جائز» (3).

و عن ابن كيسان قال: «كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله

ص: 447


1- الوسائل باب: 1 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 3.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 6.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 6.

.....

______________________________

عن السجود على القطن و الكتان من غير تقية و لا ضرورة، فكتب إليّ ذلك جائز» (1).

و فيه: مضافا إلى قصور سندهما- فإنّ عليّ بن كيسان مهمل، و داود الصرمي لم يوثق- إمكان حملهما على التقية، لأنّ فرض السائل عدم التقية أعمّ من أن لا يكون الجواب موردا لها بنظر الإمام (عليه السلام) لجواز أن يكون نفس السائل ممن يتّقى منه و ذكر ذلك حيلة لاستكشاف رأي المعصوم (عليه السلام) و يجب على الإمام بيان الحكم بحسب ما يريد لا بحسب ما يفرضه السائل.

و أمّا خبر منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إنّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أ فنسجد عليه؟

قال: لا، و لكن اجعل بينك و بينه شيئا قطنا أو كتانا»(2).

فلا ربط له بالمقام، لظهوره في مورد الضرورة و لا إشكال في الجواز حينئذ كما يأتي في [مسألة 3]، كما إنّ خبر ياسر الخادم: «قال مرّ بي أبو الحسن (عليه السلام) و أنا أصلّي على الطبري و قد ألقيت عليه شيئا أسجد عليه، فقال لي ما لك لا تسجد عليه؟ أ ليس هو من نبات الأرض» (3).

أيضا لا ربط له بالمقام. إلّا بناء على أن يكون الطبري قطنا أو كتانا منسوبا إلى طبرستان، و لكنّه مشكل، لاحتمال أن يكون سداه من النباتات و لحمته من القطن و الكتان أو بالعكس و حينئذ يصح السجود عليه بلا إشكال.

هذا مع أنّه لو كان السجود على القطن جائزا لاشتهر نصّا و عملا في هذا الأمر العام البلوى في زمان الصادقين (عليهما السلام) لشدة الحاجة إليه، مع أنّه قد اشتهر الخلاف في زمانهما (عليهما السلام) بحيث عدّ ذلك من شعار الشيعة في كلّ عصر بحيث كانوا يعرفون بهذا الشعار في كلّ طبقة عند غيرهم

ص: 448


1- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 7.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 7.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 5.

.....

______________________________

من المذاهب، و أجمع فقهاؤهم على عدم جواز السجود على القطن و الكتان مطلقا. و من ذهب منهم إلى الجواز- كما نسب إلى المرتضى في الموصليات و المصريّات- قد أفتى بالمنع في جملة من كتبه، بل نقل الإجماع عليه، فلا وجه بعد ذلك لما نسب إلى المحقق في المعتبر من الجواز على كراهة، و تبعه الكاشاني، لأنّ ظاهر الأول في شرائعه المنع، و الأخير لا بأس بمخالفته للمشهور بين الفقهاء، إذ لا تكون آراؤه الشريفة عن تثبت من حيث ملاحظة الإسناد و الإجماعات كما لا يخفى على من راجعها، فكيف يعتمد في مثل هذا الحكم على خبرين قاصرين في السند؟! و كيف يمكن أن يخفى ذلك على أصحاب الصادقين (عليهما السلام) الذين سئلوا عنهما عن كلّ ما يتعلق بالصلاة بمندوباتها فضلا عن شرائطها و موانعها؟! و لم لم يصدر عن الصادق (عليه السلام) الذي هو مؤسس المذهب خبر دال على الجواز لا سؤالا من الرواة عنه و لا ابتداء منه، بل ورد منهما ما هو ظاهر في المنع، ففي صحيح حمران عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «كان أبي (عليه السلام) يصلّي على الخمرة يجعلها على الطنفسة و يسجد عليها» (1).

و صحيح الحلبي قال: «قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): دعا أبي بالخمرة، فأبطأت عليه فأخذ كفّا من حصى فجعله على البساط ثمَّ سجد»(2).

و في صحيحه الأخير قال: سألته عن الرجل يصلّي على البساط، و الشعر، و الطنافس قال: لا تسجد عليه و إن قمت عليه و سجدت على الأرض فلا بأس، و إن بسطت عليه الحصير و سجدت على الحصير فلا بأس» (3).

فإنّ ظهورها، بل صراحتها في عدم الجواز على البساط و الطنافس مطلقا حتّى لو كانا من القطن، أو الكتّان مما لا ينكر.

و أمّا الجواز قبل النسج، و المنع بعده كما نسب إلى العلامة- في بعض كتبه- جمعا بين الأخبار، و لخبر التحف عن الصادق (عليه السلام)- في

ص: 449


1- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 3.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 4.

على خشبه و ورقه (30).

مسألة 20: لا بأس بالسجود على قراب السيف

(مسألة 20): لا بأس بالسجود على قراب السيف، و الخنجر إذا كانا من الخشب و إن كانا ملبوسين، لعدم كونهما من

______________________________

حديث- قال: «و كلّ شي ء يكون غذاء الإنسان في مطعمه، أو مشربه، أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه، و لا السجود إلّا ما كان من نبات الأرض من غير ثمر، قبل أن يصير مغزولا، فإذا صار غزلا، فلا تجوز الصلاة عليه إلّا في حال ضرورة» (1).

فلا وجه له، لأنّه خالف نفسه في التذكرة و لأنّ هذا الجمع ساقط، لسقوط ما دل على الجواز سندا، و جهة، فلا وجه لتوهم المعارضة حتّى يجمع بينهما. و أمّا خبر التحف، فهو موهون بقصور السند و الهجر.

و أمّا توهم: أنّه يجوز السجود على البساط إن كان من القطن لأنّه غير ملبوس فعلا فهو فاسد جدّا، لأنّ مادة القطنية مانعة بأيّ صورة تصوّرت، فهو مثل أن يقال: إنّ من العجين مثلا إذا صنع جلد كتاب و يبس، يصح السجود عليه و بطلانه لا يخفى على أحد.

و خلاصة الكلام: أنّ أخبار القطن، و الكتان على فرض التعارض بينهما، فالجمع بينهما إمّا بحمل أخبار المنع على الكراهة أو بحملها على ما بعد النسج، و ما دل على الجواز على ما قبلها، أو بحمل دليل الجواز على الضرورة، و دليل المنع على الاختيار. و الكلّ باطل إلّا الأخير، بشهادة جملة كثيرة من الأخبار المتقدمة.

(30) لأنّهما من نبات الأرض غير المأكول و لا الملبوس، فيجوز السجود عليها، نصّا (2) و إجماعا.

ص: 450


1- الوسائل باب: 1 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 11.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 9 و 10.

الملابس المتعارفة (31).

مسألة 21: يجوز السجود على قشر البطيخ، و الرقي، و الرمان بعد الانفصال على إشكال

(مسألة 21): يجوز السجود على قشر البطيخ، و الرقي، و الرمان بعد الانفصال (32) على إشكال (33)، و لا يجوز على قشر الخيار و التفاح و نحوهما (34).

مسألة 22: يجوز السجود على القرطاس و إن كان متخذا من القطن

(مسألة 22): يجوز السجود على القرطاس و إن كان متخذا من القطن، أو الصوف، أو الإبريسم، و الحرير و كان فيه شي ء من النورة (35) سواء كان أبيض، أو مصبوغا بلون أحمر أو أصفر أو أزرق

______________________________

(31) بل و لا من غير المتعارف أيضا، و مجرد صحة استعمال لبس السيف، و الخنجر لا يوجب كون ذلك لباسا- كما إنّ صحة استعمال شرب التتن لا يوجب كون التتن مشروبا- و لا ريب في أنّ هذه الاستعمالات على نحو من المجاز و العناية كما لا يخفى.

(32) لصدق أنّها من نبات الأرض و عدم كونها مأكول الإنسان.

(33) لأنّ بعض مراتب بطن قشر البطيخ و الرقي مأكول خصوصا للصبيان، و أهل البدو. و أما قشر الرمان، فالشحم الرقيق منه مأكول للعامة.

و الغليظ منه و القشر الظاهر غير مأكول، فيمكن أن يكون مراتب هذه القشور كمراتب نخالة الحنطة.

(34) لصدق أنّهما مأكولان عرفا إذ السواد من الناس يأكلونها مع القشرة، بل قد ورد في الأخبار أكل الخيار مع القشرة، هذا مع الاتصال. و أما مع الانفصال و صيرورتها من الزبالة فالظاهر الجواز، كالنخالة لصدق كونها غير المأكول إن لم ينتفع بها في أكل الإنسان.

(35) لإطلاق صحيح صفوان الجمال قال: «رأيت أبا عبد اللّه (عليه السلام) في المحمل يسجد على القرطاس، و صحيح ابن مهزيار قال:

«سأل داود بن فرقد أبا الحسن (عليه السلام) عن القراطيس و الكواغذ المكتوبة

ص: 451

.....

______________________________

عليها هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب يجوز» (1).

و صحيح ابن دراج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «أنّه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابه» (2).

و إطلاقها يشمل جميع أقسام القراطيس. و احتمال التقييد ببعض دون آخر لا وجه له، لانّه مخالف للإطلاق و العرف، كما لا وجه لاستصحاب عدم الجواز لو كانت مصنوعة مما لا يصح السجود عليه، لعدم إحراز بقاء الموضوع، بل العرف يراهما متغايرين و مقتضى الأصل الحكمي أيضا جواز السجود عليه مطلقا، سواء قلنا بشرطية ما أنبتت الأرض، أو مانعية غيرهما و تقدم وجه ذلك في الثوب المشكوك.

و أما ما يقال: من عدم الإطلاق في ما دل على جواز السجود، لإجمال الواقعة في صحيح صفوان، و صحيح ابن مهزيار في مقام السؤال عن مانعية الكتابة، فليس في البين إطلاق من كلّ جهة يصح التعويل عليه و لذا قيد جمع جواز السجود عليه بما إذا اتخذ مما يصح السجود عليه.

فاسد: أمّا أولا: فإنّ الأدلة المجوّزة للسجود على القرطاس وردت في القراطيس المتعارفة في تلك الأزمنة و كانت أقساما و أنواعا و لا ريب في ظهور الإطلاق في جميع أنواعه ما لم يكن هناك قرينة معتبرة على الخلاف.

و بعبارة أخرى: يظهر من الأخبار أنّ لنفس القرطاس موضوعية، لجواز السجود عليها، فلا ينظر إلى منشإه.

و ثانيا: التفات الإمام (عليه السلام) و الرواة إلى أنّ القرطاس قد يؤخذ من النباتات، و قد يؤخذ من القطن و الكتان و الحرير، و سكوتهم سؤالا و جوابا قرينة ظاهرة على التعميم، بل يكون تفصيل ذلك أولى من التفصيل بين المكتوب و غيره، فلم تعرض الإمام (عليه السلام) لذلك و لم يتعرّض لما هو الأوجب عليه.

ص: 452


1- الوسائل باب: 7 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1 و 2 و 3.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1 و 2 و 3.

أو مكتوبا عليه (36) إن لم يكن مما له جرم حائل مما لا يجوز السجود عليه كالمداد المتخذ من الدخان و نحوه (37). و كذا لا بأس بالسجود على المراوح المصبوغة من غير جرم حائل.

مسألة 23: إذا لم يكن عنده ما يصح السجود عليه

(مسألة 23): إذا لم يكن عنده ما يصح السجود عليه من الأرض أو نباتها أو القرطاس- أو كان و لم يتمكن من السجود عليه لحر أو برد أو تقية أو غيرها سجد على ثوبه القطن أو الكتان (38)، و إن

______________________________

و توهم: أنّه مع كون الخاص مجملا و مرددا بين الأقل و الأكثر و منفصلا عن العام يكون المرجع هو العام، فيرجع في المقام إلى عموم لا يصح السجود إلّا على الأرض أو ما أنبتت الأرض في مورد الشك.

فاسد: إذ ليس الخاص مجملا لا مفهوما و لا عرفا. نعم، يمكن التشكيك لكنّه غير الإجمال المحاوري عند أبناء المحاورة و المراد بالإجمال الذي له أحكام خاصة هو الثاني دون الأول و إلّا فلا يبقى مبين في البين إذ لا مبين إلّا و يمكن التشكيك فيه.

(36) كلّ ذلك لإطلاق الدليل الشامل لجميع ذلك.

(37) لأنّه حينئذ سجود على ما لا يصح السجود عليه، فلا يصح و منه يظهر الحكم في المراوح جوازا- مع عدم الحائل، لأنّها مما أنبتت الأرض- و منعا، لأنّه حينئذ مما لا يصح السجود عليه، فلا وجه للتكرار.

(38) البحث في هذه المسألة من جهات:

الأولى: في عدم سقوط أصل السجود مع فقد ما يصح السجود عليه اختيارا، و هو من المسلّمات نصوصا يأتي التعرض لبعضها، و إجماعا من المسلمين و الضرورة الفقهية.

الثاني: وجوب وضع الجبهة على ما لا يصح السجود عليه في حال الاختيار و هو أيضا من المسلّمات، لنصوص مستفيضة في الجملة، و إجماع الأصحاب بلا

ص: 453

.....

______________________________

شبهة فيه و لا ارتياب، ففي خبر بياع القصب قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) أدخل المسجد في اليوم الشديد الحر فأكره أن أصلّي على الحصى فأبسط ثوبي فأسجد عليه؟ قال: نعم، ليس به بأس» (1).

و في خبر أحمد بن عمر قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يسجد على كمّ قميصه من أذى الحر و البرد أو ردائه إذا كان تحته مسح أو غيره مما لا يسجد عليه فقال: لا بأس به» (2).

و خبر فضيل قال: «قلت للرضا (عليه السلام) جعلت فداك الرجل يسجد على كمه من أذى الحر و البرد؟ قال: لا بأس به» (3).

و في خبر ابن يسار قال: «كتب رجل إلى أبي الحسن (عليه السلام) هل يسجد الرجل على الثوب يتقي به وجهه من الحر و البرد و من الشي ء يكره السجود عليه؟ فقال: نعم، لا بأس به» (4).

و في خبر أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قلت له: أكون في السفر فتحضر الصلاة و أخاف الرمضاء على وجهي كيف أصنع؟ قال: تسجد على بعض ثوبك فقلت: ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه و لا ذيله قال: اسجد على ظهر كفك، فإنّها إحدى المساجد» (5).

و في خبره الآخر قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): جعلت فداك الرجل يكون في السفر، فيقطع عليه الطريق فيبقى عريانا في سراويل و لا يجد ما يسجد عليه يخاف إن سجد على الرمضاء أحرقت وجهه قال يسجد على ظهر كفه فإنّها أحد المساجد» (6).

و في خبره الآخر: «أنّه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل يصلّي في حر شديد فيخاف على جبهته من الأرض قال: يضع ثوبه تحت جبهته» (7).

و في خبر ابن حازم قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إنّا نكون بأرض

ص: 454


1- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 3.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 2.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 4.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 5.
6- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 6.
7- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 7.

.....

______________________________

باردة يكون فيها الثلج أ فنسجد عليه؟ قال: لا، و لكن اجعل بينك و بينه شيئا قطنا أو كتانا» (1).

و في صحيح ابن يقطين قال: «سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) عن الرجل يسجد على المسح و البساط قال: لا بأس إذا كان في حال التقية» (2).

و مثله خبر أبي بصير (3) إلى غير ذلك من الأخبار، و يدل عليه العمومات مثل قوله (عليه السلام): «ما من شي ء حرمة اللّه إلّا و قد أحلّه لمن اضطر إليه» (4).

بعد شمول الحرمة و الحلية للنفسية و الغيرية.

الثالثة: في أنّه هل يكون بينها ترتيب أو لا، مقتضى الأصل، و الإطلاقات الواردة في مقام البيان عدمه بعد ظهور أنّ ما ذكر في الروايات من المسح و الرداء و القميص و الثوب و نحوها من باب المثال، و لكن يظهر من المستند الإجماع على تقدم القطن و الكتان، و يشهد له ما تقدم من صحيح ابن حازم، فيقيد بهما جميع الإطلاقات، و يظهر من خبر أبي بصير تأخير ظهر الكف عن الثوب، و يشهد له الاعتبار أيضا، لأنّ مقتضاه خروج المسجد عن بدن الساجد إلّا مع الاضطرار إليه بالخصوص، مع أنّ المسألة من صغريات التعيين و التخيير، و نسب إلى المشهور الأول لا الثاني.

و أمّا التخيير بينه و بين المعادن، فلإطلاق خبري أبي بصير المتقدمين و خبر ابن عمار: «أنّه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصلاة على القار، فقال: لا بأس به» (5).

و خبره الآخر أيضا قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصلاة في السفينة- إلى أن قال- يصلّي على القير و القفر و يسجد عليه» (6).

ص: 455


1- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 7.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 2.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 5.
6- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 6.

لم يكن سجد على المعادن أو ظهر كفه (39)، و الأحوط تقديم الأول (40).

مسألة 24: يشترط أن يكون ما يسجد عليه مما يمكن تمكين الجبهة عليه

(مسألة 24): يشترط أن يكون ما يسجد عليه مما يمكن تمكين الجبهة عليه، فلا يصح على الوحل و الطّين أو التراب الذي لا

______________________________

المحمولين على الضرورة، فإنّ إطلاقهما يشمل إمكان السجود على ظهر الكف كما إنّ إطلاق خبري أبي بصير يشمل إمكان السجود على المعادن خصوصا فص الخاتم الذي لا يخلو يد مثل أبي بصير منه عادة، فيستفاد من الجمع بين الإطلاقات التخيير بينها. هذا لباب ما ينبغي أن يقال في المقام و أمّا الكلمات، فهي مشوشة و مضطربة راجع المطوّلات.

(39) لما ظهر مما تقدم من التخيير بينهما.

(40) لما مر من أنّ مقتضى المتفاهم العرفي خروج المسجد عن جسد المصلّي إلّا مع الانحصار المحض بالنسبة إليه، مع أنّ المسألة من موارد التعيين، و التخيير و نسب إلى المشهور ذهابهم إلى الأول و لا ريب في صلاحية ذلك للاحتياط.

و قد يقال: بأنّ تقديم ظهر الكف هو الأحوط، لذكره في النصوص (1) بعد عدم التمكن من السجود على الثوب.

و فيه: أنّ إطلاق خبر معاوية بن عمار (2) الوارد في السجود على القير و القفر في السفينة المحمول على المثال و الضرورة مع عدم ذكر الثوب فيه و الظاهر أنّه كان له ثوب يمكنه السجود عليه يشهد للسجود على المعدن حتّى مع وجود الثوب فهو أولى من هذه الجهة.

ص: 456


1- تقدمت في صفحة: 454.
2- تقدم في صفحة: 435.

تتمكن الجبهة عليه (41). و مع إمكان التمكين لا بأس بالسجود على الطّين (42)، و لكن إن لصق بجبهته يجب إزالته (43) للسجدة الثانية.

و كذا إذا سجد على التراب و لصق بجبهته يجب إزالته لها. و لو لم يجد إلّا الطّين الذي لا يمكن الاعتماد عليه سجد عليه بالوضع من غير اعتماد (44).

______________________________

(41) للإجماع، و لأنّ السجود وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه و مع عدم التمكن لا يصدق الوضع، بل يكون من مجرد المسّ، و لموثق عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن حدّ الطين الذي لا يسجد عليه ما هو؟ قال: إذا غرقت الجبهة و لم تثبت على الأرض» (1). و هذا الحديث موافق للقاعدة.

(42) للإطلاقات بعد وجود المقتضي و فقد المانع، فيصح و يجزي لا محالة.

(43) بناء على أنّ السجود إحداث وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه. و أما بناء على أنّه إحداث الهيئة الخاصة مع مباشرة الجبهة لما يصح السجود عليه، فلا تجب الإزالة و المسألة من صغريات الأقلّ و الأكثر، لأنّ إحداث الهيئة الخاصة معلوم يقينا، و الزائد عليه مشكوك و المرجع فيه البراءة، و يأتي منه (رحمه اللّه) في [مسألة 2] من (فصل السجود) الاحتياط فيه و هو ينافي الفتوى في المقام، فراجع.

(44) لقاعدة الميسور، و ظهور الإجماع، و مرتكزات المتشرعة. و من يظهر منه الإشكال- في هذه الصورة و إمكان الاكتفاء بالإيماء- لعله أراد ما إذا تلطخ بالوحل و تضرّر به، فلا يكون خلافا في المقام، و يأتي حكمه في المسألة التالية.

ص: 457


1- الوسائل باب: 15 من أبواب مكان المصلّي حديث: 9.
مسألة 25: إذا كان في الأرض ذات الطّين بحيث يتلطخ به بدنه و ثيابه في حال الجلوس

(مسألة 25): إذا كان في الأرض ذات الطّين بحيث يتلطخ به بدنه و ثيابه في حال الجلوس للسجود و التشهد جاز له الصلاة موميا للسجود و لا يجب الجلوس للتشهد (45)، لكن الأحوط مع عدم الحرج الجلوس لهما و إن تلطخ بدنه و ثيابه (46)، و مع الحرج أيضا إذا تحمّله صحت صلاته (47).

مسألة 26: السجود على الأرض أفضل من النبات

(مسألة 26): السجود على الأرض أفضل من النبات

______________________________

(45) لسهولة الشريعة و سماحتها، و لموثق عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته: الرجل يصيبه المطر و هو في موضع لا يقدر على أن يسجد فيه من الطّين و لا يجد موضعا جافا، قال: يفتتح الصلاة فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلّى، فإذا رفع رأسه من الركوع، فليؤم بالسجود إيماء و هو قائم يفعل ذلك حتّى يفرغ من الصلاة و يتشهد و هو قائم و يسلّم» (1)، و مثله صحيح هشام بن الحكم (2). و المراد بقوله (عليه السلام) في الموثق «لا يقدر» عدم القدرة العرفية لا العقلية كما هو معلوم، فيشمل تلطخ الثياب و نحو ذلك مما لا يتحمله متعارف الناس، فيكون المقام نظير تبدل الطهارة المائية إلى الترابية عند الحاجة العرفية إلى حفظ الماء.

(46) لاحتمال أن يكون الحكم دائرا مدار الحرج، و لكن للحرج مراتب مختلفة تختلف بحسب الأشخاص و الموارد و ربما يتعيّن في بعضها الجلوس لها.

(47) لأنّ الحرج إنّما يرفع الإلزام دون أصل الملاك و حينئذ، فيصح من حيث بقاء الملاك هذا، و لكنه لا كلية لهذه الدعوى خصوصا مع وصول الحرج إلى مرتبة الضرر و الإضرار بالمال أو النفس، فيختلف الحكم باختلاف الخصوصيات و الأشخاص.

ص: 458


1- الوسائل باب: 15 من أبواب مكان المصلّي حديث: 4.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب مكان المصلّي حديث: 5.

و القرطاس، و لا يبعد كون التراب أفضل من الحجر (48).

و أفضل من الجميع التربة الحسينية، فإنّها تخرق الحجب السبع و تستنير إلى الأرضين السبع (49).

______________________________

(48) لأنّ السجود غاية التذلل لحضرة المعبود جلّ جلاله، و وضع الجبهة على الأرض و التراب أبلغ في التذلل للّه عند أولي الألباب، و يشهد له دأب الأنبياء و المعصومين (عليهم السلام) و عباد اللّه الصالحين حيث إن التعفير شعارهم و وسامهم حتّى مدحهم اللّه تعالى بقوله سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ (1)، و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) «و أن يسجد على الأرض أحب إليّ، فإنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) كان يحب ذلك أن يمكّن جبهته من الأرض فأنا أحب لك ما كان رسول اللّه يحبه» (2).

و قال (عليه السلام) أيضا: «السجود على الأرض أفضل لأنّه أبلغ في التواضع و الخضوع للّه عزّ و جل» (3).

(49) ورد ذلك في ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار قال: «كان لأبي عبد اللّه (عليه السلام) خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد اللّه، فكان إذا حضرته الصلاة صبّه على سجادته و سجد عليه، ثمَّ قال (عليه السلام): إنّ السجود على تربة أبي عبد اللّه (عليه السلام) يخرق الحجب السبع» (4).

و عنه (عليه السلام) أيضا: «السجود على طين قبر الحسين (عليه السلام) ينوّر إلى الأرضين السبع» (5).

و لا بعد في ذلك، فإنّ هذه التربة المقدّسة رمز التفاني في إعلاء كلمة التوحيد و شعار العترة النبوية في إبقاء الرسالة و النبوة، و وسام الأسرة المحمدية

ص: 459


1- سورة الفتح: 29.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 4.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 3.
5- الوسائل باب: 16 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.

.....

______________________________

(صلوات اللّه عليهم) في التضحية في سبيل إنقاذ الشرائع الإلهية و الشؤون الإنسانية عن أيدي الخونة، مع ما ورد أنّ في كربلاء قبر مأتي نبي و مأتي وصيّ (1) و أنّها روضة من رياض الجنة (2)، و مولد عيسى (3)، و مختلف الملائكة (4)، و مجمع أرواح الأنبياء في كلّ ليلة نصف من شعبان (5).

ثمَّ إنّ قوله (عليه السلام): «تخرق الحجب السبع» أي يقبلها اللّه تعالى من دون أن يمنع عنه موانع القبول التي هي كثيرة نتعرض لها في معنى الإخلاص و الخلوص. و أما قوله (عليه السلام): «ينور إلى الأرضين السبع» قد تكرر في الكتاب و السنة استعمال سنخ هذا النور قال تعالى يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ (6) و قوله تعالى نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ (7) إلى غير ذلك مما هو كثير و قال نبيّنا الأعظم فيما روى عنه الفريقان: «اتقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور اللّه» (8)، و عنه (صلّى اللّه عليه و آله) و نوّروا بيوتكم بتلاوة القرآن- إلى أن قال- فإنّ البيت إذا كثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره و يضي ء لأهل السماء كما تضي ء نجوم السماء لأهل الدنيا» (9).

إلى غير ذلك مما هو كثير جدا بل مما لا يحصى. و هذا النور أجل من أن يدرك بالمشاعر الجسمانية التي انحصر شعورهم بدرك الأجسام الكثيفة و نعم ما قيل:

و كيف ترى ليلى بعين ترى بها سواها و ما طهّرتها بالمدامع

ص: 460


1- الوسائل باب: 68 من أبواب المزار حديث: 6.
2- الوسائل باب: 37 من أبواب المزار حديث: 14 و 15.
3- الوسائل باب: 68 من أبواب المزار حديث: 7.
4- الوسائل باب: 37 من أبواب المزار حديث: 13.
5- الوسائل باب: 51 من أبواب المزار حديث: 1.
6- سورة الحديد: 12.
7- سورة التحريم: 8.
8- الوسائل باب: 20 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1، و راجع النهاية لابن الأثير ج: 3 ص: 428.
9- الوسائل باب: 16 من أبواب قراءة القرآن حديث: 4.
مسألة 27: إذا اشتغل بالصلاة و في أثنائها فقد ما يصح السجود عليه

(مسألة 27): إذا اشتغل بالصلاة و في أثنائها فقد ما يصح السجود عليه قطعها في سعة الوقت (50)، و في الضيق يسجد على ثوبه القطن أو الكتان أو المعادن، أو ظهر الكف على الترتيب (51).

مسألة 28: إذا سجد على ما لا يجوز باعتقاد أنّه مما يجوز

(مسألة 28): إذا سجد على ما لا يجوز باعتقاد أنّه مما يجوز، فإن كان بعد رفع الرأس مضى و لا شي ء عليه (52) و إن كان قبله جر جبهته إن أمكن (53)،

______________________________

كما إنّه أرفع من أن يرجع في شرحه إلى الكتب اللغوية، أو جملة من أقوال المفسرين، بل يختص درك مثل هذا النور بالإمام المعصوم، و الملإ الأعلى أو من تخلّى عن الرذائل مطلقا، و تحلّى بالفضائل بجمعها، و قد أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى بعض مقاماتهم في خطبة همام، فراجع و قد بسطنا القول في شرح هذا النور في كتابنا (مواهب الرحمن في تفسير القرآن)، نسأل اللّه التيسير.

(50) بل تنقطع، لعدم التمكن من الإتمام مستجمعا للشرائط. هذا إذا لم يتمكن من تحصيله في أثناء الصلاة بحيث لا يضرّ بها، لفوت الاستقبال و الموالاة و إلّا فيحصله و يسجد عليه و يتم صلاته و لا شي ء عليه.

(51) تقدم وجهه في [مسألة 23] فراجع و ذكر الحر و البرد فيما تقدم من النص من باب المثال لمطلق العذر عرفا، فيشمل المقام قطعا.

(52) لفوات المحلّ، فلا محلّ حتّى يتدارك، لأنّ اشتراط ما يصح السجود عليه- في خصوص سجدة الصلاة- من الأمور الاختيارية الخارجة عن حقيقة السجود. و مع الشك، فمقتضى الأصل المضي أيضا، لصدق السجود بوضع الجبهة على المأكول و الملبوس و كلّ شي ء لغة و عرفا، بل و شرعا أيضا كما يأتي في سجود العزيمة نعم، لو كان ذلك مقوّما لحقيقة السجود في الصلاة الإتيان به، لتبيّن بطلانه.

(53) لإمكان تحصيل ما يصح السجود عليه بلا محذور.

ص: 461

و إلا قطع الصلاة في السعة (54)، و في الضيق أتم على ما تقدم (55) إن أمكن و إلّا اكتفى به (56).

مسألة 29: 1 يستحب وضع الترب في المساجد و مواضع الصلوات

(مسألة 29): (1)يستحب وضع الترب في المساجد و مواضع الصلوات جماعة كانت أو فرادى- (57)، و تصير وقفا فيجري عليها أحكامه (58).

مسألة 30: لا يجوز إخراجها من مسجد إلى مسجد آخر

(مسألة 30): لا يجوز إخراجها من مسجد إلى مسجد آخر، أو من محلّ جماعة وضعت لها إلى جماعة أخرى (59)، إلا إذا أحرز أنّ الوضع فيه كان لأجل أنّه من إحدى طرق الانتفاع بها لا للخصوصية فيها (60)،

______________________________

(54) لعدم إمكان إتمامها مستجمعا للشرائط، بل تنقطع الصلاة حينئذ بنفسها.

(55) تقدم في [مسألة 23] فراجع.

(56) لقاعدة الميسور بعد تحقق العذر و الاضطرار و سقوط ما هو تكليف المختار و يأتي في فصل السجود في [مسألة 10] ما له نفع للمقام، فراجع و اللّه تعالى هو العالم.

(57) لأنّها تستعمل في أفضل العبادات، فيكون من المساعدة على الخيرات و الطاعات.

(58) لأنّه الظاهر من حال من يضعها فيكون من الوقف المعاطاتي، و مع الشك يجري عليها حكم الحبس.

(59) لأنّ الظاهر الاختصاص بذلك المحل أو المسجد الخاص.

(60) لإحراز الرضا حينئذ فيصح الانتفاع بها في غيرها.

ص: 462


1- من إضافات سيدنا الوالد- دام ظلّه- إلى آخر الفصل.

و مع الشك لا يجوز (61).

مسألة 31: لو أخرجها أحد عن محلّها وجب عليه ردها إليه

(مسألة 31): لو أخرجها أحد عن محلّها وجب عليه ردها إليه، إلّا إذا علم عدم خصوصية الوضع فيه، و إنّما وضع فيه، لأنّه من إحدى طرق الانتفاع (62).

مسألة 32: لو صلّى عليها في غير محلّها مع العلم تبطل الصلاة

(مسألة 32): لو صلّى عليها في غير محلّها مع العلم تبطل الصلاة (63).

مسألة 33: لو غصبها و كانت معه في الصلاة و لكن لم يسجد عليها و سجد على غيرها

(مسألة 33): لو غصبها و كانت معه في الصلاة و لكن لم يسجد عليها و سجد على غيرها، فالأحوط بطلان الصلاة (64).

مسألة 34: يجوز وضع اثنتين منها إحداها على الأخرى و السجود عليها

(مسألة 34): يجوز وضع اثنتين منها إحداها على الأخرى و السجود عليها (65). نعم، لو احتاج المصلّين لها لا يجوز حينئذ (66).

______________________________

(61) للأصل بعد عدم إحراز الرضا.

(62) لقاعدة الاشتغال في الأول، و أصالة البراءة في الثاني.

(63) للنهي عن السجود عليها، و التصرف فيها حينئذ، فيكون من النهي في العبادة فتبطل، و كذا مع الشك و لا تبطل مع الجهل و النسيان، لعدم فعلية النهي حينئذ.

(64) هذه المسألة مبنية على تعلق الغصب بالوقف و عدمه، فعلى الأولى تبطل لصدق التصرف في المغصوب حين الصلاة، كما مرّ، و على الثاني لا تبطل و إن أثم، و الأحوط الأول و يأتي التفصيل في كتاب الغصب إن شاء اللّه تعالى. و لو كسرها فالضمان مبنيّ على ذلك أيضا.

(65) للأصل بعد عدم تحديد خاص لذلك من صاحبها و إن كان الأولى ترك ذلك.

(66) لعدم إحراز رضاء من صاحبها حينئذ بذلك. و كذا لو كانت

ص: 463

مسألة 35: لو خرجت عن صدق التربة عرفا لا تخرج عن الوقف أو الحبس

(مسألة 35): لو خرجت عن صدق التربة عرفا لا تخرج عن الوقف أو الحبس، إلّا إذا صدق عليها القمامة عرفا (67).

مسألة 36: يشكل اختصاص بعض المصلّين ببعض الترب لنفسه

(مسألة 36): يشكل اختصاص بعض المصلّين ببعض الترب لنفسه بأن يضعها في محلّ من المسجد لا يطلع عليه أحد غيره (68)، و لكن لو فعل ذلك ثمَّ صلّى عليها تكون صلاته صحيحة (69).

مسألة 37: يحرم هتكها و تنجيسها

(مسألة 37): يحرم هتكها و تنجيسها (70)، و لا بأس بحكها و إزالة وسخها (71).

مسألة 38: لو اشتبهت تربة متنجسة أو مغصوبة بين ترب و كان المصلّي واحدا وجب عليه الاجتناب عن الجميع

(مسألة 38): لو اشتبهت تربة متنجسة أو مغصوبة بين ترب و كان المصلّي واحدا وجب عليه الاجتناب عن الجميع، و مع التعدد لا يجب عليهم ذلك (72).

______________________________

إحداهما من شخص و الأخرى من شخص آخر. للشك في رضى صاحب التربة التي جعلت تحت التربة الأخرى.

(67) للأصل في الأول، و حكم العرف في الأخير.

(68) لأنّ الظاهر أنّ المقصود من الوضع في المسجد- مثلا- أن يكون معرضا لاستفادة الجميع و أن يقدر كلّ من شاء على أخذها.

(69) لوجود المقتضي و فقد المانع، إذ المقصود استعمالها في السجود في ذلك المحلّ و قد تحقق، فالإشكال إنّما هو في الحكم التكليفي في الحبس و لكن الظاهر أنّه يختلف باختلاف الموارد و الأشخاص.

(70) لأنّها من آلات العبادة و محترمة عند المتشرعة.

(71) للأصل بعد كون ذلك من الإصلاح المحض.

(72) لتنجز العلم الإجمالي في الأول بخلاف الأخير، لخروج كلّ واحد منهم عن مورد ابتلاء الآخر، و في المسألة فروع أخر.

ص: 464

مسألة 39: لا فرق بين كونها من تربة سيد الشهداء عليه السلام أو من سائر أقسام التراب

(مسألة 39): لا فرق بين كونها من تربة سيد الشهداء (عليه السلام) أو من سائر أقسام التراب، بل أو الحصى أو الحجر (73).

______________________________

(73) لأنّ الحكم في جميع ما تقدم إنّما هو بحسب القاعدة، و هي تجري في الجميع بلا فرق. نعم، للتربة الحسينية آداب و شروط نتعرّض لها في كتاب الأطعمة و الأشربة إن شاء اللّه تعالى.

ص: 465

فصل في الأمكنة المكروهة

(فصل في الأمكنة المكروهة) و هي مواضع:

(أحدها): الحمام (1) و إن كان نظيفا (2) حتّى المسلخ منه عند بعضهم (3) (فصل في الأمكنة المكروهة)

______________________________

(1) نصّا، و إجماعا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): في مرسل عبد اللّه بن فضل: «عشر مواضع لا يصلّي فيها: الطّين، و الماء، و الحمام، و القبور و مسان الطريق، و قرى النمل، و معاطن الإبل، و مجرى الماء، و السبخ، و الثلج» (1).

و إطلاقها يشمل صورة النظافة أيضا، فيحمل موثق عمار عنه (عليه السلام) أيضا قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصلاة في بيت الحمام قال: إذا كان موضعا نظيفا فلا بأس» (2).

على خفة الكراهة مع النظافة.

(2) للإطلاق الشامل له. و منشأ التردد احتمال الانصراف عن المسلخ و لكنّه باطل.

(3) لإطلاق الحمام عليه عرفا أيضا. و ما تقدم في موثق عمار من قوله:

ص: 466


1- الوسائل باب: 15 من أبواب مكان المصلّي حديث: 6 و 7.
2- الوسائل باب: 34 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.

و لا بأس بالصلاة على سطحه (4).

(الثاني): المزبلة (5).

(الثالث): المكان المتخذ للكنيف و لو سطحا متخذا لذلك (6).

______________________________

«في بيت الحمام» لا يوجب التخصيص، لكونه من كلام الراوي مع صحة إطلاق بيت الحمام عليه أيضا، فيقال للحمام بيوت ثلاثة: بيت المسلخ، و بيت الماء، و بيت التنظيف، كما ورد في خبر ابن حمران (1)، مع وجود المناط فيه أيضا و هو المعرضية لكشف العورة و سائر ما لا يناسب مقام العبادة، مضافا إلى تفاوت مراتب الكراهة، فيمكن أن تكون في المسلخ أخف من غيره.

(4) لخروجه عن الحمام عرفا. ثمَّ إنّه لا فرق في الحمام بين الحمامات القديمة و الحديثة، لظهور الإطلاق الشامل للجميع، كما لا فرق في الكراهة بين أن يعيّن محلا للصلاة فيها أو لا، للإطلاق و ظهور الاتفاق. نعم، لو جعل محلا فيها مسجدا بالخصوص لا يشمله الحكم، لخروجه عن الحمام موضوعا و حكما، كما لا فرق فيما ذكر بين صاحب الحمام و عماله و غيرهم.

(5) لمنافاته لتوقير الصلاة، و في النبويّ النهي عن الصلاة في المقبرة و المزبلة(2).

(6) لأنّه خلاف تعظيم الصلاة، و لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح زرارة: «السطح يصيبه البول أو يبال عليه يصلّي في ذلك المكان؟

فقال: إن كان تصيبه الشمس و الريح و كان جافا، فلا بأس به إلّا أن يكون يتخذ مبالا» (3).

الشامل للسطح و غيره و لكن لو كان في أحد الأطراف مبال مخصوص له

ص: 467


1- الوسائل باب: 13 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
2- كنز العمال ج: 4 صفحة 84.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(الرابع): المكان الكثيف الذي يتنفر منه الطبع (7).

(الخامس): المكان الذي يذبح فيه الحيوانات أو ينحر (8).

(السادس): بيت المسكر (9).

______________________________

باب لا يكره الصلاة في سائر الأطراف، للأصل بعد عدم شمول الدليل له.

(7) لمنافاته للتوقير، و لما ورد- في المبال، و بيت الخمر، و الكنيف و غيره، على ما تقدم- مما يحصل منه الاطمئنان بوحدة المناط في كلّ ما يتنفر منه الطبع، مع أنّ الكراهة قابلة للمسامحة.

(8) للنبويّ الناهي عن الصلاة في سبعة مواطن: «ظهر بيت اللّه، و المقبرة، و المزبلة، و المجزرة، و الحمام، و عطن الإبل، و محجة الطريق» (1).

و ظاهرهم الإجماع عليها في تلك المواطن.

(9) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في موثق عمار: «لا يصلّى في بيت فيه خمر أو مسكر، لأنّ الملائكة لا تدخله»(2).

و يستفاد من التعليل كراهة الصلاة في كلّ مكان لا تدخله الملائكة.

فروع- (الأول): لا فرق في المسكر بين المائع و الجامد، كما لا فرق فيه بين كونه في إناء مغطاة أو مكشوفة، لظهور الإطلاق في الموردين كما لا فرق فيه بين المتخذ منه للدواء أو غيره، لظهور الإطلاق.

(الثاني): الظاهر عدم الفرق بين كونه بسيطا أو مركبا مع غيره كما في جملة من الأدوية العصرية حسب ما يقال. نعم، إن صار مستهلكا، فالظاهر عدم الكراهة.

(الثالث): يشمل الحكم ما إذا صبغ شي ء بمسكر و كان فيه أثره كما يشمل

ص: 468


1- كنز العمال ج: 4 صفحة 74 رقم (1483).
2- الوسائل باب: 21 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.

(السابع): المطبخ، و بيت النار (10).

______________________________

جميع العطور إذا كان فيه شي ء من المسكر إلّا مع الاستهلاك.

(الرابع): الظاهر شمول الحكم لما إذا كان في البيت شخص و كان معه مسكر.

(الخامس): لو كان دار فيها غرف و كان في أحدها خمر، فالظاهر شمول الحكم لجميع الغرف، لصحة إطلاق البيت على ما فيه غرف متعددة، مع كثرة ما ورد من التشديد في الخمر و اهتمام الشارع بالتجنب عنه مهما أمكنه.

(السادس): يختص الحكم بصورة العلم و العمد.

(السابع): الظاهر شمول الحكم لما إذا صب الخمر في محلّ و لم يكن في إناء. نعم، في المقنع: «لا يجوز أن يصلّي في بيت فيه خمر محصور في آنية» (1).

و يمكن حمله على شدة الكراهة.

ثمَّ إنّ جملة من الفروع التي ذكرناها مبنية على الأخذ بإطلاق قوله (عليه السلام): «لا تصلّي في بيت فيه خمر أو مسكر»(2).

مع كثرة ما ورد من التشديد في المسكر- كما تقدم-، و يحتمل الانصراف إلى خصوص ما أعدّ للشرب فقط، و لكنّه من الانصرافات البدوية الغير المنافية، لظهور الإطلاق خصوصا في الخمر.

(10) على المشهور المدعى عليه الإجماع في الجملة، و يؤيده إمكان التشبه بعبدة النيران، مع أنّ المطبخ ممحضة للجهات الجسمانية، فلا تناسب الصلاة التي هي أجل المقامات الروحانية.

ص: 469


1- الوسائل باب: 21 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب مكان المصلّي حديث: 3.

(الثامن): دور المجوس إلا إذا رشها ثمَّ صلّى فيها (11) بعد الجفاف (12).

______________________________

(11) نصّا و إجماعا، ففي خبر أبي أسامة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا تصلّ في بيت فيه مجوسي و لا بأس بأن تصلّي و فيه يهودي أو نصراني» (1).

و يدل على جواز الصلاة فيه بعد الرش صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الصلاة في بيوت المجوس، فقال (عليه السلام): رش و صلّ» (2).

و مثله صحيح أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصلاة في بيوت المجوس، فقال (عليه السلام): رش و صلّ» (3).

(12) لم أقف في النصوص على ما يدل على الجفاف، إلّا أن يدعى أنّه المنصرف مما تقدم من النص مع أنّه يكفي في الكراهة فتوى الفقهاء تسامحا، نعم، قد ورد ذكر اليبس بعد الرش في معاطن الإبل و مرابض الغنم (4). ثمَّ إنّه يحتمل أن يكون الرش لدفع الوسوسة، أو زوال النفرة أو التعبد المحض، أو لغير ذلك مما يمكن أن تكون من الحكمة.

فروع- (الأول): الظاهر من الصحيحين البيوت المختصة بالمجوس فيحمل خبر أبي أسامة عليهما، فلا كراهة للصلاة في مطلق محلّ فيه مجوسي كما كانت في المسكر، و إن احتمله في البحار جمودا على خبر أبي أسامة.

(الثاني): قد ذكر بيت المجوس، في الخبر و دور المجوس، في كلمات

ص: 470


1- الوسائل باب: 16 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب مكان المصلّي حديث: 4.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب مكان المصلّي حديث: 3.
4- راجع الوسائل باب: 17 من أبواب مكان المصلّي حديث: 4.

(التاسع): الأرض السبخة (13).

(العاشر): كلّ أرض نزل فيها عذاب أو خسف (14).

______________________________

الفقهاء و لا يبعد التعدي إلى معابدهم أيضا، و إن كان خلاف الأصل و لا بأس بها رجاء.

(الثالث): لا يبعد التعدي إلى بيوت كلّ من حكم في الإسلام بكفره و إنّما ذكرت الثلاثة في الأخبار من باب الغالب في تلك الأعصار، و إن كان الأولى قصد الرجاء.

(13) على المشهور المدعى عليه الإجماع، و تدل عليه جملة من الأخبار:

منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)- في حديث- قال:

«كره الصلاة في السبخة إلّا أن يكون مكانا لينا تقع عليه الجبهة مستوية» (1).

و من التعليل يستفاد عدم الكراهة لو أمكن قرار الجبهة، و يشهد له خبر داود بن الحصين قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): لم حرّم اللّه الصلاة في السبخة؟ قال (عليه السلام): لأنّ الجبهة لا تتمكن عليها» (2).

و نحوه خبر معلّى بن خنيس و غيره(3).

(14) لبعدها عن رحمة اللّه تعالى، و لم أظفر على هذا العنوان في النصوص على ما تفحصت عاجلا. نعم، في خبر جويرية بن مسهر قال: «أقبلنا مع أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) من قتل الخوارج حتّى إذا قطعنا في أرض بابل و حضرت صلاة العصر فنزل أمير المؤمنين (عليه السلام) و نزل الناس فقال (عليه السلام): إنّ هذه أرض ملعونة قد عذبت في الدهر مرّتين و هي تتوقع الثالثة، و هي إحدى المؤتفكات، و هي أول أرض عبد فيها وثن و إنّه لا يحلّ لنبيّ و لا لوصيّ نبيّ أن يصلّي فيها فمن أراد أن يصلّي فليصلّ في أرض بابل

ص: 471


1- الوسائل باب: 20 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب مكان المصلّي حديث: 3.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب مكان المصلّي حديث: 10.

(الحادي عشر): أعطان الإبل و إن كنست و رشت (15).

______________________________

حتّى ردت الشمس فصلّى عليّ (عليه السلام) (1).

و في خبره الآخر قال عليّ (عليه السلام): «إنّ هذه أرض معذبة لا ينبغي لنبيّ و لا وصيّ نبيّ أن يصلّي فيها، فمن أراد منكم أن يصلّي فليصلّ» (2).

أقول: لعل ترخيصه (عليه السلام) لغيره في الصلاة لأجل وجود المخالفين معه (عليه السلام)، و إلّا فلا ريب في حسن التأسي به (عليه السلام)، و الظاهر عدم كون ذاك من مختصاته و عن المقنعة قال: «قال (عليه السلام): تكره الصلاة في طريق مكة في ثلاثة مواضع: أحدها البيداء، و الثاني ذات الصلاصل، و الثالث ضجنان»(3).

و في موثق معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «الصلاة تكره في ثلاثة مواطن من الطريق: البيداء و هي ذات الجيش، و ذات الصلاصل، و ضجنان» (4).

و في موثقة الآخر عنه (عليه السلام) أيضا قال (عليه السلام): «لا يصلّ في وادي الشقرة، فإنّ فيه منازل الجنّ» (5).

و نحوها غيرها.

(15) لإطلاق جملة من الأخبار منها خبر معلّى بن خنيس قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصلاة في معاطن الإبل فكرهه، ثمَّ قال: إن خفت على متاعك شيئا فرش بقليل ماء و صلّ» (6).

و نحوه صحيح الحلبي (7).

ص: 472


1- الوسائل باب: 38 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب مكان المصلّي حديث: 9.
4- الوسائل باب: 23 من أبواب مكان المصلّي حديث: 10.
5- الوسائل باب: 24 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.
6- الوسائل باب: 17 من أبواب مكان المصلّي حديث: 5.
7- الوسائل باب: 17 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.

(الثاني عشر): مرابط الخيل و البغال و الحمير و البقر، و مرابض الغنم (16).

(الثالث عشر): على الثلج و الجمد (17).

______________________________

و منها: صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصلاة في أعطان الإبل، قال: إن تخوّفت الضيعة على متاعك فاكنسه و انضحه (1)، و يستفاد من الذيل خفة الكراهة مع الرش، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين وجود الإبل فيه حين الصلاة و عدمه.

(16) للنص و الإجماع، ففي موثق سماعة قال: «لا تصلّ في مرابط الخيل و البغال و الحمير» (2).

و في موثقة الآخر قال: «سألته عن الصلاة في أعطان الإبل و في مرابض البقر و الغنم، فقال (عليه السلام): إن نضحته بالماء و قد كان يابسا فلا بأس بالصلاة فيها، فأمّا مرابض الخيل و البغال فلا» (3).

و يمكن الحمل على خفة الكراهة بالنضح بالماء بالنسبة إلى مرابض الغنم أيضا، لصحيح ابن مسلم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا بأس بالصلاة في مرابض الغنم» (4).

و خبر عليّ بن جعفر عن أخيه قال: «سألته عن معاطن الغنم أ تصلح الصلاة فيها؟ قال (عليه السلام): نعم، لا بأس» (5).

ثمَّ إنّ المعاطن فسّرت في كلام أكثر أهل اللغة بمبارك الإبل حول الماء و ظاهر كلمات الفقهاء التعبير بالنسبة إلى مطلق مواطنها.

(17) نصّا و إجماعا، قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في مرسل الفضل:

ص: 473


1- الوسائل باب: 17 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب مكان المصلّي حديث: 3.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب مكان المصلّي حديث: 4.
4- الوسائل باب: 17 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.
5- الوسائل باب: 17 من أبواب مكان المصلّي حديث: 6.

(الرابع عشر): قرى النمل و أوديتها، و إن لم يكن فيها نمل ظاهر حال الصلاة (18).

(الخامس عشر): مجاري المياه و إن لم يتوقع جريانها فيها فعلا (19). نعم، لا بأس بالصلاة على ساباط تحته نهر أو ساقية، و لا

______________________________

«عشر مواضع لا يصلّى فيها و عدّ منها الثلج» (1).

و في موثق عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يصلّي على الثلج، فقال (عليه السلام): لا، فإن لم يقدر على الأرض بسط ثوبه و صلّى عليه» (2).

و في خبر الحسين ابن أبي العلاء عن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا تطلب التجارة في أرض لا تستطيع أن تصلّي إلّا على الثلج» (3).

و يستفاد منه حكم الجمد أيضا.

(18) على المشهور، بل عن الغنية الإجماع عليه، لمرسل ابن أبي عمير قال (عليه السلام): «عشرة مواضع لا يصلّي فيها و عدّ منها قرى النّمل (4).

و قول أبي جعفر (عليه السلام): «هذا وادي النمل لا يصلّى فيه» (5).

و مقتضى إطلاقهما الكراهة و إن لم يكن فيها نمل حال الصلاة.

(19) لقول الصادق (عليه السلام): «عشرة مواضع لا يصلّى فيها- و عدّ منها- مجرى الماء» (6).

و إطلاقه يشمل وجود الماء و عدمه.

ص: 474


1- الوسائل باب: 15 من أبواب مكان المصلّي حديث: 6.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.
3- الوسائل باب: 68 من أبواب مما يكتسب به حديث: 1.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب مكان المصلّي حديث: 6.
5- الوسائل باب: 15 من أبواب مكان المصلّي حديث: 7.
6- الوسائل باب: 20 من أبواب مكان المصلّي حديث: 5.

في محلّ الماء الواقف (20).

(السادس عشر): الطرق و إن كانت في البلاد ما لم تضر بالمارة (21)، و إلا حرمت و بطلت (22).

(السابع عشر): في مكان يكون مقابلا لنار مضرمة أو سراج (23).

______________________________

(20) للأصل بعد خروجه عن مورد دليل الكراهة عرفا.

(21) لجملة من الأخبار:

منها: قوله (عليه السلام): «لا تصلّ على الجادة و صلّ على جانبيها» (1).

المحمول على الكراهة إجماعا.

و منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «لا تصلّ على الجادة و اعتزل على جانبيها» (2).

و غير ذلك من الروايات.

(22) لأنّها من المشتركات بين الناس و تحرم مزاحمتهم في غير ما وضعت الجادة له، فتكون الصلاة منهيّا عنها و النهي في العبادة يوجب الفساد، و يأتي التفصيل في كتاب الأحياء.

(23) لخبر ابن جعفر عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي و السراج موضوع بين يديه في القبلة قال: لا يصلح له أن يستقبل النار» (3).

و عن الساباطي- في حديث- قال: «لا يصلّي الرجل و في قبلته نار أو حديد قلت: أ له أن يصلّي و بين يديه مجمرة شبه؟ قال: نعم، فإن كان فيها نار فلا يصلّي حتّى ينحيها عن قبلته، و عن الرجل يصلّي و بين يديه قنديل معلّق فيه

ص: 475


1- الوسائل باب: 19 من أبواب مكان المصلّي حديث: 8.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب مكان المصلّي حديث: 5.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.

(الثامن عشر): في مكان يكون مقابله تمثال ذي الروح من غير فرق بين المجسّم و غيره، و لو كان ناقصا نقصا لا يخرجه عن صدق الصورة و التمثال. و تزول الكراهة بالتغطية (24).

(التاسع عشر): بيت فيه تمثال و إن لم يكن مقابلا له (25).

______________________________

نار إلّا أنّه بحياله قال: إذا ارتفع كان أشر لا يصلّي بحياله» (1).

و هما محمولان على الكراهة جمعا بينهما و بين غيرهما.

ثمَّ إنّ مقتضى الأصل و الجمود على النصوص عدم الكراهة في الإضواء الكهربائية و لا يبعد خروج النيران الكهربائية أو الحرارة الكهربائية كما في المدافئ الكهربائية بعد ما ورد في حكمة الكراهة من التشبيه بعبدة النيران (2) إذ لم يعهد من أحد العبادة للأضواء الصناعية.

(24) نصّا، و إجماعا، ففي صحيح ابن مسلم قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أصلّي و التماثيل قدامي و أنا أنظر إليها؟ قال (عليه السلام): لا، اطرح عليها ثوبا، و لا بأس بها إذا كانت عن يمينك أو شمالك أو خلفك أو تحت رجلك أو فوق رأسك، و إن كانت في القبلة فألق عليها ثوبا و صلّ» (3).

و إطلاقه يشمل التام و الناقص ما لم يخرج عن صدق التمثال عرفا.

فروع- (الأول): مقتضى الإطلاق شمول التمثال للمجسمة و غيره و قوله (عليه السلام): «أو تحت رجلك» صريح في التعميم.

(الثاني): الظاهر شموله للصور المعهودة في هذه الأزمان أيضا.

(الثالث): لا فرق بين تمثال الإمام (عليه السلام) و غيره و البالغ و غيره و الرجل و المرأة.

(25) لخبر عليّ بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: «و سألته عن

ص: 476


1- الوسائل باب: 30 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب مكان المصلّي حديث: 5.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.

(العشرون): مكان قبلته حائط ينز من بالوعة يبال فيها أو كنيف. و ترتفع بستره و كذا. إذا كان قدامه عذرة (26).

(الحادي و العشرون): إذا كان قدامه مصحف أو كتاب مفتوح

______________________________

البيوت يكون فيها التماثيل أ يصلّي فيها؟ قال: لا» (1).

و قد ورد مستفيضا أنّ الملائكة لا تدخل بيتا فيه تمثال، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين أن تكون في أيّ جهة من جهاتها، فعن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) قال جبرئيل (عليه السلام): «إنّا لا ندخل بيتا فيه كلب، و لا جنب، و لا تمثال يوطأ» (2).

و التقييد بقوله (عليه السلام): يوطأ، لبيان الفرد الخفيّ، فيشمل غيره بالفحوى.

(26) لما عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «عن المسجد ينزّ حائط قبلته من بالوعة يبال فيها، فقال: إن كان نزّه من البالوعة فلا تصلّ فيه، و إن كان نزّه من غير ذلك فلا بأس» (3).

و عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال: «إذا ظهر النزّ من الكنيف و هو في القبلة يستره بشي ء» (4).

و عن ابن يسار قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): أقوم في الصلاة فأرى قدامي في القبلة العذرة قال: تنحّ عنها ما استطعت و لا تصلّ على الجواد» (5).

ص: 477


1- الوسائل باب: 32 من أبواب مكان المصلّي حديث: 14.
2- الوسائل باب: 33 من أبواب مكان المصلّي حديث: 6 و غيره.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.
5- الوسائل باب: 31 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.

أو نقش شاغل، بل كلّ شي ء شاغل (27).

(الثاني و العشرون): إذا كان قدامه إنسان مواجه له (28).

(الثالث و العشرون): إذا كان مقابله باب مفتوح (29).

______________________________

و عن بعض التعدي إلى مطلق النجاسة و لا بأس به رجاء، لأجل توقير الصلاة و تعظيمها.

(27) لما في خبر عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قلت في الرجل يصلّي و بين يديه مصحف مفتوح في قبلة قال: لا. قلت: فإن كان في غلاف؟ قال: نعم» (1).

و عن ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل هل يصلح له أن ينظر في نقش خاتمه و هو في الصلاة كأنّه يريد قراءته، أو في المصحف، أو في كتاب في القبلة؟ قال: ذلك نقص في الصلاة و ليس يقطعها» (2).

و يستفاد منه كراهة كلّ شاغل و كلّ ما عدّ نقصا في الصلاة و توجها إلى غيرها سواء كان بالمشاعر الحسية- كالسمع و البصر و نحوهما- أو بالمشاعر المعنوية كالفكر و الخيال و نحوهما.

(28) نسب ذلك إلى المشهور، و اعترفوا بعدم العثور على دليل لفظي له، و استدلوا عليه بأنّه إذا كان وجود التمثال موجبا للكراهة، فذو المثال بالأولى، و بأنّ ذلك من الشواغل أيضا، فيكون نقصا في الصلاة.

(29) نسب ذلك إلى جمع و ليس في البين حديث و لو ضعيف يدل عليه. و استدل بأنّه من الشواغل. و بأنّه خلاف ما يأتي في [مسألة 3] من استحباب السترة. و فيه: أنّه لا دليل على كون ترك كلّ مستحب مكروها و لكن

ص: 478


1- الوسائل باب: 27 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.

(الرابع و العشرون): المقابر (30).

(الخامس و العشرون): على القبر (31).

(السادس و العشرون): إذا كان القبر في قبلته (32)، و ترتفع

______________________________

الكراهة قابلة للمسامحة، و يمكن أن يعدّ ذلك نقصا في الصلاة فيشمله ما تقدم من خبر ابن جعفر.

(30) إجماعا و نصّا، ففي حديث المناهي: و نهى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أن يصلّي الرجل في المقابر»(1).

(31) للإجماع، و لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) نهى أن يصلّى على قبر، أو يقعد عليه أو يبنى عليه» (2).

(32) لقول أبي جعفر (عليه السلام): «و لا تتخذ شيئا منها (القبور) قبلة، فإنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) نهى عن ذلك» (3).

و عن الرضا (عليه السلام): «لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتخذ القبر قبلة»(4).

و في النبويّ «الأرض كلّها مسجد إلّا الحمام و القبر» (5).

المحمول ذلك كلّه على الكراهة، لأخبار نافية للبأس عن الصلاة بين القبور مطلقا:

منها: صحيح ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام): «عن الصلاة بين القبور هل تصلح؟ فقال: لا بأس به» (6).

و للمستفيضة الدالة على الصلاة خلف قبور الأئمة (عليهم السلام) (7)،

ص: 479


1- الوسائل باب: 25 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب مكان المصلّي حديث: 8.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب مكان المصلّي حديث: 5.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب مكان المصلّي حديث: 3.
5- الوسائل باب: 25 من أبواب مكان المصلّي حديث: 7.
6- الوسائل باب: 25 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.
7- راجع الوسائل باب: 26 من أبواب مكان المصلّي.

بالحائل (33).

(السابع و العشرون): بين القبرين (34)

______________________________

فلا وجه لما عن صاحب الحدائق من القول بالحرمة، و في الجواهر،: إنّه خارق للإجماع.

(33) لظهور الإجماع، مع أنّه المنساق من الدليل صورة عدم الحائل ثمَّ إنّ لاتخاذ القبر قبلة احتمالات:

منها: المعاملة معه معاملة الكعبة المقدسة بالصلاة إلى أيّ جزء منه و لو مستديرا، و لا ريب في حرمته.

و منها: جعل الكعبة قبلة و جعل القبر أيضا قبلة مشاركة مع الكعبة واسطة بين المصلّي و الكعبة و هو أيضا تشريع حرام، و لكن لو صلّى مستقبلا للكعبة تصح صلاته و إن أثم للتشريع.

و منها: كون القبر قدام المصلّي مع عدم البناء على اتخاذ قبلة غير الكعبة المقدسة، و المنساق من الاتخاذ أحد الأولين فتبقى كراهة الصلاة إلى القبر مع عدم اتخاذه قبلة بلا دليل، مع أنّه يمكن أن يقال إنّ سنخ هذه النواهي إنّما كان في زمان ضعف عقائد المسلمين بالشرك و عبادة الأصنام. و أمّا بعد أن استقرت المعبودية المطلقة للّه و في اللّه جلّ جلاله فيشكل الشمول، و يدل عليه قوله (صلّى اللّه عليه و آله) الذي رواه الفريقان: «نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها» (1).

فإنّ منه يستفاد أمور.

(34) للإجماع الذي استظهره العلامة (قدّس سرّه) و ليس في البين خبر يدل عليه. نعم، لفظ بين القبور ورد في موثق عمار، فإن حمل على الجمع المنطقي يشمل بين القبرين أيضا، فقد روى عمار في موثقة قال: «سألته عن

ص: 480


1- الوسائل باب: 41 من أبواب الذبح كتاب الحج حديث: 7.

من غير حائل (35)، و يكفي حائل واحد من أحد الطرفين (36)، و إذا كان بين قبور أربعة يكفي حائلان أحدهما في جهة اليمين أو اليسار، و الآخر في جهة الخلف أو الامام (37). و ترتفع أيضا ببعد عشرة أذرع من كلّ جهة فيها القبر (38).

______________________________

الرجل يصلّي بين القبور؟ قال (عليه السلام): لا يجوز ذلك إلّا أن يجعل بينه و بين القبور إذا صلّى عشرة أذرع من بين يديه، و عشرة أذرع من خلفه، و عشرة أذرع عن يمينه، و عشرة أذرع عن يساره، ثمَّ يصلّي إن شاء» (1).

(35) لأنّه المنساق من الأدلة، و المتيقن من الإجماع على فرض ثبوته.

(36) لتحقق الخروج بذلك عن البينية عرفا.

(37) للخروج بهما عن البينونة عرفا. نعم، لو جعل الحائل من جهة الخلف تبقى كراهة الصلاة إلى القبر بحالها، و لا ربط لها بكراهة البينية المنتفية بالحائل.

(38) لما تقدم في موثق عمار.

فروع- (الأول): مقتضى الأصل عدم الكراهة في الصلاة على السراديب المصنوعة في هذه الأعصار بنحو خاص التي تملأ من الموتى بعد الشك في شمول الأدلة لمثلها، و كذا بالنسبة إلى الصحن و الرواق للإمام (عليه السلام) و أولاد الأئمة، للأصل و السيرة من العلماء و غيرهم، و صحة دعوى الانصراف عنها. و كذا لو كانت القبور في غرفة خاصة فلا بأس بالصلاة في سائر غرف ذلك المحلّ حتّى الغرفة الفوقانية التي تحتها القبور.

(الثاني): لا فرق في القبر بين المعمورة و المخروبة، و الجديدة و المندرسة، إلّا إذا خرج عن صدق القبر عرفا، و مقتضى الإطلاق الشمول لمقابر الكفار أيضا.

ص: 481


1- الوسائل باب: 25 من أبواب مكان المصلّي حديث: 5.

(الثامن و العشرون): بيت فيه كلب (39) غير كلب الصيد (40).

(التاسع و العشرون): بيت فيه جنب (41).

(الثلاثون): إذا كان قدامه حديد من أسلحة أو غيرها (42).

______________________________

(الثالث): لا تكره الصلاة بين الأموات ما لم يقبروا، للأصل و الإجماع.

(39) لجملة من الأخبار:

منها: صحيح أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) قال: إنّ جبرئيل (عليه السلام) قال: إنّا لا ندخل بيتا فيه كلب، و لا بيتا فيه صورة إنسان، و لا بيتا فيه تمثال» (1).

و في خبر محمد بن مروان عنه (عليه السلام) أيضا قال: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إنّ جبرئيل أتاني فقال: إنّا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب و لا تمثال جسد، و لا إناء يبال فيه» (2).

و نحوهما غيرهما. و يثبت بالتعليل كراهة الصلاة في كلّ محلّ لا تدخله الملائكة، و هي كثيرة منها الأسواق بل قد ورد أنّها محلّ الشياطين.

(40) لانصراف الأخبار عنه بعد جواز بيعه و إمساكه و نقله و انتقاله مع وروده في خبر الفقيه عن الصادق (عليه السلام) قال: «لا يصلّى في دار فيها كلب إلّا أن يكون كلب الصيد- الحديث-» (3).

(41) لعدم دخول الملائكة بيتا فيه جنب، كما في خبر جبرائيل (عليه السلام)(4) و تكره الصلاة في ما لا تدخله الملائكة كما تقدم.

(42) لما ورد في موثق عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا يصلّي الرجل و في قبلته نار أو حديد- الحديث-» (5).

ص: 482


1- الوسائل باب: 33 من أبواب مكان المصلّي حديث: 5.
2- الوسائل باب: 33 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.
3- الوسائل باب: 33 من أبواب مكان المصلّي حديث: 4.
4- الوسائل باب: 33 من أبواب مكان المصلّي حديث: 6.
5- الوسائل باب: 30 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.

(الواحد و الثلاثون): إذا كان قدامه ورد عند بعضهم (43).

(الثاني و الثلاثون): إذا كان قدامه بيدر حنطة أو شعير (44).

______________________________

و عنه (عليه السلام) عن آبائه عن عليّ (عليه السلام) قال: «لا تخرجوا بالسيوف إلى الحرم، و لا يصلينّ أحدكم و بين يديه سيف، فإنّ القبلة أمن» (1).

و يستفاد من التعليل كراهة الصلاة في كلّ محلّ لا تكون قبلته أمنا، لأيّ سبب كان.

(43) ذكره في ذخيرة العباد، و عن جمع من الفقهاء المحشين له تقريره، و يمكن التعليل بأنّه شاغل، و كلّ شاغل مكروه.

(44) لخبر ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: «و سألته عن الرجل هل يصلح له أن يقوم في الصلاة على القت و التبن و الشعير و أشباهه و يضع مروحة و يسجد عليها؟ قال (عليه السلام): لا يصلح له إلّا أن يكون مضطرا» (2).

و في آخر عنه قال: «و سألته هل يصلح أن يصلّي على البيدر مطين عليه؟

قال (عليه السلام): لا يصلح» (3).

و نحوهما غيرهما. هذا بعض الكلام في الأمكنة المكروهة، و يمكن إنهاؤها إلى أزيد من ذلك.

ثمَّ إنّه ينبغي التنبيه على أمور-:

الأول: ما تقدم من الأخبار و إن كانت ظاهرة في الحرمة إلّا أنّها محمولة على الكراهة لقرائن خارجية أو داخلية، كما تقدم في الألبسة المكروهة، كما لا وجه للبحث عن سند تلك الأخبار لبناء الكراهة على التسامح ما لم تبلغ

ص: 483


1- الوسائل باب: 30 من أبواب مكان المصلّي حديث: 6.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب مكان المصلّي حديث: 4.
3- الوسائل باب: 40 من أبواب مكان المصلّي حديث: 5.

.....

______________________________

المسامحة إلى التسامح في الدّين و أحكام ربّ العالمين. و معنى الكراهة في العبادة نقص الثواب و المرجوحية الخارجة عن ذات العبادة، إذ لا يمكن أن تكون العبادة مرجوحة بذاتها لتقوّمها بالرجحان الذاتي كما هو واضح.

الثاني: للكراهة مراتب متفاوتة شدة و ضعفا و يمكن أن يكون بعض ما ذكر أشد من البعض الآخر و تفصيله يحتاج إلى مجال واسع.

الثالث: لا كراهة في جميع ما مرّ مع الجهل بالموضوع أو النسيان أو الاضطرار، لارتفاع الحرمة فيهما فضلا عن الكراهة، و يثبت مع الجهل بالحكم، لدعوى الإجماع على عدم كونه معذورا مطلقا.

ص: 484

فصل في مستحبات المكان في غير حال الصلاة

اشارة

(فصل في مستحبات المكان في غير حال الصلاة)(1) و هي أمور:

(الأول): سعة المسكن (1).

(فصل في مستحبات المكان في غير حال الصلاة)

______________________________

(1) لنصوص كثيرة:

منها: قول أبي عبد اللّه: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): من سعادة المرء أن يتسع منزله» (2).

و قوله (عليه السلام) في الصحيح: «من السعادة سعة المنزل» (3).

و عن أبي جعفر (عليه السلام): «من شقاء العيش ضيق المنزل» (4).

و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): الشؤم في ثلاثة أشياء: في الدابة، و المرأة، و الدار، فأمّا المرأة فشؤمها غلاء مهرها و عسر ولادتها، و أمّا الدابة فشؤمها كثرة عللها و سوء خلقها، و أمّا الدار فشؤمها ضيقها و خبث جيرانها» (5).

إلى غير ذلك من الروايات و السعة من الأمور الإضافية يكفي فيها صدقها العرفي.

ص: 485


1- من إضافات سيدنا الوالد- دام ظلّه- إلى آخر الفصل.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب المساكن حديث: 9.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب المساكن حديث: 1.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب المساكن حديث: 2.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب المساكن حديث: 3.

(الثاني): كنس البيوت و الأفنية و غسل الإناء (2).

(الثالث): تنظيف البيوت من نسج العنكبوت (3).

(الرابع): إغلاق الأبواب و تغطية الأواني (4).

______________________________

(2) لقول أبي جعفر: «كنس البيوت ينفي الفقر» (1).

و عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في خبر ابن عثمان: «كنس الفناء يجلب الرزق» (2).

و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر ابن مروان: «غسل الإناء و كنس الفناء مجلبة للرزق» (3).

(3) لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر ابن القداح: «نظفوا بيوتكم من حوك العنكبوت فإنّ تركه في البيت يورث الفقر» (4).

بل يكره تركه، لقول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «بيت الشياطين من بيوتكم بيت العنكبوت»(5).

(4) لقول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) في خبر جابر: «أجيفوا أبوابكم، و خمروا آنيتكم، و أوكوا أسقيتكم، فإنّ الشيطان لا يكشف غطاء و لا يحل وكاء- الحديث-» (6).

و عن أبي عبد اللّه في خبر سماعة: «أغلق بابك فإنّ الشيطان لا يفتح بابا» (7).

و عنه (عليه السلام) في رواية أبي خديجة: «لا تدعوا آنيتكم بغير غطاء فإنّ الشيطان إذا لم تغطّ الآنية بزق فيها، و أخذ منها مما فيها ما شاء» (8).

ص: 486


1- الوسائل باب: 9 من أبواب المساكن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب المساكن حديث: 3.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب المساكن حديث: 5.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب المساكن حديث: 2.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب المساكن حديث: 1.
6- الوسائل باب: 16 من أبواب المساكن حديث: 4.
7- الوسائل باب: 16 من أبواب المساكن حديث: 5.
8- الوسائل باب: 16 من أبواب المساكن حديث: 1.

(الخامس): مسح الفراش عند النوم و لو بطرف الثوب و الدعاء بالمأثور (5).

(السادس): الوليمة لمن بنى مسكنا و الدعاء بالمأثور (6).

(السابع): ينبغي أن يكون فيه خضرة و ماء جاريا (7).

(الثامن): أن يجلس الداخل حيث يأمره صاحب البيت (8).

______________________________

(5) كما في خبر السكوني عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهم السلام) قال: «قال النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) إذا آوى أحدكم إلى فراشه فليمسحه بطرف إزاره فإنّه لا يدري ما حدث عليه، ثمَّ ليقل: اللّهم إن أمسكت نفسي في منامي فاغفر لها، و إن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصّالحين»(1).

(6) كما عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: «قال رسول اللّه: من بنى مسكنا فذبح كبشا سمينا و أطعم لحمه المساكين ثمَّ قال: اللهم ادحر عنّي مردة الجنّ و الإنس و الشياطين، و بارك لي في بنائي. أعطي ما سأل» (2).

(7) لقول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر ابن عبد الحميد: «ثلاثة يجلون البصر: النظر إلى الخضرة، و النظر إلى الماء الجاري، و النظر إلى الوجه الحسن» (3).

(8) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): في خبر مسعدة بن صدقة: «إذا دخل أحدكم على أخيه في رحله فليقعد حيث يأمره صاحب الرحل، فإنّ صاحب الرحل أعرف بعورة بيته من الداخل عليه» (4).

ص: 487


1- الوسائل باب: 28 من أبواب المساكن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب المساكن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب المساكن حديث: 3.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب المساكن حديث: 1.

(التاسع): التسليم على الأهل عند الدخول و إلّا فعلى نفسه (9).

(العاشر): التسمية و قراءة الإخلاص عند الخروج من المنزل (10).

(الحادي عشر): أن يدخل في البيت في الشتاء يوم الجمعة و يخرج منها في الصيف يوم الخميس (11).

______________________________

(9) لما عن عليّ (عليه السلام) في حديث الأربعمائة: «إذا دخل أحدكم منزله فليسلم على أهله يقول: السلام عليكم، فإن لم يكن له أهل فليقل:

السلام علينا من ربنا و ليقرأ قل هو اللّه أحد حين يدخل منزله فإنّه ينفي الفقر» (1).

(10) لقول أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في خبر ابن الجهم: «إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر، فقل: بسم اللّه آمنت باللّه و توكلت على اللّه ما شاء اللّه لا حول و لا قوة إلّا باللّه، فتلقاه الشياطين فتنصرف و تصرف الملائكة وجوهها، و تقول: ما سبيلكم عليه و قد سمّى اللّه و آمن به و توكل عليه و قال: ما شاء اللّه لا حول و لا قوة إلّا باللّه» (2).

و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر ابن عطية: «من قرأ قل هو اللّه أحد حين يخرج من منزله عشر مرّات لم يزل في حفظ اللّه عزّ و جل و كلاءته حتّى يرجع إلى منزله» (3).

و تكفي واحدة أيضا، لأنّ التعدد من باب تعدد المطلوب.

(11) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «كان النبيّ إذا خرج في الصيف من بيته خرج يوم الخميس و إذا أراد أن يدخل البيت في الشتاء من البرد دخل

ص: 488


1- الوسائل باب: 15 من أبواب المساكن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب المساكن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب المساكن حديث: 5.

(الثاني عشر): حسن الجوار (12).

و هناك مكروهات بالنسبة إلى المساكن و هي أمور:

(الأول): ضيق المسكن (13).

______________________________

يوم الجمعة» (1).

و الظاهر أنّ ليلتهما بحكمهما، بل هو مروي أيضا (2).

(12) نصا و إجماعا من المسلمين، بل هو من العقلاء كافة، و تدل عليه نصوص مستفيضة:

منها: في حديث المناهي: «ما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورثه» (3).

و منها: ما عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) ما آمن بي من بات شبعانا و جاره جائع، قال: و ما من أهل قرية يبيت فيهم جائع ينظر اللّه إليهم يوم القيامة» (4).

و يأتي تحديد معنى الجوار في الوقف، و في الوصية، و غيرها. و لا ريب في كون الدور الملاصقة من الجار شرعا، و عرفا، و لغة، و في بعض الأخبار إنّ حدّه أربعون دارا من كلّ جانب (5). و هذا يسير من كثير مما يتعلق بمستحبات المساكن.

(13) لما تقدم من قول رسول اللّه: «الشؤم في ثلاثة- إلى أن قال- و أما الدار فشؤمها ضيقها و خبث جيرانها».

و قول أبي جعفر- على ما مرّ-: «من شقاء العيش ضيق المنزل».

ص: 489


1- الوسائل باب: 18 من أبواب المساكن حديث: 4.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب المساكن حديث: 5.
3- الوسائل باب: 86 من أبواب العشرة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 88 من أبواب العشرة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 90 من أبواب العشرة حديث: 1.

(الثاني): تصوير البيت بالصور (14).

(الثالث): رفع بناء البيت أكثر من سبعة أذرع أو ثمانية (15)، و يستحب أن تكتب آية الكرسي مع الزيادة (16).

______________________________

(14) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر المدائني: «لا تبنوا على القبور و لا تصوّروا سقوف البيوت، فإنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) كره ذلك» (1).

و إطلاقه يشمل ذوات الأرواح و غيرها، و يأتي في المكاسب المحرّمة أنّ تصوير ذوات الأرواح حرام. و حينئذ فلو فعل أحد هذا الحرام يكره الإبقاء في البيت.

(15) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم: «ابن بيتك سبعة أذرع فما كان بعد ذلك سكنته الشياطين، إنّ الشياطين ليست في السماء و لا في الأرض و إنّما تسكن الهواء» (2).

و في الصحيح عنه (عليه السلام) أيضا: «إذا كان سمك البيت فوق سبعة أذرع أو قال ثمانية أذرع كان ما فوق السبع أو الثمان محتضرا» (3).

و المحتضر أي تحضره الشياطين، و عنه (عليه السلام) أيضا «إنّ اللّه عزّ و جل وكل ملكا بالبناء يقول لمن رفع سقفا فوق ثمانية أذرع: أين تريد يا فاسق» (4).

ثمَّ إنّ المنساق من لفظ الذراع في الأخبار ذراع اليد إلّا مع القرينة على الخلاف.

(16) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر محمد بن إسماعيل: «إذا

ص: 490


1- الوسائل باب: 44 من أبواب الدفن حديث: 3.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب المساكن حديث: 4.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب المساكن حديث: 1.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب المساكن حديث: 2.

(الرابع): مبيت القمامة في البيت (17).

(الخامس): البناء من الأموال المشتبهة (18).

______________________________

كان البيت فوق ثمانية أذرع فاكتب في أعلاه آية الكرسي» (1).

و في خبر أبان بن عثمان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «شكى إليه رجل عبث أهل الأرض بأهل بيته و بعياله، فقال: كم سقف بيتك؟ فقال: عشرة أذرع فقال: اذرع ثمانية أذرع ثمَّ اكتب آية الكرسي فيما بين الثمانية إلى العشرة كما تدور، فإنّ كلّ بيت سمكه أكثر من ثمانية أذرع، فهو محتضر» (2).

(17) لجملة من الأخبار:

منها: قول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) في حديث المناهي: «لا تبيتوا القمامة في بيوتكم و أخرجوها نهارا، فإنّها مقعد الشيطان» (3).

و عنه (صلّى اللّه عليه و آله): «لا تؤوا منديل اللحم في البيت، فإنّه مربض الشيطان، و لا تؤوا التراب خلف الباب، فإنّه مأوى الشيطان- إلى أن قال-:

و إذا بلغ أحدكم باب حجرته فليسمّ، فإنّه يفر عنه الشيطان، و إذا دخل أحدكم بيته فليسلّم، فإنّه تنزل البركة و تؤنسه الملائكة- الحديث-» (4).

(18) لما عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «من كسب مالا من غير حلّه سلّط عليه البناء و الماء و الطين» (5).

و عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) قال: «إنّ اللّه عزّ و جل جعل من أرضه بقاعا تسمّى المرحومات أحبّ أن يدعى فيها فيجيب، و إنّ اللّه عزّ و جل جعل من أرضه بقاعا تسمّى المنتقمات فإذا كسب رجل مالا من غير حلّه سلّط عليه بقعة منها فأنفقه فيها» (6).

ص: 491


1- الوسائل باب: 6 من أبواب المساكن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب المساكن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب المساكن حديث: 2.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب المساكن حديث: 3.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب المساكن حديث: 1.
6- الوسائل باب: 8 من أبواب المساكن حديث: 3.

(السادس): النوم في بيت ليس له باب و لا ستر، و في بيت وحده حتّى مع الباب و الستر (19) إلا مع الضرورة أو مع ذكر اللّه و وجود القرآن (20).

______________________________

و المراد به الأموال المشتبهة، و أما المحرّمة، فلا يجوز التصرف فيها مطلقا.

(19) لما عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «أنّه كره أن ينام في بيت ليس عليه باب و لا ستر» (1).

و في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «من تخلّى على قبر، أو بال قائما، أو بال في ماء قائم، أو مشى في حذاء واحد، أو شرب قائما، أو خلا في بيت وحده و بات على غمر، فأصابه شي ء من الشيطان لم يدعه إلّا أن يشاء اللّه، و أسرع ما يكون الشيطان إلى الإنسان و هو على بعض هذه الحالات- الحديث-» (2).

و عنه (عليه السلام) أيضا: «إنّ الشيطان أشدّ ما يهم بالإنسان حين يكون وحده» (3).

و عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «لعن رسول اللّه ثلاثة: الآكل زاده وحده، و الراكب في الفلاة وحده، و النائم في بيت وحده» (4).

(20) لموثق سماعة قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يبيت في بيت وحده؟ فقال: إنّي لأكره ذلك و إن اضطر إلى ذلك فلا بأس، و لكن يكثر ذكر اللّه في منامه ما استطاع» (5).

و قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): «لو مات من بين المشرق

ص: 492


1- الوسائل باب: 17 من أبواب المساكن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب المساكن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب المساكن حديث: 3.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب المساكن حديث: 13.
5- الوسائل باب: 20 من أبواب المساكن حديث: 4.

(السابع): البناء فوق الكفاف و اتخاذ الأثاث أكثر من الحاجة (21).

(الثامن): أن لا يدخل بيتا مظلما إلّا بضياء (22).

______________________________

و المغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي» (1).

و أمّا قول الصادق (عليه السلام) لهشام: «الصبر على الوحدة علامة قوّة العقل» (2).

فمحمول على الاجتناب عن شرار الخلق لا الذين يستفاد منهم المعارف الدينية، فلا ربط له بالمقام.

(21) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «كلّ بناء ليس بكفاف، فهو وبال على صاحبه يوم القيامة» (3).

و عنه (عليه السلام) أيضا: «من بنى فوق ما يسكنه كلّف حمله يوم القيامة» (4).

و في صحيح حماد قال: «نظر أبو عبد اللّه (عليه السلام) إلى فراش في دار رجل، فقال: فراش للرجل، و فراش لأهله، و فراش لضيفه، و فراش للشيطان» (5).

و الظاهر أنّه مثال لكلّ ما يحتاج إليه الإنسان، و قد استثنى ثياب المرأة عن الكراهة.

(22) لجملة من الأخبار:

منها: قول النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): «إنّ اللّه تبارك و تعالى كره أن

ص: 493


1- الوسائل باب: 20 من أبواب المساكن حديث: 6.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب المساكن حديث: 6.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب المساكن حديث: 1.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب المساكن حديث: 3.
5- الوسائل باب: 23 من أبواب المساكن حديث: 1.

(التاسع): أن يبيت على سطح غير محجر (23).

(العاشر): مجاورة جار السوء (24).

مسألة 1: لا بأس بالصلاة في البيع و الكنائس

(مسألة 1): لا بأس بالصلاة في البيع و الكنائس (25) و إن لم

______________________________

يدخل البيت المظلم إلّا أن يكون بين يديه سراج أو نار» (1).

(23) للنصوص:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «نهى رسول اللّه أن يبات على سطح غير محجر» (2).

و غيره من الأخبار.

(24) لجملة من الأخبار:

منها: قول أبي جعفر (عليه السلام): من القواصم التي تقصم الظّهر جار السوء إن رأى حسنة أخفاها و إن رأى سيئة أفشاها» (3).

هذا قليل من كثير مما يتعلق بالمساكن، و يأتي التعرض لجملة منها في المحالّ المناسبة لها إن شاء اللّه تعالى.

(25) لأنّها إن كانت موضوعة لعبادة اللّه تعالى تكون كالمساجد، و بطلان عبادتهم لدينا لا يوجب زوال عنوان معبد اللّه تعالى عنها. هذا مضافا إلى النص و الإجماع، ففي صحيح العيص بن القاسم قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن البيع و الكنائس يصلّى فيها؟ قال (عليه السلام): نعم، و سألته هل يصلح بعضهما مسجدا؟ فقال (عليه السلام): نعم» (4).

و في خبر حكم بن الحكم قال: «سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول-

ص: 494


1- الوسائل باب: 11 من أبواب المساكن حديث: 5.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب المساكن حديث: 2.
3- الوسائل باب: 89 من أبواب العشرة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.

ترش (26)، و إن كان من غير إذن من أهلها كسائر مساجد

______________________________

و سئل عن الصلاة في البيع و الكنائس- فقال: صلّ فيها قد رأيتها ما أنظفها!! قلت: أ يصلّى فيها و إن كانوا يصلّون فيها؟ فقال (عليه السلام)، أ ما تقرأ القرآن قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا صلّ إلى القبلة و غربهم» (1).

و في خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن أبيه عن عليّ (عليهم السلام) قال: «لا بأس بالصلاة في البيعة و الكنيسة الفريضة و التطوع، و المسجد أفضل» (2).

و يظهر منه الفضل أيضا، و في خبر ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الصلاة في البيع و الكنائس و بيوت المجوس؟ فقال (عليه السلام): رشّ و صلّ» (3).

و يظهر من هذا الخبر ارتفاع الكراهة في بيوت المجوسي أن رش أيضا و تساوى الجميع في الكراهة قبله و عدمها بعده، فما الوجه في كراهة الصلاة فيها قبله دون البيع و الكنائس؟

قلت: العمدة في الكراهة في بيوت المجوس خبر أبي أسامة المتقدم (4)و هو نص في عدم البأس بالصلاة في بيت اليهودي و النصراني فيكون في معابدهم بالأولى.

(26) لظهور هذه النصوص في عدم الكراهة فيهما، بل ثبوت الفضل للصلاة فيهما، كما مرّ. و أمّا خبر عبد اللّه بن سنان المتقدم فيمكن حمله على استحباب الرش جمعا بين الأخبار المطلقة الظاهرة في عدم الكراهة مطلقا،

ص: 495


1- الوسائل باب: 13 من أبواب مكان المصلّي حديث: 3.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب مكان المصلّي حديث: 6.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.
4- تقدم في صفحة: 470.

المسلمين (27).

مسألة 2: لا بأس بالصلاة خلف قبور الأئمة عليهم السلام

(مسألة 2): لا بأس بالصلاة خلف قبور الأئمة (عليهم السلام) و لا عن يمينها و شمالها، و إن كان الأولى الصلاة عند جهة الرأس على وجه لا يساوي الإمام (عليه السلام) (28).

______________________________

و نسبة عدمها كذلك إلى الإجماع، كما في المنتهى.

(27) لأنّها من التحريرات المطلقة للعبادة، كما في المساجد. و الأحوط ترك هتكها و تنجيسها، بل تطهيرها إن تنجّست بما فيه الهتك.

(28) استفاضت النصوص على جواز ذلك، كما في الجواهر و غيره:

منها: ما في صحيح الحميري قال (عليه السلام): «و أما الصلاة فإنّها خلفه و يجعله الامام، و لا يجوز أن يصلّي بين يديه، لأنّ الإمام لا يتقدم و يصلّي عن يمينه و شماله» (1).

و في بعضها الأمر بذلك كما في خبر هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث طويل قال: «أتاه رجل فقال له: يا ابن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) هل يزار والدك؟ قال (عليه السلام): نعم، و يصلّى عنده، و قال: يصلّي خلفه و لا يتقدم عليه» (2).

فهي مستثناة من كراهة الصلاة إلى القبر ما لم يتخذ قبلة، على فرض ثبوت الكراهة.

ثمَّ على فرض تعميم الكراهة، فالصندوق و الضريح الشريفان من الحائل الرافع للكراهة. إلّا أن يقال بأنّهما من التوابع من هذه الجهة أيضا لا من الحائل. و على أي تقدير لا كراهة فيما زاد على مقدار طول القبر المقدس من زيادة الصندوق أو الضريح. و قد تقدم مزيد بيان لذلك، فراجع.

ص: 496


1- الوسائل باب: 26 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب مكان المصلّي حديث: 7.
مسألة 3: يستحب أن يجعل المصلّي بين يديه سترة

(مسألة 3): يستحب أن يجعل المصلّي بين يديه سترة (29).

إذا لم يكن قدامه حائط أو صف (30) للحيلولة بينه و بين من يمرّ بين

______________________________

(29) نصّا و إجماعا ففي صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام):

«كان طول رحل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) ذراعا فإذا كان صلّى وضعه بين يديه يستتر به ممن يمر بين يديه»(1).

و في صحيح معاوية بن وهب عنه (عليه السلام) أيضا قال: «كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يجعل العنزة بين يديه إذا صلّى» (2).

و في خبر السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) قال:

«قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إذا صلّى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل مؤخرة الرحل فإن لم يجد فحجرا، فإن لم يجد فسهما فإن لم يجد فليخط في الأرض بين يديه» (3).

و في خبر غياث عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «أنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) وضع قلنسوة و صلّى إليها» (4).

و الظاهر أنّ الترتيب من باب الأولوية لا التقييد الحقيقي، لأنّ القيود المذكورة في المندوبات من باب الأفضلية و تعدد المطلوب، كما ثبت في محلّه و عنه (عليه السلام)- أيضا- في صحيح أبي بصير: «لا يقطع الصلاة شي ء لا كلب و لا حمار و لا امرأة و لكن استتروا بشي ء، و إن كان بين يديك قدر ذراع رافع من الأرض فقد استترت، و الفضل في هذا أن تستتر بشي ء و تضع بين يديك ما تتقي به من المار، فإن لم تفعل فليس به بأس، لأنّ الذي يصلّي له المصلّي أقرب إليه ممن يمرّ بين يديه، و لكن ذلك أدب الصلاة و توقيرها (5).

(30) لعدم المعرضية العرفية للمرور معهما، و في قوله (صلّى اللّه عليه

ص: 497


1- الوسائل باب: 12 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب مكان المصلّي حديث: 4.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب مكان المصلّي حديث: 5.
5- الوسائل باب: 11 من أبواب مكان المصلّي حديث: 10.

يديه إذا كان في معرض المرور و إن علم بعدم المرور فعلا (31). و كذا إذا كان هناك شخص حاضر (32). و يكفي فيها عود أو حبل أو كومة تراب، بل يكفي الخطّ (33). و لا يشترط فيها الحلية و الطهارة (34).

و هي نوع تعظيم و توقير للصلاة، و فيها إشارة إلى الانقطاع عن الخلق و التوجه إلى الخالق.

مسألة 4: يستحب الصلاة في المساجد و أفضلها

(مسألة 4): يستحب الصلاة في المساجد (35) و أفضلها

______________________________

و آله) في خبر السكوني المتقدم: «بأرض فلاة» إشارة إلى عدم استحبابها مع الجدار و السعف.

(31) لإطلاق ما تقدم من الأخبار.

(32) و هو المنساق من الأدلة أيضا.

(33) لورود ذلك كلّه فيما تقدم من الأدلة، و قد ورد الكومة من التراب في خبر محمد بن إسماعيل عن الرضا (عليه السلام) (1)، و الظاهر أنّها من باب المثال فيحصل بالسبحة و العصا و نحوهما.

(34) للأصل و إطلاق الأدلة، بل لو خاط خيطا على السجادة بقصد السترة، فالظاهر كفايته و يمكن استفادة ذلك من الخط كما هو في خبر السكوني، و كذا لو كسر طرف السجادة بقصد السترة.

ثمَّ إنّ مقتضى ظواهر الأدلة كون السترة من الأمور القصدية، و لكن لا يبعد تحققها قهرا أيضا، فمن كان غافلا بالمرة عن الستر و وضع عصاءه فوق سجادته تتحقق به السترة و إن لم يقصدها. و يجوز أن يكون شي ء واحد طويل سترة لجمع من المصلّين. و يصح وقف شي ء لأن يتستر به.

(35) بضرورة من الدّين و نصوص مستفيضة من الفريقين فعن أبي سعيد الخدري عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) قال: «سبعة يظلّهم اللّه في ظلّه يوم لا

ص: 498


1- الوسائل باب: 12 من أبواب مكان المصلّي حديث: 3.

المسجد الحرام (36)، فالصلاة فيه تعدل ألف ألف صلاة (37)، ثمَّ

______________________________

ظلّ إلّا ظلّه: إمام عادل، و شاب نشأ في عبادة اللّه عزّ و جل، و رجل قلبه متعلق بالمسجد إذا خرج منه حتّى يعود إليه، و رجلان كانا في طاعة اللّه عزّ و جل فاجتمعا على ذلك و تفرقا، و رجل ذكر اللّه خاليا ففاضت عيناه، و رجل دعته امرأة ذات حسب و جمال، فقال: إنّي أخاف اللّه و رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما يتصدق بيمينه» (1).

و في خبر الأصبغ عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «كان يقول (عليه السلام) من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخا مستفادا في اللّه، أو علما مستطرفا، أو آية محكمة، أو يسمع كلمة تدل على هدى، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو يترك ذنبا خشية أو حياء»(2).

و في مرسل عليّ بن الحكم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «من مشى إلى المسجد لم يضع رجلا على رطب و لا يابس إلّا سبّحت له الأرض إلى الأرضين السابعة» (3).

(36) بإجماع المسلمين، و نصوص مستفيضة، ففي صحيح الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: «من صلّى في المسجد الحرام صلاة مكتوبة قبل اللّه منه كلّ صلاة صلّاها منذ يوم وجبت عليه الصلاة، و كلّ صلاة يصلّيها إلى أن يموت» (4).

(37) لجملة من الأخبار:

منها: خبر الفقيه قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «الصلاة في مسجدي كألف صلاة في غيره إلّا المسجد الحرام، فإنّ الصلاة في المسجد

ص: 499


1- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام المساجد حديث: 4.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.
4- الوسائل باب: 52 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.

مسجد النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و الصلاة فيه تعدل عشرة آلاف (38)، و مسجد الكوفة و فيه تعدل ألف صلاة (39)، و المسجد الأقصى و فيه

______________________________

الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي» (1).

و في خبر مسعدة بن صدقة عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): صلاة في مسجدي هذا تعدل عند اللّه عشرة آلاف صلاة في غيره من المساجد إلّا المسجد الحرام، فإنّ الصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة» (2).

و عن أبي ذر عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) في وصيته له قال (صلّى اللّه عليه و آله): «يا أبا ذر صلاة في مسجدي هذا تعدل مائة ألف صلاة في غيره من المساجد إلّا المسجد الحرام، و صلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره» (3).

و الاختلاف محمول على اختلاف المصلّين و حالاتهم و توجهاتهم.

(38) لما تقدم، و قد مرّ وجه الاختلاف أيضا.

(39) إجماعا و نصوصا:

منها: خبر المفضل بن عمر عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «صلاة في مسجد الكوفة تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد» (4).

و مثله خبر القلانسي (5)، و قد ورد في فضله أخبار كثيرة:

منها: أنّه روضة من رياض الجنة».

و منها: «أنّه صلّى فيه ألف نبيّ و سبعون نبيّا» (6).

ص: 500


1- الوسائل باب: 52 من أبواب أحكام المساجد حديث: 3.
2- الوسائل باب: 52 من أبواب أحكام المساجد حديث: 5.
3- الوسائل باب: 52 من أبواب أحكام المساجد حديث: 10.
4- الوسائل باب: 44 من أبواب أحكام المساجد حديث: 19.
5- الوسائل باب: 44 من أبواب أحكام المساجد حديث: 11 و 25.
6- الوسائل باب: 44 من أبواب أحكام المساجد حديث: 3.

تعدل ألف صلاة أيضا، ثمَّ مسجد الجامع و فيه تعدل مائة، و مسجد القبيلة و فيه تعدل خمسا و عشرين، و مسجد السوق و فيه تعدل اثني عشر (40). و يستحب أن يجعل في بيته مسجدا- أي: مكانا معدّا للصلاة فيه (41)

______________________________

و منها: «أنّه لو علم الناس ما فيه لأتوه و لو حبوا- أي مشيا على اليدين و الرجلين-» (1).

(40) للإجماع و النصوص، ففي خبر السكوني عن الصادق عن أبيه عن عليّ (عليه السلام) قال: «صلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة، و صلاة في المسجد الأعظم مائة صلاة، و صلاة في مسجد القبيلة خمس و عشرون صلاة، و صلاة في مسجد السوق اثنتا عشرة صلاة، و صلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة» (2).

و المراد بالمسجد الأعظم مسجد الجامع.

(41) لأخبار متواترة في موارد متفرقة:

منها: موثق حريز عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «اتخذ مسجدا في بيتك» (3).

و في موثق عبد اللّه بن بكير عنه (عليه السلام) أيضا قال: «كان عليّ (عليه السلام) قد اتخذ بيتا في داره ليس بالكبير و لا بالصغير، فكان إذا أراد أن يصلّي من آخر الليل أخذ معه صبيا لا يحتشم منه، ثمَّ يذهب إلى ذلك البيت فيصلّي» (4).

و نحوه موثق عبيد بن زرارة (5)، و في خبر مسمع قال: «كتب إليّ أبو

ص: 501


1- الوسائل باب: 44 من أبواب أحكام المساجد حديث: 3.
2- الوسائل باب: 64 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.
3- الوسائل باب: 69 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.
4- الوسائل باب: 69 من أبواب أحكام المساجد حديث: 3.
5- الوسائل باب: 69 من أبواب أحكام المساجد حديث: 6.

و أن لا يجري عليه أحكام المسجد (42). و الأفضل للنساء الصلاة في بيوتهنّ، و أفضل البيوت بيت المخدع أي بيت الخزانة في البيت (43).

______________________________

عبد اللّه (عليه السلام): إنّي أحب لك أن تتخذ في دارك مسجدا في بعض بيوتك، ثمَّ تلبس ثوبين طمرين غليظين ثمَّ تسأل اللّه أن يعتقك من النار و أن يدخلك الجنة، و لا تتكلّم بكلمة باطل و لا بكلمة بغي» (1).

أقول: و قد أدركنا جمعا من العلماء و الصالحين كانوا مقيدين بذلك.

(42) للأصل لأنّ اتخاذ محلّ خاص للصلاة أعم من تحقق عنوان المسجدية التي لها أحكام خاصة- من حرمة التنجيس و وجوب التطهير و نحو ذلك- إذ كلّ ذلك تتوقف على فك الملك بعنوان المسجدية، و المفروض عدم تحقق ذلك.

ثمَّ إنّه وردت في مسجد السهلة (2)، و مسجد الخيف (3)، و مسجد براثا (4) فضائل كثيرة، و لكنّي لم أجد ما يدل على زيادة فضل الصلاة فيها على سائر المساجد المتعارفة، كما إنّي لم أظفر بما شاع من الصلاة ليلة الأربعاء بالخصوص في مسجد السهلة، و إن ورد فيما بين العشاءين (5). لكن في حاشية الجواهر: «سيّما إذا كان ذلك ليلة الأربعاء، لما في بالي بعض الروايات لم تحضرني الآن».

(43) للنصوص و الإجماع:

منها: قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «صلاة المرأة وحدها في بيتها

ص: 502


1- الوسائل باب: 69 من أبواب أحكام المساجد حديث: 6.
2- راجع الوسائل باب: 49 من أبواب أحكام المساجد.
3- راجع الوسائل باب: 50 من أبواب أحكام المساجد.
4- راجع الوسائل باب: 62 من أبواب أحكام المساجد.
5- الوسائل باب: 49 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.

.....

______________________________

كفضل صلاتها في الجمع و عشرين درجة» (1).

و في صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها، و صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار» (2).

و في خبر يونس بن ظبيان عنه (عليه السلام) أيضا: «خير مساجد نسائكم البيوت» (3).

و المراد بالمسجد: المسجد الذي يمكنها الصلاة فيها عرفا، سواء كان مسجد السوق أو القبيلة أو الجامع أو مسجد الحرام أو النبوي، للإطلاق الشامل للجميع، فعلى هذا لو كانت امرأة من أهل الكوفة مثلا و أمكنها الصلاة في مسجد الكوفة بسهولة و صلّت في بيتها تكون صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في مسجد الكوفة، و هكذا.

فروع- (الأول): ثواب الصلاة في مسجد الحرام و النبوي و سائر المساجد يشمل الزيادات الحاصلة فيها في كلّ عصر، لتعلق الحكم على عنوان المسجدية و هو قابل للزيادة بحسب الأعصار، مع أنّ الزيادة حصلت إلى زمان الصادقين (عليهم السلام) و لم يستنكروا ذلك، بل أقروا الناس عليه، بل ورد أنّ تخطيط إبراهيم (عليه السلام) المسجد الحرام كان أوسع بكثير ففي صحيح جميل بن دراج قال: «قال له الطيار- و أنا حاضر-: هذا الذي زيد هو من المسجد؟ فقال (عليه السلام): نعم، إنّهم لم يبلغوا بعد مسجد إبراهيم و إسماعيل (عليهما السلام)» (4).

و في بعض الروايات: إنّ خطّ إبراهيم (عليه السلام) كان إلى المسعى (5)، و مقتضى الإطلاق عدم تحديد الثواب بحد خاص من المكان و قدر معيّن منه بعد تعلق الحكم على عنوان المسجد الحرام، فكما يجري جميع أحكام المسجد

ص: 503


1- الوسائل باب: 30 من أبواب أحكام المساجد حديث: 5.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب أحكام المساجد حديث: 4.
4- الوسائل باب: 55 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.
5- الوسائل باب: 55 من أبواب أحكام المساجد حديث: 4.

.....

______________________________

من وجوب التطهير، و حرمة التنجيس و غيرها على ما زيد فكذلك الثواب، مع أنّه الأنسب لسعة رحمة اللّه تعالى.

(الثاني): يعم الثواب جميع أمكنة المسجد و إن كان الأفضل في المسجد الحرام الحطيم- و هو ما بين الحجر الأسود و باب البيت الشريف، و كذا المقام و الحجر، و في المسجد النبوي الروضة. و الأفضل في سائر المساجد المكان الذي تكثر فيه الصلاة بالنسبة إلى غيره، أو المكان الذي صلّى فيه معصوم، أو من يتلو تلوه، كمقامات مسجد الكوفة و السهلة و نحوهما، و لو أرادت المرأة الصلاة في مكان خاص من المسجد يزيد ثوابه على سائر أمكنة المسجد و مع ذلك صلّت في بيتها تؤتى ذلك الثواب الذي قصدته مع الزيادة.

(الثالث): لا فرق في بيت المرأة التي تكون صلاتها فيه أفضل بين أن يكون ملكا لها أو لزوجها أو لغيره، و بين أن يكون إجارة أو تبرعا سواء كانت مدة الإجارة قصيرة أو طويلة، كلّ ذلك للإطلاق الشامل للجميع، فعلى هذا الزائرة التي تتشرف لزيارة المشاهد المشرفة تكون صلاتها في البيت الذي وردت فيه أفضل من صلاتها في الرواق، أو المسجد الحرام، و لكن لو خالفت و صلّت في المسجد تؤتى ثواب الصلاة في ذلك المسجد و إن نقص عن ثواب الصلاة في بيتها، لظهور الأدلة في أنّ التحديد بالنسبة إلى الأفضلية لا أصل الثواب، و لا فرق في صلاتها بين الفريضة و النافلة المرتبة و غيرها، بل إتيان النوافل و الصلوات المندوبة أفضل حتّى للرجل على ما يأتي في ختام (فصل في جميع الصلوات المندوبة)، و لا فرق بين كون المسجد التي تريد أن تذهب إليه محلا لصلاة الجماعة أو لا، و لا بين أن تكون جارة المسجد أو لا، للإطلاق الشامل للجميع.

(الرابع): مقتضى الإطلاق أفضلية صلاتها في بيتها عن إتيانها الصلاة جماعة في غير بيتها، مع إطلاق ما ورد من أنّه لا جماعة على النساء (1).

ص: 504


1- الوسائل باب: 20 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
مسألة 5: يستحب الصلاة في مشاهد الأئمة عليهم السلام

(مسألة 5): يستحب الصلاة في مشاهد الأئمة (عليهم السلام) و هي البيوت التي أمر اللّه تعالى أن ترفع و يذكر فيها اسمه، بل هي أفضل من المساجد (44)، بل قد ورد في الخبر أنّ الصلاة عند عليّ (عليه السلام) بمائتي ألف صلاة (45). و كذا يستحب في روضات الأنبياء و مقام الأولياء و الصلحاء و العلماء و العباد، بل الأحياء منهم أيضا (46).

مسألة 6: يستحب تفريق الصلاة في أماكن متعددة

(مسألة 6): يستحب تفريق الصلاة في أماكن متعددة، لتشهد

______________________________

(44) ففي موثق ابن أبي عمير قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) إنّي لأكره الصلاة في مساجدهم، فقال: لا تكره فما من مسجد بني إلّا على قبر نبيّ أو وصيّ نبيّ قتل فأصاب تلك البقعة رشة من دمه فأحبّ اللّه أن يذكر فيها، فأدّ فيها الفريضة و النوافل و اقض ما فاتك» (1).

و حيث إنّ أوصياء خاتم الأنبياء أفضل من غيرهم من الأنبياء و الأوصياء يستلزم ذلك أفضلية مشاهدهم الشريفة من سائر المساجد التي بنيت على دمائهم.

(45) ذكر ذلك في نجاة العباد، و في كتاب تحفة العالم، و نسب إلى الصدوق في كتاب مدينة العلم.

(46) لأنّ شرف المكان بالمكين، و فضله بفضل من حلّ فيه و هذا من مرتكزات ذوي العقول في الجملة فيرون لمقامات العلماء و الصلحاء و الأولياء من الفضيلة و الشرف ما لا يرون لغيرها و لا اختصاص لذلك بملة دون أخرى، بل يعمّ جميع الملل و الأديان في كلّ زمان و مكان بالنسبة إلى ذوي فضلهم و صلاحهم في ملتهم.

ص: 505


1- الوسائل باب: 21 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.

له يوم القيامة، ففي الخبر: «سأل الراوي أبا عبد اللّه (عليه السلام) يصلّي الرجل نوافله في موضع أو يفرقها؟ قال (عليه السلام): «لا بل ها هنا و ها هنا، فإنّها تشهد له يوم القيامة»، و عنه (عليه السلام):

«صلّوا من المساجد في بقاع مختلفة فإنّ كلّ بقعة تشهد للمصلّي عليها يوم القيامة».

مسألة 7: يكره لجار المسجد أن يصلّي في غيره لغير علّة كالمطر

(مسألة 7): يكره لجار المسجد أن يصلّي في غيره لغير علّة كالمطر قال النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): «لا صلاة لجار المسجد إلا في مسجده» و يستحب ترك مؤاكلة من لا يحضر المسجد و ترك مشاربته و مشاورته (47) و مناكحته و مجاورته.

مسألة 8: يستحب الصلاة في المسجد الذي لا يصلّى فيه

(مسألة 8): يستحب الصلاة في المسجد الذي لا يصلّى فيه، و يكره تعطيله، فعن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «ثلاثة يشكون إلى اللّه عزّ و جل مسجد خراب لا يصلّي فيه أهله، و عالم بين جهال،

______________________________

(47) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «رفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة أنّ قوما من جيران المسجد لا يشهدون الصلاة جماعة في المسجد فقال (عليه السلام): ليحضرنّ معنا صلاتنا جماعة، أو ليتحولنّ عنا و لا يجاورونا و لا نجاورهم»(1).

و عنه (عليه السلام): «إنّ قوما لا يحضرون الصلاة معنا في مساجدنا، فلا يؤاكلونا، و لا يشاربونا، و لا يشاورونا، و لا يناكحونا و لا يأخذوا من فيئنا شيئا، أو يحضروا معنا صلاتنا جماعة و إنّي لأوشك أن آمر لهم بنار تشعل في دورهم، فأحرق عليهم أو ينتهون قال: فامتنع المسلمون عن مؤاكلتهم، و مشاربتهم و مناكحتهم حتّى حضروا الجماعة مع المسلمين» (2).

ص: 506


1- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام المساجد حديث: 7.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام المساجد حديث: 9.

و مصحف معلّق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه».

مسألة 9: يستحب كثرة التردد إلى المساجد

(مسألة 9): يستحب كثرة التردد إلى المساجد، فعن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): «من مشى إلى مسجد من مساجد اللّه فله بكلّ خطوة خطاها حتّى يرجع إلى منزله عشر حسنات و محي عنه عشر سيئات و رفع له عشر درجات».

مسألة 10: يستحب بناء المسجد و فيه أجر عظيم

(مسألة 10): يستحب بناء المسجد و فيه أجر عظيم قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «من بنى مسجدا في الدنيا أعطاه اللّه بكلّ شبر منه مسيرة أربعين ألف عام مدينة من ذهب و فضة و لؤلؤ و زبرجد»، و عن الصادق (عليه السلام): «من بنى مسجدا بنى اللّه له بيتا في الجنة».

مسألة 11: الأحوط إجراء صيغة الوقف بقصد القربة

(مسألة 11): الأحوط إجراء صيغة الوقف بقصد القربة في صيرورته مسجدا بأن يقول: (وقفته قربة إلى اللّه تعالى) لكن الأقوى كفاية البناء بقصد كونه مسجدا مع صلاة شخص واحد فيه بإذن الباني، فيجري عليه حينئذ حكم المسجدية و إن لم يجر الصيغة (48).

______________________________

(48) لجريان السيرة على المعاطاة في المساجد و أجزائها و آلاتها قديما و حديثا، مع أنّها مطابقة للقاعدة إلّا أن يدل دليل على الخلاف و لا دليل على الخلاف في المقام إلّا دعوى الشهرة و الإجماع على اعتبار الصيغة فيه و الاعتماد عليهما في مقابل الإطلاقات و العمومات الشاملة للمعاطاة في الوقف مشكل، و لا فرق في ذلك بين كون الوقف من العقود أو من الإيقاع، لجريان السيرة على المعاطاة فيه على كلّ من التقديرين، و منه يظهر وجه الاحتياط في إجراء الصيغة، و على فرض اعتبارها لا دليل على تعيين لفظ خاص، فيكفي كلّ ما له ظهور عرفي في الوقف مطلقا.

ص: 507

مسألة 12: الظاهر أنّه يجوز أن يجعل الأرض فقط مسجدا دون البناء و السطح

(مسألة 12): الظاهر أنّه يجوز أن يجعل الأرض فقط مسجدا دون البناء و السطح و كذا يجوز أن يجعل السطح فقط مسجدا أو يجعل بعض الغرفات أو القباب أو نحو ذلك خارجا فالحكم تابع لجعل الواقف و الباني في التعميم و التخصيص (49)، كما إنّه كذلك بالنسبة إلى عموم المسلمين أو طائفة دون أخرى على الأقوى (50).

______________________________

(49) كلّ ذلك لإطلاقات أدلة الوقوف، و عموماتها، و أنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

(50) للإطلاقات، و أصالة عدم اعتبار قيد خاص، و لأنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

و استدل على بطلان التخصيص بوجوه:

الأول: أنّه خلاف المتيقن من الأدلة. و فيه: أنّ الدليل ليس لبيا حتّى يقتصر فيه على المتيقن، بل هو لفظي يؤخذ بعمومه و إطلاقه.

الثاني: منافاة الخصوصية للمسجدية. و فيه: أنّه أول الدعوى و عين المدّعى.

الثالث: ظهور التسالم عليه، بل هو خلاف مرتكزات المتشرعة. و فيه:

أنّ الأول لم يبلغ حدّ الإجماع حتّى يعتمد عليه، و الثاني لأجل أنّ ما بني من المساجد في الإسلام بني عاما، فحصل الارتكاز من ذلك و لا اعتبار بمثله.

الرابع: أنّ الوقف من التحرير، و لا يتصوّر التخصيص فيه. و فيه: أنّه مناف لقاعدة سلطنة الناس على أموالهم التي هي من القواعد العقلائية الممضاة شرعا. نعم، دل في العتق بعض الأدلة على عدم التخصيص فيه و ذلك لا يستلزم جريانه في جميع موارد التحرير، مع أنّ التخصص التكويني حاصل قهرا، لجملة من المساجد، إذ ربّ مسجد في محلّ لا يصلّي فيه غير أهل ذلك المحلّ، لعدم الابتلاء من جهة كثرة المساجد في كلّ محلّ و اللّه العالم.

ص: 508

مسألة 13: يستحب تعمير المسجد إذا أشرف على الخراب

(مسألة 13): يستحب تعمير المسجد إذا أشرف على الخراب (51) و إذا لم ينفع يجوز تخريبه و تجديد بنائه، بل الأقوى جواز

______________________________

فروع- (الأول): بناء على بطلان التخصيص لو خصص في المسجد، فإن كان بنحو وحدة المطلوب يبطل أصل الوقف و إن كان بنحو تعدد المطلوب يبطل التخصيص و يصح الوقف، و الظاهر هو الأخير إلّا إذا كانت قرينة في البين على الأول.

(الثاني): التخصيص تارة: بأشخاص خاصة- كأهل التقوى مثلا- و أخرى: بزمان خاص كاليوم- مثلا- دون الليل. و ثالثة: بعبادة خاصة كالصلاة مثلا دون باقي العبادات. و رابعة: بأهل مكان خاص كأهل القرية فقط مثلا، و مقتضى الأصل و إطلاق أنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها صحة الجميع.

(الثالث): لا ريب في أنّ الرياء في الوقف مسجدا كان أو غيرها موجب لبطلانه، فيبقى الملك باقيا على ملك مالكه، و هل يعتبر القربة في تحققه أو لا؟

نسب إلى المشهور الأول و لا دليل لهم يصح الاعتماد عليه من عقل أو نقل، فمقتضى الأصل عدم اعتباره في تحقق الوقفية، بل و لا في الأجر و الثواب أيضا إذ التبرعيات مطلقا خيرات و حسنات و هما من موجبات الثواب ما لم يقصد الرياء، فإنّ من عمل مثقال ذرة خيرا يره، و إنّ اللّه لا يضيع أجر من أحسن عملا، و على هذا يشكل بطلانه بالرياء لأنّه إنّما يوجب البطلان فيما تقوّم بقصد القربة و لم يقم دليل على تقويم المسجدية بذلك.

(الرابع): هل يجوز جعل البناء فقط مسجدا دون الأرض أو لا؟ الظاهر هو الأخير، لعدم معهودية ذلك بين الناس و انصراف الإطلاق عنه.

(51) نصّا، و إجماعا، فعن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: «إنّ اللّه إذا أراد أن يصيب أهل الأرض بعذاب قال: لو لا الذين يتحابون بجلالي، و يعمرون مساجدي، و يستغفرون بالأسحار، لأنزلت عذابي» (1).

ص: 509


1- الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام المساجد حديث: 5.

تخريبه مع استحكامه لإرادة توسيعه من جهة حاجة الناس (52).

______________________________

(52) كلّ ذلك للأصل، و لأنّه حينئذ إحسان محض، و ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ، و لسيرة المسلمين قديما و حديثا، و لخبر ابن سنان (1) عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) بنى مسجده بالسميط ثمَّ إنّ المسلمين كثروا، فقالوا. يا رسول اللّه لو أمرت بالمسجد فزيد فيه، فقال: نعم، فزيد فيه و بناه بالسعيدة، ثمَّ إنّ المسلمين كثروا فقالوا: يا رسول اللّه لو أمرت بالمسجد فزيد فيه، فقال: نعم، فأمر به فزيد فيه و بنى جداره بالأنثى و الذكر، ثمَّ اشتد عليهم الحر، فقالوا يا رسول اللّه لو أمرت بالمسجد فظلّل، فقال: نعم، فأمر به فأقيمت فيه من جذوع النخل ثمَّ طرحت عليه العوارض و الخصف و الإذخر، فعاشوا فيه حتّى أصابتهم الأمطار، فجعل المسجد يكف عليهم فقالوا: يا رسول اللّه لو أمرت بالمسجد فطيّن، فقال لهم رسول اللّه: لا، عريش كعريش موسى فلم يزل كذلك حتّى قبض (صلّى اللّه عليه و آله) و كان جداره قبل أن يظلّل قامة- الحديث-».

ص: 510


1- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.

فصل في أحكام المساجد

اشارة

(فصل في أحكام المساجد)

الأول: يحرم زخرفته أي تزيينه بالذهب

(الأول): يحرم زخرفته أي تزيينه بالذهب (53)، بل الأحوط ترك (فصل في أحكام المساجد)

______________________________

(53) على المشهور، و استدل له تارة: بأنّ التزيين بالذهب من أجلى مظاهر الدنيا و بيوت اللّه تعالى أجلّ من يتحلّى بحليّ الدنيا و أخرى: بأنّه إسراف. و ثالثة: بأنّه بدعة. و رابعة: بجملة من الأخبار العامية: مثل ما روى:

«إنّ من أشراط الساعة زخرفة المساجد» (1).

و «أنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) لم يدخل الكعبة حتّى أمر بالزخرفة نحي» (2).

و الكل مخدوش إذ الأول استحسان محض. و الثاني لا موضوع له مع الغرض الصحيح كتعظيم الشعائر. و الثالث لا وجه له في مقابل الأصل، و ما دل على تعظيم الشعائر. و الأخير قاصر سندا و دلالة. نعم، حيث إنّ تزيين البيوت بالذهب من صنع الجبابرة و المترفين، و مما يوجب الترغيب إلى الدنيا الدنية لا يناسب ذلك بيوت اللّه التي وضعت للترغيب إلى الآخرة، و لا تناسب الدنيا بوجه، بل لا بد و أن يكون «عريشا كعريش موسى» (3)، مع ما ورد من «أنّ اللّه جعل الذهب في الدنيا زينة النساء» (4)، فتجلّ المعابد أن تشبّه بهنّ و هذا المقدار

ص: 511


1- سنن البيهقي ج 2 صفحة: 439.
2- سنن البيهقي ج 2 صفحة: 439.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام المساجد حديث: 4.
4- الوسائل باب: 30 من أبواب لباس المصلّي حديث: 5.

نقشه بالصور (54).

الثاني: لا يجوز بيعه و لا بيع آلاته

(الثاني): لا يجوز بيعه و لا بيع آلاته و إن صار خرابا و لم يبق آثار مسجديته و لا إدخاله في الملك و لا في الطريق، فلا يخرج عن المسجدية أبدا (55)، و تبقى الأحكام من حرمة تنجيسه و وجوب

______________________________

يكفي في حصول الاطمئنان بالحكم.

(54) نسب إلى المشهور الحرمة فيه أيضا، لجملة مما مرّ و مرت المناقشة فيها و استدل أيضا بأنّ التصوير مطلقا مرجوح، ففي المسجد يكون بالأولى، و بخبر عمرو بن جميع قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصلاة في المساجد المصوّرة فقال: أكره ذلك، و لكن لا يضرّكم ذلك اليوم، و لو قد قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك» (1).

و هما كما ترى لا يدلّان على الحرمة خصوصا مع ضعف سند الأخير، و لذا ذهب جمع إلى الكراهة.

(55) لاستصحاب المسجدية، و إجماع الفقهاء، و سيرة المتشرّعة، و اقتضاء وقف مثل المسجد التأبيد ما دامت السماوات و الأرض، و الظاهر أنّ الحكم كذلك في جميع معابد أهل الملل و الأديان في مللهم و أديانهم كما إنّ الظاهر عدم الفرق في ذلك بين الأراضي المفتوحة عنوة و بين غيرها، و تبعية الأرض للآثار في الأولى و رجوعها بعد زوال الأثر إلى ملك المسلمين إنّما هو فيما إذا لم يكن الأثر مبنيا على التأييد و الخلود و إلّا فتكون الأرض تابعة لهذه الجهة التأبيدية، فيحدث فيها حق اللّه تعالى و هو غير قابل للزوال ما دامت الأرض موجودة، فلا موضوع لرجوع الأرض بعد زوال الآثار إلى المسلمين لفرض بقاء حق اللّه، بل حق المصلّين فيها و انتفاعهم و لو لم يكن إلّا أصالة بقاء هذا الحق لكفى.

ص: 512


1- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.

احترامه (56) و تصرف آلاته في تعميره و إن لم يكن معمّرا تصرف في مسجد آخر (57) و إن لم يمكن الانتفاع بها أصلا يجوز بيعها و صرف القيمة في تعميره أو تعمير مسجد آخر (58).

الثالث: يحرم تنجيسه
اشارة

(الثالث): يحرم تنجيسه (59)

______________________________

و توهم: أنّه مردد في المفتوح عنوة بين ما هو باق قطعا، أو زائل كذلك، فلا وجه للأصل.

مردود: بما ثبت في محلّه من صحة الاستصحاب في مثل المورد، فراجع.

(56) لأنّ هذه الأحكام تابعة لبقاء الموضوع و المفروض بقاؤه، فينطبق الحكم عليه قهرا.

(57) أما صرفها في تعميره مع الاحتياج، فلأولويتها عرفا إن لم يوجد متبرع بما يحتاج إليه و إلّا فالظاهر جواز صرفها حينئذ في مسجد آخر. و أما صرفها في مسجد آخر مع عدم الاحتياج، فلأنّه أقرب إلى الوقف، و لدوران الأمر بين التعطيل و البيع و الصرف في مسجد آخر و الأخير هو المتعيّن و لا أقلّ من احتماله. نعم، لو احتاج المسجد إلى تبديل آلاته بشي ء آخر يحتاج إليه، فالظاهر تقدمه على الصرف في المسجد الآخر.

(58) لأنّه حينئذ من إحدى موارد جواز بيع الوقف و يأتي تفصيله في كتاب البيع و الوقف إن شاء اللّه تعالى.

(59) بضرورة المذهب إن لم تكن من الدّين، و في النبويّ «جنّبوا مساجدكم النجاسة» (1).

و في الخبر (2): «تعاهدوا نعالكم عند أبواب المساجد».

ص: 513


1- الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام المساجد حديث: 3.

و إذا تنجس يجب إزالتها (60) فورا (61)، و إن كان في وقت الصلاة مع سعته (62). نعم، مع ضيقه تقدم الصلاة (63). و لو صلّى مع السعة أثم لكن الأقوى صحة صلاته (64).

و لو علم بالنجاسة أو تنجس في أثناء الصلاة لا يجب القطع (65) للإزالة و إن كان في سعة الوقت، بل يشكل جوازه (66). و لا بأس بإدخال النجاسة غير المتعدية إلّا إذا كان موجبا للهتك كالكثيرة من

______________________________

(60) إجماعا، و لقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ (1).

بضميمة عدم الفصل بين المشرك و غيره من النجاسات و المسجد الحرام و غيره من سائر المساجد.

(61) لظهور الإجماع على الفورية، و تقدم في [مسألة 2] من كتاب الطهارة (فصل يشترط في صحة الصلاة) ما يتعلق بالمقام، فراجع.

(62) لدوران الأمر حينئذ بين الإتيان بما هو فوريّ و ما هو موسع و لا ريب في لزوم تقديم الأول، لكونه أهمّ.

(63) لأهمية الصلاة حينئذ من الإزالة إجماعا.

(64) أما الإثم، فلترك الواجب عمدا. و أما صحة الصلاة، فلما ثبت في محلّه من أنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النّهي عن ضده.

(65) لعدم منافاة إتمام الصلاة للفورية العرفية كما هو الغالب في نوع الصلوات.

(66) بل لا يجوز مع عدم المنافاة للفورية العرفية و تقدم منه (رحمه اللّه) الفتوى بعدم الجواز في مسألة من (فصل يشترط في صحة الصلاة) و يأتي منه

ص: 514


1- سورة التوبة: 28.

العذرة اليابسة (67) مثلا.

و إذا لم يتمكن من الإزالة بأن احتاجت إلى معين و لم يكن سقط وجوبها (68). و الأحوط إعلام الغير إذا لم يتمكن و إذا كان جنبا و توقف الإزالة على المكث فيه فالظاهر عدم وجوب المبادرة إليها، بل يؤخرها إلى ما بعد الغسل (69)، و يحتمل وجوب التيمم و المبادرة إلى الإزالة (70).

مسألة 1: يجوز أن يتخذ الكنيف و نحوه من الأمكنة التي عليها البول و العذرة و نحوهما مسجدا

(مسألة 1): يجوز أن يتخذ الكنيف و نحوه من الأمكنة التي عليها البول و العذرة و نحوهما مسجدا (71)، بأن يطمّ و يلقى عليها التراب النظيف.

______________________________

(رحمه اللّه) استظهار عدم الجواز في فصل عدم جواز قطع الفريضة [مسألة 2].

(67) تقدم وجهه في [مسألة 2] من فصل يشترط في صحة الصلاة من كتاب الطهارة فراجع.

(68) لعدم القدرة التي تعتبر في التكليف مطلقا، و تقدم ما يتعلق بوجوب الاعلام في كتاب الطهارة فراجع.

(69) لأنّ العذر الشرعي كالعقلي، و لكن تجب المبادرة مهما أمكن.

(70) لعمومات بدلية التيمم عن الطهارة المائية الشاملة للمقام أيضا و لا مانع في البين إلّا دعوى أن دليل فورية الإزالة إنما هو الإجماع و المتيقن فيه غير المقام مع الشك في شمول دليل البدلية له. و الأول مردود لعموم معقده.

و الثاني لعموم دليلها. هذا إذا كان زمان التيمم أقصر من زمان الغسل. و أما إذا كان مساويا أو كان زمان الغسل أقصر يجب الغسل و الإزالة فورا. و تقدم في أحكام النجاسات ما له نفع في المقام فراجع.

(71) إجماعا، و نصوصا:

منها: خبر الحلبي قال لأبي عبد اللّه (عليه السلام): «يصلح المكان الذي

ص: 515

.....

______________________________

كان حشا زمانا أن ينظف و يتخذ مسجدا؟ فقال: نعم، إذا ألقى عليه من التراب ما يواريه فإنّ ذلك ينظفه و يطهره» (1). و إطلاقه يشمل صورة بقاء عين النجاسة في الباطن، فيكون المراد بالتنظيف و التطهير بالنسبة إلى الظاهر فقط، و في مرسل الصدوق: «سئل أبو الحسن الأول (عليه السلام) عن بيت قد كان حشا زمانا هل يصلح أن يجعل مسجدا؟ فقال: إذا نظّف و أصلح فلا بأس» (2).

و يمكن أن يستفاد منه وجوب التطهير أولا ثمَّ بناء المسجد، و عن أبي الجارود قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المكان يكون خبيثا ثمَّ ينظف و يجعل مسجدا؟ قال: يطرح عليه من التراب حتّى يواريه، فهو أطهر» (3).

و عن محمد بن مضارب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا بأس بأن يجعل على العذرة مسجدا» (4).

و عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد (عليه السلام): «أنّه سئل أ يصلح مكان حش أن يتخذ مسجدا؟ فقال: إذا ألقي عليه من التراب ما يواري ذلك و يقطع ريحه فلا بأس، و ذلك لأنّ التراب يطهره و به مضت السنة» (5).

و عن ابن سنان عنه (عليه السلام) أيضا: «عن المكان يكون حشا زمانا فينظّف و يتخذ مسجدا، فقال (عليه السلام): ألق عليه من التراب حتّى يتوارى فإنّ ذلك يطهره إن شاء اللّه» (6).

و ظهور إطلاق هذه الأخبار في المدعى مما لا ينكر.

و أشكل عليه تارة: بأنّ المراد بالتنظيف في كلام السائل إنّما هو التطهير الاصطلاحي، و كذا المراد بالإصلاح في خبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام): «سألته عن بيت كان حشا زمانا هل يصلح أن يجعل مسجدا؟ قال (عليه السلام): إذا نظّف و أصلح فلا بأس» (7).

ص: 516


1- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام المساجد حديث: 3.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام المساجد حديث: 6.
5- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام المساجد حديث: 5.
6- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام المساجد حديث: 4.
7- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام المساجد حديث: 7.

و لا تضرّ نجاسة الباطن في هذه الصورة (72) لكن الأحوط إزالة النجاسة أولا، أو جعل المسجد خصوص المقدار الطاهر من الظاهر (74).

الرابع: لا يجوز إخراج الحصى منه

(الرابع): لا يجوز إخراج الحصى منه (75) و إن فعل رده إلى

______________________________

و أخرى: بأنّه يمكن أن يكون ذلك بعد تحقق الاستحالة فتطهر حينئذ لا محالة.

و ثالثة: أنّه يمكن أن يكون المراد جعل المسجد خصوص السطح الظاهر من التراب دون الجميع.

و فيه: أنّ جميع ذلك خلاف ظهور الإطلاق، كما لا يخفى، و كلّ ذلك من التشكيك الموهوم، بل قد نسب إلى الأردبيلي (قدّس سرّه) عدم حرمة تنجيس باطن المسجد.

و قد يقال: بأنّ ما يدل على حرمة تنجيس المسجد إنّما هو فيما إذا عرضت النجاسة على المسجد، فلا يشمل العكس، و حينئذ يكفينا في المقام نفس الإطلاقات الأولية المرغبة إلى اتخاذ المسجد من دون حاجة إلى دليل خاص فوردت الأدلة الخاصة مطابقة للقاعدة لا مخالفة لها و هو حسن لا بأس به.

(72) لما تقدم من النصوص.

(73) للإطلاق، و الاتفاق الدال على الحرمة.

(74) ظهر مما تقدم وجه الاحتياط.

(75) الحصى إما جزء من الوقف، أو أتي بها في المسجد لغرض كالسجود عليه مثلا، أو من القمامة، أو مشكوك في أنّها من أي الأقسام.

و الأول حكمها حكم سائر أجزاء الوقف، فلا يجوز أخذها و إخراجها من المسجد، لأدلّة حرمة التصرّف في الوقف و يجب ردّها إليه إلّا مع استغنائه

ص: 517

.....

______________________________

عنها، فيرد إلى مسجد آخر، كما تقدم.

و أما الثاني: فإن أحرز أنّها وقفت لمسجد خاص فحكمها حكم القسم الأول، و إن لم يحرز ذلك بل علم أنّها وقفت للسجود عليها في المسجد مطلقا و كان وضعها في مسجد خاص من باب إحدى المصاديق، فلا ريب في عدم جواز أخذها لفرض كونها وقفا و إن أخذت يجب ردها إلى محلها أو مسجد آخر، لفرض كونها وقفت للوضع في المسجد- أي مسجد كان- و الظاهر أنّ هذا القسم هو مراد الفقهاء من تعرضهم لهذا الفرع.

و أما الثالث: فلا ريب في استحباب إخراجها للنصوص الدالة على استحباب إخراج القمامة من المسجد، كما يأتي.

و أما الرابع: فمقتضى الأصل جواز إخراجها و عدم وجوب ردها إن لم تكن قرينة في البين على أنّها من أحد الأولين.

و هناك قسم خامس و هو ما إذا علم أنّها ليست من القسم الأول، بل وقفت للسجود عليها في المسجد، و لكن ترددت بين كونها وقفت لمسجد خاص أو لمطلق المساجد، و مقتضى الأصل عدم وجوب الرد إلى المسجد الأول لو لم تكن قرينة على الخلاف، و يجوز الوضع في مسجد آخر. فلا يجوز أخذه، للوقفية، و يجوز الوضع في أي مسجد شاء لأصالة البراءة هذا حكم المسألة بحسب الأصول العملية.

و أما الأخبار: فمنها: خبر الشحام قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): أخرج من المسجد حصاة؟ قال (عليه السلام): فردها أو اطرحها في مسجد» (1).

و يمكن تطبيقها على القسم الأخير.

و منها: خبر معاوية بن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إنّي أخذت سكا من سك المقام و ترابا من تراب البيت و سبع حصيات، فقال

ص: 518


1- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام المساجد حديث: 3.

ذلك المسجد أو مسجد آخر (76)، نعم، لا بأس بإخراج التراب الزائد المجتمع بالكنس أو نحوه (77).

الخامس: لا يجوز دفن الميت في المسجد

(الخامس): لا يجوز دفن الميت في المسجد

______________________________

(عليه السلام): بئس ما صنعت، أما التراب و الحصى فرده» (1).

و يمكن كونه من القسم الأول فلا ربط له بالمقام.

و منها: خبر محمد بن مسلم قال: «سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام):

يقول لا ينبغي لأحد أن يأخذ من تربة ما حول الكعبة، و إن أخذ من ذلك شيئا ردّه» (2).

و لا يمكن التمسك به للوجوب، لأنّ لفظ لا ينبغي أعمّ منه.

و منها: خبر وهب عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) قال: «إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردها مكانها أو في مسجد آخر فإنّها تسبّح» (3).

و هو قاصر سندا و دلالة بقرينة التعليل عن إفادة الوجوب، و لذا ذهب جمع من الفقهاء إلى استحباب الرد إلّا في مورد اقتضت القاعدة ردها.

(76) ظهر مما تقدم أنّ إطلاقه ممنوع كإطلاق ما مرّ من الأخبار.

(77) إجماعا و نصّا، ففي خبر سلام بن غانم عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) قال: «من قمّ مسجدا كتب اللّه له عتق رقبة، و من أخرج منه ما يقذي عينا كتب اللّه عزّ و جل له كفلين من رحمته» (4).

و في خبر عبد الحميد عن أبي إبراهيم قال: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): من كنس المسجد يوم الخميس ليلة الجمعة فأخرج منه من التراب ما يذرّ في العين غفر اللّه له» (5).

ص: 519


1- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام المساجد حديث: 4.
4- الوسائل باب: 32 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.
5- الوسائل باب: 32 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.

إذا لم يكن مأمونا من التلويث، بل مطلقا على الأحوط (78).

______________________________

و مراده (قدّس سرّه) بعدم البأس نفي الحرمة لا الجواز بالمعنى الأخص.

(78) استدل عليه تارة: بأنّ تنجيس باطن المسجد كظاهره حرام، و الدفن مستلزم لانفساخ الميت و هو ملازم للتنجيس.

و فيه: أنّه أعم من المدّعى إذ ربّ ميت لا ينفسخ، و مع الشك فمقتضى الأصل عدمه.

و أخرى: بالإجماع. و فيه: أنّ بلوغ الفتاوى حدّ الإجماع مشكل، بل ممنوع، كما في الجواهر.

و ثالثة: بأنّه إشغال للمسجد بما لم يوضع له. و فيه: أنّه عين المدّعى، مع أنّ الدفن لا يلازم إشغال الناس عن العبادة، و على فرضه يقيد بعدم ذلك.

و رابعة: بالسيرة بين الإمامية، بل المسلمين على عدم الدفن، مع أنّ فتوى جمع من أعيان الفقهاء و إرسالهم (قدّس سرّهم) له إرسال المسلّمات الفقهية، و فيهم من لا يعمل إلّا بالقطعيات و حكي عن النهاية- الذي هو متون الأخبار- مما يوجب الاطمئنان بالحكم و الظاهر أنّ السيرة في سائر الملل أيضا كذلك فلا يدفنون موتاهم في معابدهم.

و أما ما ورد في دفن الصديقة الطاهرة (عليها السلام) في المسجد و الأنبياء (عليهم السلام) بين الركن و المقام، و بنات إسماعيل (عليه السلام) في الحجر، فذلك كلّه قضية في واقعة لا وجه للتمسك بها لإجمالها، مع أنّ دفن الصديقة الطاهرة لم يثبت كونه في المسجد، و ما ورد في بعض الأخبار من دفن جمع من الأنبياء بين الركن و المقام و دفن بنات إسماعيل لم يثبت كونه بعد المسجدية، إذ من الممكن عروض المسجدية بعد الدفن، مع أنّه لا وجه لقياس الناس بالمعصوم (عليه السلام) و إسماعيل و آله الذين كانوا سدنة البيت الحرام،

ص: 520

السادس: يستحب سبق الناس في الدخول إلى المساجد

(السادس): يستحب سبق الناس في الدخول إلى المساجد،

______________________________

و كم فرق بين من هو منزّه عن الآثام و الأدناس، و بين سواد الناس، فلا وجه للقياس.

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق جملة من الكلمات عدم الجواز و لو مع الأمن من التلويث، و منه يظهر وجه الاحتياط.

فروع- (الأول): لو جعل محلا خارجا عن المسجد حين وقف المسجد لا بأس بالدفن فيه، في أيّ مكان من المسجد كان ذلك المحلّ، كما إنّه لو جعل السطح الظاهر من الأرض مسجدا دون باطنها، فالظاهر جواز الدفن في باطنها.

(الثاني): لا فرق فيما ذكر بين أن يجعل للمدفون أثر ظاهر من علامة قبر أو لا، كما تشمل السراديب المصنوعة تحت الأرض لوضع الأموات فيها. نعم، لا بأس بعروض المسجدية على القبر حتّى مع العلامة البارزة و كون الميت قد دفن جديدا، لصحة دعوى الانصراف عنه، و لا فرق في ما مرّ بين المساجد المعمورة و المخروبة.

(الثالث): لو دفن في المسجد عمدا أثم و وجب النبش، و كذا يجب النبش في صورة الجهل و النسيان ما دام البدن باقيا، لحرمة الإحداث و الإبقاء، ما لم يلزم الهتك فلا يجب حينئذ، لأنّ المتيقن من الأدلة غير هذه الصورة، و الأحوط أنّ حكم أعضاء البدن كتمامه.

(الرابع): لو اشترط واقف المسجد أن يدفن في المسجد يشكل صحة الشرط من جهة المخالفة للسنة، إلّا أن يقال بأنّ المتيقن من الحرمة غير هذه الصورة.

(الخامس): لو شك في موضع أنّه مسجد أو لا، مقتضى الأصل جواز الدفن فيه إن لم يكن أصل موضوعي في البين يدل على كونه مسجدا.

ص: 521

و التأخّر عنهم في الخروج منها (79).

السابع: يستحب الإسراج فيه

(السابع): يستحب الإسراج فيه (80)، و كنسه (81)، و الابتداء في دخوله بالرجل اليمنى و في الخروج باليسرى (82)،

______________________________

(79) لما في الخبر المروي في الفقيه قال أمير المؤمنين (عليه السلام):

«جاء أعرابي إلى النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) فسأله عن شر بقاع الأرض و خير بقاع الأرض فقال له رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): شرّ بقاع الأرض الأسواق- إلى أن قال:- و خير البقاع المساجد، و أحبّهم إلى اللّه أولهم دخولا، و آخرهم خروجا منها» (1).

و قريب منه خبر جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) (2).

(80) لقول النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): «من أسرج في مسجد من مساجد اللّه سراجا لم تزل الملائكة و حملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من ذلك السراج» (3).

و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ما إذا كان المسجد معمورا أو لا، لأنّه توقير للمسجد و تعظيم له، كما لا فرق بين ما إذا كان الإسراج لدفع الظلمة أو لتعظيم الشعائر.

(81) لخبر سلام بن غانم عن آبائه (عليهم السلام) أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) قال: «من قمّ مسجدا كتب اللّه له عتق رقبة و من أخرج منه ما يقذي عينا كتب اللّه عزّ و جل له كفلين من رحمته» (4).

(82) لقوله (عليه السلام): «الفضل في دخول المسجد أن تبدأ برجلك

ص: 522


1- الوسائل باب: 68 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.
2- الوسائل باب: 68 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.
3- الوسائل باب: 34 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.
4- الوسائل باب: 32 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.

و أن يتعاهد نعله (83) تحفظا عن تنجيسه، و أن يستقبل القبلة و يدعو، و يحمد اللّه، و يصلّي على النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله)، و أن يكون على طهارة (84).

الثامن: يستحب صلاة التحية بعد الدخول

(الثامن): يستحب صلاة التحية بعد الدخول، و هي ركعتان (85)،

______________________________

اليمنى إذا دخلت و باليسرى إذا خرجت» (1).

(83) لخبر ابن القداح عن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال: «قال النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم»(2).

و قد فسّر قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ بذلك أيضا (3).

(84) لقول أبي جعفر (عليه السلام): في خبر العلاء بن الفضيل: «إذا دخلت المسجد و أنت تريد أن تجلس فلا تدخله إلّا طاهرا، و إذا دخلته فاستقبل القبلة ثمَّ أدع اللّه و سله و سمّ حين تدخله، و احمد اللّه و صلّ على النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) (4).

مع أنّ كلّ ذلك مما قام إجماع الإمامية، بل المسلمين على استحبابه.

(85) إجماعا و نصّا، ففي حديث أبي ذر قال: «دخلت على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و هو في المسجد جالس، فقال لي: يا أبا ذر إنّ للمسجد تحية، قلت: و ما تحيته؟ قال (صلّى اللّه عليه و آله): ركعتان تركعهما- الحديث-» (5).

ص: 523


1- الوسائل باب: 40 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام المساجد حديث: 3.
4- الوسائل باب: 39 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.
5- الوسائل باب: 42 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.

و يجزي عنها الصلوات الواجبة أو المستحبة (86).

التاسع: يستحب التطيب و لبس الثياب الفاخرة عند التوجه إلى المسجد

(التاسع): يستحب التطيب و لبس الثياب الفاخرة عند التوجه إلى المسجد (87).

______________________________

(86) لإطلاق ما مرّ من الخبر و ظهور تسالم الأصحاب عليه، و الظاهر أنّ ذكر الركعتين في الحديث من باب المثال فيجزي ركعة الوتر أداء و قضاء، كما يجزي أكثر منها كصلاة الظهر مثلا كذلك.

فروع- (الأول): لو دخل في المسجد و صلاة الجماعة قائمة يدخل في الجماعة و يجتزي بها عن التحية.

(الثاني): لو كان غافلا عن صلاة التحية و صلّى صلاة فريضة أو نافلة، فالظاهر تحقق التحية فليست متقوّمة بالقصد دائما.

(الثالث): الظاهر اعتبار الفورية العرفية فيها، فلو دخل المسجد و قرب إقامة صلاة الجماعة و صبر حتّى قامت فدخل فيها يجزي عن التحية ما لم يناف الفورية العرفية، و لكن لو تخلّل بين دخوله و الصلاة زمان معتد به، فالأولى قصد الرجاء إن أراد التحية.

(الرابع): يجوز إتيانها حال المشي، و يجوز إتيانها جالسا أو مركبا من الجلوس و القيام، أو مركبا من المشي و القيام و الجلوس، كما في سائر النوافل.

(87) للنص و الإجماع، قال تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (1).

و في خبر الحسين بن يزيد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إنّ عليّ بن الحسين (عليهما السلام) استقبله مولى له في ليلة باردة و عليه جبة خزّ و مطرف خزّ و عمامة خزّ و هو متغلف بالغالية، فقال له: جعلت فداك في مثل

ص: 524


1- سورة الأعراف: 31.
العاشر: يستحب جعل المطهرة على باب المسجد

(العاشر): يستحب جعل المطهرة على باب المسجد (88).

الحادي عشر: يكره تعلية جدران المسجد

(الحادي عشر): يكره تعلية جدران المسجد (89)، و رفع المنارة على السطح (90)،

______________________________

هذه الساعة على هذه الهيئة إلى أين؟ قال: فقال: إلى مسجد جدّي رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أخطب الحور العين إلى اللّه عزّ و جل» (1).

و مثله غيره.

(88) لقول النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) في خبر أبي إبراهيم: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)- في حديث- و اجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم» (2).

و لأنّه أقرب إلى النظافة، و أن لا يدخله غير المتطهّر. هذا إذا كان المراد بالمطهرة محلّ الوضوء فقط. و أما إن كان المراد به محلّ البول فقط، أو بيت الخلاء، فيحرم أن يكون في داخل المسجد، لما مرّ من حرمة تنجيسه ظاهرا و باطنا، مع أنّه هتك لا يجوز من هذه الجهة أيضا، و كذا إن كان المراد خصوص محلّ الوضوء و كان جعله في داخل المسجد مستلزما لتنجس المسجد أو كان فيه ضرر بالنسبة إلى المسجد أو المصلّين فيه.

(89) لما عن جمع من الأصحاب التصريح بها، و مخالفته للسنة الفعلية لأنّ حائط مسجد النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) قامة، و لمواظبة السلف على ذلك، و لما ورد من النهي عن رفع البناء أزيد من سبعة أذرع أو ثمانية، و أنّ الزائد مسكن الجنّ و الشياطين (3)، و يكفي ذلك في الكراهة القابلة للمسامحة.

(90) لخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام): «إنّ

ص: 525


1- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام المساجد حديث: 3.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب المساكن.

و نقشها بالصور (91) غير ذوات الأرواح، و أن يجعل لجدرانها شرفا (92)

______________________________

عليّا (عليه السلام) مرّ على منارة طويلة فأمر بهدمها، ثمَّ قال: لا ترفع المنارة إلّا مع سطح المسجد»(1).

و لأنّه معرض للتطلع في الدور، و إطلاق الحديث يشمل هذه الأعصار التي لا يذهب أحد إلى فوق المنارة للأذان و غيره.

(91) للخروج عن خلاف من حرّم النقش بالصور مطلقا، كالمحقق في الشرائع، و لإطلاق خبر ابن جميع قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصلاة في المساجد المصوّرة فقال: أكره ذلك، و لكن لا يضرّكم ذلك اليوم، و لو قد قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك» (2).

(92) لما عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): «ابنوا المساجد و اجعلوها جما» (3).

و عن عليّ (عليه السلام): «إنّ المساجد تبنى جما لا تشرف» (4).

و الشرف- بضمّ الشين و فتح الراء جمع شرفة بسكون الراء- مثلثات، أو مربعات تبنى في أعلى السور أو القصر، و يظهر مما روي عن عليّ (عليه السلام): «رأى مسجدا بالكوفة قد شرف، فقال: كأنّه بيعة» (5).

أنّ وجه الكراهة التشبّه و يمكن أن يكون ذلك من الحكمة لا العلة المنحصرة.

فروع- (الأول): الظاهر أنّ الشباك من الحديد أو الخشب أو غيرهما الذي يعمل على السطح، لعدم سقوط أحد ليس من الشرف المكروهة.

(الثاني): لو احتيج إليها لغرض صحيح، فمقتضى الإطلاق بقاء الكراهة

ص: 526


1- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام المساجد حديث: 5.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.
5- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.

و أن يجعل لها محاريب داخلة (93).

الثاني عشر: يكره استطراق المساجد إلا أن يصلّي فيها
اشارة

(الثاني عشر): يكره استطراق المساجد (94) إلا أن يصلّي فيها

______________________________

إلّا أن يدّعى الانصراف عنه حينئذ.

(الثالث): مقتضى الأصل عدم الكراهة في غير المساجد من سائر الأماكن، و لو شك في كون شي ء من الشرف المكروه، فمقتضى الأصل عدم الكراهة.

(93) نسب إلى المشهور، و مستندهم ما عن عليّ (عليه السلام) في خبر طلحة بن زيد: «أنّه كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد و يقول: كأنّها مذابح اليهود» (1).

و ما عن الجعفري: «إذا خرج القائم أمر بهدم المنار و المقاصير التي في المسجد» (2).

و لا بد من حمل الخبر الأول على الأخير، لأنّ فعلهم و قولهم (عليهم السلام) واحد و هي حجرة خاصة تعمل لصلاة الإمام فيها تحفظا له عن اغتياله، فلا تشمل مثل المحاريب المكشوفة التي تكون في مسجد الكوفة، و كذا المحاريب البارزة التي تكون مثلها و لو كانت تحت السقف، أو في داخل الجدار. و المسألة بحسب القاعدة من موارد الأخذ بالقدر المتيقن و البراءة في غيره بعد إجمال الدليل و وجود القدر المتيقن فيه.

(94) لقول النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) في خبر المناهي: «لا تجعلوا المساجد طرقا حتّى تصلّوا فيها ركعتين» (3).

ص: 527


1- الوسائل باب: 31 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.
2- مستدرك الوسائل باب: 33 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.
3- الوسائل باب: 67 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.

ركعتين، و كذا إلقاء النخامة و النخاعة (95) و النوم إلّا لضرورة (96)،

______________________________

(95) لحديث المناهي: «نهى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) عن التنخع في المساجد» (1).

و عنه (صلّى اللّه عليه و آله): «إنّ المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة من النار إذا انقبضت و اجتمعت» (2).

و في مرسل الفقيه: «رأى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) نخامة في المسجد، فمشى إليها بعرجون من عراجين أرطاب فحكها، ثمَّ رجع القهقهرى، فبنى على صلاته» (3).

(96) على المشهور، و استدلوا بأنّه خلاف تعظيم المسجد و توقيره و معرض للحدث، و لما عن زيد الشحام: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) قول اللّه عزّ و جل لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى فقال: سكر النوم» (4).

بناء على أنّ المراد المساجد التي هي مواضع الصلاة، و لأنّ المساجد وضعت للعبادة و هذا المقدار يكفي للكراهة بناء على المسامحة. و أما صحيح ابن وهب قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن النوم في المسجد الحرام، و مسجد الرسول (صلّى اللّه عليه و آله) قال: نعم، فأين ينام الناس» (5).

و صحيح زرارة قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما تقول في النوم في المساجد؟ فقال: لا بأس إلّا في المسجدين مسجد النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و المسجد الحرام قال: و كان يأخذ بيدي في بعض الليالي فيتنحّى ناحية ثمَّ

ص: 528


1- الوسائل باب: 20 من أبواب أحكام المساجد حديث: 3.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب أحكام المساجد حديث: 3.
3- الوسائل باب: 36 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 35 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 18 من أبواب المساجد حديث: 1.

و رفع الصوت إلا في الأذان و نحوه (97)، و إنشاد الضالة (98) و خذف

______________________________

يجلس فيتحدث في المسجد الحرام، فربما نام هو و نمت، فقلت له في ذلك، فقال: إنّما يكره أن ينام في المسجد الحرام الذي كان على عهد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، فأما في هذا الموضع فليس به بأس»(1).

فترخيص لا ينافي الكراهة، مع إمكان الحمل على الضرورة و يمكن حمل الثاني على تأكد الكراهة في المسجد الحرام الذي كان على عهده (صلّى اللّه عليه و آله).

(97) لوصية النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) لأبي ذر: «يا أبا ذر الكلمة الطيبة صدقة، و كلّ خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة، يا أبا ذر من أجاب داعي اللّه و أحسن عمارة مساجد اللّه كان ثوابه من اللّه الجنة، فقلت كيف يعمر مساجد اللّه؟ قال (صلّى اللّه عليه و آله): لا ترفع الأصوات فيها و لا يخاض فيها بالباطل و لا يشترى فيها و لا يباع، و اترك اللغو ما دمت فيها، فإن لم تفعل، فلا تلومنّ يوم القيامة إلّا نفسك» (2).

و أما استثناء الأذان و نحوه، فللسيرة. و أما رفع الصوت بالصلوات، فللسيرة أيضا، و لإطلاق دليل رفع الصوت به الغير القابل للتقييد (3).

(98) لحديث المناهي قال: «نهى رسول اللّه أن ينشد الشعر، أو تنشد الضّالة في المسجدة»(4).

و في مرسل الفقيه: «سمع النبي (صلّى اللّه عليه و آله) رجلا ينشد ضالة في المسجد فقال: قولوا له: لا راد اللّه عليك، فإنّها لغير هذا بنيت (5).

ص: 529


1- الوسائل باب: 18 من أبواب المساجد حديث: 1.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب أحكام المساجد حديث: 3.
3- راجع الوسائل باب: 39 من أبواب الذكر.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب أحكام المساجد حديث: 3.
5- الوسائل باب: 28 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.

الحصى (99)، و قراءة الأشعار (100) غير المواعظ و نحوها، و البيع

______________________________

و يستفاد من التعليل أمور كثيرة كما لا يخفى، و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في مرسل الفقيه: «جنبوا مساجدكم صبيانكم و مجانينكم، و رفع أصواتكم، و شراءكم، و بيعكم، و الضالة و الحدود و الأحكام» (1).

و مثله غيره.

(99) لما رواه السكوني عن جعفر، عن آبائه (عليهم السلام): «أنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) بصر رجلا يخذف بحصاة في المسجد، فقال: ما زالت تلعن حتّى وقعت ثمَّ قال: الخذف في النادي من أخلاق قوم لوط ثمَّ تلا:

وَ تَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ. قال: هو الخذف» (2) (3).

(100) لقول النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): «من سمعتموه ينشد الشعر في المسجد فقولوا: فضّ اللّه فاك إنّما نصبت المساجد للقرآن» (4).

و أما استثناء المواعظ و نحوها، فللسيرة، و يدل عليه صحيح ابن يقطين أنّه «سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن إنشاد الشعر في الطواف، فقال (عليه السلام): ما كان من الشعر لا بأس به منه فلا بأس» (5).

و عن ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام): «سألته عن الشعر يصلح أن ينشد في المسجد؟ فقال (عليه السلام): لا بأس» (6).

المحمول على ما فيه غرض شرعي أو عرفي، و في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «بينا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) ذات يوم بفناء

ص: 530


1- الوسائل باب: 27 من أبواب أحكام المساجد حديث: 4.
2- الخذف: بالمعجمتين هو أن يوضع الحصاة على بطن الإبهام و يرمى بالسبابة.
3- الوسائل باب: 36 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.
5- الوسائل باب: 54 من أبواب الطواف حديث: 1.
6- الوسائل باب: 14 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.

و الشراء (101) و التكلّم في أمور الدنيا (102)،

______________________________

الكعبة إذا أقبل عليه وفد فسلّموا عليه. فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله):

من القوم؟ قالوا: وفد بكر بن وائل، فقال (صلّى اللّه عليه و آله): و هل عندكم علم من خبر قس بن ساعدة الأيادي؟- إلى أن قال (صلّى اللّه عليه و آله):- هل فيكم من يحسن شعره؟ فقال بعضهم: سمعته يقول:

في الأولين الذاهبين من القرون لنا بصائر

لما رأيت مواردا للموت ليس لها مصادر

و رأيت قومي نحوها تمضي الأصاغر و الأكابر

لا يرجع الماضي إليّ و لا من الباقين غابر

أيقنت أنّي لا محالة حيث صار القوم صائر

- الحديث(1).

و عن الصادق (عليه السلام) «جاءت فاطمة (عليها السلام) إلى سارية في المسجد و هي تقول و تخاطب النبي (صلّى اللّه عليه و آله):

قد كان بعدك إنباء و هنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها و اختل قومك فاشهدهم و لم تغب

- الحديث-» (2).

و لو أردنا أن نذكر الأشعار التي أنشدها الأئمة (عليهم السلام) في المسجد أو أنشد لديهم فيها لطال المقال و لم يسع المجال.

(101) لما تقدم في قول الصادق: «و شرائكم».

(102) للمرسل: «يأتي في آخر الزمان قوم يأتون المساجد، فيقعدون

ص: 531


1- البحار ج 10 ص 55 من الطبعة الحجرية.
2- البحار ج 10 ص 55 من الطبعة الحجرية.

و قتل القمّل (103)، و إقامة الحدود و اتخاذها محلا للقضاء (104)، و المرافعة، و سلّ السيف و تعليقه في القبلة (105)، و دخول من أكل البصل و الثوم و نحوهما مما له رائحة تؤذي الناس (106) و تمكين

______________________________

حلقا ذكرهم الدنيا و حب الدنيا لا تجالسوهم، فليس للّه فيهم حاجة» (1).

(103) لأنّه خلاف التوقير و موجب للتنفير، و في صحيح ابن مسلم:

«كان أبو جعفر (عليه السلام) إذا وجد قملة في المسجد دفنها في الحصى» (2).

(104) لما تقدم من قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «و الضالة و الحدود و الأحكام».

و المراد بالأحكام القضاء و المرافعة.

(105) لما في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام): «نهى رسول اللّه عن سلّ السيف في المسجد و عن بري النبل في المسجد قال: إنّما بني لغير ذلك» (3).

و عن ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: «سألته عن السيف هل يصلح أن يعلق في المسجد؟ فقال: أما في القبلة فلا، و أما في جانب فلا بأس» (4).

(106) لحديث الأربعمائة عن عليّ (عليه السلام) قال: «من أكل شيئا من المؤذيات ريحها فلا يقربنّ المسجد»(5).

و قد ورد في الثوم روايات أخر (6).

ص: 532


1- الوسائل باب: 14 من أبواب أحكام المساجد حديث: 4.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.
5- الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام المساجد حديث: 9.
6- الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام المساجد حديث: 3.

الأطفال و المجانين من الدخول فيها (107)، و عمل الصنائع (108)، و كشف العورة و السرّة و الفخذ و الركبة (109)، و إخراج الريح (110).

______________________________

(107) لما تقدم في قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «جنبوا صبيانكم و مجانينكم مساجدكم».

(108) لصحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «نهى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) عن سلّ السيف في المسجد و عن بري النبل في المسجد قال: إنّما بني لغير ذلك».

و من التعليل يستفاد التعميم لكلّ صنعة و عدم الاختصاص ببري النبل.

(109) لما ورد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «كشف السرة و الفخذ و الركبة في المسجد من العورة» (1).

و الظاهر عدم الفرق بين وجود الناظر و عدمه. و أما كشف العورة، فمع وجود الناظر المحترم تحرم و مع العدم تكره.

(110) لأنّه خلاف التوقير، مع أنّه لا يقصر عن أرياح الفم المؤذية كالثوم و البصل و نحوهما، و بقيت مكروهات أخر من أرادها فليراجع المطوّلات وفقنا اللّه تعالى للعمل بذلك إذ العلم لا أثر له إلّا مع الاقتران بالعمل. ثمَّ إنّ ما تقدم من النواهي محمولة على الكراهة جمعا و إجماعا.

فروع- (الأول): الظاهر كراهة غير البيع و الشراء من سائر المعاوضات، لقوله (صلّى اللّه عليه و آله) فيما تقدم: «إنّما بني لغير ذلك»، و قوله (صلّى اللّه عليه و آله) فيما سبق أيضا: «إنّما صنع المساجد للقرآن».

(الثاني): كراهة تمكين الصبيان إنّما هو فيما إذا لم يكونوا مؤدبين بآداب

ص: 533


1- الوسائل باب: 37 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.
مسألة 2: صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد

(مسألة 2): صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد (111).

مسألة 3: الأفضل للرجال إتيان النوافل في المنازل

(مسألة 3): الأفضل للرجال إتيان النوافل في المنازل و الفرائض في المساجد (112).

______________________________

الشرع. كما هو الغالب- و إلّا فالظاهر عدم الكراهة، بل الظاهر رجحان تمرينهم على المساجد.

(الثالث): الظاهر أنّ كراهة القضاوة إنّما هو فيما إذا استلزمت الخصومة و رفع الصوت كما هو الغالب في المتخاصمين. و أما مجرد الحكم فقط مع عدم الخصومة في البين و عدم رفع الصوت، فلا كراهة فيه، لأنّه نحو عبادة، و يشهد له المقام المعروف لأمير المؤمنين (عليه السلام) المشهور بدكة القضاء في مسجد الكوفة.

(الرابع): لا فرق في كراهة دخول من أكل البصل و الثوم في المسجد بين أن يكون فيه أحد أو لا، لإطلاق بعض الأخبار (1).

(الخامس): يظهر من بعض الأخبار أنّ نفس الجلوس في المسجد مستحب و لو من دون الاشتغال بشي ء من الصلاة و القرآن و الذكر و الدعاء، كقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «من كان القرآن حديثه و المسجد بيته بنى اللّه له بيتا في الجنة» (2).

و قول عليّ (عليه السلام): «الجلسة في الجامع خير لي من الجلسة في الجنة، لأنّ الجنة فيها رضى نفسي و الجامع فيها رضى ربّي» (3).

(111) تقدم ما يدل عليه في [مسألة 4] من الفصل السابق فراجع.

(112) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «كلّ ما فرض اللّه (عزّ و جل)

ص: 534


1- راجع الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام المساجد حديث: 6.

.....

______________________________

عليك فإعلانه أفضل من أسراره و كلّ ما كان تطوعا فإسراره أفضل من إعلانه» (1).

و عنه (عليه السلام) أيضا: «و اللّه العبادة في السر أفضل منها في العلانية» (2).

و عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): «أعظم العبادة أجرا أخفاها»(3).

و تقيد مثل هذه الأخبار بالخبر الأول و يدل على ذلك روايات أخرى (4)، و يشهد له الاعتبار أيضا، لأنّ الشيطان مكّار و قلّ من يأتي بالمندوبات في الجلاء أن لا يخالج نفسه الرياء إلّا مع عصمة اللّه تعالى و اللّه العالم.

و الحمد للّه ربّ العالمين.

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

ص: 535


1- الوسائل باب: 54 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 8.
4- الوسائل باب: 69 من أبواب أحكام المساجد.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.